اضغط هنا لمشاهدة الفيديو التوضيحي

المقدمة:

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد:

فقد تكلمنا في الدرس السابق عن: القياس الاستثنائي.

وسنتكلم في هذا الدرس عن: لواحق القياس.

الأهداف:

يرجى لك عزيزي الطالب بعد دراستك لهذا الدرس أن:

[1] تذكر المراد بالقياس المركب.

[2] تبين المراد من قياس الاستقراء.

[3] تذكر المراد من قياس المساواة.

تمهيد:

ذكر صاحب السلم ثلاثة أشياء وجعلها من لواحق القياس:

أولًا: القياس المركب.

وثانيا: قياس الاستقراء.

وثالثًا: قياس المساواة.

فقيل له: كيف يكون القياس المركب من لواحق القياس مع أنه قسمٌ منه وقسم الشيء لا يكون لاحقًا له، لأن اللاحق تابعٌ للشيء وليس منه؟

وقد أجاب بعضهم عنه بأنه يريد بالقياس القياس البسيط، ولا شك أن المركب ليس قسمًا منه وإن كان قسمًا من مطلق القياس، ولكن هذا الجواب لا يفيده لأنه سيذكر أن المركب قسمان: مفصول النتائج ومتصلها، ولا شك أن مفصول النتائج أصبح من القياس البسيط، وعلى هذا فكان الأولى ذكر المركب في القياس لا في لواحقه.

ثم إنه ترك من لواحق القياس: الخلف، وهو: أن تستدل على صحة الدعوى بإبطال نقيضها، وسمي بقياس الخلف- بفتح الخاء- لأنه ينتج شيئًا يرمى خلف الظهر، مثلًا لو ادعيت أن العالم حادثٌ ثم نازعك منازعٌ في ذلك فتقول له: (لو لم تصدق هذه الدعوى لصدق نقيضها، وهو أن العالم ليس حادثًا، أي يكون قديمًا، وهذا نقيضٌ باطلٌ لأنه لو كان قديمًا لما احتاج إلى محدثٍ وذلك باطلٌ، فما أدى إليه من كونه قديمًا باطلٌ، فثبت أنه حادثٌ)، وذلك هي الدعوى فقد أثبتها بإبطال نقيضها الذي يرمى خلف الظهر.

القياس المركب:

هو ما تركب من أكثر من قضيتين- كما سبق لك معرفة ذلك- فإن أخرجت النتيجة بعد القضيتين ثم ضممتها إلى الثالثة واستخرجت نتيجتها، وضممتها إلى الرابعة وهكذا، يسمى ذلك القياس: (مفصول النتائج)، أما إذا أخرجت النتيجة بعد ذكر المقدمات كلها فيسمى حينئذ: (موصول النتائج)

مثال ذلك: (العالم مركب من أجرام وأعراض، والمركب منهما متغير، وكل متغير حادثٌ، وكل حادث لا بد له من محدث)، فهذا قياس مركب من أربع مقدمات فإن استخرجت النتيجة بعد المقدمتين الأوليين فقلت: (العالم مركب من أجرام وأعراض والمركب منهما متغير، تكون النتيجة: العالم متغير)، ثم تضمها إلى الثالثة القائلة: (وكل متغير حادثٌ) ثم تخرج النتيجة وهي: (العالم حادثٌ) ثم تضمها إلى الرابعة القائلة: (وكل حادث لا بد له من محدث) ثم تخرج النتيجة وهي: (العالم لا بد له من محدث) فذلك يسمى (مفصول النتائج)، وإن أخرجتها بعد الأربع مقدمات المذكورة يسمى (موصول النتائج)، ولا شك أن مفصول النتائج أصبح من القياس البسيط المؤلف من مقدمتين.

قال في السلم:

ومنه ما يدعونه مركبا        ***                لكونه من حجج قد ركبا

ومعناه أن القياس المركب نوع من القياس، وهذا تعبير سليم لا اعتراض عليه، ولكن الاعتراض عليه في ذكر الترجمة القائلة (فصلٌ في لواحق القياس) وعرف هذا القياس بأنه مركب من حجج، أي: أقيسة متعددة، ثم قال:

فركبنه إن ترد أن تعلمه        ***        واقلب نتيجة له مقدمه

يلزم من تركيبنها بأخرى         ***                نتيجةٌ إلى هلم جرا

متصل النتائج الذي حوى        ***        يكون أو مفصولها كلٌ سوا

الاستقراء والتمثيل:

هما من لواحق القياس حقيقة، لأن انتاجهما ظنيٌ وليس حتميًا- كما عرفت سابقًا-.

أما الاستقراء فهو: تتبع كثير من الجزئيات ليحكم بحكمها على كليِّ، كما إذا اتتبعنا نجاح كثيرين من طلاب جامعة الأزهر، ولم نستوعب الكل، ثم قلنا: (إن كل طلاب الجامعة الأزهرية ناجحٌ)، ومثل ذلك ما لو تتبعنا كثيراً من أفراد الحيوانات عند الأكل فوجدناها تحرك فكها الأسفل عند المضغ، والفرس كذلك، والأسد كذلك). وهكذا بدون أن نستوعب جميع أفراد الحيوان، ثم حكمنا بهذا على كل حيوانٍ، فقلنا: (كل حيوانٍ يحرك فكه الأسفل عند المضغ)، فإن هذا الانتقال من أحكام الجزئيات إلى جميع الأفراد ظنيُّ لا قطعيٌّ لأنه يجوز أن يكون هناك فردٌ لم يعلم حاله عند الأكل، مثل التمساح وليس له هذا الحكم.

فالاستقراء: انتقال من جزئيات إلى كليِّ، أي: جميع الأفراد، ويسمى: (بالاستقراء الناقص)، أما لو أمكن الاستقراء التام بحيث تعرف أحكام كل الأفراد فهو انتقال من جميع الجزئيات إلى كليِّ، وعلى هذا يكون خروج مثل هذا من القياس المنطقي لعدم وجود التأليف المخصوص بين مقدمتيه.

التمثيل:

أما التمثيل- وهو القياس عند الأصوليين – فهو: تشبيه فرع بأصل في علة حكمه ليثبت للفرع حكم الأصل، مثاله تشبيه النبيذ بالخمر بجامع الإسكار في كل، فيثبت للنبيذ حكم الخمر، وهو الحرمة، وقد تقدم أن هذا العلة التي بها انتقل الحكم إلى النبيذ ظنيةٌ لا قطعيةٌ، لجواز أن تكون العلة خصوص الخمر، أي: العصير المتخذ من العنب، وحينئذ تكون قاصرة.

وإنما كان الاستقراء والتمثيل من لواحق القياس لأن كلا يوصل إلى المعلوم التصديقي مثل القياس إلا أن توصيل القياس بعد تسليم مقدماته حتميٌ ولازمٌ بخلاف توصيلهما فإنه ظنيٌ.

نعم لو رد التمثيل إلى قياس منطقي لأنتج حتمًا، مثل: (النبيذ مسكر، وكل مسكر حرام، فالنبيذ حرامٌ) لأن الموضوع اندرج في الأوسط وهو مندرجٌ في الأكبر.

واعلم أن القياس المنطقي فيه انتقالٌ من كلي إلى جزئي، مثل: (زيدٌ إنسانٌ وكل إنسان ناطقٌ، فالنتيجة زيدٌ إنسانٌ)، فقد انتقل فيه من أمر كلي وهو كل إنسان ناطق إلى (زيدٌ إنسان) وهو جزئيٌ.

أما التمثيل، فهو انتقالٌ من جزئي إلى جزئي آخر، مثل: (النبيذ كالخمر وهو حرامٌ، فالنبيذ حرامٌ) فقد انتقل فيه من حكم الخمر وهو جزئيٌ إلى حكم النبيذ وهو جزئيٌ أيضا.

أما الاستقراء ففيه انتقالٌ من جزئيات إلى كلي كما عرفت.

قال في السلم مبينًا الفرق بين هذه الأقيسة:

وإن بجزئيِّ على كلي استدل ***  فذا بالاستقراء عندهم عقل

وعكسه يدعى القياس المنطقي        ***        وهو الذي قدمته فحقق

وحيث جزئي على جزئي حمل         ***   لجامع فذاك تمثيل جعل

ولا يفيد القطع بالدليل         ***        قياس الاستقراء والتمثيل

الخلاصة:

[أ] القياس المركب: هو ما تركب من أكثر من قضيتين.

[ب] إن أخرجت النتيجة بعد القضيتين ثم ضممتها إلى الثالثة واستخرجت نتيجتها، وضممتها إلى الرابعة وهكذا، يسمى ذلك القياس: (مفصول النتائج)، أما إذا أخرجت النتيجة بعد ذكر المقدمات كلها فيسمى حينئذ: (موصول النتائج).

[ج] الاستقراء هو: تتبع كثير من الجزئيات ليحكم بحكمها على كليِّ، وهو انتقال من جزئيات إلى كليِّ، ويسمى: (بالاستقراء الناقص)، أما لو أمكن الاستقراء التام بحيث تعرف أحكام كل الأفراد فهو انتقال من جميع الجزئيات إلى كليِّ.

[د] التمثيل: هو القياس عند الأصوليين: وهو تشبيه فرع بأصل في علة حكمه ليثبت للفرع حكم الأصل.

[هـ] كان الاستقراء والتمثيل من لواحق القياس لأن كلا يوصل إلى المعلوم التصديقي مثل القياس إلا أن توصيل القياس بعد تسليم مقدماته حتميٌ ولازمٌ بخلاف توصيلهما فإنه ظنيٌ.

[و] القياس المنطقي فيه انتقالٌ من كلي إلى جزئي، أما الاستقراء ففيه انتقالٌ من جزئيات إلى كلي.