بقلم: سري باز
العمل الفني: موسى الشديدي
هذا التقرير بلتعاون مع سينمجي، (مبادرة سينمائية عربية نسوية كويرية)



تسعى المراجعة للبحث حول ظاهرة ارتداء الرجال لثياب النساء في السينما العربية، وتحاول الإجابة على تساؤلات من قبيل؛ ما الصور النمطية التي رسختها هذه الأفلام؟ كيف صورت الشخصيات التي قامت بهذا الفعل؟ ما هي المفاهيم النسوية الكويرية التي يمكن نقد هذه التصويرات على الشاشة من خلالها؟

 

الخالة الأمريكانية/ 1920
في عام ١٩٢٠ تم عرض الفيلم الروائي القصير الصامت الخالة الأمريكانية ومدته ٣٢ دقيقه تقريبا من إخراج أورفانيللي عن المسرحية الانجليزية خالة تشارلى، حيث قام بإقتباسها الكاتب والممثل أمين صدقي الذى شارك في تمثيل الفيلم مع “على الكسار” وألفريد حداد  والممثلة الأجنبية كلود ريكانو وهو اول ظهور للممثل الشهير علي الكسار صاحب فرقة الكسار المسرحية ولعب في الفيلم دور امرأة.

لسوء الحظ لم يتم العثور على أي تسجيل للفيلم، وبالتالي لم أتمكن من وصف الصورة التي ظهرت فيها شخصية علي الكسار “كامرأة” في الفيلم. يجب التنويه إلى الدراسة التي أشارت إلى فيلم “الخالة الأمريكانية” كواحد من تجارب السينما الأولى في مصر.١

 

إسماعيل يس في مستشفى المجانين/ 1958
حبكة الفيلم بسيطة ولكن رغم ذلك بنيت بقية مشاهد الفيلم عليها، تدور قصة الفيلم حول الأم والأب “والدا طعمة” اللذان يعدان بخطبتها وتزويجها لأكثر من شخص بهدف الاستفادة من زواجها ماديا، حيث يعدون (الخضرجي، القهوجي، اللحام، والفطرجي حسونة ..) بخطبتها مقابل اكتساب النقود والحاجيات والطعام مجانا “كجزء من مهر البنت”.

الصورة النمطية المباشرة التي يصدرها الفيلم في الدقائق الأولى منه هي تسليع المرأة وتشييئها واعتبارها ملكية خاصة للوالدين/ في الحالات الأكثر ذكورية للوالد وذكور العائلة، يستطيعون هم اتخاذ قرار تزويجها ولمن ومتى ومصادرة حريتها في الاختيار وإرادتها الحرة.

تتابع أحداث الفيلم بشكل كوميدي ودرامتيكي سريع، حيث يقوم أحد الخطاب “علوة” التمرجي بالاحتيال على حسونة وإدخاله مستشفى الأمراض العقلية، والوعد بسداد ديون بقية الخطاب التي كانت جزءا من مهر “طعمة”، لاحقا يتمكن حسونة من الهروب من المستشفى بواسطة تنكره بزي نسائي “ملابس أم طعمة” ويقوم بزيارة دجال متنكرا بالملابس النسائية، وعند دخول حسونة لا يستطيع الدجال أن يميز حسونة ويتعامل معه على أنه امرأة بناء على الزي الذي يرتديه، في حين يبدأ حسونة بمواجهة الدجال وكشف عجزه عن قراءة الطالع حيث لم يميز كونه رجل متنكر بزي نسائي:

حسونة: “ست؟ أيوا ست، ست براني، ست مزيفة، ست ممنوعة من الصرف” ويكشف غطاء الراس، ليتعرف عليه الدجال مباشرة: “حسونة ! يخيبك”

هنا يمكننا التوقف عند أول ردة فعل لمشاهدة رجل مرتديا زيا نسائيا، حيث اتسمت ردة فعل الدجال على الضحك وتعرفه مباشرة على حسونة دون تعليق سلبي أو رفض لما قام به حسونة.

يستمر الحوار بينهما عن سبب قيامه بذلك، ويشرح حسونة ما حدث معه من خسارة أمواله وعمله وخطيبته وإدخاله مستشفى الأمراض العقلية لجنونه المدبر، يرد حسونة على سؤال الدجال: “ولبست لبس الست عشان كده؟”

ليرد حسونة بشكل مباشر وحاسم “طبعا، هو في أشطر من الستات في الزوغان”

وهنا ردة الفعل الثانية الأهم والتي تمثلت برأي “حسونة/الست” أنه لجأ للتنكر بزي النساء لأنهن الأفضل في الزوغان”

وإذا ما رجعنا إلى قواميس اللغة العربية نجد أن الفعل يعني من بين عدة معاني ما يلي:

“الزَّيْغُ المَيْلُ زاغَ يَزِيغُ زَيْغا وزَيَغانا وزُيُوغا وزَيْغُوغة وأَزَغْتُه أَنا إزاغة وهو زائِغ من قوم زاغة مالَ وقوم زاغة عن الشيء أَي زائغون وقوله تعالى رَبَّنا لا تُزِغْ قلوبَنا بعد إِذْ هَدَيْتَنا أَي لا تُمِلْنا عن الهُدَى والقَصْدِ ولا تُضِلَّنا وقيل لا تُزِغْ قلوبَنا لا تَتَعَبَّدْنا بما يكون سببا لزيغ قلوبِنا والواوُ لغة وفي حديث الدعاء اللهم لا تُزِغْ قَلْبي أَي لا تُمَيِّلْه عن الإِيمانِ يقال زاغَ عن الطريق يَزِيغُ إذا عدَلَ عنه وفي حديث أَبي بكر رضي الله عنه أَخافُ إِن تَرَكْتُ شيئا من أَمرِه أَن أَزِيغَ أَي أَجُورَ وأَعْدِلَ عن الحقّ وحديث عائشة وإذْ زاغت الأَبصار أَي مالَتْ عن مكانها كما يَعْرِضُ للإِنسان عند الخوف وأَزاغه عن الطريق أَي أَمالَه وزاغتِ الشمسُ تَزِيغُ زَيُوغا فهي زائِغة مالَتْ وزاغَتْ وكذلك إِذا فاءَ الفيءُ قال الله تعالى فلمَّا زاغُوا أزاغَ الله قلوبَهم وزاغَ البصرُ أَي كَلَّ والتَّزايُغُ التَّمايُلُ”.إبن منظور. معجم لسان العرب. 1290.

ونجدها أيضا تعني: “الانحراف عن طريق الحق، الاعوجاج، الميل والانحراف”، وفي علوم النفس يعني الزيغ والزوغان “انحراف عن المألوف، أو اضطراب عقلي كما يظهر في سلوك غير الأسوياء”.

على المستوى الشعبي يتداول المصريون المصطلح “ست زايغة، أو عيونها زايغة” على أنه يعني “الست اللي بتروح مع رجالة كتير”، بحيث يتضمن المصطلح مدلولات سلبية اتجاه المرأة الشهوانية/متعددة العلاقات/خرابة البيوت وغيرها.

في الفيلم كان المبرر الرئيسي لارتداء حسونة لزي النساء هو أنهن الأمهر في الزوغان أي الخداع، والهرب، والميلان، حيث تم تحميل الزي النسائي “المجرد” إذا ما أمكننا قول ذلك صفات وصور نمطية عن المرأة الشرقية بشكل عام، بحيث تمتلك القدرة على التلاعب والخداع.

يستمر الحوار بزخم في نفس المشهد، حيث يرى الدجال في “حسونة/الست” فرصة لتحسين عمله، بحيث يطلب منه البقاء متنكرا والعمل معه، يقوم حسونة بالجلوس في مكان الانتظار مع باقي النسوة ويجري معهن حوارات لمعرفة سبب قدومهن “بالتأكيد من خلال كونه امرأة” ثم يخبر الدجال بأسبابهن قبل دخولهن إليه وبذلك يظهر الدجال بصورة العارف والصادق ويحقق مرابح أكثر.

هنا نتوقف عند الملاحظة الثالثة، وهي تسويق المرأة وزيها واستغلالها لتحقيق عدة مكاسب أهمها المادية وتحقيق الربح، إلى جانب تحقيق مقدار أكبر من المصداقية، وبطريقة غير ظاهرة “استغلال المرأة للمرأة”، والتي تصب جميعها في خدمة “الرجل”، وهنا يستفيد الطرفان الدجال وحسونة لأن كلاهما استفادا ماديا.

لا يستمر مشهد إسماعيل ياسين في الزي النسائي سوى لعدة دقائق، مع ما تحمله هذه المشاهد القصيرة من صور نمطية وقوالب سلبية للمرأة، تستمر مشاهد الفيلم بأسلوب كوميدي مبالغ فيه.

ولكن مشهد آخر تجدر الإشارة إليه وهو رفض طعمة للزواج بغير “حسونة”، ورفضها أن تعامل على أنها سلعة تباع وتشترى دون أخذ رأيها وموافقتها، تقول طعمة: “هو أنا بيعة وشروة؟ ماليش كلمة؟”.

وهي الصورة النمطية التي روج لها الفيلم في المشهد الأول منه، ظاهرة إكراه النساء في الشرق على الزواج، وإجبارهن على الزواج دون رغبتهن غالبا لتحقيق أهداف مادية من خلال “المهر” أو تحقيق شهرة ونسب عائلي أو الستر والخوف من العار وشرف المرأة، تظهر “طعمة” في هذه الجملة رفضها لكل هذه الصور المفروضة على المرأة العربية وعليها تحديدا في سبيل تحقيق أهلها لمكاسب مادية مقابل تهميش مشاعرها وحبها لحسونة.

تضمن الفيلم عدة صور نمطية مكررة عن المرأة كما تم الإشارة إليها سابقا، إضافة إلى “أزهار” الرقاصة التي يهيم بها أبو طعمة، والتي تصور المرأة أيضا على أنها تسعى للمال ولديها القدرة على التلاعب والخداع، حين يدفع لها “حسونة وأم طعمة” لخداع أبو طعمة والإيقاع به.

ما يمكن ملاحظته في الفيلم أنه الرجل “حسونة” متنكرا بزي النساء لم يتحمل أي صورة نمطية أو إساءة أو انتقاد، على العكس الزي النسائي والمرأة بشكل عام هي من تم إلصاق هذه الصور والصفات لها “زايغة، متلاعبة، مخادعة” مقابل تصدير صورة الرجل الذي يستخدم زي المرأة لتحقيق أهدافه دون أي مسؤولية على عاتقه، يتم تحميل اللوم في الفيلم على الزي نفسه لا على الرجل الذي يرتديه، بحيث يتم تجاهل خداع حسونة نفسه حين استغل زي النساء، واستمراره في ارتدائه لتحقيق مصالح تعود عليه وعلى الدجال بالنفع، وتصوير المرأة المخادعة للنساء الأخريات.

سكر هانم (فتافيت السكر هانم)/ 1960
على عكس الفيلم السابق، فإن مشهد تنكر “سكر” بزي النساء يستمر طوال الفيلم ويعتبر دوره محوريا، حيث لا يقتصر على مجرد التنكر وإنما يمتد إلى تقمص شخصية المرأة وانفعالاتها وتصرفاتها والمتوقع منها.

الفيلم يزخر بمشاهد عديدة تحمل صورا نمطية عن كل من المرأة والرجل على حد سواء، فمن ناحية تظهر المشاهد الأولى من الفيلم “شهوانية” الرجل المبررة والمقبولة بغض النظر عن طبقته الاجتماعية أو حالته المادية إلخ .. المهندسان نبيل وفريد من طبقة مرفهة ماديا واجتماعيا، في مقابل “نعناع” الخادم والذين يشتركان في تعدد علاقاتهم وإن كانوا يختلفون في طبقتهم الاجتماعية.

يرسخ الفيلم منذ بدايته سطوة الرجل وتفوقه على المرأة ويظهرها بعدة صور لا تتجاوز القوالب النمطية المتداولة، وأيضا رغم اختلاف الطبقة الاجتماعية للنساء اللواتي ظهرن في الفيلم “فكهية/الخادمة، سلمى وليلى، سكر/العمة البديلة، وفتاتفيت السكر..”، فالمرأة أيضا لعوبة ومخادعة وتبدي طاعتها المطلقة للرجل –في المشاهد الأولى حيث ينادي المعلم شاهين على فكهية/الخادمة بعدة ألفاظ نابية ومهينة (يا بنت المجعلصة، يا بنت الوارقة وغيرها) والتي تلبي أمر المعلم وتجيبه حاضر يا سيدي، فمن جهة يجوز للسيد/الرجل إهانة المرأة والتقليل من شأنها ووضعها في قوالب نمطية تصف شكلها وجسدها كحالة مخالفة للمعايير الجمالية، وفي ذات الوقت يظهر دونية المرأة أمام الرجل.

تناول الفيلم شخصية الرجل “سكر” بزي المرأة من خلال قالب كوميدي وفكاهي، وتلقائي، حيث تشابك الأحداث وصولا إلى قيام “سكر” صديق كل من نبيل وفريد وهو ممثل فاشل يفضل كما أشار بنفسه “أدوار المرأة” لمهارته في تقمصها، يفرض عليه صديقاه القيام بدور عمة فريد/سكر هانم، لإنقاذهما من غياب عمة فريد الحقيقية وتلبية لدعوة كل من سلمى وليلى.

يمكننا القول أن الفيلم تناول شخصية الرجل بزي المرأة من خلال عدة تصورات: الأول هو تصور كل من فريد ونبيل اللذان يقفان وراء الفكرة، حيث يشير نبيل عند رؤيته لسكر أول مرة متنكرا بزي المرأة: “يخرب عقلك يا سكر، إنتا فعلا بقيت وحدة ست، لو مشيت في الشارع حتلاقي 30 راجل يعكسوك”.

سكر: “ما اسألش فيهم، أنا ست شريفة”.

نبيل: “لكن قلي إنتا إزاي بقيت كده؟”.

سكر: “ده فن، مش بس اللبس حريمي، الكلام حريمي، الحركات حريمية، المشية حريمي، ما حدش يقدر يكتشف أبدا إني وحدة ست”.

هذا الحوار يعكس تصورا أوليا من وجهة نظر كل من سكر نفسه والمهندس نبيل، حيث يرى سكر أن تنكره بزي المرأة غير كافي لوحده ويجب عليه أن يتقن تقمص صوتها وحركتها ومشيتها …، وبالتالي ينظر إلى دوره كممثل وكفنان، ويعكس حوار نبيل ذات التصور، وهنا أنه ممثل يتقمص شخصية المرأة ويرتدي ملابسها وبالتالي كان مقبولا بالنسبة لكل من فريد ونبيل وسكر ارتداء زي النساء.

يظهر التصور الثاني في الفيلم عند رؤية المعلم شاهين لسكر كما يعكسه مشهد لقائهم.

سكر: إزاي تتهجم على وحدة ست؟

المعلم شاهين “حوار داخلي”: ست؟ أي ست؟ أنا مش شايف قدامي أي ست..” ثم يصرخ: “ده أنا جمب منك أبقى مارلين مونرو.

سكر: “ليه  انتا عميت؟ مانتاش شايف جمال السيقان …”

المعلم شاهين: يا ولية اختشي يا قرشانة؟ عندك كام سنة؟

سكر: وحياة بابا لأشكيك للشرطة، بتتهجم علي في البيت لوحدي، عايز تفسد أخلاقي؟

المعلم شاهين: ليه ؟ حلوة لا سمح الله؟ ست لا قدر الله؟ ده بيني وبينك فرق شنب.

لم تكن مشكلة المعلم شاهين في كون سكر امرأة حقيقية أم لا لعدم معرفته، ولكن ما نراه في حوار المعلم شاهين هو الصورة المعيارية لجمال وشكل المرأة التي يفرضها المجتمع وتدعمها السينما والتي ظهرت بشكل فج وواضح في الحوار السابق، المرأة هي من تنطبق عليها معايير الجمال والشكل التي وضعها المجتمع الذكوري، وما لم تستوفي تلك الشروط لا تعد امرأة، هي “مسترجلة” كما أشار المعلم شاهين في مشهد آخر “هي صاحبتكم مسترجلة”، يشارك والد نبيل (السيد قدري) ذات النظرة لسكر لعدم استيفائها شروط الجمال للرجل الشرقي، وبالتالي يبادر إلى توجيه الكلام المهين لها وتلمحيات صريحة ببشاعتها.

المشهد الهام الآخر هو في نهاية الفيلم عندما ينكشف تنكر سكر بزي امرأة أثناء كتب الكتاب للمعلم شاهين:

سكر: أنا زيك تمام.

المعلم شاهين: زيي يعني إيه؟

سكر: يعني راجل.

المعلم شاهين: يا دمغة مطينة، بقى أنا أكلت مقلب وخطبت حرمة دكر !!

المأذون: يا لطيف يا رب، سلاما قولا من رب رحيم، طلعوني من هنا.

يشرح كل من فريد ونبيل ما حدث وطلبهم من سكر التنكر بزي إمرأة وتمثيل دور العمة.

ردة فعل المعلم هي التهجم مباشرة على سكر، وسؤاله: وشرفي؟؟

يستمر المشهد ..

والد نبيل للمعلم شاهين: إهدى وابقى راجل، هو إنتا حتتجنن وتتجوز راجل، هو انتا ست ؟!

المعلم: والله ماني عارفز

والد نبيل: اعتبر المسألة هزار وخلاص.

وينتهي الفيلم بالضحك كون المسألة كانت مجرد مزاح وتمثيل، إلى أن ينتهي في المشهد الأخر بملاحقة المعلم شاهين لسكر.

يعكس هذا المشهد عدة نقاط هامة: الموقف الديني الواضح والمتشدد وهو ما ظهر في تعليق المأذون، الرفض المجتمعي لتبادل الأدوار أو بشكل أدق لارتداء الرجل زي المرأة وتقمص شخصيتها، “الشرف” كقيمة أساسية محصورة بالرجل وملكيته من النساء كما أشار المعلم شاهين، والموقف الآخر الذي عكسه الفيلم على لسا والد نبيل وهو أن المسألة مجرد مزاح وهون يصبح قبول تنكر الرجل بزي المرأة مقبولا نوعا ما.

الفيلم مليء بالمشاهد والصور والقوالب النمطية، حيث أكد كما في الفيلم السابق على تسليع المرأة وتشييئها “موقف المعلم شاهين ووالد نبيل في سكر بعد معرفتهم بالثروة التي تمتلكها العمة”، المرأة المرغوبة، الرجل الشرقي الشهواني في جميع المشاهد، خضوع المرأة للرجل، ضرب النساء، الإكراه في الزواج “ليلى وسلمى لأبناء شريك المعلم شاهين كصفقة تجارية ثم لنبيل وفريد أيضاَ طمعا في ثروة العمة”.

الألفاظ والمصطلحات التي تضمنها الحوار حادة وتعمل على تعزيز فوقية الرجل ودونية المرأة، وتعزيز ماهية معايير الجمال، وشكل المرأة، معاكسة المرأة كشيء إيجابي يدل على رغبة الرجال فيها، شهوانية “سكر/العمة” مع كل من سلمى وليلى وغيرها الكثير.

 

أذكياء لكن أغبياء/ 1980
يتناول الفيلم الحياة الجامعية لمجموعة من الطلبة، تعترض كل من زغلول وحسونة الشابين القادمين من ريف مصر مشكلة غلاء المسكن ووضعهما المادي الصعب، لاحقا يتوصلان إلى فيلة حمدي بيك، الذي يقوم بتأجير غرف الفيلا للفتيات الجميلات فقط من أجل إرضاء رغباته الجنسية واستغلالهن، بعد فشلهم في الحصول على غرفة يقرر الشابات التنكر في ملابس الفتيات، وهنا تبدأ أحداث الفيلم.

كما سبقه من أفلام توحي المشاهد الأولى بالصور النمطية أولا عن النساء، حيث هن معرضات للاستغلال الجنسي دائما، ويعاملن من منظور الرجل الشرقي كرغبة مطلقة يسعى بشتى الطرق للنيل منها، مشاهد “التطقيس” على الطالبات في الشارع، الرغبة الجامحة والفجة التي تغلف معظم مشاهد الفيلم.

بعد انتقال بهيرة وشهيرة/ الأسماء المستعارة لزغلول وحسونة وتنكرهم بزي الفتيات إلى الفيلا تبدأ الأحداث بالوضوح بالنسبة لساكيني الفيلا وتتكشف حقيقة حمدي.

في المقابل يعرض الفيلم مشاهد مزدوجة فرضها وجود الشخصيتين (بهيرة وشهيرة من جهة، حسونة وزغلول كشابين في الجامعة من جهة أخرى)، قدمت شخصيتي الفتاتين بطريقة سيئة، حيث كان التنكر بسيطا ويوحي ببشاعة مظهرهن مقابل جمال وإغراء الفتيات الأخريات (ناهد، نجوى، بيسة وغيرهن)، يظهر الفيلم التنمر الذي تعرضن له بسبب مظهرهن سواء من قبل الرجال مثل حمدي بيك الذي سعى إلى طردهن منذ البداية وساعد في منع ذلك الحارس، أو من خلال إلقاء الفتيات جميع الواجبات المنزلية من غسيل وجلي صحون وطهي على بهيرة وشهيرة، واستسلام وتنازل الفتاتين بشكل أو بآخر والقيام بهذه الواجبات بسبب مظهرهن وحرصهن على البقاء في الفيلا.

شخصية حمدي مثلت بشكل كبير الصورة النمطية للرجل الشرقي كما أشرت سابقا، الشهواني الذي يسعى لإرضاء رغباته ونزواته الجنسية، وتمر العديد من الأحداث من بداية محاولته التحرش بهن “الفتيات الجميلات بالطبع” وصولا إلى محاولة التحرش في شهيرة وبهيرة بعد رفضه من بقية الفتيات أو فشله.

يعرض مشهد التحرش بكل من بهيرة وشهيرة لفكرة أساسية وهي أن سلوك التحرش لا يقف عند الفتيات الجميلات فحسب، فحتى شهيرة وبهيرة ورغم سوء تقديمهن في الفيلم إلا أنهن كن عرضة للتحرش من حمدي.

ينتهي الفيلم بطريقة دراماتيكية حيث يكشف حمدي تنكر شهيرة وبهيرة ويخبر الفتيات بذلك، يحاول بعد ذلك إصلاح كل ما سبق بالتنازل عن الفيلا لصالح التعليم العالي ودفع كفالة زغلول وحسونة وإخراجهم من السجن ونيل رضا بيسة التي وقع في حبها.

بشكل عام قدم الفيلم شخصية الرجل بزي النساء بطريقة تقليدية ومكررة، يغلب عليها طابع الكوميديا من جهة، وتسيطر عليها القيم الأبوية ومعايير الجمال المثلى للمرأة من جهة أخرى، تم التعامل مع انكشاف سر تنكر كل من زغلول وحسونة في الفيلم من قبل الشخصيات بطريقة فكاهية ويغلب عليها الضحك، في حين يمكننا ملاحظة سلوك آخر اتجاه تنكرهم وهو السيدة التي قدمت لهن السجائر في السجن ووعدتهم بتأمين منزل لهم مع رجل “متل ما تحبوا” في إشارة إلى رجل لديه رغبة جنسية من هذا النوع، الإشارة هامشية بشكل عام في أحداث الفيلم ولكنها هامة لفهم تعامل السينما مع الرجال الذين يرتدون زي النساء، الفكاهة والكوميديا من جهة، أو ممارسة هؤلاء للجنس مع رجال يرغبون بمثل هذه المظاهر، صورة نمطية مكررة بشكل عام في السينما العربية.

 

رجل في سجن النساء/ 1982
تطغى شخصية “يونس” المتنكر بزي امرأة متعددة الأسماء على الفيلم منذ بدايته، سيدة مبالغ في ماكياجها وزينتها في شارع في انتظار زبون “رجل”، هكذا بدأ فيلم رجل في سجن النساء افتتاحيته، شخصية “يونس” يرتدي زي النساء بأسماء مختلفة ويصور أنها تعمل بائعة هوى، لاحقا يتضح في الفيلم أن يونس ينتقم لما حدث معه من خسارته لخطيبته بسبب المال، ليقرر على إثر ذلك التنكر بزي امرأة وسلب الرجال أموالهم للانتقام منهم.

الأحداث متسارعة في الفيلم وبشكل أو بآخر فقد تضاربت صورة “يونس/المرأة” في الفيلم فمن ناحية يعرض الفيلم الشخصية بطريقة مبتذلة مجددا “زينة مبالغ فيها، محاولة إطغاء الأنوثة من خلال الملابس والصوت والشخصية” على عكس الأفلام السابقة التي لم تضع شخصياتها المتنكرة أي ماكياج واضح على سبيل المثال، وراء يونس/المرأة، يونس الرجل الذي ساعد الفقراء من خلال عمله الليلي في سرقة الرجال الذين يخرج معهم، يتعرف على “نوسة” المرأة الرقيقة والبسيطة وذات الحال الميسور.

تدخل نوسة السجن في أحدى رحلاتها مع مالك بوتيك الملابس “سمير” الذي يعمل على تهريب المخدرات دون علمهن يتم الإمساك بها وتحكم بالسجن المؤبد، تعود هنا شخصية يونس/الرجل ليتم تعزيزها أكثر من خلال قيامه بدعم عائلة نوسة الفقيرة ومساعدتها.

في إحدى الليالي تقع “يونس/المرأة” في دورية للشرطة أثناء وجودها مع رجل آخر، وفي السجن يدور الحوار الأولي بين النسوة في النظارة عن تهمهن وتكشف “يونس/المرأة” عن أن وجودهن بالنظارة بسبب بيع الهوى، تقابل ذلك نفور من بقية السجينات واعتزازهن أنهن مسجونات بسبب سرقات أو أي تهم أخرى غير الدعارة، تحاول إحدى السجينات نزع شعر “يونس/المرأة” لتكشف شخصية يونس الحقيقية ..

يا باشا إلحقنا راجل في هدوم ست معانا في النظارة …

إلى هنا لم تتعرض الشخصية لأي انتقادات أو رفض حاد، فباستثناء أحد ضحايا يونس الذين قابلهم في المحكمة لم يظهر الفيلم تصورا مباشرا عن الشخصية، “ربنا يهديكي ويتوب عليكي” رغم عدم تنكر يونس بالطبع عند النطق بالحكم في المحكمة، بالتالي صدر الفيلم مشهد سخرية وتقليل شأن ليونس/الرجل من خلال استمرار مخاطبته بصيغة المؤنث.

يسجن يونس لمدة عامين ويتواصل مع نوسة أثناء وجودها في السجن ويخبرها في رسائله عن الحقيقة الكاملة، تنقضي مدة سجن يونس، ويخرج ليبدأ التخطيط لكيفية الإيقاع بسمير صاحب البوتيك والسبب في سجن حبيبة يونس.

هنا رغم عودة شخصية يونس بزي امرأة “حلاوتهم” إلا أن الفيلم يعمل على تصدير الشخصية بشكل إيجابي بحيث يتعاون يونس مع الشرطة للإيقاع بسمير، وهنا نلاحظ قبول الشرطة لشخصية يونس/حلاوتهم ويعملون على التعاون معه، المقطع المثير للاهتمام هو رفض يونس لشخصية حلاوتهم،

رئيس قسم الشرطة: أوعك يكتشف إنك راجل؟

ليرد يونس بحرارة وانفعال: مانا راجل يا بيه.

في اليونان، يصدر الفيلم من جديد الصورة النمطية للرجل والمرأة على حد سواء، الرجل الشهواني الذي يرغب في أي امرأة ويريد النوم معها، وصورة المرأة المتاحة دائما أو التي يمكن استغلالها بالرغم من عدم مطابقتها لمعايير الجمال الذكورية التي يفرضها المجتمع.

بشكل عام يختلف الفيلم قليلا عما سبقه من الأفلام من حيث تناولها لشخصية الرجل متنكرا بملابس النساء، ولكن باعتقاد فهو تحول يخدم الشخصية في السياق لا أكثر، لذلك لم تغب الصور والقوالب النمطية الأخرى من الفيلم، استغلال النساء، محاولة التحرش بهن، الخيانات الزوجية وغيرها، مع عدم استثناء جزئية تعامل الشرطة مع يونس/حلاوتهم.


شمس الزناتي/ 1991
تدور أحداث الفيلم أثناء الحرب العالمية الثانية حيث تتعرض واحة بالصحراء لهجوم مجموعة من المسلحين بقيادة المارشال (برعي)، يسافر شيخ القبيلة عثمان إلى القاهرة لشراء الأسلحة اللازمة، وهناك يقابل “حنة” التي تعمل في احد الأحياء والتي تساعد شيخ قبيلتها من خلال الشخصية الأسطورية لشمس الزناتي الذي وصفته للشيخ عثمان بالبطل الخارق نوعا ما، يقوم شمس الزناتي المطارد والهارب من قبل الإنجليز لضلوعه في قتل جندي إنجليزي بالاستعانة بمجموعة من أصدقائه لشراء وتهريب الأسلحة إلى الواحة.

أثناء ذلك يقوم شمس الزناتي بالتنكر بزي امرأة من الواحة “اللباس الشعبي بما يضمن تغطية الوجه دون العينين”، لكي يتخفى عن الجنود الإنجليزي، مشاهد التنكر كانت قصيرة وتخدم هدفا واضحا في الفيلم وبالتالي لم يكن تنكر الزناتي بملابس النساء محوريا في الأحداث.

المشهد الأول الذي يظهر فيه شمس متنكرا بملابس النساء هو في مكان عمل “حنة”، يقوم بضرب رجلين حاول النصب على حنة ليثير بذلك إعجاب الواقفين “شمس متنكرا”، يقول أحد الواقفين معبرا عن إعجابه بما فعلته المرأة: “صحيح ما يجبها إلّا نسوانها”.

ليقابله شمس/المتنكر بضربه بدل الترحاب بهذا المدح “رفضا لوصفه بالمرأة”.

يأتي الشيخ عثمان ويظن الناس أنها وزوجته ويجددون مديحها والإعجاب بشجاعتها وقوتها.

يبدأ شمس بتجميع من يعرفهم للقيام بمهمة شراء السلاح وإيصاله إلى الواحة رفقة رجاله، دون أن يبدي أي أحد منهم ردة فعل سلبية اتجاه شمس حين يكشف غطاء وجهه النسائي، بالعكس يلقونه بالترحيب.

مشهد آخر يثير الانتباه عندما قام شمس وهو متنكرا بإغواء أحد الجنود الإنجليزي لاستدراجه وضربه وأخذ أمواله، وهنا استخدم الزناتي ما يمنحه إياه الزي النسائي.

بعد ذلك لا يحتاج شمس الزناتي للتنكر بملابس النساء وتتابع أحداث الفيلم.

ما يصوره لنا الفيلم هو التسامح والتعاطي بإيجابية تجاه شخصية الرجل بملابس النساء “شمس الزناتي”، فهي قوية و”جدعة” ولا ترضى بالظلم و”تسوى مية راجل”، هذه ردة فعل المجتمع التي أظهرها لنا الفيلم، أما ما يخص أصدقاء شمس فقد تقبلوا ارتداءه ملابس النساء لمعرفتهم به وكونه مطارد وجدع.

بالتالي ارتبط تنكر شمس بملابس النساء بصورة إيجابية، فهو الثورجي والمقاوم والبطل ويحق له في سبيل ذلك ارتداء ملابس النساء للتخفي والهروب من العسكر الإنجليزي، وهي صورة ارتبطت فعلا في مختلف الأعمال السينمائية والدراما العربية بالثوار وتنكرهم في بعض الأحيان في ملابس النساء، وروج لها بصورة إيجابية.

 

حرب الفراولة/ 1994
يستعرض أحد مشاهد الفيلم مشهد “الحوار بين حمامة والباشا ثابت” حيث يدور الحوار حول علاقات حمامة الجنسية المتعددة مع النساء، ليأتي حمامة على ذكر إحدى مغامراته حيث اضطر لارتداء زي نساء للتخفي من زوج إحدى النساء التي كان يقيم علاقة معها في بيتها حين قدومه فجأة، 

ثابت: قلي يا حمامة إزاي لبست ست؟

حمامة: مرة كنت “بعض/أي يقيم علاقة جنسية” عند وحدة ست بلا مؤاخذة متجوزة يعني، قام جوزها طب مرة وحدة علينا، تقوم بنت الحرام ملبساني طرحة وفستان من عندها وأخرج على أساس أنا وحدة صاحبتها.

ثابت: وعدت؟

حمامة: بقت أروحلها كده “يقصد بزي النساء” وأمشي من عندها كده.

ثابت: معقولة يا حمامة، ست ست؟

هنا تستثير هذه الحادثة اهتمام “ثابت” ويبدأ بطرح الأسئلة على حمامة.

ثابت: كنت فرحان ولا زعلان؟

حمامة: طبعا كنت فرحان علشان أقدر أخش وأخرج من دون ما حد يحس.

من خلال الحوار يظهر حمامة عدم ممانعته التنكر بزي النساء وخصوصا أن ذلك تكرر واصبح أمرا معتادا بالنسبة إليه لكي يستطيع إقامة علاقة مع هذه السيدة، إلى هنا لا يرفض حمامة تنكره بزي النساء لأنه يحقق له مصلحته ويوفر له الأمان وبالتالي لا يعتبر الأمر بالنسبة إليه سلبيا أو مرفوضا.

يطرح ثابت على حمامة المزيد من الأسئلة “الفلسفية” أو العميقة إذا ما استطعنا القول بعيدا عن المزاح أو السخرية.

ثابت: هل إحساسك ما تغيرش وإنتا في عالم الستات؟

ثابت: يعني الواحد مننا قعد سنين مع ستات بس وهوا راجل، هل لو قعد معاهم وهوا منهم الإحساس بيتغير؟ إحساس غامض، خزنة مسكرة ولازم تتفتح، مش جايز السعادة اني انتا ما تبقاش انتا، أو بمعنى أدق يمكن الواحد مش سعيد لأنه تولد راجل، يعني ممكن البني آدم يبقى سعيد لو كان ست.

تظهر لنا تساؤلات ثابت حتى لو كانت عن غير قصد أو كان هدفها هي بحثه عن سعادته الشخصية جانبا نادرا ما قد تظهره السينما العربية، فهنا بشكل أو بآخر عدم قبول الهوية الجنسية والجندرية في قالب جاد نوعا ما وبعيد عن السخرية أو الاستهزاء كما جرت العادة في السينما العربية، ماذا لو كان شعورنا برجولتنا أمر متغير بالسياق، برأيي هذا الحوار وهذه التساؤلات كانت هامة ومفصلية وتلقي الضوء على قضية حساسة وشائكة وغير مقبولة في عالمنا العربي، تجاوزت تساؤلات “ثابت” التي هي بالأساس شخصية قضية تنكر أو ارتداء الرجال لملابس النساء لما هو أكبر وأكثر تعقيدا من ذلك.

خلال هذا الحوار كانت ملامح وردات فعل حمامة يعتريها المفاجئة والاستغراب.

لاحقا يتنكر كل من حمامة والباشا ثابت في ملابس نسائية.

حمامة: يا خبر اسود، أنا كده مرا “امرأة” أودي وشي من الناس فيهن، منك لله يا باشا انتا وسليم بتاعك ده.

ثابت: يا ابني ما تكبرش الموضوع،  

حمامة: ده لو البت فردوس لمحتني كده مش ممكن ترضى تعيش معاي لحظة وحدة، ولا أمي، اخوالي في الصعيد يقطعوني حتت، ده الدم حيبقى للركب.

ثابت: ما تعقل يبني، الموضوع أبسط من كده.

حمامة: لا يا بيه الموضوع مش بسيط، ده انا كرامتي نزلت.

ثابت: كرامتك نزلت راحت فين؟ وبعدين لو مش عاجبك خش اغسل وجهك واخلع الهدوم اللي انتا لابسها، بس ابقى خلي امك واخوالك اللي في البلد يدوولك فلوس تجيب فيها شقة.

يظهر الحوار هنا الموقف التقليدي من ارتداء زي النساء، حيث يظهر حمامة رفضه وخزيه وشعوره بالعار بشكل مباشر وحاد، حيث إن ارتداؤه ملابس النساء يجعله يشعر أنه قد فقد كرامته، أيضا تمثل كلمات ومواقف حمامة الرأي المجتمعي السائد والعام والذي يرفض مسألة ارتداء الرجال لملابس النساء بشكل خاص ويرفض أي مظاهر أنثوية للرجل بشكل عام على اعتبارها انتقاصا من رجولته وكرامته.

يضطر حمامة للقبول في التنكر النسائي بسبب حاجته للمال وبالتالي كان التنكر من جانب حمامة جبريا وقهريا حيث فرض عليه بشكل أو بآخر من ناحية، وكان في قبوله الاستمرار في ارتداء الملابس استغلالا لصورة المرأة أو مظهرها أو ملابسها لتحقيق غاية شخصية وهي المال، في المشهد التالي يسير كل من ثابت وحمامة متنكرين في الشارع ويظهر المشهد تعرضهما للمعاكسة والملاحقة من شابين حيث الصورة النمطية والمكررة لكل من الرجل في المجتمعات العربية الذي لا يتوانى عن التحرش بأي امرأة ولا يستطيع السيطرة على رغباته وشهوته، وأيضا صورة المرأة المستضعفة نوعا ما والتي تتعرض للتحرش والاعتداء في أي مكان حتى لو كان الشارع حيث رمزية الحيز العام.

في مشهد الفندق، يوقف رجل الأمن حمامة وثابت متنكرين ويبدأ مسائلتهما، حيث يشير “ثابت/متنكرا” إلى أنهما ينزلان في الفندق على اسم الباشا ثابت، رغم ذلك يطلب منهما عنصر الأمن القدوم معه.

يسأل ثابت/متنكرا، رجل الأمن لو كان مع الباشا ثابت رجلين هل سيتم التعامل معهما بنفس الطريقة؟ يشارك كذلك حمامة في هذه التساؤلات وهنا إشارة إلى عدم المساواة بين الرجل والمرأة من جهة ومن جهة أخرى المعاملة التمييزية التي تتعرض لها المراة في المجتمعات العربية، لكن رجل الأمن لا يترك لهما مجالا للنقاش حيث يشير بشكل مباشر إلى سوء أخلاقهما وأن هذا فندق محترم وليس “شقة مفروشة”، إشارة منه إلى كونهما بائعات هوى أو يمارسن علاقات جنسية، يقول لهما رجل الأمن أنه من الواضح أنهما “تنتين لبط ومسجلين آداب” وغني عن الإشارة ما تعنيه جملة “مسجلين أداب” في مصر على وجه الخصوص.

 

في مشهد النظارة وأثناء تنكرهما، يشير ثابت إلى إحدى السيدات التي تضع أحمر شفاه، ويرى أنها سعيدة وجميلة ويتحسر أن الجميع سعداء باستثنائه، يدور حوار بينهما وبين هذه السيدة الموجود في النظارة، حيث يسألها حمامة/فطيمة: يا اختي شايفك بتحطي بودرة وأحمر هوا انتي مبسوطة؟ سعيدة يعني؟

لتبدأ السيدة حوارها عن زيجاتها المتعددة وأسباب طلاقها المتكرر وحزنها على أطفالها وأنها فعلت أي شيء من أجلهم، تتساءل السجينة عن رأي أبنائها بها عندما يكبرون وهل سيتفهمون إن ما قامت به من أجلهم أم “سيضربوني بالجزم كمان” وهنا أيضا إشارة هامة إلى معاناة النساء العربيات بشكل عام في قضايا الطلاق والنفقة ورعاية الأبناء وحرمانهن من حقوقهن عدا عن النظرة الاجتماعية الدونية التي ينظر بها المجتمع إلى المرأة المطلقة وأنها هي المسؤولة والسبب في هذا الطلاق، في حين إن الرجل لا يتأثر أبدا لا من تكرار الزواج أو الطلاق، فهو رجل.

 

في مشهد آخر في النظارة، يتحسر ثابت/نعيمة على السيدة المظلومة في حين يظهر حمامة/فطيمة خزيه من كونه متنكرا بزي النساء، ويكرر “يعني أنا مش مظلوم معك، ده انتا مبهدلني، أنا ست، ست!!!”

ليجيب ثابت: ومالها الست، ما هي ست أجدع من مية راجل.

حمامة: بس ما تقولش كده، الراجل مهما كان جدع وكسيب.

ثابت: يا سلام، ما فردوس جدعة وكسيبة “حبيبة/زوجة حمامة” يا ابني افهم عشان اي مجتمع كان يتقدم لازم الراجل والست يبقوا زي بعض ويشتغلوا مع بعض، عارف الست دايما هيا الأساس حتى في تكوين الجنين …

حمامة: يا عمي بلاش كلام الثقافة الجامد اللي بتقوله، الله مين الأهم إزاي، الراجل من دول بيرجع من شغله، الست بلا مؤاخذة تقلعه الجزمه وتجبله مي سخنة وملح وتدلكله رجليه، يبقى مين اللي اجدع هوا ولا هيا؟

وفي هذا المشهد أيضا العديد من الصور والقوالب النمطية، فمن جهة يستمر حمامة في التأكيد على دونية المرأة وفوقية الرجل وأهميته على حساب المرأة، في حين يمثل ثابت الدعوة للمساواة بين الرجل والمرأة وأن لا فرق بينهما.

لاحقا يخرج كل من ثابت وحمامة “فطيمة، نعيمة” ويقابلان المحامي في سهرة في مطعم ليعبر المحامي عن اعجابه بفطيمة/حمامة ووقوعه في غرامها/ه من اول نظرة، يغادر حمامة/فطيمة منزعجا الطاولة إلا أن ثابت/نعيمة يقنعه بالعودة بناء على الاتفاق بينهما.

يطلب المحامي الرقص من فطيمة “حمامة” ويحاول تقبيلها/ه أكثر من مرة وعند إصراره يمنعه حمامة ويظهر صوته الرجولي ويكشف عن لعبتهما وتنكرهما “حمامة وثابت” بملابس النساء، يصدم المحامي ويكرر انه يحبها “فطيمة” مهما فعلت ويشير لأحد الموجودين،  “دي راجل يا أستاز راجل !! أنا بحب راجل !!”.

يعتذر ثابت/نعيمة من المحامي، وهنا يعبر المحامي عن أمله ورغبته في أن يحب ويقيم علاقة ويستقر، وينهي جملته بالتساؤل “ما فيش علاقة بتزبط معاي مع الجنس الآخر، ليه ؟!”.

حتى لو كانت جملة المحامي الأخيرة هامشية إلا أنها هامة في الإشارة إلى “المثلية” حيث يقر أن علاقاته مع النساء تفشل دائما وتفتح جملته الباب أم الحديث عن المثلية الجنسية.

يعود حمامة إلى منزله وما زال متنكرا لترد فردوس/يسرا بالقول “أيه البجاحة دي يا وليه تخشي كدا بدون لا إحم ولا دستور”

حمامة: أنا حمامة يا بت.

فردوس: عارفة شميت ريحتك.

….

فردوس: فستان واحمر شفايف يا حمامة، هوا ده الراجل اللي انا حبيته، وحدة ست !!

حمامة: ما كلنا كده “يعبر عن سخطه وغضبه” أنا وامك وامي نوطي للباشا ولو طلب منننا عجين الفلاحة حنعمله، حطيت بودرة وأحمر وأخضر وايه يعني؟ زليت نفسي؟ برضو ايه يعني، امي الغلبانة ده اللي محني ضهرها وبتصحى من النجمة والبرد يلحس قفاها عشان تبيع كاسة شاي تكسب فيها تعريفة مش مزلولة؟ وانتي يا فردوس لما تغيري جلبيتك من السنة للسنة مش زل؟ لما تنامي بدون عشا مش مزلة ويستمر في السرد، وجدود جدود اللي جابونا ما كانوش مزلولين؟

وينهار من البكاء .. يبرز هذا المشهد بشكل أساسي الفروقات الطبقية الاجتماعية التي تعانيها المجتمعات العربية، وظاهرة بشكل أكبر لربما في مصر، حيث الأغنياء والمعدومين في ظل شبه غياب للطبقة المتوسطة وهو ما اضطر حمامة إلى قبول التنكر بزي النساء، لكي يرضي الباشا ويكسب النقود، وهنا نلاحظ رفض وسخط حمامة من ارتداء زي النساء على عكس المشهد الأول الذي اختار فيه حمامة الاستمرار في ارتداء الملابس النسائية لأنها توفر له غطاء السرية والأمان للقيام بعلاقاته الجنسية المتعددة، وهنا أيضا إشارة سيئة للمرأة وملابسها، حيث ملابس المرأة غطا للعلاقات الجنسية المرفوضة من المجتمع.

تحتضنه فردوس وتقول له “انتا راجل وسيد الرجالة يا حبيبي”.

لاحقا تزور فردوس منزل الباشا ثابت، وتقول له بأن ما يهمها هو البيت والفلوس ليعيشوا فيه وان حمامة متعب وهي هنا لتقف بجانبه وبدلا عنه، فتقوم بالتنكر بزي الرجال وترافقه من اجل مساعدته في الحصول على المرأة التي يريد وحصولها هي وحمامة على النقود التي وعدهم بها الباشا ثابت.

بعد ذلك يستمر السرد والمشاهد في الفيلم، دون مشاهد تنكر بملابس النساء.

الفيلم بشكل عام هام ومختلف عن بقية الأفلام العربية التي تمت مناقشتها ومراجعتها سابقا، يشكل حوار وموقف الباشا ثابت بشكل أو بآخر نقلة نوعية في عرض السينما العربية لصورة أو حتى فكرة الرجل الذي يرتدي ملابس النساء، بالإضافة إلى مناصرته المرأة ودعوته المساواة بينها وبين الرجل.

من ناحية أخرى يعكس حوار ومواقف حمامة الصورة النمطية السائدة والشائعة في المجتمعات العربية والتي تنتقص من قيمة المرأة وكرامتها وتنظر إليها بالضرورة بدونية وأنها أقل منزلة من الرجل، إضافة إلى ذلك يظهر دور حمامة أن الرجل لا يعيبه شيء وأن ما يصح ويجوز للرجل لا يجوز للمرأة، فالرجل بإمكانه الحصول على علاقات جنسية متعددة وخارج إطار الزواج ولا يعيبه هذا الفعل، أما المرأة فتنال العار والرفض، يمثل دور حمامة الرجل الشرقي الذكوري مقابل المرأة الشرقية الخاضعة والمظلومة ومسلوبة الحقوق.

 

فيلم الناظر (الناظر صلاح الدين)/ 2000.

جسد علاء ولي الدين 6 شخصيات في الفيلم: في بداية الفيلم الناظر في عصر الفراعنة، الناظر في عصر المماليك، والناظر في عصر سعد زغلول، وأثناء تتابع أحداث الفيلم قام بتأدية ثلاث شخصيات أخرى هي؛ صلاح الابن وعاشور الأب وجواهر الأم.

يظهر الفيلم شخصية جواهر/الأم كامرأة وأم مسيطرة ومتحكمة، أرملة ولها ابنها الوحيد صلاح/ناظر المدرسة، ضعيف الشخصية مما يجعلها تتحكم فيه وفي سلوكياته، وباستطاعتها فرض رأيها.

في مشهد آخر تظهر جواهر التي تحاول تدبير زواج ابنها صلاح من ابنة وكيل وزارة التعليم لكي تضمن بذلك عودته واستمرار إدارته للمدرسة “التي أدارتها عائلته على مر السنين”.

تتعرض شخصية جواهر/الأرملة للمغازلة من قبل الأستاذ سيد بطريقة ساذجة ومبالغ فيها من حيث الرغبة والمجاملات ومديح جمالها رغم أن الفيلم قدم شخصية جواهر بمعايير جمالية تخالف الصورة النمطية “أي تظهرها بشعة المظهر”، يصور لنا المشهد شهوانية مبالغ فيها من قبل كل من الأستاذ سيد الذي يقوم بخداعها لضمان استمرار إدارته للمدرسة بدلا من صلاح، في المقابل تبدو جواهر راضية وراغبة في هذه المجاملات حد تقبيلها للأستاذ سيد.

تخرج جواهر في موعد مع سيد وتختار الديسكو لقضاء سهرتهم، حيث تشرب الكحول بكثرة وتصل حد الثمالة، وترقص على المسرح.

لاحقا يظهر الفيلم جواهر تستغل علاقتها مع سيد من أجل حماية ابنها، المشهد يصور المرأة/الأم تقوم بخداع الأستاذ سيد والخروج معها الخ… مبررا ذلك كوسيلة لتحقيق غايتها وحماية صلاح وبقاءه في ناظرا للمدرسة.

بشكل عام أسقط الفيلم عدة صور نمطية على شخصية جواهر، ورسخ صورة المرأة المتحكمة والمتسلطة والمخادعة.

 

فرقة بنات وبس/ 2000
تدور أحداث الفيلم حول كل من زكي وعاصم اللذان يمران بظروف مادية صعبة في ظل انعدام فرص العمل، يشاهدان جريمة قتل ويصبحان خطرا على القاتل وهو تاجر مخدرات، يلجأن إلى التنكر في ملابس النساء للهرب من مطاردته، ويسافران مع فرقة موسيقية من الفتيات إلى الغردقة للعمل في أحد الفنادق هناك، يقع عاصم في حب زميلته في الفرقة، بينما يصبح زكي هدفا لأحد المعجبين والذي يتقدم للزواج منه/ها، يظهر القاتل في الفندق، ولذلك يضطران إلى مواصلة الهروب مرة أخرى، يفشلان في الهرب ويقتل القاتل على يد رئيس العصابة وتكشف حقيقة تنكر كل من زكي وعاصم.

يقدم الفيلم شخصيتي “عصمت ونونة” بطريقة مبتذلة، فعلى صعيد الشكل التنكري تظهر الشخصيتان متقدمات في العمر وبشكل ملاحظ لا يحقق تنكرهم الهدف المطلوب، تشير مديرة الفرقة عند رؤيتهم لأول مرة بجملة: “مخنشرين أوي”.

غلبت الازدواجية على أحداث الفيلم، قدم أكثر من مشهد تعرض عصمت/نونة للتحرش، وبشكل أكبر نونة التي تلقى معجبا يريد الزواج منها، يظهر أيضا رفض عاصم وزكي لتنكرهم وزيهم النسائي معبرين عن مظهرهم وملابس النساء ب”قلة القيمة، التحرش، …”، برأيي لم يأتي الفيلم بأي جديد على العكس حافظ على الصورة النمطية عن المرأة بشكل عام، وعن تنكر وارتداء الرجال لملابس النساء.

 

جاءنا البيان التالي/ 2001
يعرض الفيلم الكوميدي قصة “نادر” الذي يريد أن يصبح مذيعا تلفزيونيا، يقابل “عفت” التي تسعى أيضا لكي تكون مذيعة تلفزيونية ويفشل الاثنان في الامتحان، تمر أحداث الفيلم بعدة مشاهد منها تغطية نادر للأحداث في فلسطين والبوسنة وغيرها، وتتلاحق الأحداث.

تفرض حبكة الفيلم وأحداثه على نادر التنكر بملابس النساء وتقمص شخصية امرأة تعمل في بيت دعارة، كما الكثر من الأفلام لم يتم تقمص الشخصية بشكل جيد من حيث الشكل، وقدم الفيلم شخصية “عفت” بطريقة مسيئة حيث تعمل كعاملة جنس في بيت لبيع الهوى وتتعاطى المخدرات.

الفيلم قدم ارتداء الرجال لملابس الناس ككليشيه مكرر وبطريقة سلبية وغير مرغوب بها وغير متقبلة على عكس ما تم تقديمه في فيلم شمس الزناتي على سبيل المثال حيث عرض تنكر الرجل بملابس النساء بصورة إيجابية بطريقة أو أخرى، الدور والأداء والصورة في شخصية “عفت” مسيئة.

 

يانا يا خالتي/ 2005
يتناول الفيلم الكوميدي حياة “تيمور” الطالب في معهد الموسيقى الذي يعيش حالة حب مع زميلته “نوال” ويطلب يدها للزواج، إلا أن والدة نوال تؤمن بالسحر والشعوذة ويقف ذلك عائقا أمام زواج وارتباط تيمور ونوال، من أجل تحقيق ذلك يتنكر تيمور بزي الساحرة والمشعوذة “الخالة نوسة” والتي لها تأثير كبير على أم نوال، ومن هنا تبدأ الأحداث الرئيسية في الفيلم، شخصية الخالة نوسة كانت مركزية في الفيلم.

قدم الفيلم الشخصية منذ البداية بطريقة إيجابية حيث إن تنكر تيمور بملابس وشخصية امرأة كان من أجل هدف سامي هو الزواج والارتباط بالفتاة التي يحبها، ونستطيع رؤية هذا القبول أو الإيجابية في التعامل مع تنكر تيمور بشخصية الخالة نوسة من خلال دعم أصدقاء الشباب له منذ أن ظهرت الفكرة، دون اعتراضهم على تنكره كرجل في ملابس نسائية.

أيضا موقف والد تيمور بعد دخوله السجن وانكشاف أمره كان إيجابيا بشكل عام فهو حاول دعمه ومؤازرته، وفي نهاية الفيلم لم يكن هناك رفض مجتمعي لما فعله تيمور، فقد صور الفيلم أيضا تقبلا لشخصية تيمور بملابس امرأة من أجل الزواج من نوال.

لكن من جانب آخر قدمت شخصية الخالة نوسة ضمن ذات الأطر والقوالب في معظم أفلام السينما العربية، امرأة “سمينة وبشعة”، ساحرة ومشعوذة، تستغل الناس وتكذب عليهم، الفارق هو أن “الخالة نوسة” لم تأخذ نقودا من الناس مقابل عملها وشعوذتها، صورة نمطية أخرى هي رغبة والد تيمور بالزواج من “الخالة نوسة” والمشاهد الكثيرة التي تحمل شهوانية ورغبة وجنس.

ما يغلب على المشهد العام هو قبول تنكر تيمور/الرجل بملابس امرأة/الخالة نوسة، لارتباط ذلك بتحقيق هدفه بالزواج، يجب أن نشير أيضا إلى أن الكوميديا الغالبة على موضوع الفيلم جعلت الكثير من الصور والقوالب النمطية تتنحى لأجل تحقيق هدف الفيلم “الكوميديا”.

 


ملاحظة: هذه ليست كل الأفلام التي عرضت رجال بزي نسائي في أرشيف السينما العربية، لكنها الـ11 الأهم من وجهة نظرنا.