اضغط هنا لمشاهدة الفيديو التوضيحي

المقدمة:

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد:

فقد تكلمنا في الدرس السابق عن: الإعجاز البياني في القرآن الكريم.

وسنتكلم في هذا الدرس عن: تعريف التشبيه وبيان أركانه.

الأهداف:

يرجى لك عزيزي الطالب بعد دراستك لهذا الدرس أن:

[1] تذكر تعريف التشبيه لغة واصطلاحا.

[2] تعدد أركان التشبيه.

[3] توضح قيمة التشبيه وفائدته.

[4] تبين بعض أدوات التشبيه من الحروف.

تعريف التشبيه:

التشبيه في اللغة: جعل الشيء شبيهًا بآخر، أي إعطاؤه شبه غيره، وتصييره على صورته بحيث لا يتميَّز عنه. ويشهد لهذا قوله تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء: 157]، فمعنى (شُبِّهَ لَهُمْ) أي: صوَّر اللهُ عز وجل غيرَه على صورته بحيث لا يتميَّز عنه. فالشبه يكون من حيث الصورة والهيئة.

وفي الاصطلاح: إلحاق أَمْرٍ بأَمْرٍ في صفة مشتركة بينهما أو أكثر بأداة مَلْفُوظَةٍ أو ملحوظة؛ لغَرَضٍ يَقْصِدُه المتكلم.

فكل تشبيه خلفه قصد أو غرض بلاغي أريد بالتشبيه أن يبين به أو يظهر به ذلك التشبيه.

السؤال: هل يلزم أن يكون التشبيه بالمشاركة للأشياء في كل الصفات؟

الجواب: لا يلزم: أن تكون المشاركة في كل الصفات؛ لأنه إذا كانت صفة أو أكثر صفة أو ثلاثة، لكن أن تكون مشاركة في كل الصفات لا يكون تشبيها وإنما يكون عين الشيء.

فنقول -مثلا-: (وجه فلانة كالبدر) لا يعني أنها تشبهه في شكله وخلقته وإنما الصفة الوضاءة، فمن صفات البدر الوضاءة -مثلا- الجمال في السماء، وكذلك قولنا: (فلان كالبحر)، ليس المقصود في كل شيء إذن البحر مالح لا يكاد يشرب، إنما الدلالة العامة في التدفق والعطاء وعدم النضوب.

أركان التشبيه:

أركان التشبيه أربعة وهي:

[1] المشبه: وهو الأمر المراد توضيحه وبيانه بإلحاقه بشيء آخر أكثر منه وضوحًا وهو المشبه به.

[2] المشبه به: وهو الأمر الواضح الذي يُلْحَق به المشبه.

[3] وجه الشبه: الصفة المشتركة بين المشبه والمشبه به تُسَمَّى وَجْهُ الشبه ولا بد من وجوده في الطرفين تحصيلا للفائدة إما تحقيقًا أو تخييلا، ويجب أن يكون وجه الشبه أقوى وأظهر في المشبه به منه في المشبه، وفي الغالب يكون وجه الشبه في صورة جار ومجرور وأشهر حرف الجر في، ويكون تمييزًا.

والسؤال: لماذا وجه الشبه يجب أن يكون أقوى وأظهر في المشبه به منه في المشبه؟

والجواب: لأن المشبه به هو الأصل إنما جيء به ليوضح حال المشبه، ولتبين حاله، وليظهر مقداره أو كميته أو إذا كانت القضية عددا أو شيئا من ذلك، فتبين من هذا أن المعول عليه في التشبيه يكاد يكون المشبه به، صحيح أن المقصود إيضاح حال المشبه لكن المشبه به لابد أن يكون معلوما في الذهن ظاهرا بينا وعليه المتكأ في التشبيه، ولهذا قال لابد أن يكون أظهر في ذهن المخاطب لأنه إذا كان المشبه به مجهولا لم يكن لذلك معنى في التشبيه إلا في المقام الذي يستدعي أمورا مجهولة للتهويل أو في التفخيم كما قال -جل وعز-: في الحديث عن شجرة الزقوم في سواء الجحيم: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات: 65].

والأصل في التشبيه إلحاق الناقص في الصفة بالكامل فيها، حقيقة أو ادِّعاء. ومثال ذلك قوله تعالى: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} [الرحمن: 24]. فوجه الشبه عند تصوير صورة الفلك بصورة الجبل أكمل في المشبه به عن المشبه حقيقة.

والكمال في الصفة على سبيل الادِّعاء قد يكون راجعًا إلى كون المشبه به مشتهرًا بالصفة عن المشبه، مع كونها أكمل في المشبه حقيقة لكنها لا تُدرك فيه إلا على سبيل التخييل، مثال ذلك قوله تعالى: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات: 49]. فالحور وإن كانت أشد بياضًا وحُسنًا من البيض إلا أنه فيها خفي غير معهود لعدم مشاهدته، وهو في البيض –وإن كان أقل- إلا أنه مشاهد معهود، فكان من هذه الجهة أكمل في المشبه به لا من حيث الحقيقة.

[4] الأداة، وهي: اللفظ الذي يربط بين الطرفين ويدل على المشابهة.

وهذه الأركان الأربعة قد توجد، وقد تحذف حذفًا على الانفراد، أو معًا لوجود دليل، ما عدا المشبه به.

ومن الأمثلة التي اجتمعت فيه أركان التشبيه الأربعة، قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا} [لقمان: 7]. المشبه: الْمُوَلِّي مُسْتَكْبِرًا. والمشبه به: مَنْ في أُذنيه وقر (وهو الأصم)، الوَقْرُ: الثِّقلُ في الأُذُن. وأداة التشبيه (كأن)، ووجه الشبه: لم يسمعها.

قيمة التشبيه وفائدته:

التشبيه وسيلة من وسائل التعبير التي تستمد قوتها من الخيال، وهو من فنون التعبير الشعري، أولع به شعراء العرب منذ الجاهلية حتى العصور المتأخرة.

والأصل في فن التشبيه أنه تعبير فني وأنه ضرب من المحاكاة في صور الشاعر للطبيعة عن طريق البحث لما يريد التعبير عنه من المعاني عن مُعادل أو موازن حسي من الطبيعة أو من البيئة المدركة بالحس.

والبليغ يؤثر استخدام أسلوب التشبيه لما يحتويه من فوائد تعود على الأسلوب من وضوح الفكرة والمبالغة فيها، والإيجاز إلى الوصول للغرض، ولإثبات الحقائق.

والقرآن الكريم غني بأسلوب التشبيه، ومتنوع في استخدامه بصوره المتعددة، والدور الذي يؤديه التشبيه هو التأثير على العاطفة فترغب أو ترهب، فيلجأ السياق القرآني إلى التشبيه للتصوير والتأثير، فإذا أراد أن يبين قدرة الله على أن يأتي بيوم القيامة بأسرع مما يتصورون لجأ إلى أسرع ما يراه الرائي فاتخذه مثلا يخدم المراد، فيقول: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} [النحل: 77].

وهكذا نرى أن من طبيعة التشبيه القرآني تمثيل الغائب حتى يصبح حاضرًا، أو تقريب البعيد النائي حتى يصير قريبًا دانيًا.

أدوات التشبيه:

أدوات التشبيه إما أن تكون حروفا، وهي الكاف وكأن:

[1] (الكاف) الجارة، وهي أصل أدوات التشبيه، وأكثرها استعمالا لخفتها ووجازتها فهي حرف واحد لا تركيب فيه، ويليها الْمُشَبَّه به لَفْظًا. مثال ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم، من حديث أبي موسى الأشعري (إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ)، وقول البوصيري:

والنَّفْسُ كالطِّفل إن تُهْمله شَبَّ على *** حُبِّ الرضاع وإن تفطمه ينفطم

وقد يليها المشبه به تقديرا كقوله تعالي: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنْ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنْ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} [البقرة: 19] فالكاف في (كصيب) لم تدخل علي المشبه به لفظا بل تقديرا، إذ المراد: كمثل ذوي صيب من السماء، وإنما قدر المشبه به لأن الضمائر في قوله: (يجعلون أصابعهم في آذانهم) أحوجت إلي تقدير المعاد وهو ذوي، فلما فتح باب التقدير قدر المثل قبله ليناسب قوله تعالي: {كمثل الذي استوقد نارا}.

وقد يلي الكاف غير المشبه به مما له دخل فيه إذا كان المشبه مُركَّبا كقوله تعالي: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} [الكهف: 45]، إذ ليس المراد تشبيه حال الدنيا بالماء ولا بمفرد آخر يتمحل لتقديره، بل المراد تشبيه حالها في نضرتها وبهجتها وما يتعقبها من الهلاك والفناء بحال النبات يكون أخضر وارقًا ثم يهيج فتطيره الرياح كأن لم يكن، ووجه الشبه: وجود الهلاك والتلف بأثر الإعجاب والاستحسان والانتفاع.

وتتميز الكاف عن غيرها بإمكان الإتيان بها في التشبيه لجميع الأغراض التي ذكرها البلاغيون من بيان الحال، ومقدارها، وتقريرها، وإمكان المشبه، وتزيينه وتقبيحه، واستطرافه، أما الكلمات الأخرى فإنه لا يطرد إفادة جميع الأغراض بها؛ لاختصاص كل منها بمعنى تدل عليه يناسب بعض الأغراض دون بعضها الآخر.

[2] (كأن) والأصل فيها أن يليها المشبه، كقوله تعالي: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُون} [الصافات 48، 49] فقد وصف نساء أهل الجنة بحسن العيون الناظرة إلى أزواجها، وشبههن بالبيض المكنون على عادة العرب في وصف وتشبيه من اشتد حجابه، وتزايد ستره، بأنه بعيد عن التبرج، ومنعة من الاستهتار.

والسؤال: هل (كأن) للتشبيه مطلقًا؟

الجواب: تأتي (كأن) لأربعة معان: التشبيه، والظن، والتحقيق والتقريب، والمشهور المتفق عليه عند الجمهور أن (كأن) تفيد التشبيه مطلقا، ولا معنى لها غيره عند البصريين، ويؤولون الأمثلة التي قيل إن (كأن) فيها تفيد معنى آخر ويرجعونها إلى التشبيه.

اشترط الكوفيون والزجاج وابن السيد وابن الطراوة لإفادة (كأن) التشبيه أن يكون خبرها اسمًا جامدا، فإن كان وصفًا مشتقا كقولك: (كأن عمرا قائم) لم تكن للتشبيه؛ وإنما تفيد الظن أو الشك. والجمهور على أنها تفيد التشبيه على تقدير: (كأن عمرا شخص قائم) أي من أفراد.

الخلاصة:

[أ] التشبيه في اللغة: جعل الشيء شبيهًا بآخر، وفي الاصطلاح: إلحاق أَمْرٍ بأَمْرٍ في صفة مشتركة بينهما أو أكثر بأداة مَلْفُوظَةٍ أو ملحوظة؛ لغَرَضٍ يَقْصِدُه المتكلم.

[ب] أركان التشبيه:

[1] المشبه.

[2] المشبه به.

[3] وجه الشبه.

[4] الأداة.

[ج] قيمة التشبيه وفائدته:

التشبيه وسيلة من وسائل التعبير التي تستمد قوتها من الخيال، وهو من فنون التعبير الشعري، أولع به شعراء العرب منذ الجاهلية حتى العصور المتأخرة.

[د] أدوات التشبيه من الحروف الكاف وكأن.