المقال: مجلة إحنا (٢٠١٢) – تم تعديل المقال
الصورة: حراس بريطانيين في معركة تل الكبير في الثالث عشر من سبتمبر عام 1882 في الحرب المصرية. عمل ألفونس دي نيوفيل

 

أنشئت الدساتير والقوانين الجنائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في أوائل القرن العشرين وكانت وقتها معظم دول المنطقة تحت الاحتلال أو الاستعمار الأوروبي. وظهرت في هذه الآونة القوانين المجرمة للمثلية وفقاً للقوانين المقتصبة من قوانين الدول المستعمرة، تحت مصطلح “الفجور الأخلاقي” من القانون الجنائي البريطاني أو “الجنس يخالف الطبيعة” في القانون الجنائي الفرنسي. وفي بعض الدول بعد الإستقلال أو تغيير الإتجاهات السياسية، سقطت بعض هذه القوانين المجرمة للمثلية أو تغيرت لتطابق الأحكام الشرعية والحدود.

عندما كانت مصر تحت الاستعمار البريطاني، نشأ القانون المجرم للعلاقات الجنسية بين الرجال تحت بند الفجور وتم تعديل القوانين عدة مرات حتى وصل إلى المادة 9ج، القانون رقم 10 لمكافحة “الدعارة والفجور” لسنة 1961. وهذا القانون الذي سن بلغته جاء علي عجالة لحماية “الأخلاق” في فترة انتهاء الاستعمار ففي ذلك الحين أراد البرلمان في عجالة أن يمنع “الدعارة” حيث انها كانت تمثل في نظر البرلمانيين الخضوع الثقافي إلى جانب ما فيها من خطيئة وبالتالي سن البرلمان قانونا يمنع بشكل عام هذه الأفعال. نص القانون على معاقبة اعتياد ممارسة الفجور والدعارة بالسجن 3 سنوات بالاضافة لغرامة.

وأصبح هذا النص القانوني هو القانون الأساسي الذي يستخدم حتى الآن للقبض وتوجيه تهم الفجور للرجال المثليين ومزدوجي الميل الجنسي والعابرات جنسياً في مصر حتى يومنا هذا. ويوجد بعض القوانين الأخرى أيضاً مبهمة وليست محددة كالفسق (المادة 269 مكرر) والفعل الفاضح (المادة 278).

حادثة الكوين بوت أو قضية القاهرة 52، هي أشهر حادثة في مصر ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في القبض على واضطهاد المثليين. فقد تم التغطية إعلامية قوية لهذه القضية والتشهير بالمتهمين في معظم الصحف المصرية، حيث تم ذكر أسمائهم الكاملة ومحل سكنهم ووظائفهم. لم تكن كل اسباب القضية فقط المثلية الجنسية، بل كان هناك أيضاً أسباب سياسية في ذلك الوقت وراح ضحيتها الكثير وتم التشهير بهم، وإتهامهم بإزدراء الأديان وتكوين جماعة تخالف القانون والتحقيق معهم في أمن الدولة.

ليست هذه القضية الوحيدة ولكن يوجد الكثير من القضايا الأخرى وتستمر حتى الآن ولكن بأعدادٍ أقل وعلى فترات متفاوتة. تحدث مداهمات كثيرة لأماكن يتواجد فيها المثليون وتم القبض عليهم ومحاكمتهم وتعذيبهم/ن.

ولقد أتاحت هذه القوانين غير واضحة المعالم إلى بناء نظام عدالة جنائي يفتقر إلى الضوابط الكافية فلم تعد وظيفة العدالة الجنائية تطبيق سيادة القانون بقدر ما أصبحت فرض سيطرة اجتماعية وحشية. وكان المقصود بكلمة “دعارة” عموما الجنس التجاري، أما كلمة “الفجور” فنطاقها أوسع من ذلك بكتير وتشمل فكرة الفعل الفاحش بشكل عام. وعندما احتار المشرعون بين معاقبة الدعارة ومنع الزنا بشكل عام قالوا انهم يقصدون بكلمة الدعارة معاقبة فسق النساء اما كلمة الفجور فارادوا بها معاقبة فسق الرجال .

بذلك أصبح مصطلح الفجور أداة لإدانة الأخلاقية أكثر منه مصطلح قانوني دقيق وصار للمصطلح استخدامات غير متوقعة حيث أن المحاكم والنظام الجنائي هم الذين قرروا ما هو فسق الرجال وركزوا علي السلوك المثلي بشكل خاص.

أما الفرق بين الدعارة والفجور وعلاقته بالبغاء جاء أهم حكم فيها في عام 1975 كانت شرطة الآداب قد داهمت منزلا خاصا وضبطت رجلا متلبسا باختراق رجلا آخر وجهت النيابة تهمة الفجور إلى الطرف السلبي الذي قال أنه اعتاد ممارسة الجنس مع الرجال لكن دون مقابل ورغم ذلك قضت محكمة النقض بأن الرجل مذنب وترتب على ذلك الحكم فصل “الفجور” قانونا عن الدعارة وربطه بالسلوك المثلي ما بين الرجال وقد صرح المشرع تحديدا بأن هذه الجريمة “اعتياد ممارسة الفجور” تقع عند ممارسة الفحشاء مع الناس دون تمييز وعند حدوث هذه اعتياديا ولم يلزم لمثل هذه التهمة أن يكون ممارسة الفجور نظير مقابل مادي .

ومن ذلك يتضح بأن زعم بعض المسئولين المصريين زعما مضللا بأن الدولة لا تسن أي قانون به تمييز ولا تفرقة على أساس التوجهات الجنسية للفرد لكن في الواقع أن القوانين التي كانت تستهدف البغاء اصلا قد اتسع نطاقها اثناء فترة سنها لتصبح اداة واسعة النطاق تعاقب على الفسق عامة .

والآن أصبح المفهوم لتلك القوانين تجريم السلوك المثلي الذي يتم بالاتفاق بين طرفين وبدون مقابل مادي تحت اسم الفجور. وهذه القوانين هي انتهاك واضح لأنواع الحماية المنصوص عليها في اتفاقيات حقوق الإنسان الدولية.

 

 

نُشر هذا المقال في الأصل عام 2012 في أول مجلة مصرية للمجتمع الميم، مجلة ‘إحنا’. للأسف بعد ستة عشر يومًا فقط من المجلة ، أغلقت المجلة و لم تنشر أي اعداد أخرى. كانت آخر منشور للمجلة على الفيس بوك في السابع والعشرين من مايو 2012 ، تقول: “لقد أجبرنا على إغلاق مجلتنا الإلكترونية لأسباب أمنية. نعتذر عن الإزعاج ونشكركم على صبركم وتعاونكم”. بالتعاون مع فريق اعداد مجلة ‘إحنا’ قمنا بنشر عدد من تلك المقالات.