اضغط هنا لمشاهدة الفيديو التوضيحي

إخوتي وأخواتي نواصل بعون الله تعالى في هذه الدروس عن المقاصد، ونحن نتكلم حول المسلك الرابع الذي اختاره الإمام الكبير الإمام الشاطبي، وكنا قد تكلمنا عن موضوع البدعة، وجعلنا حديث تعرضنا لتعريف السنة التي في مقابل البدعة، وجعلنا حديث العرباض بن سارية وجابر بن عبد الله من قبيل الأحاديث المعارضة بغيرها، وأبرزنا بأنه يعارضها حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: "من سن في الإسلام سنة حسنة".

وأوضحنا وجوه السلوك الذي ينبغي أن يكون عندما تتعارض الأحاديث، وهذا يدرس في باب التعادل والترجيح الذي سنفرد له خارج درس المقاصد دراسة في دورة خاصة بها كما اقترح علينا الإخوة هنا في دار الإفتاء المصرية، وفي الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، وهي المعنية بهذا العمل الجميل، جعل الله ذلك في ميزان الحسنات لهم جميعًا، ولكل أهل مصر نحن بعد أن بينا أن الإمام النووي خصص علوم الحديث، والحديث العام يخصص، ويخصص بمثله، وقد خصصه بحديث: "من سن في الإسلام سنة حسنة".

فنحن نقر بوجود حديث العرباض بن سارية، وأنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وأن دلالاته بمفرده هكذا تفيد العموم، ولكن بينا أن العموم يمكن أن يخصص، والحديث معارض بغيره.

فكان حل الإشكال:

 أن تم التوفيق بين الحديثين وخرجنا بأن البدعة منها ما هو حسن، ومنها ما هو سيئ، وهذا الأمر كان قديمًا على عهد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.

واستشهد الإمام النووي بقول سيدنا عمر بن الخطاب حينما جمع الناس على صلاة التراويح: "نعمت البدعة هذه".

والإمام النووي أيضًا حين خصصه بحديث: "من سن في الإسلام سنة حسنة" فاستشهد بقول ابن الخطاب، وهو في الصحيح أيضًا، حينما جمع الناس على صلاة التراويح، وهذا مما يبين أن تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة كان على عهد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وسيدنا عمر بن الخطاب حينما وجد الناس في المسجد وهم كثر كان كل منهم يصلي بمفرده، واجتهد اجتهادًا، فقال: "والله لو جمعناهم على إمام واحد لكان خيرًا".

وذلك لأنه أعون، ولأنه ينظم المسألة أكثر، فهذا يمكن يرد على إمامنا الشاطبي مباشرة أن المقتضي كان موجودًا، وهو جمع الناس على الخير، وقد جمعوا على صلاة الفرائض جماعة لكن مع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل هذا الأمر؛ بل تركه سيدنا عمر حينما جاء، ولم يقل: لقد كان المقتضي موجودًا بهذه المسألة، وإن لم نفعلها؛ لأنه أيضًا كان مدربًا تدريبًا كبيرًا، على مسألة الاستنباطات والاستدلالات، وهو تربى في مدرسة الحبيب صلى الله عليه وسلم، وأعرف بالمنهاجية التي أوجدها فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، فجمع، وقال: أين أبيّ بن كعب؟ فجمع الناس على سيدنا أبي، قيل: يا أمير المؤمنين، إنها بدعة، نلاحظ أيضًا أنه لم يقتد بالذي سبقه طيلة هذه الفترة السابقة، ولم يكن الناس يصلون صلاة القيام المعروفة الآن بصلاة التراويح جماعة في المسجد وبصورة راتبة، كل ذلك لم يصرفه عن اجتهاده، فلما قيل له: إنها بدعة، قال: "نعمت البدعة".

ويستفاد من ذلك أمران:

الأمر الأول: أنه أقرهم على أنها بدعة، فلم يقل لهم: والله لقد فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ثم تركها، وكونه فعلها وتركها هذا أدعى لتركها؛ لأن الترك بالصورة العامة لا يطلق عليه ترك، كما سيجيء إلَّا مجازًا، وكان هذا بعد فعل سيدنا عمر، فلم يقل ذلك إطلاقا، فلما قالوا: بدعة، قال: "نعمت البدعة".

ويفهم منه بمدلولات اللغة العربية الواضحة أنه وافقهم على أنها بدعة، وإلا لكان اختلف معهم، وقال: ليست بدعة حيث فعلها النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكنه لم يقل ذلك، وكان لصيقًا بالحبيب صلى الله عليه وسلم أقرهم على أنها بدعة، فثبت من كلام ابن الخطاب أنها بدعة، وثبت من كلامهم أنها بدعة، لكن هو قال: "نعمت البدعة".

والأمر الثاني: أنه مدح هذه البدعة يعني أقر أنها بدعة، فقال: "نعمت البدعة"، فالفعل "نعم"، هو من أفعال المدح في اللغة العربية، وعكسه الفعل "بئس"، ونستفيد من ذلك أنه قسم البدعة إلى ما هو ممدوح وإلى ما هو مذموم، إلى ما هو ممدوح واضح من قوله: "نعمت"، فمن أين جئنا بما هو مذموم؟ نقول: يفهم لدى كل عربي أنه إذا مدح الشيء قيل: نعمت البدعة، فمدحه معناه: أن أمرًا آخر غير طيب من نفس هذا الجنس، لكنه مدح، فقال: "نعمت البدعة" يعني لا يكفي في منعها أنها بدعة؛ لأنها قد تكون بدعة حسنة، وقد اختار أنها بدعة حسنة ومدحها بقوله: "نعمت البدعة".

فهذا التقسيم كان تقسيمًا على عهد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مأخوذ من حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي خصص به الإمام النووي، والنووي كان إمامًا كبيرًا حديث خصص به عموم حديث: "كل بدعة ضلالة".

ونستفيد أيضًا تقسيم هذه البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة، وعندما اقترح سيدنا الفاروق على سيدنا أبي بكر الصديق على الجميع رضوان الحق عز وجل وعنا بهم أن يجمع القرآن، قال الصديق: كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فظل ابن الخطاب يراجعه، حتى قال الصديق: "فظل يراجعني، يقول والله إنه لخير، والله إنه لخير"، فالصديق يقول: كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهذا يعني البدعة من حيث عرف اللغة والتوقف من عند سيدنا أبي بكر الصديق فسيدنا عمر يقول: "والله إنه لخير، إلى أن شرح الله صدري لذلك فعرفت أنه الحق"، ثم أخذ ذات القاعدة، وجعل يقنع بها الصحابة، وطرحها على سيدنا عبد الله بن مسعود، فسيدنا ابن مسعود كان له نفس التوقف الذي كان عند سيدنا أبي بكر الصديق، فظل الصديق يقول: والله إنه لخير، يعني اتفق مع الفاروق في ذات القاعدة، وظل يستخدمها في الحجاج مع الصحابة، ومن هنا أيضا نعرف تاريخ تقسيم هذه البدعة إلى حسنة وإلى سيئة كان منذ عهد الصحابة الكرام.

وإذا علمنا كل ذلك فإننا ينبغي أن ننظر في صنيع الإمام الشاطبي الذي نحن نعلق على المسلك الرابع الذي اختاره هو مسلكًا رابعًا من مسالك الكشف عن المقاصد الشرعية حيث يقول: "حتى نربط حديثنا بعضه ببعض".

فيقول: السكوت عن شرع التسبب أو عن شرعية العمل يعني كون الشريعة سكتت عن شرع التسبب أو عن شرعية عمل محدد مع قيام المقتضي له يكون دالًّا على أن الشريعة لا تريده، ونحن نقول: هذه المسألة ليست على إطلاقها وأتينا بالحديث الذي استند هو عليه، وبما قاله العلماء، فمعظم الذين تكلموا في شروحات الأحاديث أو تكلموا في الأصول تكلموا عن موضوع البدعة، وفرعوا على ذلك تعريفا بيِّنا، وهو أن الصحابة الكرماء قسموا البدعة إلى حسنة وإلى سيئة، ولم يكترث الوجود المقتضي أو عدم وجود المقتضي، فهو اجتهاد، لكنه مقابل، بغيره وعند الترجيح تطيش كافة هذا الاجتهاد الذي يجعل كل أمر جديد مستند إلى أصل جمل أو جملي عام أو إلى عمومات الشريعة، وتجعل كل ذلك أنه ليس متناولًا واستغرب غاية الاستغراب من صاحب المقاصد الكبيرة، والنظر الدقيق جدًّا، وأنه لا يكتفي بمجرد النص في المسألة، وإنما يخصص الجزئي بعمومات المقاصد، ويقابل الظني بالقطعي، ثم يتكلم عن هذا الطريق بهذا الشيء، وأحد شيوخنا كان يقول: إن للشاطبي ظرفًا محددًا حيث كان يعيش في زمن فيه إشكالات، وبعد عن الشريعة، وبداية انهيار الحضارة الإسلامية، وكان هنالك إشكالات كثيرة جدًّا تعرض لها أيضا بنبوغه، فالضغط والحسد الذي يصيب هؤلاء جعله يكون في منازعة فخرجت هذه المسألة، ونحن لا نستبشعها لأن مقصده فيها طيب، لكننا نناقشه فيها.

فالإمام الشاطبي عليه رضوان الحق عز وجل الإمام الكبير يقول له تعريفان:

 لكننا نختار هذا التعريف يقول: إنها طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يعني كأنها تشابهها يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد.

وتعريفه الآخر لا يحصره بالمبالغة فيه التعبد، وإنما يقول فيه: "كل طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية" عبارة كل شملت أنه أي أمر جديد في الدين جاء عن طريق اجتهاد أو جاء عن طريق تفعيل العمومات الشرعية، أو جاء عن طريق تعيين مطلقات الشريعة، وهنا مبحث مهم للغاية، فالمطلق الذي هو شائع في جميع أفراده عند الأصوليين لا يتحقق على أرض الواقع عند التطبيق إلا بالتلبس بأحد جزئياته، فإذا قال: {اذكروا الله ذكرًا كثيرا} هذا اللفظ يبقى هكذا لا يطبق عندنا إلا إذا ما تلبسنا بجزئية من جزئياته بفرد من أفرادنا الذين يشيع، فإذا كان المطلق يشيع في مجموعة أفراد وقمت أنت بتنفيذ أحد هذه الأفراد على أرض الواقع يعني ذكرت بمفردك وقامت هذه أيضا تذكر بمفردها، وقامت هذه وتلك يذكرن في جماعة فذكر هذه بمفردها تنزيل لأحد أفراد المطلق، ما هو المطلق؟ كل في كل جزئياته لا يتحقق إلا بالتلبس بأحد أفراده، وقام هذا وذاك بذكر جماعي أو حلقة جماعية.

فسنبين أن كل هذه النماذج التي جاء بها الإمام الشاطبي عليها أدلة مباشرة، لكن لنفترض على سبيل الجدل أنها ليست لها أدلة مباشرة، فكل كلام كهذا يعدم الانتفاع باللفظ المطلق، ولا يجعله يتعين، فما هو كلي في الذهن المطلق كلي في الذهن لا يتحقق في الخارج إلا بأفراده بتعيينه في حالة من الحالات، وسيظل مجردًا في رتبته المتعالية المطلقة، كلي في الذهن، هكذا يقول العلماء، لا يتحقق في الخارج ليرى مشاهدًا إلا بالتلبس بأحد أفراده، فإذا اختار إنسان من هذه المطلقات التي هي كلية في الذهن ليجعلها مشاهدة في أرض الواقع فهذا ليس مخترعًا لأمر جديد، وإنما هو منزل لهذا المطلق في أفراده في جزئية من جزئياته.

وهذه المسألة لا بد من إحكامها والنظر إليها بدقة، وهي تغيب عن ذهن كثير من الناس، وهذا التعريف للإمام الكبير الشاطبي يقول: يقصد بالسلوك بها المبالغة في التعبد، أي هو مصوب على جزئية محددة، ولم لم يتناول لنا هنا مسائل المعاملات المالية؟ لأنه إذًا يصوب على أمور استشكلها في زمانه، وصوب عليها، هذا التعريف يخالف هذه القواعد، ويخالف التقسيم الأول ليتضح لنا الأمر، وينبغي تعريف الإمام الشاطبي بتعريف الإمام الشافعي ليتضح هذا الأمر، فلا بد لنا أن نقابل من كان فيما سبق كفاء وغناء، لكن لمزيد من الايضاح، وبالدخول مع الذين كتبوا في هذا الفقه بعناية كبيرة نذهب إلى تعريف الإمام الشافعي ونقابل ذلك بتعريف الإمام الشاطبي، وكلاهما إمام.

والشافعي في الرسالة له تقسيم لهذه البدعة:

 أي يقسمها إلى حسنة وسيئة مباشرة، ويجعل الحسنة هي التي وفق الأمور الشرعية والسيئة هي تنصرف إلى المحرمة، لذلك سنعرض إلى أن البدعة عند اللغويين بخلاف البدع عن الشرعيين، فالإمام الشاطبي يقول في تعريف له ذكره صاحب الحلية (حلية الأولياء) وذكره غيره عن حرملة بن يحيى قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه يقول: "البدعة بدعتان بدعة محمودة، وبدعة مذمومة، فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم".

واحتج بقول سيدنا عمر بن الخطاب في قيام رمضان: "نعمت البدعة هي"، وله أيضا على ذات الطريق لكن للتأكيد فقط ذكر عنه الربيع قال الشافعي: "المحدثات من الأمور ضربان:

1ـ أحدهما: ما أحدث يخالف كتابًا أو سنةً أو إجماعًا أو أثرًا فهو البدعة الضلالة.

2ـ والثاني: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذه فهذه محدثة غير مذمومة، يعني: ما أحدث من الخير لا يخالف كتابًا، ولا يخالف سنةً، ولا يخالف إجماعًا، ولا يخالف أثرًا، قال: فهذه محدثة غير مذمومة.

وهنا يوضح المسألة أكثر حينما يقول: ما أحدث يخالف كتابًا أو سنة أو إجماعًا أو أثرًا فهذا البدعة الضلالة، فهو يستخدم مفردات الحديث نفسه كأنه يشرح فيه، وما قاده إلى ذلك المعارضات الكثيرة لذلك الحديث، ومنها: ما ذكره الإمام النووي واستشهدنا به على تخصيص عموم حديث العرباض بن سارية، وحديث جابر بن عبد الله فخرج بهذه الجزئية.

ولو قابلنا هذا بقول الإمام الشاطبي أنها طريقة في الدين مخترعة يعني كل طريقة في الدين مخترعة، لم يلتفت ليقيد كلامه بأنها تخالف كتابًا أو سنة أو إجماعًا أو أثرًا، وإنما أطلق إطلاق كبير أن كل أمر مخترع، وذهب في ذلك مذاهب متعددة.

أسباب البدعة عند الإمام الشاطبي كما ذكر في كتابه الاعتصام: يقول: إن أسباب هذه البدع:

1 ـ عدم المعرفة بكلام العرب.

2 ـ ذم الهوى أو إتباع الهوى.

يقول عدم المعرفة باللسان العربي وذم أو مشتم الهوى وهو اتباع الهوى، واحدة من الأشياء التي تقود الابتداء، ثم يضيف إلى ذلك ثالث فيقول:

3ـ حسن الظن بالعقل، وهذا كله يخالف إطلاقه الذي أطلقه بنفسه حينما يقول: عدم معرفة باللسان العربي، وأنا أتكلم عن منطقة فراغ تشريعي يسمونها منطقة العفو الشرعي، وما في فراغات الشريعة، لكن أي أنها لم تتناول مباشرة، ويسمونها منطقة العفو الشرعي، كأنها هي مباحة، وكأنهم أخذوا ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم: "ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته" كما جاء في رواية الإمام الدارقطني عليه رضوان الحق عز وجل.

وحينما يقول الإمام الشاطبي في أنهم لا يفهمون اللغة العربية أفهم أن هنالك نصوص محددة منعت أو أمرت، فإذا استندنا إلى أن هناك نصوص أمر وخالفوها، فهم قد ابتدعوا، فهو يرجع إلى موافقة السابقين إلى أن البدعة لا تكون إلا حينما يكون هناك نص، وإلا ما هو اللسان العربي الذي يفهم، فما هو ذهن الذي يفهم الكلام باللسان العربي، ولا استطيع أن أتصور هذه الفكرة، أما قوله في حسن الظن بالعقل، فالحقيقة أنه يمكن للعقل أن يصور أشياء قد توافق الدين لكنها لا توافق، لكن هذا ليس مضطردًا في الذين اخترعوا أشياء جعلوها من قبيل السنن الحسان.

وأما اتباعه الهوى، فبالعكس ليس كل أمر من هذه الأمور فيه اتباع للهوى، قلنا: إما هو تنزيل للمطلق من وصفه بالكلية التي في ذهنه إلى تنفيذه في الخارج أو هو ائتمار بعمومات نصوص شرعية، والعمل بأحد العموم الشرعي أحد متفق عليه بين العلماء، وهو وسع في ذلك توسعة كبيرة، لكن لاحظوا كلام الإمام الشافعي منضبط انضباطًا شديدً جدًّا ودقيقًا، ولم يقل مع وجود المقتضي وعدم المقتضي، وإنما ذهب مباشرة إلى رأيه في البدعة من حيث التقسيم الشرعي.

البدعة في التقسيم الشرعي تنقسم مباشرة إلى حرام أو مكروه، ولا تكون حراما لأنها بدعة، وإنما لأن هناك نص حرمها، فإذا تصرف شخص في الأشياء المحرمة فهذا مبتدع، أي: لم يكن على الطريق التي ينبغي أن يكون عليها المكلف من الالتزام، فإذا كان في المستوى العالي من ارتكابه الحرمات أو بتجحمه؟؟؟ [ما هذه الكلمة] للمكروهات بصورة دائمة، وإذا لم يتنزه الإنسان عن المكروه بصورة دائمة، فإنه يوشك أن يقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه.

ونحن قد درسنا الأحاديث التي يمكن أن تكون مستندًا للقائلين بالبدعية كدليل، والبدعة ليس لها دليل عند أي شخص، والناس حين تكلموا عن الأدلة الشرعية تكلموا عن الكتاب، وتكلموا عن السنة، وتكلموا عن الإجماع، وتكلموا عن القياس كأدلة مجمع عليها، ونقول: مجمع عليها؛ لأن الخلاف فيها غير معتبر.

حتى عند المعتزلة الذين قالوا بعدم القياس، فليسوا كثر على رأسهم النظام:

 فليس كل خلاف جاء معتبرًا                إلا خلاف له حظ من النظر.

وهذه الأدلة الأربعة المتفق عليها ليس من بينها البدعية أو البدعة، والأدلة التي اختلف فيها العلماء أخذ بها بعض العلماء، وتركها البعض الآخر، وهذه الأدلة ليس من بينها البدعة، فإذا نظرنا إلى سد الذرائع، وشرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يرد ناسخ، والاستحسان، والاستصحاب، والعرف، وعمل أهل المدينة.

فكل هذا ليس من بينه من قال: والبدعة أو الترك، فالاستدلال بمجرد عدم الوجود هذا لا يدل إطلاقًا على دليل، وإنما ينبغي علينا أن ندرك يقينا أن الأدلة الشرعية متضافرة، والنظر يدعم ذلك، فالبدعة تنقسم إلى ما هو حسن، وإلى ما هو سيئ، وإذا علمنا ذلك فإن مجرد سكوت الشارع لا يعني عدم قصد، ولا يصلح أن يكون دالًّا على أصل الشريعة للشيء؛ لأنها قد تدل عليه بأدلة خارجية، وهذا ما وصلنا إليه في هذه الجزئية، وفي هذا المبحث، وهو مبحث كبير، أنا أطلت عليكم فيه، ولا أزال أقدم فيه بعض المعلومات إن شاء الله في الدرس القادم بعون الله وتوفيقه، ونتناول متعلقات بهذا المبحث، لعلها تشفي غلة الصاد.

أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اضغط هنا لمشاهدة الخريطة التوضيحية