يوثق هذا التقرير، الصادر عن مركز الخليج لحقوق الإنسان، أوضاع حقوق الإنسان في العراق خلال الشهرين الماضيين، بما في ذلك احتجاجات حاشدة ضد سوء الأحوال المعيشية للمواطنين، اختطاف ناشط بيئي بارز، محاولة اغتيال مدافع حقوق إنسان، وقتل مدونة عراقية معروفة، في جريمة مروعة من العنف القائم على النوع الاجتماعي.

مواطنون يتظاهرون ضد تدهور الأوضاع المعيشية 

بتاريخ 25 يناير/كانون الثاني 2023، تظاهر الآلاف من المواطنين (الصورة الرئيسية)، أمام بناية البنك المركزي العراقي الواقعة في شارع الرشيد وسط العاصمة بغداد، احتجاجاً على ارتفاع سعر صرف الدولار وارتفاع أسعار المواد الغذائية. لقد تجاوز الدولار الواحد بقيمته خلال الأسابيع الماضية 1700 ديناراً بعد أن كان اقل من 1500 ديناراً، مما أدى الى فوضى في السوق العراقية. بالرغم من أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قد أكد على عزم الحكومة لإعادة سعر صرف الدولار إلى مستواه الأصلي إلا إن ذلك لم يتحقق لحد الآن.

خطف ناشط بيئي بارز

في 01 فبراير/شباط 2023 بتمام الساعة العاشرة صباحاً، تعرض الناشط البيئي البارز جاسم الأسدي إلى عملية اختطاف قامت بها مجموعة مسلحة مجهولة ترتدي الملابس المدنية وتستقل سيارتين. لقد قاموا بإنزاله من سيارته على بعد 5 كيلومترات من بغداد التي كان يروم التوجه إليها. تم تقييده ونقله من قبلهم إلى جهة مجهولة.

 إن الاسدي هو مهندس هيدروليك استشاري ولد سنة 1957 في أعماق الأهوار الوسطى لجنوب العراق، وأكمل دراسته الهندسية في الجامعة التكنولوجية ببغداد سنة 1980. يعتبر أبرز المدافعين عن أهوار العراق ويمتلك معلومات تفصيليه عنها. كان له دور رئيسي في إدراجها ضمن لائحة التراث العالمي لليونسكو سنة 2016. يقوم بمهمة المدير الإداري لمكتب الجبايش لمنظمة طبيعة العراق. نظم وشارك منذ سنة 2008 في العديد من الفعاليات التي كانت تهدف إلى الحفاظ على أهوار العراق ودعم سكانها المحليين وطريقة حياتهم وتراثهم.

يستخدم الأسدي صفحته على الفيسبوك لنشرصورٍعن نشاطاته في أهوار العراق حيث يستقبل الوفود ويلتقي بالسكان المحليين الذين تربطهم به علاقات وثيقة. بتاريخ 16 يناير/كانون الثاني 2023، كتب تحت الصورة أعلاه ما يلي، “مع ارتفاع مناسيب المياه في نهر الفرات، الحياة تدب في أهوارنا من جديد بعد معاناة شديدة وقاسية، الفرحة ترتسم على وجوه أطفالنا رغم حرمانهم من التعليم والرعاية الصحية. رحمة ببيئتنا الجميلة لنحسن ادارتها والاهتمام بها.”

في 06 ديسمبر/كانون الأول 2018، قام بالتعاون مع الدار العراقية للأزياء بتقديم عرض غير تقليدي للأزياء بين أكواخ القصب والزوارق البدائية والجاموس، وذلك في قرية إيشان كَبة الواقعة ضمن أهوار الجبايش، والتي تحتوي على تلال أثرية سومرية. لقد وصف العرض بقوله، “الفعالية قامت بها عارضات أزياء ارتدن ثياباً ذات طابع تراثي بعضها مطرزة برموز ورسومات تدل على بيئة الأهوار والحضارة السومرية.” وتحدث عن الفعالية أيضا في لقاء تلفزيوني بكل حماس.

يُدين مركز الخليج لحقوق الإنسان بشدة اختطاف الناشط البيئي البارز جاسم الأسدي، ويدعو الحكومة العراقية إلى بذل كل جهدٍ ممكن لإنقاذ حياته وتقديم الجناة إلى العدالة.

محاولة اغتيال مدافع عن حقوق الإنسان

في 27 يناير/كانون الثاني 2023، تعرض مدافع حقوق الإنسان عباس كامل الجابري، 26 سنة، إلى محاولة اغتيال قرب منزله، الواقع بمدينة سوق الشيوخ في محافظة ذي قار، عندما أطلق عليه أشخاص يستقلون دراجة نارية رصاص أسلحتهم فارتمى على الارض واصيب بجروحٍ طفيفة. تم نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج اللازم. أكد الجابري لمركز الخليج لحقوق الإنسان تعرضه للتهديدات المتكررة لرفصه التنازل عن الشكوى القضائية التي رفعها ضد المتهمين بقتل شقيقه المتظاهر السلمي حمزة كامل الجابري الذي فقد حياته خلال احتجاجات جسر الزيتون بمدينة الناصرية بتاريخ 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2019. لقد تورط هؤلاء المتهمون بقتل متظاهرين آخرين في المدينة نفسها.

أصدر مركز الخليج لحقوق الإنسان بالاشتراك مع شركائه من منظمات حقوق الإنسان العاملة في العراق نداءً مشتركاً جاء فيه ما يلي، “شهدت مدينة الناصرية ليلة دامية في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 حيث تم قتل 33 من المتظاهرين السلميين وإصابة نحو 125 آخرين بعد ان قامت القوات الأمنية باستخدام الرصاص الحي من أجل تفريق المظاهرات في ساحة الحبوبي بمركز المدينة والمناطق المحيطة بها.”

اشترك عباس الجابري بفعالية في الحراك الشعبي الذي انطلق في أكتوبر/تشرين الثاني 2019، وهو مؤسس ومدير منظمة القسيط لحقوق الانسان والتنمية المستدامة ورئيس التجمع الطلابي للمعرفة.

قتل المدونة طيبة العلي خنقاً

بتاريخ 31 يناير/كانون الثاني 2023 ليلاً، تم في محافظة الديوانية الواقعة في جنوب العراق، قتل المدونة طيبة العلي، 22 سنة، على يد والدها الذي قام بخنقها وهي نائمة. سلم الاب نفسه إلى الشرطة معلناً ارتكابه “جريمة شرف” حسب زعمه. لفد هربت العلي من بلدها واقامت في إسطنبول بعد قيام شقيقها بالتحرش بها جنسياً وعدم قيام أسرتها بحمايتها منه. كانت على وشك الزواج من خطيبها المواطن السوري محمد الشامي وقد عادت إلى العراق للحصول على مباركة أسرتها، ولكن والدها استغل الفرصة وقام بقتلها بعد نجاحه في استدراجها.

كانت العلي تنشر محتوى متنوع عن مواضيع مسلية وجمالية عبر حسابها في إنستغرام حيث تابعها أكثر من 160 ألف متابع. صدم خبر قتلها المواطنون العراقيون بعد أن انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تسريبات صوتية بصوتها تتحدث فيه مع والدها ووالدتها عن تعرضها للتحرش الجنسي من قبل شقيقها وعدم حمايتهم لها مما أجبرها على الهروب إلى تركيا الذي لم يوافق عليه والدها حسب ما قاله في هذا التسجيل.

بالرغم من حثها في فيديو لها قبل قتلها والذي تقول فيه، “سأموت، سيقتلوني.” وطلبها الحماية من السلطات الأمنية، لكنهم فشلوا في اتخاذ الإجراءات اللازمة لحفظ حياتها.

  تصدر وسم (#حق_طيبة_العلي) موقع تويترالخاص بالعراق، حيث عبرت مختلف شرائح المجتمع العراقي عن استنكارها للجريمة التي حصلت بحق مواطنة بريئة. كان يجب على السلطات القيام بحماية حقها الكامل في حياةٍ حرة وكريمة. بتاريخ 05 فبراير/شباط 2023، تم تنظيم وقفة احتجاجية نسوية في بغداد أمام مجلس القضاء الأعلى. طالبت المحتجات بوقف قتل النشاء وتشريع قانون لحمايتهن ضد العنف الأسري. كما هو واضح في الصورة أعلاه، تم رفع عدة شعارات من بينها، “كفاكم استشرافاً بقتل النساء” و “أوقفوا العنف ضد النساء”. التقى وفد يمثل المشاركات ضم مدافعة حقوق الإنسان البارزة هناء أدور بأحد مسؤولي مجلس القضاء الأعلى حيث تم تسليمه مطاليب النساء المشاركات في الوقفة.

يشارك مركز الخليج لحقوق الإنسان الملايين في حزنهم والأسى على فقدان المدونة طيبة العلي، ويدعو السلطات العراقية إلى تشريع قوانين تمنع تكرار عمليات القتل هذه. يجب عدم التسامح مع مرتكبي هذه الجرائم، ولا يمكن بأي حال من الأحوال توقيع عقوبات خفيفة على الجناة باسم ما يسمى “الشرف”.

التوصيات 

يدعو مركز الخليج لحقوق الإنسان الحكومة العراقية إلى تحمل المسؤولية الكاملة في حماية جميع المتظاهرين والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان وأعضاء المجتمع المدني. بالإضافة إلى ذلك، يجب على السلطات العراقية المختصة تحديد جميع مرتكبي جرائم خطف، تعذيب، وقتل مدافعي حقوق الإنسان والمتظاهرين السلميين والنشطاء الآخرين وتقديم المسؤولين عنها للعدالة فوراً. يجب على السلطات الوفاء بالتزاماتها الدستورية بعدم انتهاك الحريات العامة، بما في ذلك حرية التجمع السلمي وحرية التعبير وحرية الصحافة، ومحاربة الفساد المستشري الذي يبدد الثروة الوطنية التي يجب أن تكون بمنفعة جميع المواطنين.