close

وثائق مزيفة تزعم توقيع اتفاقية بين الرئيس اليمني الراحل والإمارات للتنقيب عن الذهب 


في سياق الاشتباكات التي اندلعت في كانون الأول/ديسمبر 2017، بين جماعة أنصار الله (الحوثيين) والرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح بعد إعلانه إنهاء التحالف معهم، والتي انتهت بمقتله في الرابع من الشهر نفسه، ظهرت موجة واسعة من “التسريبات” السياسية بين أطراف النزاع. من بين تلك المواد وثائق تداولها ناشطون يمنيون ووسائل إعلام، بينها منصتا “نبض اليمن” و”الحجرية الآن” الموالية لجماعة أنصار الله، خلال تشرين الثاني/نوفمبر 2025، قيل إنها سرّية وتكشف عن أكبر عملية نهب منظّم لاستخراج الذهب وبيعه، بموافقة صالح وبشراكة مع الإمارات. وقد لاقت هذه المزاعم آلاف التفاعلات والمشاركات على مختلف منصات التواصل الاجتماعي.

وتشير الوثائق التي زُعم بأنها رسمية إلى تحويل مبالغ مالية كبيرة إلى خارج اليمن، وإلى حساب يُنسب للرئيس علي عبد الله صالح في بنك الإمارات دبي، وفقاً لما تدعيه تلك الوثائق. وتتضمن إحدى الوثائق رسالة مؤرَّخة في 15 حزيران/يونيو 2007، منسوبة إلى سفير الإمارات لدى اليمن، يبلغ فيها الرئيس اليمني آنذاك علي عبد الله صالح بأن فرقاً إماراتية اكتشفت مواقع غنية بالذهب داخل الأراضي اليمنية، مع طلب عقد اجتماع لإبرام اتفاق يضمن استثماراً كاملاً للمواقع مع الحفاظ على سرية المعلومات.

مصدر الوثائق

تتبّعنا الوثائق المتداولة التي تتضمن هذه الادعاءات، ومن خلال بحث معمّق باستخدام عدد من الأدوات المتاحة، تبيّن أن أقدم جهة نشرت هذه المواد هي حساب يحمل اسم “اكرم| akram.a.hajar“، ويصف نفسه بأنه “كاتب صحفي، ومحلل وخبير عسكري” على منصة “إكس” (مؤرشف) وذلك في 29 أيلول/سبتمبر 2025، وأيضاً حساب Mohammed Hasan Almawri على منصة فيسبوك (مؤرشف)، وذلك في 2 تشرين الأول/أكتوبر 2025. وقد نشر صاحب هذا الحساب أربع وثائق فقط، بجودة جيدة، وقدّم الحسابان الوثائق على أنها صور لاتفاقيات خفية بين الرئيس اليمني الراحل والإمارات للتنقيب عن الثروات المعدنية في البلاد، من دون الإشارة إلى أي مصدر لتلك الوثائق.

أجرينا تحليلاً أولياً لعدد من الوثائق المرفقة مع الادعاء، وتوصلنا إلى النسخ المنشورة في 2 تشرين الأول/أكتوبر والمتعلقة بما يسمى “المذكرات الرسمية الإماراتية”. أظهر الفحص أن هذه المواد خضعت لتعديلات واضحة، أبرزها استخدام توقيع موحّد في جميع الوثائق؛ إذ بدت التقطعات والانحناءات في التواقيع متطابقة تماماً من دون أي اختلاف في الميلان أو شكل الخط.

تحليل الوثيقة رقم 1 بأداة Mever 


للتحقّق من صحة هذه الوثائق، جرى اختيار عدد منها لفحص البيانات الواردة فيها، ليتضح أنها تضم معلومات غير دقيقة وأخرى متناقضة.

التحليل البصري

تمّ تقسيم الوثائق إلى مجموعات مُرقّمة لتسهيل تحليلها، ثم خضع كل جزء لمراجعة منهجية دقيقة. هذا الإجراء أتاح تتبّع البيانات الداخلية ومقارنتها، وصولاً إلى تقييم واضح يُحدد مدى صحتها أو عدم موثوقيتها.

بمراجعة البيانات الواردة في الوثيقة التي تحمل رقم (1)، المنسوبة إلى السفير الإماراتي علي سيف سلطان العواني، ومؤرَّخة في 15 تموز/يوليو 2008، تبيّن وجود خطأ زمني واضح. فبالرجوع إلى خبر منشور في وكالة الأنباء الإماراتية (وام) بتاريخ 27 حزيران/يونيو 2008، يتضح أن الرئيس علي عبد الله صالح استقبل السفير المذكور في صنعاء، بمناسبة انتهاء فترة عمله في اليمن. هذا يعني أن العواني لم يكن يشغل منصب السفير في التاريخ المدوّن في الوثيقة، ما ينقض دقتها ويُضعف صحتها.



تصميم الوثيقة:


كما ظهر تطابق شبه كامل بين التوقيع المنسوب للرئيس اليمني الراحل في الوثيقة، وبين نسخ أخرى متداولة سابقاً على منصات التواصل الاجتماعي، ومواقع أخرى مقربة من الحكومة اليمنية. فقد نُشر على حساب محمد بشر في فيسبوك، بتاريخ 31 أيار/مايو 2023، توقيع مطابق تماماً من بدايات الخط ونهاياته والبروزات نفسها، مع التوقيع المستخدم في الوثيقة.


أرقام غير دقيقة


وفي الوثيقة رقم (2)، التي تزعم وجود تحويلات مالية إلى حساب علي عبد الله صالح من بنك الإمارات دبي الوطني، برز خلّل واضح في البيانات الحسابية. فبعد سحب مبلغ 500 ألف دولار، ذكرت الوثيقة أن الإجمالي المتبقي هو 17,944.838 دولاراً. لكن عند إجراء العملية الحسابية بعد الطرح، يتبيّن أن الناتج الصحيح يجب أن يكون 17,984.976 دولاراً. هذا النوع من الأخطاء الحسابية يُعد غير معتاد في المستندات المصرفية، نظراً لاعتماد المصارف على أنظمة محاسبية إلكترونية دقيقة، تحدّ عملياً من هامش الخطأ البشري في مثل هذه العمليات.

رابط التصميم:


اختلاف التوقيع وأسماء غير معروفة

بالنسبة للأسماء الواردة في الوثائق، ومن بينها اسم باتيس لماضي الذي قُدّم بصفة مدير العمليات الخارجية في البنك، أجرينا بحثاً معمقاً بعدة أدوات وباللغتين العربية والإنجليزية، شمل موقع “بنك الإمارات دبي الوطني” ومواقع إخبارية مختلفة، من دون العثور على أي معلومات أو سجلات واضحة عن شخصية بهذا الاسم.

وعند التدقيق في شكل التوقيع المرفق باسم “باتيس لماضي” في الوثيقة رقم (3)، ومقارنته بما ورد في الوثيقتين رقم (2) و(4)، تبيّن أن التوقيع تغيّر شكلياً، كما أُرفق اسمه في الوثيقتين الأخيرتين مع اسم آخر هو عبدالوهاب شاطئ المعرَّف في الوثائق بصفة “مختص”، وهو أيضاً اسم لم يُسفر البحث عن أي بيانات أو معلومات موثوقة عنه.

رابط تصميم الوثائق رقم  2-3-4:

أما في الوثيقة رقم (3)، برزت ترويسة تتضمن رقماً وتاريخاً للمذكرة، وهي عناصر غابت تماماً عن الوثيقتين رقم (2) و(4). هذا التباين يُعد مؤشراً لعدم الاتساق، إذ تعتمد المصارف عادةً نموذجاً موحّداً للوثائق الرسمية كافة؛ سواء كانت خاصة بالتحويلات أو الإيداع أو العمليات الاستثمارية، ولا يُفترض أن تختلف الترويسات أو الصياغات بين وثيقة وأخرى ضمن الجهة نفسها.

إيميل وموقع البنك

وبالبحث في التفاصيل المرفقة بالوثائق، ومنها عنوان البريد الإلكتروني والموقع الإلكتروني المنسوبان إلى البنك، توصلنا إلى أنهما كُتبا بالشكل التالي (www.sanadak.gov.ae)، وهو رابط يعود لوحدة “سندك” المختصة بتسوية المنازعات المصرفية والتأمينية في الإمارات، والتي أُسّست عام 2023 بقرار من مصرف الإمارات المركزي. هذا المعطى يتناقض كلياً مع التواريخ الواردة في الوثائق، التي زُعم أنها تنتهي في السنة المالية 2011.

 رابط تصميم بناء الإيميل والموقع

وبناءً على مجمل ما كشفه الفحص والتحليل، أمكن تفكيك الادعاءات المرتبطة بهذه الوثائق، والتأكد من كونها مواد مزوّرة. وقد أتاح ذلك تشكيل صورة واضحة عن طبيعة الملفات التي شغلت الرأي العام اليمني، في حين أسهم تداولها الواسع عبر وسائل إعلام محلية في نشر معلومات مضلِّلة بين اليمنيين.

هل استولت الإمارات على موارد الذهب في اليمن في عهد صالح؟

في عام 2015، صرح خبراء في الأمم المتحدة بأن ثروة الرئيس اليمني السابق قد تصل إلى نحو 60 مليار دولار، وأن جزءاً منها مرّ عبر مصارف في الإمارات، مرجّحين أن مصدر القسم الأكبر منها يرتبط بشبهات فساد. غير أن تلك التقديرات لم تُشر إلى أي صلة مباشرة بمزاعم بيع مناجم الذهب في اليمن.

وبعد انضمام الإمارات إلى التحالف الذي تقوده السعودية ضد جماعة أنصار الله، وجّهت الأخيرة عام 2020 اتهامات للإمارات بالاستحواذ على الذهب في محافظتي حضرموت وحجة، وباهتمامها بهذه الثروات منذ عام 2013. وربطت تلك الاتهامات بعلي عبد الله صالح، لأن مناجم الذهب في اليمن بقيت طوال عقود تحت سيطرة رئيس النظام السابق وعائلته، بما فيها عشرة مناجم في حضرموت، عبر اتفاقيات سرية مع شركات عربية وأجنبية خارج الأطر الرسمية والإعلامية.

وجاء ذلك بعدما نشرت وكالة أنباء الإمارات خبراً يفيد بأن شركة ثاني دبي للتعدين، وهي شركة إماراتية، قامت بعمليات تنقيب عن الذهب في محافظتي حضرموت وحجة عام 2010.

ورغم أن مصادر إعلامية عربية ومحلية نشرت اتهامات للإمارات بالاستيلاء على الذهب في عهد عبد الله صالح، فإنه لا يوجد ما يؤكد هذه التهمة بشكل قوي بسبب قلة الأدلة وسريتها.


وعاد الملف إلى الواجهة أخيراً، بعد تداول وسائل إعلام محلية وناشطين، في 29 آب/أغسطس 2024، تقارير تتناول الدور الإماراتي في استثمار احتياطي الذهب بمحافظة حضرموت جنوب شرقي اليمن. واتهمت وسائل إعلام محلية الإمارات بالسعي لترتيبات تتيح عودة شركة ثاني دبي للتعدين إلى العمل في المحافظة، بعد أن كانت غادرت اليمن عقب ثورة فبراير 2011 التي أنهت حكم علي عبد الله صالح.

وردّ فرع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية في حضرموت، عبر بيان نُشر على صفحته في فيسبوك بتاريخ 31 آب/أغسطس 2024، مؤكداً وجود أعمال حفر في مناجم ذهب، لكنّه نفى تماماً حدوث أي عمليات نهب. وأوضح أن “خام الذهب والمعادن المصاحبة له اكتُشف منذ سبعينيات القرن الماضي، ويتركز في مناطق وادي مدن وغيظة البهيش والمواقع المجاورة لها”.

وأضافت الهيئة أن شركة ثاني دبي الإماراتية مُنحت ترخيصاً في عام 2018، لكنّها أوقفت نشاطها في اليمن في العام نفسه. كما أوضحت أنها منحت تراخيص استكشاف لشركة “جلف كير” للتعدين، ولشركة أخرى في موقعين مختلفين، إحداهما شركة كويتية لم تبدأ أعمالها حينها، والأخرى شركة محلية.

إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج)
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.