اضغط هنا لمشاهدة الفيديو التوضيحي

يا أيها الأحبة في الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما زلنا بعون الله ومدده في دروس المقاصد مواصلين في هذه الدورة التي نلخص فيها ونقرب فيها علم المقاصد، فصنيعنا إذا معني بالتلخيص والتقريب، حتى يكون هذا العلم في متناول أيدي الطلاب؛ فإذا انتبهتم معي ومن الله المدد، وإن شاء الله نستظل بفسطاط قوله تعالى وأسراره: {ففهمناها سليمان} اليوم ندخل على مبحث مهم من المباحث المقاصدية، وهو مبحث مسالك الكشف عن المقاصد.

وبكل تأكيد لا بد لكم أن تدركوا أننا هنا نتكلم عن المقاصد الجزئية حيث إن طرائق إثبات المقاصد الكلية تختلف بعض اختلاف كما سيجيء في محله، وهذه المسالك هي التي اعتبرها الإمام الشاطبي حيث كنا قد اعترفنا جميعًا، وأقررنا واستبنَّا أن الإمام الشاطبي عليه رحمة الحق عز وجل هو الذي قام بتبويب هذه المقاصد، وقام بتنسيقها وقدمها للناس فجمع ما كان مشتتًا، وأحكم ما كان مفككًا ونسق في هذا المجال، وهذه الرباعية من مسالك الكشف عن المقاصد، إنما جاء بها الإمام الشاطبي نتفق معه، ونختلف في بعض الجزئيات، وهكذا يكون تكميم العلم مع اعترافنا بأننا تراب أقدام هؤلاء الأكابر.

1ـ فالمسلك الأول هو مسلك الإمام الشاطبي، وقال: هو مجرد الأمر والنهي والابتداء التصريحي.

2ـ والمسلك الثاني هو اعتبار علل الأمر والنهي.

3 ـ والمسلك الثالث هو اعتبار المقاصد الأصلية والتبعية.

4 ـ والمسلك الرابع وهو من المسالك التي انفرد بها، وهي قوله: "سكوت الشارع عن شرع التسبب أو عن شرعية العمل مع قيام المعنى المقتضي له".

وسنبدأ كعادتنا أننا نجمل العرض، ثم بعد ذلك نتولى الأمر بالتفصيل، والإيضاح مع الالتزام بالتلخيص غير المخل، وأحيانًا قد نوسع ونستطرد لكن بما يناسب الاحتياج إذا على بركة الله، فانتبهوا معي، أجمعوا همتكم، وانتبهوا لهذه الأمور فإنها نافعة بعون الله وتوفيقه.

المسلك الأول.

قلنا هو مجرد الأمر والنهي الابتدائي التصريحي، ولا بد من التركيز على كلمتي الابتدائي والتصريحي فإن لهما أهمية بالغة لا بد أن ندرك أن لهما أهمية بالغة في ما يريده الأئمة من هذا المسلك فحينما نقول: مجرد الأمر والنهي أي أدنى الألفاظ الشرعية التي كنتم معي حينما أبنت لكم أن الشريعة إنما جاءت للتكليف بمقتضاها، فالأوامر والنواهي المستندة إلى النصوص الشرعية هي إذًا للتكليف هذا يعني أيضًا أن الأوامر والنواهي أن الألفاظ الشرعية هي التي تبين مرادات الشارع من هذه الألفاظ تبين مرادات الشارع من الأحكام، فالكشف عن هذه المقاصد يتم بهذا المسلك، والمسالك طبعا بكل تأكيد معلومة أنها جمع مسلك والمسلك هو الطريق حينما نقول: مسالك الكشف كأننا نقول طرائق الكشف أو الآلية التي بها نستطيع أن نصل إلى معرفة هذه المقاصد، فهذا التعريف فيه قيود واضحة.

1 ـ القيد الأول.

وهو أن يكون الأمر والنهي بالابتداء، أي مباشرة تستفيد بالفهم الأولي، والأول الأولي يعني الذي يتبادر إلى بالذهن، والأول باعتبار ما رتبه النص الشرعي، والقيد الأول أن يكون الأمر والنهي بالابتداء يعني مباشرة، وهذا القيد مهم جدًّا كما سنوضح لكم.

فهو ما قصد الشارع الأمر والنهي عنه بالابتداء مع قصد الشارع الأمر والنهي عنه بالابتداء، والأصالة يعني هو مقصود بذاته من أين نستفيد ذلك، ونستفيد ذلك من الألفاظ نفسها وحجيت ألفاظ الشريعة وأمر الشريعة في ألفاظها هذه والعملية الاجتهادية الكبيرة التي أشرنا وألمحنا إلى جزء منها أي أنه لم يأت مساندًا لأمر أو نهي آخر يعني مقصود هو بالأساس، ولم يأت معضد، ولا مساند، ولا مؤيد لما سبق، أو لم يأت في إطار السياق فحسب.

وإنما كان مقصودًا بذاته هذا احترزنا عن المقصود بالمقصد الثاني يعني أحيانًا تجدون بعض النصوص فيها أكثر من موضوع تناول فيها، ومثال ذلك: قوله تعالى: {فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع}.

وإذا نظرنا نجد أن هنالك أمرًا في هذه الآية بترك البيع، وهنا أمر بالسعي إلى ذكر الله؛ لكن الأمر بترك البيع مرهون بظرف محدد، وجاء معضد إلى الأمر الأول، وهو السعي إلى صلاة الجمعة، وسعي إلى ذكر الله، {فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع} فالبيع هنا ليس معنيًّا، ولا مقصودًا على الإطلاق، ولا نفهم من ذلك منع البيع مطلقًا؛ لأن البيع مسموح به، وقامت عليه الأدلة الشرعية الكثيرة، وهو تقوم به مصالح الناس، {وأحل الله البيع وحرم الربا} لكن المراد هنا بالأمر والنهي بالابتداء هو السعي إلى ذكر الله السعي إلى حضور الجمعات، وأن نذر البيع هو المتمم للأول لأن الناس كانوا يتشاغلون عن أداء الجمعة بأنها ظرف لبيع كأنما كانوا يكسبون في هذا الوقت أموالًا، وجاء النهي عن البيع في هذا المثال لا لذاته، وإنما هو معضد للأمر الأول إذا الأمر والنهي بالابتداء متعلق {فاسعوا إلى ذكر الله} فإذا القيد الأول أن لا يكون الأمر والنهي تبعي ومعضد إنما ينبغي أن يكون أصيلا، أما الذي جاء تابعًا فهو ليس مسلكًا من مسالك الكشف عن مقاصد الشريعة، وركزوا في هذه الجزئية لأننا لاحقًا سنتناول في مبحث في مسلك المقاصد الأصلية، والتبعية طريقة قد تشكل بل هي أشكل على بعض الباحثين فظنوا أن هنالك تناقضًا في هذه المسألة، والأمر ليس كذلك، فنحسم هذه المسألة بالابتداء أن المراد هنا هو ما جاء مقصودًا ابتداءً، وهو المقصود لذاته وبالأصالة لا بالتبعية، والتعضيد والإسناد يعني هو القيد الأول الذي عناه بقوله في المسلك أنه مجرد الأمر والنهي الابتدائي ثم قال: التصريح بالتصريح أيضًا يخرج ما كان ضمنيًّا فهذا هو.

القيد الثاني.

أن يكون الأمر والنهي تصريحيًّا، بأن يكون الأمر أو النهي تصريحًا، فإذا قلنا أن يكون الأمر والنهي تصريحيًّا لكننا نعني بذلك، وقد تمر كثيرًا أن يكون الأمر أو النهي تصريحيا يعني أن يكون مصرحًا به بصورة واضحة، وهو احتراز من التناول الضمني من التنصيص الضمني، وهذا دلالة الألفاظ، وهناك الدلالات الواضحة وتسمى بالمطابقية، وهنالك الدلالات التي تكون عن طريق التضمن والالتزام، ومحله في مباحث أصول الفقه.

ويندرج في هذا كل ما كان من قبيل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فهو إذًا وسيلي أي غير التصريح، قلنا: القيد أننا نريد أن نخرج غير التصريحي فغير التصريحي مثال ماذا؟ المسائل الوسيلية كالمنسوب إلى وسيلة، والصحيح أن نقول: وسيلي، لكن فيها أيضا تجوز، وهو في باب النسب، ما ينسب إلى فعيلة، وكان صحيح العين، فنقول: فعلي لكنه أيضا يعني صحيح، كما أننا في مقاصدي مفترض أيضا حسب قواعد النسب النحو أن نقول: مقصدي ننسب إلى المفرد لا إلى الجمع، لكن أيضًا أجيز ذلك واللغة العربية لغة متينة قابلة للتشكيك وللإبداع والابتكار والتفنن في التعبير، ومهما يكن من أمر فإن الذي يندرج تحت هذا الاحتراز أي أننا نحترز من شيء محدد، ما هو؟ هذا الذي نحترز منه هو أن لا يكون الأمر متناول ضمنيًّا لا بد أن يكون بالتصريح الواضح جدًّا، وما كان وسيليًّا ليس مقاصديًّا كذلك، يعني هناك أمور مهمة ينبغي أن نلاحظها، وهو ما انتبه إليه الإمام الكبير الشاطبي حينما جعل هذا المقصد الذي هو بالأمر أو النهي الابتدائي التصريحي يعني مجرد الأمر والنهي، ومجرد أن الحق قال لك كذا أو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لك كذا، فأنت لتتحقق بالعبودية ينبغي عليك أن تمتثل مباشرة، علمت تفاصيل المقاصد أم غابت عنك، أو غامت شموسها يعني حجبت بالغيم أو هي غابت كل ما يمكن أن نفهمه من هذا المقصد أنه يحقق العبودية، فهذا المسلك، أسميناه سير الكمال، نحن قلنا: ما علاقة هذا المسلك بأصحاب السير الكمالي؟ سير الكمالي يعني هناك السير الأساسي، وأشرنا إليه كثيرًا وهذا يخاطب به عامة المسلمين الذين يدخلون تحت الأمر والنهي؛ لكن هناك أناس هم أكثر حساسية في التعامل مع الأوامر والنواهي، فسنكسب من أصحاب السير الكمالي والسنة تشير إلى ذلك والشريعة كما جاء: "ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، ومازال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه".

فالتقرب بالفرائض هذا هو من أحب ما يتقرب به الشخص إلى الحق عز وجل، وإذا تركه الشخص لا يستطيع أن يزكي نفسه، ولا أن يربي نفسه، ولا أن يدخل على حضرة الله؛ لأن هذه هي القواعد والأساسيات التي بدونها لا يصلح الفرض، فإذا أداها فهو على خير؛ لكن إذا أضاف إلى ذلك مثلا نحن إذا نقرب فكرة سير الكمالي فأضاف إلى ذلك النوافل، وهناك من يركز على الرواتب فحسب، وهناك من يزداد في هذا العطاء، فهؤلاء لا يقصدون الامتثال فقط، وإنما يقصدون العبادة من أبواب الحب والتعلاق، وقد أشرنا قبلا في دروس فائتة إلى أهمية الانتقال من الكلفة إلى الكلف أي الحب، ومن المشقة إلى الأشواق، فالإنسان هنا يؤدي بصورة مختلفة، فعلاقة هذا المسلك بأصحاب السير الكمالي إنهم مجرد، وتكلمنا بالأمس على احتمالات الذي يتعامل مع الأمور باعتبار الإجمال أو باعتبار الاحتمال، أو باعتبار الامتثال، فالذين يتعاملون باعتبار الامتثال  لا ينظرون كثيرا في ما هو المراد، إنما ينظرون فقط في أنهم ينبغي أن يقوموا بوظائف العبودية يعني أن يستهلكوا، وأن يفنوا نفوسهم في التعامل مع قضايا كلفهم الحق عز وجل بها؛ لأنها مراد السيد منهم، وهذه جزئية تنتبهون إليها عند أصحاب السير الكمالي الذين يعتمدون على المقصد الابتدائي في التعامل مع الألفاظ، أي بمجرد الأمر هم يلتزمون وبمجرد النهي يكون الانتهاء لا ينظرون، هل هذا الأمر له قرائن تصرفه عن الإيجاب والإلزام، فينزل الأمر إلى مستوى الندب الذي يمكن أن يقوم به أو لا، ويقوم لا ينظرون هل هذا من قبيل الآداب العامة التي يمكن أن يتركها الشخص ويصح دينه لا، وإنما تعاملهم أنهم عبيد لله، وإذا أمر سيدهم فلا مجال عندهم لأن يسألوا هل أردت ذلك على سبيل الإلزام أم أردت ذلك على سبيل التراخي، هذا ليس من صنيع معاملة العبد الحقيقي مع سيده، فالأمر والنهي عند أرباب السير الكمالي لا بد ليس في مستوى التفقيه واستخلاص الأحكام.

والأمر عندهم يعني يلزمون أنفسهم بذلك أنهم يصرفون الأمر للوجوب ويصرفون النهي للتحريم.

ولكنهم لا يلزمون الآخرين بذلك يعني هم لا يلزمون غيرهم بما يلزمون به أنفسهم لذلك تجد الشخص يؤلف في أبواب العبودية والتصوف، ويتكلم عن أن الأوامر منصرفة للإلزام بالنسبة له ذات الشخص يكون له كتاب في أصول الفقه يقسم أحكام الحكم الشرعي التكليفي، فالأمر قد يكون للوجوب، وقد يكون للندب، وقد يكون للآداب العامة، وقد يكون للإرشاد كما تناولنا سابقًا، والنهي قد يكون للتحريم، وقد يكون للكراهة، وقد يكون خلاف الأولى، أو التنزه ذات الشخص، ويؤلف هنا، ويؤلف هناك، ومن أمثلة ذلك: ما كان عند الشيخ الدرهام الشعراني في كتابه (الأنوار القدسية) إذا انتقل الشخص إلى ملاحظة صنيعه الفقهي في (الميزان الكبرى) وهو كتاب مهم جدًّا ينبغي عليكم أن تتدربوا عليه، وهو كتاب فيه دربة عالية على فقه الخلاف، في أبواب الفقه، وأيضًا ترى منه مقاصد شرعية حينما يتكلم عن أن هذا مستوى العزيمة والاختلاف هنا في مستوى الرخصة، وقد يكون فيه اختلاف مع الشيخ الشعراني في تقسيمه أن كل اختلاف هو مقسم على العزائم، وهو الرخصة إذا أراد بذلك أصحابه فإن من اختلف مع شخص، وجاء حكمه أسهل من سابقه، لا يقصد بذلك أنه يرخص للناس، وإنما يقصد بذلك أنه يوضح لهم حكم الحق عز وجل الواضح المستمر لا المستثنى، وإذا أراد الشيخ عليه رضوان الحق عز وجل وعنا به أنه يريد أن يقول للشخص: إذا أردت أن تأخذ بالعزائم فخذ بهذا الرأي مثلا عند أبي حنيفة، وإذا أردت أن تأخذ بالرخصة، أن تيسر على نفسك فخذ بهذا الرأي عند الإمام أحمد بن حنبل، وليس هناك إمام صرف مذهبه للترخيص، وإنما أحيانًا تجد الحنفي مشددًا أكثر من المالكي، وتجد المالكي متفائل من الحنبلي،  وهذه القضايا لا بد أن نوضحها لكم لأن هنالك إطلاقات عند العامة، وحتى في كتب الفقه التقريبية يقولون: فلان متساهل، وفلان متشدد، وهذا ليس على إطلاقه عمومًا، وهذا التوصيف لحالهم أنهم يأخذون الأمر الوجوب، ويأخذون النهي للتحريم ليس ملزما للآخرين طيب.

هل هذا الصنيع هو أمر سائغ للشريعة، يعني هل الشريعة تسمح للشخص أن يشدد على نفسه فينقل شيئًا من رتبته في عوالم المندوب الذي تسيب الشريعة ولا تعاقب على تركه في مستوى الأصول التي لم يطلب طلبًا لازمًا هل يستطيع الشخص أن ينقل هذا إلى مرحلة ملزمة؟.

نقول: نعم هو أمر سائغ في الشريعة، هذا الأمر أمر سائغ في الشريعة، ونجد ذلك واضحًا جدًّا مثلا في أبواب النذر، فإننا حينما نجد الناذر ماذا يصنع يحول تصرفًا مباحًا يلزم به نفسه التزامًا وتركًا.

فإذا نقول: هو سائغ في الشريعة كما هو في موضوع النذر؛ لأنه تحويل لأمر مندوب إلى الوجوب، وأساسه يعتمد على اللفظ، يقول: نذرت كذا يعني خالتك رغبات داخلية، ولم تتلفظ لا يجب عليك ذلك، فالنذر إنما يكون لمنشئه، يعني إنك يمكن أن تلزم نفسك بصيام أيام محددة تنذر عن نفسك، لكن لا يمكن أن تقول: نذرت عن الآخرين، وتلزمهم نذرت للآخرين يفعلوا كذا يمكن أن تنشأ استشكالات في هذا الجانب.

ومثلًا يقال: انتباه مهم إن قيل: من نذر ترك مكروهًا، وبعضهم يقول: إن النذر لا يتعلق بالإيجاب فحسب، فهناك من ينذر ترك مكروه.

وهنا استشكال: إن قيل: من نذر ترك مكروهًا من المكروهات، فقد حرمه، وقد تعلق النذر بالتحريم نقول: لا، وقد أجاب العلامة الكبير القرافي، وأبدع في هذه الجزئيات في كتابه القيم، وتكلمنا عنه كثيرًا، وقد تقرر علينا في دروسنا هذه.

قال: إنما ترك المكروه مندوبًا يعني أن تترك المكروه، فهذا مندوب لأن المكروه فرع الجائز، حيث الشريعة لم تأخذ فيه يعني رأي قاطعًا، فلما كان المكروه فرع الجائز كان تركه من قبيل الندب الذي يترك المكروه فعل مندوبًا، فإذا وجد أن الأمر كان متعلقًا بالمندوب، ولم يكن متعلقًا بالتحريم، والنذر ينقل المندوب إلى الوجوب.

وهذه التطوافات والإيضاحات بملاحظة المحاذير أو المحترزات التي احترز منها الإمام الشاطبي وهو الذي قسم هذا التقسيم بقوله، مجرد الأمر والنهي الابتدائي التصريحي تكلمنا فيها عن المحترزات وأن هذا الأمر له علاقة بالعبودية، فالذين يشتغلون في هذا الباب يشتغلون على المقاصد الأول، كما ذكر الإمام الشاطبي، ونحن نريد أن نفرد بحثًا في علاقة المقاصد بالتصوف؛ ولذلك لا نريد أن نوسع توسعًا كبيرًا، لكن نعطي مثالًا لأنه قد ترسخ في أذهانكم هذه الدروس وهي أيضٌا مسجلة ومنشورة، فقد يحضر أحدهم هذا الدرس، ولا يحضر درسًا آخر، ولذلك نشوق فقط، الإمام الشاطبي ذكر في مسائل تعلق الأمر بالعبودية، ويعتبر أن أهل الصوفية هم أقرب الناس للأخذ بمقاصد الشريعة، وهذا نص عليه في موافقاته قال: ما كانوا يأخذون بالمقاصد الأول، وقصد بها وسماها المقاصد المكية، وطبعا معظم الكليات، قد حسمت بمكة، وسماها المقاصد المكية، وجاء بأمثلة تذكر كثيرا على ألسنة الوعاظ من ذلك ما كان من قصة شيبان الراعي، ونسبت إلى الشبل أيضا هذه القصة أنه جاءه أحدهم فقال له يا إمام: ما زكاة أربعين شاة؟ ما مقدار الزكاة؟ فقال له: عندكم أم عندنا؟ فقال الرجل: ما عندكم وما عندنا؟! كأنه يلمح إلى أن الشريعة ليست فيها تفريق بين الناس، بين هذا وذاك، عندكم وعندنا، الأمور طابعة العموم، فقال: أما عندكم يعني في عوالم الفقه ففي أربعين شاة شاة، وأما عندنا فالشياه ورب الشياه ملك لله، يعني الإنسان لا يدخر حتى يخرج أربعين، أو كذا، فهذا نوع من أنواع الاستهلاك في طاعة الله، فالإنسان صاحب حساسية أكثر، فهذا المقصد له علاقة بالعبودية، واقبلوا هذه القصة الأخيرة من قبيل التوضيح ورفع الهمة في السلوك إننا بهذا نكون قد انتهينا من دراسة المسلك الأول وهو مجرد الأمر والنهي الابتدائي التصريحي بهذا التوصيف نكون قد فهمنا كيف يكون مجرد  الأمر والنهي الابتدائي التصريحي إذا وجدت قوله تعالى: {فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع} تعلم أن المقصود هنا في المقاصد الجزئية ذكر الله، وليس ترك البيان، وهكذا تفعل في كل ما كان كذلك، وكل أمر مثلا لا يتم الواجب إلا به لا يكون هو مقصود بالأساس وإنما هو مقصود بالتبع والإسناد، وهذا أيضًا سيكون مزيد من الإيضاح عليه في درس قادم إن شاء الله في هذه المسالك.

أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم، وأترككم في رعاية الله وحفظه، وإلى أن نلتقي بكم بعون الله تعالى ومشيئته في مجلس قادم، والسلام عليكم ورحمة الله.

اضغط هنا لمشاهدة الخريطة التوضيحية