close
العراق

التقرير الدوري الخامس والعشرين عن انتهاكات حقوق الإنسان في العراق

16/12/2022

إن هذا التقرير الصادر عن مركز الخليج لحقوق الإنسان، يوثق أوضاع حقوق الإنسان في العراق خلال الفترة من 09 أغسطس/آب ولغاية 15 ديسمبر/كانون الأول 2022، ويشمل ذلك انتهاكات جسيمة طالت المواطنين وبضمنهم متظاهرين سلميين، ناشطي حقوق إنسان، وأحد الصحفيين. وثق التقرير كذلك قيام القوات الأمنية بقتل متظاهريْن أثنين وتعذيب مواطن آخر. كما يقدم تحليلاً لقانون قمعي جديد يقيد حرية التعبير والتجمع والتظاهر السلمي.

البرلمان ينهي القراءة الأولى لقانون يقمع الحريات العامة

بتاريخ 03 ديسمبر/كانون الأول 2022، أنهى البرلمان العراقي القراءة الأولى لقانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلميّ والمقدم من لجنة حقوق الانسان. بعد دراسة تحليلية أجراها لجميع مواد لهذا القانون، يؤكد مركز الخليج لحقوق الإنسان على حقيقة كونه قانوناً قمعياً يسعى إلى مصادرة الحريات العامة للمواطنين.

في المادة (1) أولاً يربط القانون حرية التعبير عن الرأي بشرط ألا “يخل بالنظام العام والآداب العامة” وفي المادة (2) منه تكرر ربط حرية التعبير بالإضافة إلى حرية التظاهر السلمي وحق المعرفة بهذا الشرط نفسه. لا شك أن مصطلحات مثل “النظام العام” و “الآداب العامة” هي مصطلحات فضفاضة وعمومية من السهل استخدامها من أجل سجن المعارضين والمحتجين السلميين.

تشترط المادة (7) على المواطنين الحصول على إذن مسبق من رئيس الوحدة الإدارية قبل خمسة أيام على الأقل قبل القيام بأي تظاهرة سلمية، وهذا يعني عملياً إخضاع الحق في التظاهر السلمي إلى المزاج السياسي لرؤساء الوحدات الإدارية فيؤدي غالباً إلى عدم الموافقة على أية احتجاجات. يلغي هذا القانون أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم (19) في 10 يوليو/تموز 2003، الذي كان يتطلب فقط الإبلاغ وليس الموافقة على التظاهرات في الأماكن العامة.

مرة أخرى تشترط المادة (8) رابعاً على المحتجين عدم رفع اللافتات والشعارات والإدلاء بالتصريحات “المخالفة للنظام العام أو الآداب العامة” وهذا يعني عملياً تقييد حرية التعبير بشكل كبير حيث إن السلطات قد تصف كل ما يقوم به المحتجون بأنه مخالف للنظام العام والآداب العامة.

تصادر المادة (9) أولاً من طلبة المدارس والجامعات حقهم في التظاهر السلمي، وهو حق طبيعي يجب أن يُمنح لهم لكي يستطيعوا من خلاله الاحتجاج السلمي والتعبير عن آرائهم في أي من المسائل التي تهمهم في حياتهم الدراسية أو العامة.

أما المادة (10) فهي تحدد وقت تنظيم المظاهرات بين الساعة السابعة صباحاً والساعة العاشرة ليلاً وهي بذلك تقضي على حق المواطنين في الاعتصام السلمي المستمر.

إن المادة (11) أولاً هي فقرة خطيرة جداً ضمن هذا القانون حيث إنها تعطي الحق للسلطات الأمنية باستخدام القوة لتفريق المتظاهرين إذا أدى احتجاجهم إلى “زعزعة الأمن” وهذه عبارة فضافة أخرى تستطيع الحكومة بموجبها اعتبار كل تظاهرة سلمية مزعزعة لأمنها ويجب استخدام القوة لتفريقها وفي هذا استهانة واضحة لحق المواطنين المشروع في الحياة.

يتضمن نص المادة (13) إعادة العمل بقانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 في كل المخالفات التي تتعلق بحق المواطنين في التمتع بحرية التعبير وحرية التظاهر السلمي. إن هذا يعني عملياً تطبيق المواد (220)، (221)، و (222) من هذا القانون والتي تتضمن أحكاماً بالسجن لمدة سنة أو سنتين بحق المواطنين المتظاهرين دون موافقة السلطات أو حسب تفسيراتها لأهداف التظاهرات.

مظاهرات لإحياء الذكرى السنوية لانطلاق الحراك الشعبي

بتاريخ 01 أكتوبر/تشرين الأول 2022، انطلقت في ساحتي التحرير والنسور بمركز العاصمة بغداد، تظاهرات شارك فيها المئات من المحتجين، في إحياءٍ للذكرى السنوية الثالثة للحراك الشعبي الذي انطلق في اليوم نفسه سنة 2019. رفع المتظاهرون الأعلام العراقية وصور لعددٍ من ضحايا الاحتجاجات الذين تم قتلهم من قبل القوات الأمنية أو المليشيات المسلحة. كذلك نددوا بتفشي البطالة في صفوف الشباب، سوء الخدمات العامة، انهيار البنى التحتية، وعدم احترام الحريات العامة، وطالبوا بتقديم قتلة المتظاهرين إلى العدالة، إنهاء ملف المخطوفين والمغيبين، والإصلاح الشامل. لقد حصلت اشتباكات محدودة بين المتظاهرين والقوات الأمنية التي استخدمت الغاز المسيل للدموع. تم تسجيل عدة حالات من الاختناق في صفوف المحتجين، وأصيب عدد من أفراد القوات الأمنية بجروح طفيفة في هذه الاشتباكات.

كذلك شهدت بغداد وعدد من المحافظات الأخرى مظاهرات محدودة في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2022، رفعت المطاليب نفسها. أكدت تقارير محلية موثوقة قيام القوات الأمنية في الأيام التي سبقت انطلاق هذه المظاهرات بحملاتٍ تفتيش لمنازل نشطاء المجتمع المدني في محافظات بغداد، بابل، النجف، ذي قار، والبصرة، بهدف منعهم من المشاركة في هذه الاحتجاجات الشعبية.

السجن لمدة ثلاث سنوات على متظاهر سلمي

 

 في 05 ديسمبر/كانون الأول 2022، أصدرت الهيئة الأولى في محكمة جنايات الرصافة حكمها ضد ناشط المجتمع المدني حيدر حميد فنجان الزيدي بالحبس الشديد لمدة ثلاث سنوات وفق المادة 226 من قانون العقوبات العراقي حسب ما ورد في قرار الحكم، الذي استلم مركز الخليج لحقوق الإنسان نسخة منه. تختص هذه المادة بتوجيه الإهانة لمؤسسات الدولة. ورد في قرار المحكمة أيضاً، “الاحتفاظ للجهة المتضررة وهي هيئة الحشد الشعبي بحق المطالبة بالتعويض” و “مصادرة جهاز الهاتف النقال” العائد له، وإن الحكم قابل للتمييز.

في فيديو له انتشر على شبكات التواصل الاجتماعي أوضح الزيدي أنه اعتقل بتاريخ 06 يونيو/حزيران 2022 ,أطلق سراحه في 19 من الشهر نفسه بكفالة، بسبب نشره تغريدات على حسابه في تويتر، الذي تم مسح كل ما كان منشوراً عليه لاحقاً. لقد قدمت هيئة الحشد الشعبي شكوى قضائية ضده بدعوى أن هذه التغريدات مسيئة لها.

أكدت مصادر قريبة من أسرته لمركز الخليج لحقوق الإنسان قيام قوة تابعة لهيئة الحشد الشعبي باعتقاله وأنه يعني من مشاكل صحية وبدنية بسبب مزاعم تعذيبٍ تعرض له خلال فترة احتجازه.

أطلق زملائه من المحتجين حملة واسعة للمطالبة بإطلاق سراحه مستخدمين الوسم:

#الحرية_لحيدر_الزيدي

قتل أثنين من المتظاهرين السلميين

 بتاريخ 07 ديسمبر/كانون الأول 2022 مساءً، تجمع عدد من المتظاهرين السلميين في ساحة الحبوبي بمدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار جنوب العراق منددين بالحكم الصادر بالسجن لمدة 3 سنوات الصادر ضد ناشط المجتمع المدني حيدر الزيدي في وقتٍ يتحرك فيه الفاسدين وقتلى المحتجين بكل حرية. لقد طالبوا بإطلاق سراحه فوراً. قامت القوات الأمنية بإطلاق النار عليهم مما أدى ذلك إلى قتل المتظاهرين السلميين، على رزاق الياسري ومحمد سمير العظماوي وجرح 21 آخرين. شكل ذلك أول استهداف مميت لمتظاهرين سلميين في عهد رئيس الوزراء الجديد محمد شياع السوداني الذي تم انتخابه في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2022.

في 14 ديسمبر/كانون الأول 222، نشر الناطق الرسمي باسم القائد العام للقوات المسلحة، اللواء يحيى رسول على حسابه في تويتر عدة تغريدات عن نتائج التحقيق في استهداف المتظاهرين تضمن إحداها أنه تم، “تحديد المتسبّب الرئيس في الحادثة وهو أحد المنتسبين في الأجهزة الأمنية.”

استهداف صحفي

 

 واجه الصحفي نبيل الجبوري، مراسل قناة زاكروس الفضائية ووكالة أكد نيوز بمدينة الديوانية، مركز محافظة القادسية، اعتداءات متتالية خلال تغطيته للاحتجاجات الشعبية ومحاولته استطلاع آراء المواطنين حول الشؤون العامة للبلاد.

 ابتدأت سلسلة الاعتداءات هذه باستهدافه بالضرب ومنعه من تغطية تظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019. أعقب ذلك بأشهرٍ قليلة، دخول عدد من الأشخاص الذين ينتمون لميليشيا محلية مسلحة الى مكتب عمله الإعلامي في وكالة أكد نيوز وبحثهم عنه وعن عددٍ من زملائه الذين كانوا جميعاً خارج المكتب حينذاك، وعلى إثر ذك اضطروا للانتقال للعمل من مكتبٍ آخر. كذلك قبل أكثر من عام ٍ، وضع مجهولون ورقة تهديد على باب داره ولاذوا بالفرار. في فجر يوم 30 أغسطس 2022، قام مسلحون يستقلون مركبة رباعية الدفع بإلقاء بقنبلة مصنوعة من الديناميت على منزله لتخلف أضراراً مادية فقط. لم تصل قوات الامن إلا بعد مرور وقت طويل على الحادثة لتقوم بإجراءات شكلية غير وتخفق في تحديد هوية الفاعل. بتاريخ 21 سبتمبر/أيلول 2022، رصدت كاميرات المراقبة الخاصة بمنزله محاولة شخص وضع عبوة لاصقة أسفل سيارته الشخصية لكنه لم يفلح بسبب حركة المارة فغادر دون إتمام مهمته الخطرة. 

تم إبلاغ الجهات الحكومية المختصة بكل هذه الاستهداف المستمر لكن رد فعلها اتسم بعدم الجدية في ملاحقة الجناة الذين في غالب الأحيان ينتمون لمليشيات مسلحة لها نفود حكومي كبير.

 اقتحام مقر الحركة المدنية الوطنية 

بتاريخ 30 سبتمبر/أيلول 2022، نشرت الناشطة السياسية ونائبة البرلمان العراقي السابقة شروق العبايجي على صفحتها في الفيسبوك فيديو تحدثت فيه بمرارة عن قيام قيادة عمليات بغداد بالتعاون مع جهات أمنية أخرى باقتحام منزلها الخاص ومقر الحركة المدنية الوطنية التي تشغل منصب الأمين العام له، ومصادرة الموجودات والمتمسكات وبعض الأموال من المنزل ومقر الحركة على حدٍ سواء. في مقابلة صحفية مصورة لها ذكرت تفاصيل أخرى عن الاقتحامين اللذين قامت بهما قوة عسكرية ضخمة بالرغم من كون الحركة تعمل بشكل رسمي وعلني وبينت أن السبب في هذا الاستهداف هو التخويف والترهيب لكل من يدعم حراك أكتوبر/تشرين الأول الشعبي.

 اعتقال مدافع عن حقوق الإنسان


بتاريخ 12 ديسمبر/كانون الأول 2022 فجراً، داهمت القوات الأمنية منزل مدافع حقوق الإنسان البارز وأحد قادة الاحتجاجات بمدينة الديوانية عمار حميد رشيد الخزعلي، وأودعته رهن الاحتجاز في مركز شرطة السنية. حال اعتقاله أصدر عدد من مدافعي حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني نداءً ورد فيه، “نطالب الحكومة العراقية بتوفير الحماية الجسدية والقانونية اللازمة للشاب عمار الخزعلي والافراج العاجل عنه، تماشيا مع التزامات العراق الدولية لحقوق الانسان.” وبين النداء كذلك، “ان عملية الاعتقال لا تتوافق مع ما تعهد به رئيس الوزراء في منهاجه الحكومي بدعوته الى تقديم الشكاوى بخصوص انتهاكات حقوق الانسان وعدم انتزاع الاعترافات قسراً او التعرض للتعذيب وسوء المعاملة المهينة.” لقد تم إطلاق سراحه ظهر نفس اليوم بكفالة بسبب حملة التضامن المكثفة. أكدت مصادر محلية موثوقة أنه اتهم استناداً لنص المادة 229 من قانون العقوبات العراقي بزعم الاعتداء على الموظفين وغيرهم من المكلفين بخدمة عامة، وذلك بسبب منشور له على وسائل التواصل الاجتماعي انتقد فيه المحافظ زهير علي الشعلان، محافظ القادسية.

إطلاق سراح المتهم الرئيسي بسرقة القرن 

في مقابلة صحفية تم نشرها بتاريخ 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وأدلى بها قاضي محكمة تحقيق الكرخ المختصة بقضايا النزاهة ضياء جعفر بعد إطلاق سراح المتهم الرئيسي بسرقة مبالغ الأمانات الضريبية و الكمركية والتي أطلق عليها اسم (سرقة القرن) نور زهير بكفالة مالية، ورد ما يلي، “أن “عملية إطلاق سراحه بكفالة مالية تمت استناداً لما ورد بقانون اصول المحاكمات الجزائية بعد أن ابدى استعداده لتسليم المبالغ المالية المترتبة بذمة شركاته واجراء التسوية المالية البالغة أكثر من تريليون وستمئة مليار دينار خلال فترة زمنية محددة.” لقد واجهت عملية إطلاق سراحه حملة شعبية واسعة من الاستنكار الشديد بسبب ضخامة المبلغ الكلي المختلس والبالغ 3.7 ترليون دينار عراقي (ما يعادل 2.5 مليار دولار أمريكي).

تعذيب مواطن

 في مقابلة تلفزيونية تم بثها بتاريخ 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وضح المواطن علي محمد أسود، 28 سنة، كيف أن الأطباء اضطروا لبتر أصابعه بسبب التعذيب الذي تعرض له من قبل السلطات الأمنية في محافظة كركوك. جرى اعتقاله في شهر يونيو/حزيران 2022 من قبل قوة تابعة لاستخبارات الشرطة الاتحادية، وتعرض إلى تعذيبٍ أفضى إلى قطع أصابع يده اليسرى وأحد أصابع يده اليمنى لمنع امتداد الضرر إلى باقي أجزاء اليدين، كذلك أصاب الضرر أجزاء أخرى من جسده. لقد اضطرت القوات التي كانت تحتجزه إلى نقله للمستشفى لتلقي العلاج بعد تدهور حالته الصحية.

اغتيال متظاهر سلمي

 بتاريخ 31 أغسطس/آب 2022، تم اغتيال المتظاهر السلمي عباس العراقي في ناحية السلام التابعة لمحافظة ميسان من قبل مجموعة مسلحة مجهولة أثناء ذهابه لأداء الصلاة.

اغتيال مواطن أمريكي

 

 

بتاريخ 07 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، قامت ميليشيا مسلحة بقتل عامل الإغاثة الأمريكي ستيفن ترول، 45 سنة، بأسلحة كاتمة للصوت بينما كان يقود سيارته برفقة أسرته في شارع الصناعة وسط بغداد. كان ترول يُقيم في العراق منذ سنتين وقد عمل مع مجموعة ميلينيوم لخدمات الإغاثة والتنمية، وكذلك عمل كمدرس في معهد غلوبال للغة الانكليزية في بغداد.

 بتاريخ 11 يونيو/حزيران 2018, كتب التغريدة التالية على حسابه في تويتر وأرفقها بصورة له ولزوجته في شارع المتنبي الخاص بالفعاليات الثقافية ومعارض الكتاب، “كم أحببنا الزيارة إلى بغداد!!! كنز العراق هو الشعب.”أستنكر غالبية المواطنين قتله، وأمر رئيس الوزراء بتشكيل، “لجنة تحقيقية من أجهزة وزارة الداخلية التخصصية والجهات الأمنية الأخرى،” لكن نتائج التحقيق أو هوية الجناة لم يتم الإعلان عنهما لحد الآن.

التوصيات

يدعو مركز الخليج لحقوق الإنسان الحكومة العراقية إلى تحمل المسؤولية الكاملة في حماية جميع المتظاهرين والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان وأعضاء المجتمع المدني. بالإضافة إلى ذلك، يجب على السلطات العراقية المختصة تحديد جميع مرتكبي جرائم خطف، تعذيب، وقتل مدافعي حقوق الإنسان والمتظاهرين السلميين والنشطاء الآخرين وتقديم المسؤولين عنها للعدالة فوراً. يجب على السلطات الوفاء بالتزاماتها الدستورية بعدم انتهاك الحريات العامة، بما في ذلك حرية التجمع السلمي وحرية التعبير وحرية الصحافة، ومحاربة الفساد المستشري الذي يبدد الثروة الوطنية التي يجب أن تكون بمنفعة جميع المواطنين.