في يومنا هذا... ماذا عن أحوال الأتحادات الطلابية؟

315
دأبت الاتحادات الطلابية في مصر خلال القرن العشرين على المشاركة في تكوين الرأي العام والمساهمة بصورة غير مباشرة في تغير الحياة الاجتماعية والسياسية باعتبارها جماعة من جماعات الضغط، فخروج الطلاب للتظاهر في 9 مارس (آذار) 1919، للتنديد بنفي سعد زغلول ورفاقه، وأحداث كوبري عباس التي جاءت لشجب مبدأ الدفاع المشترك مع الاحتلال الإنجليزي، وانتفاضة الخبز ـ ضد الغلاء ـ في1977، وغيرها من الهبَّات الطلابية شاهدات على التضحيات التي قدمتها الاتحادات الطلابية عبر العقود الماضية. كما أنه لا يوجد ثمة شك في أن الاتحادات الطلابية في الألفية الجديدة لم تتوان ألبتة عن التشابك مع القضايا ذات الزخم على الصعيد المحلي والإقليمي والعالمي. فالاتحادات الطلابية في الثلث الأول من القرن الحادي والعشرين بين ديمومة التشابك مع الأحداث الاجتماعية والسياسية والتقهقر خلال السنوات الخمس الماضية. ففي يومنا هذا.. ماذا عن أوضاع الاتحادات الطلابية؟ لسبر أغوار النشاط الطلابي في الوقت الراهن؛ تم تجميع شهادات أعضاء سابقين وحاليين في الاتحادات الطلابية مع استبيان رأي الطلاب حول مدى أهمية الاتحادات الطلابية في الوقت الحالي باعتبار أن متبوئين كراسي الاتحادات الطلابية مستمدين شرعية تواجدهم من الطلاب. دون مقدمات لم يتردد أحد أعضاء الأتحادات الطلابية العام الماضي عن الإفصاح عن شهادته بشفافية تامة؛ فروى هذه الشهادة كالآتي: (رفضت الدخول في انتخابات اتحاد طلاب الكلية التي أنتمي إليها هذا العام، لتدخل أعضاء الأعوام السابقة في هذه الانتخابات لا سيما الرؤساء؛ للمحافظة على مصالحهم التي كانوا يظفروا بها أثناء عضويتهم في الاتحاد، علاوة على ذلك فالاتحادات فقدت رونقها باعتبارها جماعة من جماعات الضغط، وانحصرت الأنشطة في تنظيم الندوات، وتنظيم الدورات التنافسية في الألعاب الرياضية، والأنشطة الفنية، ومسابقات حفظ القرآن الكريم. وأزعم أن مرجع ذلك إلى ثلاثة أمور: يتمثل أولهما في رغبة الإدارة المركزية للسلطة التنفيذية في تطويق الأتحادات الطلابية، ولا يوجد ما يبرهن على ذلك أكثر من حذف اتحاد طلاب مصر من اللائحة الجديدة، ووضع شروط فضفاضة فيمن يترشح للاتحادات الطلابية، فمن ضمن الشروط اللازم توافرها فيمن يتقدم لانتخابات الاتحادات الطلابية ألا يكون منتميًا لجماعة إرهابية؛ فهنا نلاحظ أن بمقتضى هذا الشرط من الممكن أن يتم استبعاد أي صاحب رأي من الطلاب بالتذرع به، فبات الأمر بيد إدارة الكلية، هي التي تحدد من ينتمي من الطلاب إلى جماعة إرهابية، وذلك لأن اللائحة لم تحدد الجماعات الإرهابية التي لا ينبغي أن ينتمي إليها المرشح. أما الأمر الثاني فيتمثل في الطلاب أنفسهم، أقصد – ولكن باستفاضة – أن المتقدمين للانتخابات من الطلاب ينقسمون إلى عدة طوائف: الطائفة الأولى: تتقدم إلى الانتخابات بغرض الشهرة بين أروقة الكلية، والطائفة الثانية: تتقدم لاستخدام الاتحاد لزخرفة سيرتهم الذاتية وجعلها مطية للوصول لأصحاب النفوذ، والطائفة الثالثة: تكون مدعمة من قبل إدارة الكلية، والطائفة الرابعة: تصبو إلى الاضطلاع بنشاط ذي قيمة، ولكنها تسقط في خانات السأم بعدما ترى الأوضاع في نصابها الحقيقي، أما الأمر الثالث فمرده إلى خشية الطلاب الذين يسعون إلى القيام بعمل جيد من مغبة التصادم مع إدارة الكلية، لا سيما عندما ينظرون إلى الذين تصادموا قبلهم فيجدونهم من الراسبين، أما فيما يتعلق بشأن غض طرف الاتحادات الطلابية عن مد يد العون للطلاب المعتقلين، فمرجع ذلك يتمثل في عدم وجود لجنة لحقوق الإنسان كلجنة فرعية تابعة لإحدى اللجان، وهذه نتيجة طبيعية لتطويق الاتحادات الطلابية من قبل الأمن. أما عن تقهقر الاتحادات الطبية في التشابك مع الأحداث الاجتماعية والسياسية؛ فالسبب الرئيس من وجهة نظري يتمثل في اللائحة الجديدة التي حظرت أي شعارات سياسية أو حزبية أو حتى دينية رغم أن الاتحادات الطلابية من المفترض أنها دار لتأهيل القيادات أي مجتمع سياسي على صعيد ضيق، فمن المفترض أن يتم إطلاق العنان للطلاب، فالتجمعات غدت محظورة تمامًا في ساحة الكلية، بل إن أي تجمع من الطلاب يتمخض عليه سؤالهم عن أسباب هذا التجمع فعلى سبيل المثال؛ تجمع ثلة من الطلاب تربطهم وشيجة صداقة يستوجب هذا سؤالهم من قبل إدارة الكلية عن أسباب هذا التجمع. لم ينف عضو في اتحاد طلاب 2015 – 2016، وحاصل على جائزة الطلاب الثلي وجهة النظر السابقة فقال في شهادته: بادئ ذي بدء؛ لابد من الإيماء إلى أن اتحاد طلاب 2013 -2014 آخر اتحاد طلاب يمكن أن نصمه بالقوة، فاتحاد طلاب الكلية إذا مارس صلاحياته التي تتيح لرئيسه حضور مجلس الكلية وحضور مجلس الجامعة وحضور مجلس التأديب لأي طالب والحق في مناقشة الميزانية، سيكون اتحاد قوي، لذا ففي حالة ممارسة اتحاد الطلاب الكلية اختصاصاته من ناحية كونه جماعة من جماعات الضغط؛ سيشكل هذا ضغط على عميد الكلية الذي هو الآخر سيشكل ضغطًا على رئيس الجامعة الذي لن يتوانى عن تشكيل ضغط على وزير التعليم العالي الذي سيمرر هذا الضغط إلى رئيس مجلس الوزراء الذي لن يتورع عن إلقائه على عاتق رئيس الجمهورية، فبالتالي الاتحادات الطلابية تقهقرت؛ لأن رأس السلطة التنفيذية تريد ذلك، ومن ناحية ثانية باتت الاتحادات الطلابية تغص بالطلاب الوصوليين ومحدودي الأفق. فعلى سبيل المثال إذا كنت أنت ومجموعة من الطلاب على رأي واحد، ثم عرض عليك أن تكون أمين إحدى اللجان في مقابل أن تنشق عن هؤلاء الطلاب، فماذا تختار؟ بالطبع الأغلبية ستختار أمانة اللجنة، لذا فبدون ثمة شك أعتقد أن الاتحادات الطلابية أضحت موالية لإدارة الكلية أكثر ما تكون موالية للطلاب أنفسهم، أضف إلى ذلك بأن أنتخابات الأتحادات الطلابية لا تعتمد على التنافسية بين برامج الكيانات الطلابية التي تتمثل في الأسر، بل يجتمع مقررون الأسر قبل إجراء الانتخابات ويقومون بشيء يسمى (التربيطة) لتقسيم المقاعد بين أسرهم؛ فتغدو الانتخابات ديكورية، بيد أن باعث دخول بعض الطلاب في الاتحادات الطلابية هو جني أموال من ورائها؛ فهناك طلاب يجنون من وراء الاتحادات الطلابية أموال بالتقاسم مع موظفي رعاية الشباب، فعلى سبيل المثال في تنظيم دورة من دورات كرة قدم، يتم تأجير ملعب كرة؛ فتخرج ميزانية لتأجير الملعب ليوم كامل، وفي الواقع يتم تأجيره لساعتين فقط، وباقي المبلغ المستخرج من الميزانية للتأجير يقسم بين بعض أعضاء الاتحاد وبعض الموظفين التابعين لإدارة رعاية الشباب، أو عن طريق قيامهم بتنظيم رحلات، فبدون مبالغة إذا نظم رئيس الاتحاد رحلة ترفيهية سيظفر من ورائها هو ونائبه بعدة ألوف. بعد الشهادتين السابقتين؛ تم الحصول على شهادة أحد الأعضاء الحاليين فجاءت مقتضبة إلى حد ما بعد سؤاله عدة أسئلة تدور حول الآتي: ما هي الأنشطة الطلابية الحالية؟، ولماذا ترشحت؟ وما سر عزوف الطلاب عن حضور الأنتخابات؟ وما الذي يقوم به الآن كعضو في أتحاد الطلاب؟ فأجاب: (أنا أشارك في تنظيم ندوة حالية حول الإرهاب، وسوف يحضر فيها ضابط من الأمن الوطني، وضابط من القوات المسلحة، وأستاذ من الأزهر، وأستاذ علم نفس، وأستاذ قانون، ناهيك عن الدورات الرياضي، والأبحاث، والأنشطة الفنية، والأنشطة الخيرية، وسبب ترشحي بأمانة شديدة، يرجع إلى توقي إلى ممارسة نشاط من خلال اتحاد الطلاب، خاصة في ظل وجود مقعد خالٍ حصلت عليه بالتزكية تابع للجنة العلمية، نعم، في الفرقة الثانية والثالثة والرابعة هذا العام؛ كل الأعضاء الممثلين لهذه الفرق تبوأوا المقاعد بالتزكية بإستثناء الفرقة الأولى فقط فكان هناك إقبال لا بأس به من الطلاب، أما عن سر عزوف الطلاب عن الانتخابات فالإجابة عندهم وليست عندي. لم تتوقف إجابته عند ذلك، بل استرسل في الإجابة على السؤالين الآتيين: هل هناك إقبال للطلاب لحضور الندوة التي تدور حول الإرهاب وهل تسنح الرصة للطلاب لمناقشة المحاضرين؟ فأجاب مرة أخرى باقتضاب: (لا يوجد إجبار للطلاب لحضور الندوة، وإن كان العام الماضي كان أعضاء الاتحاد يسعون إلى استقطاب الطلاب لحضور الندوات التي على شاكلة هذه الندوة، لعدم اكتراث الطلاب بالحضور، بل إن أحيانًا كثيرة يكون حضور الطلاب الندوة على مضض، أما عن مناقشة المحاضرين في الندوة من قبل الطلاب، فلا توجد ثمة مشكلة في ذلك، ولكن في حدود اللياقة، وعدم التطرق لجوانب لا تخفى على أحد. كانت هذه شهادات مجمعة من أعضاء اتحاد طلاب سابقين وحاليين، أما عن وجهة نظر الطلاب حول أهمية الاتحادات الطلابية وأسباب تقهقرها خلال الأعوام الماضية، لم تختلف آراء الطلاب بتباين دراستهم: فهنا طالب يدرس في كلية الهندسة يقول نصًا: أصبح دور الاتحادات الطلابية مهمش، ووجودها روتيني، وأصبحت مجرد أدوات إدارية تابعة لإدارات الكليات وموالية لها أكثر من أن تكون موالية للطلاب الذين من المفترض أن تمثلهم، ناهيك عن تعيينهم في بعض الكليات وسر تقهقرها واضح، وأحبذ عدم التحدث فيه. وهناك طالب في كلية طب الأسنان يقول بعد إطلاق ضحكة ساخرة: (العام الماضي أجريت الانتخابات أثناء الامتحانات، أما بالنسبة للعام الحالي فقد وجدنا طلابًا مجتمعين عند العميد، وعندما انفض تجمعهم اكتشفنا أن هؤلاء الطلاب هم الذين تم تعيينهم). وهذا طالب يدرس لعلوم السياسية يقول نصًا: (الاتحادات الطلابية بمثابة تجمعات للطلاب الفاشلين). وهذه فتاة تدرس علم النفس تقول: (الاتحادات الطلابية هي ملاذ للطلاب المتغطرسين والمتيمين بالشهرة). ويدلي طالب آخر يدرس العلوم القانونية وجهة نظره كالآتي: (السبب الرئيسي لعزوف الطلاب عن المشاركة في الاتحادات الطلابية يكمن في نقطتين، تتبلور النقطة الأولى في عدم مواكبة الهيكل التنظيمي للاتحادات الطلابية للعصر، وتتمثل النقطة الثانية في عدم الترويج الكافي للانتخابات والأنشطة الطلابية). أخيرًا ألقت مؤسسة حرية الفكر والتعبير بصورة ضمنية الضوء على تقهقر الاتحادات الطلابية عن طريق لإيماء – في ملف الحرية الأكاديمية والحقوق الطلابية – إلى تجديد حبس نائب رئيس اتحاد طلاب جامعة طنطا معاذ الشرقاوي بتهمة الانتماء لجماعة إرهابية لتعضد شهادة الأعضاء السابقين لأحد الاتحادات الطلابية خلال الأعوام الخمسة المنصرمة.

محمد عيسى

تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك