English

المقابلة بقلم خالد ع
ترجمة نوارا علي
تصوير ماثيو باندولف
تصفيف شعر \ مكياج \ أزياء: آنيا نيز
The Ballgown Boy / Glossy / مساعدي التصوير: أليكس خليفة
تصميم الغلاف: عاطف دغليس
تصميم الغلاف الفيديو: علاء السعدي
هذا المقال من ملف ‘يا ليل يا عين’ – هيكل العدد هنا

أفكر في عمل تيم دين عن ماهية أن تكون كويرًا: لا بصفة من تمارس الجنس معه (يمكن أن يكون ذلك بُعدًا من أبعاده)؛ لكن كويرًا في كونك الذات التي تتعارض مع كل الأشياء حولها والتي يجب عليها أن تخلق وتصنع وتجد مكانًا للتحدث والازدهار والحياة.

بيل هوكس

بينما كانت ترتدي زي الجر بشقتها في مدينة نيويورك، تلقت ملكة الجر اللبنانية آنيا كنيز البالغة من العمر 31 عامًا رسالة نصية من إحدى صديقاتها تقول “هل سمعت بما حدث في بيروت؟ هل عائلتك بخير؟” جلست آنيا على الفور وبحثت في غوغل عما حدث وهي لا تدري ما تتوقع، كان لبنان يمر بما فيه الكفاية بدءًا من التعامل مع الانهيار الاقتصادي وانتهاءً بتدبير وباء. صُعِقت آنيا.

في حوالي الساعة السادسة مساءً من يوم 4 أغسطس / آب 2020، انفجرت كميات كبيرة من نترات الأمونيوم المخزنة في مستودع في مرفأ بيروت مما أسفر عن مقتل حوالي 220 وإصابة أكثر من 7000 شخص وتشريد أكثر من 300,000 شخص. أكثر المجتمعات ضعفًا تأثرت وامتدت الأضرار الناجمة عن الانفجار إلى مسافة 20 كيلومترًا من الميناء مدمرةً بالدرجة الأولى منطقتي مار مخايل والجميزة، كانت هذه المناطق نفسها التي أدّت فيها آنيا عروض الجر لأول مرة في لبنان حيث كان يعيش ويعمل العديد من أحبائها. كانت هذه أيضًا المناطق ذاتها التي تعتبر آمنة لمجتمع الميم في بيروت.

بحثت آنيا عن طرق لدعم شعبها من بعيد حيث فجعت لما يمرون به،  وبمساعدة عائلتها الترانس الكوير هناك تمكنت من تنظيم صندوق مساعدات مالية ومن التوعية بالصعوبات التي يواجهونها، كانت آنيا على دراية بما يعنيه أن تكون شخصًا كويريًا في لبنان: هو أن تكون مستبعدًا وتكافح من أجل الانتماء والبقاء.

في هذه المحادثة تتعمق آنيا في تفاصيل هذه الرحلة: ابتداءً من توقها لعائلة كويرية تنمو وترود مشهد الجر في بيروت إلى تنظيم  صندوق لمساعدة ضحايا الانفجار من مجتمع الميم وإنشاء منصة تتجاوز حدود وسائل التواصل الاجتماعي. شغف آنيا بالجر والأداء يمكّنانها من الهروب من واقع الحياة في لبنان ومواجهته في آن واحد، وستأخذنا في هذه الرحلة معها.

جميع الأزياء محبوكة ومخيطة من قبل آنيا نيز نفسها. تصوير ماثيو باندولف. تصفيف شعر \ مكياج \ أزياء: آنيا نيز.
The Ballgown Boy / Glossy / مساعدي التصوير: أليكس خليفة


حدثيني بالمزيد عن خلفيتك، ما الذي دفعك نشأتك نحو فن الجر؟
أنا لبنانية الأصل لكني وُلدت وترعرعت في كاليفورنيا، والداي لبنانيان وقد ربيت بطريقة عربية للغاية، علمني والداي اللغة العربية منذ كنت طفلة ولهذا السبب أتحدث العربية بطلاقة الآن، اعتدنا الذهاب إلى لبنان كل صيف وأرادوا دائمًا أن تغمرنا الثقافة، هم مهاجرون غادروا لبنان خلال الحرب في الثمانينيات لذا أرادوا التمسك بأي نوع من الثقافة اللبنانية التي تركوها وأن يمنحوا ذلك لأطفالهم أيضًا.

درست الموضة في مدينة نيويورك عام 2010 وانتقلت إلى لبنان لأول مرة بعد تخرجي عام 2012 بعد عودة والديّ، كانوا في الولايات المتحدة الأمريكية لمدة 30 عامًا لكنهم دائمًا ما أرادوا العودة عند التقاعد، ذهبت لزيارتهم لكني لم أكن أخطط للبقاء لأنني لم أر نفسي أعيش هناك أبدًا كشخص كوير.

أشعر وكأنني حققت ذاتي عندما انتقلت إلى بروكلين حيث كان هناك بالفعل مشهد كويري، كنت أعيش مع ملكات جر وهذه كانت بداياتي في الانغماس بفن الجر كما أن دراسة الموضة ساندتني في ذلك، وكنت دائمًا أحب فن الأداء فحدث ذلك بشكل طبيعي. أعتقد أنه بمجرد أن تكون محاطًا بمجموعة من الأشخاص الذين يلهمونك ويدفعونك لتحقيق ما تريد فإن ذلك يحصل بأريحية.

في أوائل عام 2012 كنت جزءا من مجموعة من مدينة نيويورك مكونة من كويرز عرب ومن الشرق الأوسط تسمى “طرب” وكانت تقيم حفلة، سأل أحد أصدقائي عما إذا كنت أرغب في المساعدة في الحفلة وقلت “حسنًا، أمضيت عدة شهور أمارس الجر لذا يمكنني أن أؤدي ذلك هناك” وهكذا فعلت، أستذكر دائمًا تلك الليلة لأنها كانت الليلة التي شعرت فيها أن آنيا قد وُلدت حقًا، رغم أنني كنت أقوم بالجر قبل ذلك، كانت تلك الليلة التي أدركت فيها أنني أستطيع أن أكون عربيًا وكويرًا في الوقت نفسه، لم أحس أبدًا بثقافتي [اللبنانية والعربية] في جرّى أو كويريتي من قبل وكانت تلك هي الليلة التي استخلصت ذلك حقًا.

أنتِ من رواد مشهد الجر في لبنان، هل يمكنكِ أن تخبريني كيف ومتى بدأتِ؟
انتقلت إلى لبنان بعد بضعة أشهر من عرض الجر الأول لي في نيويورك، كان الأمر كما لو أن شخصًا ما اقتلعني من معقل كويري (هذا المشهد الكويري الجميل والمزدهر في مدينة نيويورك) وأسقطني في قلب الشرق الأوسط، ذهبت للعيش مع والديّ وما زالا لا يعلمان بأدائي، كان لدي كل معدات الجر في المنزل (الشعر المستعار والفساتين والمكياج) لكنهما لم يربطا الشيئين معًا، أظن أنهما اعتقدا أنني فنانة أو أيًا كان فقط لأنني عملت في الموضة.

كانت السنوات الأولى صعبة حقًا وكنت أشعر بالاكتئاب، كنت بدأت في تكوين مجتمع مثلي ولكن كان من الصعب العثور على مجتمع يقبل الأنثويات حيث لا يزال هناك الكثير من الذكورة السامة وكراهية الأنوثة في الشرق الأوسط بما في ذلك مجتمع المثليين، الشخص الكويري الذي يبدو أنثويًا ينظر إليه بازدراء. أردت فقط أن أرتدي شعرًا مستعارًا وأن أؤدي وأكون على خشبة المسرح لكنني لم أستطع ذلك، كنت أفتقد مشهدًا كويريًا وأشتاق للجر وكنت أفعل كل هذه الأشياء ولكن لم تكن هناك منصة لي لأفعل ذلك في لبنان.

في خضم ذلك كانت هناك هذه اللحظة عندما كنت أشاهد مقابلة مع سوزان بارتش، كانت تتحدث عن الانتقال من لندن إلى نيويورك في أوائل الثمانينيات وقالت أنها شعرت أن نيويورك تفتقد شيئًا ما في الحياة الليلية التي تمتعت بها لندن – جانب مزج فن الأداء مع الحياة الليلية. قالت “إذا افتقدت شيئًا ما بشدة فلا تنتظر شخصًا آخر ليعمله، اعمله بنفسك.” حينها فكرت، “كيف لم أفكر مطلقًا في القيام بذلك من قبل؟”

بالطبع هذا ليس مشروع شخص واحد وعليك أن تقوم به مع الناس، اتصلت بصديقة جيدة جدًا لي وتواصلنا مع ساندرا ملحم وهي مؤسسة صندوق كوير ريليف وتملك أيضًا ناديًا للمثليين في بيروت يسمى Projekt، قمنا بأول عرض جر لدينا هناك في عام 2015.

جميع الأزياء محبوكة ومخيطة من قبل آنيا نيز نفسها. تصوير ماثيو باندولف. تصفيف شعر \ مكياج \ أزياء: آنيا نيز.
The Ballgown Boy / Glossy / مساعدي التصوير: أليكس خليفة

كيف استجابت الجماهير والأماكن لهذه الموجة المبدئية من عروض الجر خاصةً أنها كانت تقام في بلد عربي؟
خلال عامي 2014 و 2015 كنا نجس النبض من خلال الذهاب إلى حفلات كويرية خاصة، أو مناسبة أو عيد ميلاد شخص ما أو أي شيء آخر، أردنا أن نرى ما إذا كان الناس سيعجبون بفن الجر وكيف ستكون ردة فعلهم لأنه كان شيئًا جديدًا للغاية بالنسبة للبنان، وحتى باسم فغالي الذي تعتبره وسائل الإعلام الرئيسية مقلد شخصيات أناث لا يطلق على نفسه لقب ملكة جر حيث كان يعلم أنه لن يكون ناجحًا لو فعل ذلك، وفطن إلى كيفية توظيف ما يريد فعله حسب المعايير الشرق أوسطية المغايرة لوسائل الإعلام الرئيسية.

شعرنا أن الناس أُعجبوا بالعروض وتفاعلوا معها لذلك أقمنا أول عرض لنا في عام 2015 في الليلة المفتوحة لـ Projekt، وكان الكثير من الناس يحدقون بنا بغرابة، كنت حينها أيضًا ملكةً ملتحية في ذلك الوقت وكان الناس يأتونني ويقولون: “حسنًا، إن كنت تحاول أن تكون امرأة فلماذا لا تحلق ذقنك؟” شعرت أن تلك الليلة كمؤتمر TED واضطررت إلى محاضرة الناس لأقول “عليكم أن تفهموا أنني لا أحاول أن أكون امرأة: أنا لست امرأة بل أحَيّي الأنوثة وأقدرها عن طريق فن الأداء”. من المهم تعريف الناس بما يتعلق بفن الجر: لا يتعلق الأمر بمحاولة أن تكون جندرًا آخر بل باللعب بالأدوار الجندرية وفكرة الجندر.

بعد أسبوع من ذلك قدمنا عرضًا في حانة حميمة، أعتقد أنهم شاهدوا عرضنا في Projekt وسألوا عما إذا كان بإمكاننا تقديم عرض آخر هناك، أمضينا صيف 2015 بأكمله في أداء العروض وكانت تلك بداية حركتنا.

كيف ساعدت عروض الجر على زيادة ظهورية الأشخاص الترانس والكوير في بيروت؟
العروض ساعدت في تحقيق ذلك ببطء، بدأنا نرى جيلًا صغيرًا جدًا من الكويريين (17 أو 18 عامًا) يحضرون عروضنا ويشعرون بإلهام شديد ورغبة في أداء العروض بأنفسهم، وبدأ الناس في ذلك الوقت أيضًا بمشاهدة RuPaul’s Drag Race وفهم الجر على مستوى عالمي. بدأوا يدركون أن الأمر لا يتعلق فقط بالمكياج والشعر وأنه يتعلق بالأداء والتعبير ويتعلق بإنشاء شخصية لنفسك. كان هؤلاء الشباب يأتون بكعب عالٍ ومكياج وكانت هذه مساحة يمكن لهم فيها أن يكونوا على سجيتهم. سأشجعهم دائمًا لأن الهدف الأساسي من الجر بالنسبة لي هو خلق شعور بالانتماء للمجتمع، كان الأمر ممتعًا عندما كنا ملكتين في بيروت ونعمل بمفردنا لكن ليس بمثل متعة وجود مجتمع ومشهد جر ومجموعة من الأشخاص للتعاون وصنع محتوى معهم.

لقد استغرق الأمر خمس سنوات منذ العرض الأول لإنشاء “مشهد جر” وهي فترة زمنية قصيرة جدًا، لقد وضعنا الأساس وفجأةً أراد كل هؤلاء الشباب أن يكونوا جزءًا منه، وجعلني ذلك فخورًا أكثر بكوني قادرًا على مشاركة حبي للجر وحبي لعيش تجربة الحياة الكويرية إلى أقصى حد.

إنه لشيء مهم للغاية أننا نتحدث عن الجر في الشرق الأوسط، لم أفكر مطلقًا أنني سأكون قادرًا على أن أكون كويرًا أو أن أقوم بالجر في بلدي الأم، لم أظن أبدًا أن ذلك سيكون ممكنًا ولا حتى بعد مليون عام، قدرتنا على إقامة مساحات آمنة للناس مهمة بشكل خاص لأنها صعبة للغاية في الشرق الأوسط.

المساحة الآمنة هي الكلمة الأساسية هنا، كنا بحاجة لتوفير قدر جيد من الأمان للأشخاص إن كانوا سيأتون بكعب عالٍ أو بالقليل من المكياج لأنه يمكن أن يُزج بنا في السجن ببساطة لأي سبب كان، لكن تمكنّا من العمل مع أشخاص لديهم علاقات مع الحكومة أو كانوا قادرين على دفع التعويضات ووضع تدابير أمنية إضافية مثل حراس الأمن، من المهم قول هذا لأن الناس غالبًا ما ينظرون إلى ازدهار مشهد الجر أو الكوير في بيروت ويعتقدون أنه أمر سهل.

جميع الأزياء محبوكة ومخيطة من قبل آنيا نيز نفسها. تصوير ماثيو باندولف. تصفيف شعر \ مكياج \ أزياء: آنيا نيز.
The Ballgown Boy / Glossy / مساعدي التصوير: أليكس خليفة

ما الذي ساعدك على تنمية هذا المشهد رغم هذه التحديات؟
لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في قبول المجتمع الكويري في بيروت والأفراد الكويريين في الشرق الأوسط، لقد كنت أؤدي الجر لمدة تسع أو عشر سنوات لكن لم أفتح حسابًا في انستغرام حتى ٢٠١٧، كنت وما زلت خائفا جدًا من وضع صورة لوجهي كفتى من دون مكياج خاصةً لأنها قد تصل إلى عائلتي، إنه أقل خطورة الآن لأنني أعيش حاليًا في نيويورك لكن الأمر كان خطيرًا للغاية عندما كنت أعيش في بيروت حيث كنت دائمًا حريصًا جدًا بشأن ما أنشره وكنت أتأكد من عدم تمكن الناس من التعرف علي خارج زي الجر.

كان اتخاذ تدابير السلامة هذه مهمًا حتى عند التحضير لعرض ما، ففي لبنان كنت أعيش مع والديّ وكان علي أن أضع آنيا في حقيبة وآخذها إلى المسرح ثم استعد هناك لمدة ساعتين أو ثلاث وأؤدي العرض وأمرح قبل أن أخلعها بالكامل وأعود إلى المنزل كصبي، لم يرني أحد بلباس الجر من العامة أو في الشوارع أبدًا ولم أستقل سيارة أجرة مرتديًا زي الجر قط.

لقد ذكرت ذلك عدة مرات للملكات الشابات في لبنان، نظرًا لتلقي العديد منهم دعمًا كبيرًا على وسائل التواصل الاجتماعي فإنهم يعتقدون أنهم لا يعيشون في لبنان، رأيت بعضهم يستعد لعرض الجر في المنزل ثم يأخذ سيارة أجرة إلى مكان العرض وكنت دائمًا أقول :”ماذا تفعل؟ أنت تعلم أنه يمكنك التعرض للاعتداء أو القتل أو السجن بسهولة لا سمح الله”. توجد الكثير من حواجز الشرطة في لبنان أينما ذهبت لذلك لا تعلم ما قد يفعلونه بك إذا تم إيقافك، كنت أوصيهم دائمًا أن يكونوا أكثر حرصًا وحذرًا.

جيل الشباب في لبنان أكثر شجاعة مما كنا عليه قبل 10 سنوات وأعتقد أن هذا يعود بالتأكيد لوسائل التواصل الاجتماعي، فهم يعتقدون أنهم يعيشون مثل الكوير في نيويورك حيث يمكن أن يكونوا على حقيقتهم  أو يظهروا بأي شكل يريدونه، هذا شيء نتمنى أن نستطيع فعله في لبنان لكنني أعتقد أن الأمر يبدأ بخطوات صغيرة: إن كنا سننمي هذا المشهد الكويري فعلينا أن نفعل ذلك خلف الستار، علينا أن نطوره أولاً في أماكن آمنة أي أماكن يمكن للناس أن يأتوا لها ويكونوا على طبيعتهم.

كيف تعاملت مع كونك عربيًا وكويرًآ في الغرب وكيف أثر ذلك على جرّك؟
لقد قمت بالتأكيد بأداء العروض لجمهور غير عربي عندما بدأت الجر في نيويورك لأنه كان المكان الذي يطلب عروضي، كان الجمهور دائمًا أمريكيًا لذا كنت أضيف القليل من الأغاني العربية أو أؤدي بعض الرقص الشرقي لأرى كيف يستجيب الناس لذلك، لكنني أردت أيضًا أن أكون قريبًا من الكويريين العرب فعندما كنت أصغر سنًا كنت أرغب دومًا في رؤية تصوير للعروبة لم يتم تصنيفه على أنه إرهابي أو أي شيء آخر، وكان تصوير الكويرية العربية أمرًا مفتقدًا لذا لم أكن أرغب في أن يمر الجيل الأصغر بما مررت به من بحث عن شخص أتطلع له أو أفهمه.

لطالما كانت المناورة بين أن تكون عربيًا وكويريًا مثل صراع لكن من خلال آنيا تغلبت على هذا الصراع، غالبًا أحيط نفسي بأصدقائي العرب الكوير في نيويورك إلى جانب عائلتي العربية في لبنان فهم يفهمونني ويفهمون ثقافتي، يفهمون إشاراتي والأغاني التي أسمعها وعلى هذا فإن التنقل بين هذه الهويات هو أمر يتعلق بإدراكها وقبولها وإيجاد طريقة للجمع بينها.

جميع الأزياء محبوكة ومخيطة من قبل آنيا نيز نفسها. تصوير ماثيو باندولف. تصفيف شعر \ مكياج \ أزياء: آنيا نيز.
The Ballgown Boy / Glossy / مساعدي التصوير: أليكس خليفة

ننتقل للحديث عن أغسطس 2020 في بيروت، كيف سمعت عن الانفجار؟ كيف كانت تجربتك؟
كنت في الواقع في طور إرتداء زي الجر عندما تلقيت رسالة نصية من صديق هنا في نيويورك: “هل سمعت بما حدث في بيروت؟ هل عائلتك بخير؟” هذا نوع معين من الرسائل التي لا تريد حقًا تلقيها كعربي، بمجرد ما أن تتلقى رسالة من شخص عن عائلتك تشعر أن النهاية محتمة.

فورًا بحثت في غوغل وشاهدت ما حدث، أصبت بنوبة هلع. كان زملائي في السكن يهدئون من روعي، أمسكت بهاتفي وبدأت في الاتصال بكل شخص أعرفه، اتصلت بوالديّ وفزعت لأنهم لم يجيبوا ثلاث مرات متتالية، فاتصلت بعماتي وأعمامي وأخبروني أن والديّ بخير وأنهم يعيشون في الضواحي لذا تحطم زجاج منزلهم لكن عدا ذلك كانوا على ما يرام.

بعدها تذكرت أن أحد أصدقائي المقربين أندريا تعيش حرفياً عبر الشارع المحاذي للميناء حيث وقع الانفجار، أندريا مثل طفلتي، بمثابة ابنة أخي، بدأت في الاتصال بها لكنها لم ترد لذلك اتصلت بجميع أصدقائي وفنانات الجر الأخريات اللاتي أعرفهن، كنت أبكي على الهاتف وأحاول مواساتهم بينما هم كانوا يحاولون مواساتي. من الجنون الاعتقاد بأن أي شخص يجب أن يمر بكل هذا، كانت أندريا حرفياً في حمامها عندما حدث الانفجار وانهار مبناها بالكامل، كل شيء اختفى. هي كانت الناجية الوحيدة. أرسل لي أحدهم رسالة مفادها أنها بخير وأنها مصابة بجروح لكنها على قيد الحياة وأجرت عمليتين جراحيتين في المستشفى. عندها فقط استطعت أن ألتقط أنفاسي.

أنت لست هناك لكنك هناك، تشعرُ بما يحدث ولكن من الواضح أنك لست موجودًا هناك وبالتالي لا يمكنك فهم الشعور الناجم عما حدث. لقد جربت ذلك مع حرب عام 2006 في لبنان عندما كنت هناك لذلك أعرف سياق الأمر لكنه كان مختلفا عن هذا الانفجار.

لقد كسرتني رؤية أصدقائي وعائلتي الكويرية وهم يخوضون ذلك خاصة أنني لم أكن موجودًا هناك، جلست لمدة يوم أو يومين  أنظر إلى الأخبار من حول العالم وأتأكد باستمرار من أن الجميع بخير،  لكن بعد ذلك أخذت نفسًا عميقًا وأدركت أنني بحاجة إلى القيام بشيء ما وبالتحديد لمساعدتهم، لم تكن فقط أندريا، بل دُمرت منازل العديد من أصدقائي وفقد الكثيرون كل شيء بما في ذلك جرّهم.

كنت بحاجة لإرسال نوع من المساعدة ولكن لم أملك أية نقود؛ لو فعلت لكنت أعطيتهم كل شيء لكن ما كنت أملكه هو منصة، لذا جلست واتصلت بثلاثة من أصدقائي: محمد عبدوني مؤسس مجلة Cold Cuts ودينا آش مؤسسة Haven for Artists وصديقي الذي يعيش هنا في الولايات المتحدة، ساعدني صديقي هنا في إنشاء حساب يمكن للناس استخدامه للتبرع وتحويل الأموال إلى الضحايا، كانت دينا قد مرت بلحظة [الانفجار] وبعد يوم واحد كانت في الميدان تنظف وتجمع الأموال لإرسالها إلى الناس وتتأكد من أن كل شيء على ما يرام، كانت هي الشخص الذي يمكنني إرسال الأموال له لتوزيعه في لبنان وساعدني محمد في تنسيق كل ذلك.

لقد صدمت من مقدار الاهتمام والدعم الذي حصل عليه هذا المنشور، كنت شديد الشفافية في المنشور حول كيفية جمعنا للأموال وكيف ستصل إلى هناك، بدا الأمر كما لو أن مجتمع الكويرالعالمي بأسره شارك المنشور حيث كان هناك أشخاص في المكسيك والبرتغال ومن جميع أنحاء أوروبا وأستراليا وكندا لا أعرف كيف وصلهم المنشور!

كنا نتوقع أن نجني 10 آلاف دولار أو 15 ألف دولار، وإذا حصل كل شخص على 500 دولار مثلًا فهذا يعني الكثير بالنسبة لهم فقد يساعدهم على دفع فواتيرهم الطبية وإصلاح شققهم وشراء الطعام، لكننا حققنا أكثر من 44 ألف دولار في غضون أسبوع! لم أعرف طريقة تحويل الأموال أو إنشاء حساب مصرفي ولكن كان لدي أربعة آلاف متابع على حساب انستغرام الخاص بي وتمكنت من القيام بذلك بمساعدة الجميع، أظهر لي ذلك قوة وسائل التواصل الاجتماعي وأن المسألة تتعلق باستخدام المنصة لهدف معين. 

بدأنا في توزيع الأموال بمجرد حصولنا عليها وحولناها عبر ويسترن يونيون إلى دينا ومن ثم إلى المستلمين، كان لدينا ملف إكسل كامل بأسماء الجميع وأرقام هواتفهم وكنت أعرف قصصهم وماذا حدث لهم، تمكنا من مساعدة 80 شخصًا وذلك بفضل دينا التي ضمنت وصول الأموال إلى أولئك الذين يحتاجون بالفعل إلى المساعدة.

جميع الأزياء محبوكة ومخيطة من قبل آنيا نيز نفسها. تصوير ماثيو باندولف. تصفيف شعر \ مكياج \ أزياء: آنيا نيز.
The Ballgown Boy / Glossy / مساعدي التصوير: أليكس خليفة

كانت هناك العديد من التعليقات حول سبب إنشاء هذا الصندوق خصيصًا للأشخاص الكوير والترانس مدعيةً أنها غير مراعية لأن جميع اللبنانيين قد تضرروا وليس فقط اللبنانيين الكوير والترانس، كيف أجبت هذه التعليقات؟
لقد استلمتها لكني لا أرد على التعليقات الحمقاء؛ إن كنت لا تستطيع فهم سبب حاجة هذا المجتمع المحدد إلى المساعدة في الوقت الحالي فأنت لا تستحق وقتي، كما أن بعض فنانات الجر في بيروت أجبن هذه التعليقات بأنفسهن ودافعن عني. نعم لا شك أن البلد بأكمله متضرر، لكننا كنا نساعد هذا المجتمع بالتحديد بسبب التغاضي عن مجتمع الميم في لبنان، في نظر الكثيرين لا حقوق لنا ووجودنا يشكل تهديدًا لهم، كانت هناك مجموعة من المنظمات تجمع المبالغ لتمويل لبنان لكن الأشخاص الترانس والمثليين لم يتلقوا الدعم أو تلك الأموال، إن الاضطرار المستمر إلى تبرير وجودك شيء يلغي إنسانيتك.

لم يعاني الأشخاص الكوير والترانس من رهاب المثلية والترانسفوبيا فحسب بل عانوا أيضًا من آثار الانفجار و كوفيد-١٩، ومع ذلك يبدو أنهم رغم كل الصعاب كانوا قادرين على إيجاد الأمل والفرح في عروض الجر والأداء، ماذا برأيك حقق ذلك؟
 بصراحة هذا هو الشيء الوحيد الذي أردته حقًا، لطالما أردت الإحساس بشعور الانتماء أينما كنت، سواء كان ذلك عندما كنت طفلاً مثليًا في المدرسة الإعدادية أو فتىً مثليًا في الكلية أو في المشهد الكويري في بروكلين، كنت أرغب دائمًا في العثور على عائلة كويرية والانتماء إليها فبحثت عنها عندما كنت أصغر سناً وبدأت في إنشائها مع تقدمي في السن.

لهذا السبب طالما كنت أرغب في إنشاء مساحة لمجتمع كويري قوي، مجتمع عربي كويري قوي حيث يمكننا التعاون وصنع الفن ويمكننا القيام بالأشياء معًا. أنا حقًا، أؤمن حقًا بما يفعلونه فالمشهد الكويري في لبنان صامد للغاية ولديه الكثير من الأمل على الرغم من تحطم آمالهم خاصة مع الانفجار. أندريا على سبيل المثال أصيبت بجروح بالغة لكن وجهها لم يُمس بضرر، كانت تقول “الله لم يرد وجهي.” عادت مرة أخرى للجر بعد بضعة أسابيع كما عاد جميعهم، كان بالنسبة لهم شكلًا من أشكال العلاج النفسي والتعبير عن الذات.

الشيء الوحيد المؤلم حقًا هو أن المساحات التي قمنا بتطويرها لم تعد موجودة بسبب الانفجار، فيروس كوفيد-١٩ كان يعني أن جميع الأشخاص الذين عملوا في الحياة الليلية فقدوا عملهم وثم دمر الانفجار النوادي الليلية تمامًا، لدى المجتمع أمل ولكن ليس لديه الفرص ويمكن للناس فعل الكثير من خلال الجر ولكن العديد منهم يشعرون بالاكتئاب الشديد في الوقت الحالي، وهذا سبب عدم تقديم الكثير منهم المحتوى كما اعتادوا. 

أعتقد أنه سيكون هناك مستقبل مشرق للغاية للجر في لبنان، لقد بدأت مع صديق لي والآن لدينا أكثر من 30 ملكة جر في بيروت وحدها وأظن أن المشهد سيستمر في النمو، في الوقت الحالي نشهد وقتًا عصيبًا لكني متفائل جدً أن المشهد سيعود مرة أخرى فمثل أي شيء المشهد له تقلباته. لقد أنشأنا مشهد الجر هذا على خريطة كويرية ومضينا قدمًا لكن حدث شيء ما وعدنا 10 خطوات للوراء، إنه صراع مستمر لكننا لا نستسلم أبدًا وهذا ما أحبه في مجتمع الجر؛ أننا سنحافظ على الزخم دائمًا.