حالة حقوق الانسان في تونس: تراجع صارخ ومؤشرات تنبئ بخطر محدق
24/05/2023
“أنــت إنسان لـــدى الناس رسول الكلمات
فتكلــــــم وتألـــــــم ولتمــــت في الكلمات
وإذا مـــا عشــــت فيــهم فلتكــــن الكلمات
شاهــــــد أنت عليهــــم وعليــــك الكلمات”
الشاعر التونسي منوّر صمادح 1931 -1998
وكيف لا، ونحن اليوم في تونس في أمس الحاجة للكلمات والتكلم وإعلاء صوت الحق والضمير في سبل دعم حقوق الإنسان وترسيخها، بعد التراجع الفاضح لأهم الوسائل القانونية للحقوق والحريات والمساس ببعض الحقوق الأساسية، حيث يعتبر تراجع مؤشرات حقوق الانسان من الظواهر الخطيرة التي تواجهها الدولة التونسية بعد سلسلة من صراعات لمصادرة الحريات العامة منذ الاستقلال وهو ما يشوه البنية الاجتماعية كما له تأثير سلبي كبير على التنمية الشاملة والاستقرار السياسي والاجتماعي.
أصبحت تونس في السنين الأخيرة منارة المدافعين الحقوقيين ومرساة العابرين اللاجئين وميناء المدافعين على حقوق الانسان والسلام، فمنذ نهاية العام 2018، أصبح تدفّق المُدافعين عن حقوق الإنسان إلى تونس، ولا سيما مِن ليبيا ومصر وحتى من دول المغرب العربي كالجزائر مثلاً، ملحوظًا بشكل متزايد، وهو أمر استثنائي في أية عاصمةٍ أخرى في شمال إفريقيا.
كان ذلك تاريخ تونس المعاصر الذي بات اليوم في طي الاضمحلال والبهتان، لذلك وجب الإفصاح عن المخاوف والتنديد بهذا الخطر الذي لا يمس التونسيين فقط بل كل من له وطء قدم على الأراضي التونسية.
كما نلاحظ في هذا الجدول التحليلي، لا يوجد تغيير على المستوى التشريعي والقانوني بصفة عامة وخاصة على مستوى النصوص الدستورية، الا ان هنالك خرقا وبترا واضحا على المستوى العملي ويظهر ذلك جليا على مستوى المراسيم والاوامر الجديدة التي لا تتماشى مع القواعد الدستورية والتي تعتبر في أعلى قمة سلم القواعد القانونية، ومن مؤشرات التراجع على أصعدة متنوعة نذكر التالي:
الحقوق السياسية والاجتماعية
١- تفكيك وإضعاف الضمانات الأساسية لحقوق الإنسان منذ توطيد سلطات رئيس الجمهورية في يوليو/تموز الماضي، بالرغم من تعهده المتكرر بضمان احترام السلطات لحقوق الإنسان؛
٢- إصداره المراسيم من دون إشراف أو مراجعة [1]، مع ملاحظة أن العديد من الإنجازات الرئيسية التي حققتها البلاد في مجال حقوق الإنسان في السنوات الأخيرة بدأت في التبخر والاضمحلال دون أي مؤشرات لعودة سريعة؛
٣- تفكّيك عدد من المؤسسات الوطنية، بما في ذلك الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي أعيدت هيكلتها [2] ثلاثة أشهر فقط قبل الاستفتاء [3] الذي جرى في 21 أبريل/نيسان2022، وتم اصدار مرسوم غيّر بموجبه تركيبتها، ومنح لرئاسة الجمهورية صلاحية التدخل في تسمية كل أعضائها؛
٤- قبل الانتخابات التشريعية بثلاثة أشهر، تم تعديل القانون الانتخابي دون أي مشاورات أو نقاشات عامة، وقلّص “المرسوم عدد 55-2022” الصادر في 15 سبتمبر/أيلول 2022، عدد أعضاء البرلمان من 217 إلى 161، كما سمح للمقترعين بالتصويت على الأفراد بدلا من القوائم الحزبية، وهو تغيير يهدف إلى تقليص تأثير الأحزاب السياسية، بحسب مراقبين؛
٥- كما ألغى القانون الانتخابي الجديد أيضا مبدأ التناصف الجندري لضمان مشاركة متساوية للمرأة في المجال السياسي.
القضاء والحق في محاكمة عادلة
١- أصدر الرئيس سعيّد مرسومَيْن يمنحانه سلطة لا تقتصر على تعيين القضاة والوكلاء العامين فقط، بل أيضًا عزلهم لأسباب غامضة مع حرمانهم من الحق في الطعن؛
٢- وفي 01 يونيو/حزيران2022، تمت اقالة 57 قاضياً بصورة تعسفية تأسيساً على اتهامات تشمل، عرقلة التحقيقات المتعلقة بالإرهاب، الفساد المالي والفساد الأخلاقي، الزنا، مما يعكس عدم التزام السلطة التنفيذية بصيانة حقوق المحاكمة العادلة [4] من خلال ضمان استقلالية المحاكم وحماية القضاة من تأثير النفوذ السياسي[5]؛
٣- كما زادت الملاحقات القضائية للمدنيين أمام المحاكم العسكرية بشكل كبير، حيث حوكم ما لا يقل عن 12 شخصاً منذ 25 يوليو/تموز 2021، والذي نددت به منظمة العفو الدولية وغيرها من منظمات حقوق الإنسان فقد تم محاكمة ما لا يقل عن ستة مدنيين خلال السنوات الماضية امام المحاكم العسكرية؛
٤- في سنة 1988، صادقت تونس على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، وتُلزم هذه الاتفاقية الدول بإجراء تحقيقات محايدة وشاملة وسريعة في جميع ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة، لكن الواقع التونسي يقول عكس ذلك، وفق تأكيدات العديد المنظمات والجمعيات الحقوقية وخاصة فيما يتعلق بسرعة البت وجدية التحقيقات؛
٥- تم تسجيل 630 انتهاكاً لحقوق الإنسان داخل السجون ومراكز الاحتجاز في البلاد، خلال فترة عام وذلك خلال الفترة الممتدة بين مارس/آذار 2020 ومارس/آذار2021، تلقت الهيئة 630 إشعاراً (بلاغا) حول انتهاكات لحقوق الإنسان في السجون ومراكز الإيقاف والاحتجاز[6]؛
٦- ظروف الإيداع بالسجون والإيقاف بمراكز البحث (التحقيق الأولي) والاحتفاظ عموما غير مطابقة للمعايير الدولية، رغم المجهودات المبذولة لتحسينها؛
٧- كما أن خطورة تواصل إفلات منتسبي دوائر الأمن من العقاب في يتعلق بارتكابهم انتهاكات ضد بعض السجناء، مما يساعد في تواصل الاعتداءات وتكرارها [7]؛
٨- لقد تم تسجيل اكتظاظ كبير في معظم الوحدات السجنية، حيث يوجد فقط 5 آلاف سجيناً تتوفر لهم أسرة ويفوق عدد السجناء في تونس 25 ألفاً، موزعين على 27 سجنا و6 مراكز إصلاح في عموم البلاد، وفق إحصائيات رسمية في تحديثات 2021؛
٩- لا يمكن الحديث اليوم عن قضاء عادل في تونس دون آجال معقولة للتقاضي وضمان مكانة فعلية للضحية في ظل كل الإجراءات القانونية المطولة والرتيبة، فالقانون لم يضع أي حد زمني لإنهاء التحقيقات مما يغذي آفة الإفلات من العقاب.
الحريات الأساسية
١- شهدت تونس تراجعا كبيرا في حرية التعبير والصحافة، حيث عمدت السلطات إلى مضايقة واعتقال ومحاكمة نشطاء حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي والمدونين بتهم ٍتتعلق بالتعبير ونشر أراءهم الشخصية، بما في ذلك انتقاد الحكومة وقوات الأمن والجيش وبعضهم حوكم في محاكم عسكريّة؛
٢- بتاريخ 02 مارس/آذار 2023، سُجن المحامي عبد الرزاق الكيلاني، وهو وزير سابق والعميد السابق للمحامين في محكمة عسكريّة بتهم شملت، “الإخلال بالراحة العامة” و”هضم جانب موظف عمومي”، على خلفية مشادة كلامية بينه وبين قوات الأمن أثناء محاولته زيارة أحد موكّليه؛
٣- في 11 يونيو/حزيران 2023، اعتُقل الصحفي صالح عطيّة ثم حوكم في محكمة عسكرية بتهم ٍ ، “نسبة أمور غير قانونية لموظف عمومي دون الإدلاء بما يُثبت صحة ذلك”، و”المسّ بكرامة الجيش” على خلفية تعليقات أدلى بها بعد ظهوره “قناة الجزيرة” بشأن الرئيس سعيّد والجيش التونسي و حُكم عليه بالسجن ثلاث أشهر؛
٤- شهد العام الماضي 2022 ارتفاعاً في مضايقة الصحفيين واحتجازهم بسبب عملهم، وصار الوصول إلى المعلومات أكثر صعوبة خلال هذه السنة، كذلك ارتفعت عدد الاعتداءات على الصحافيين/ات في 2023 [8]؛
٥- تراجعت تونس بذلك في مؤشر حرية الصحافة الذي نشرته في 2023 “مراسلون بلا حدود” من المرتبة 94 في العام 2022 إلى المركز 121، في تراجع حاد وصل إلى 27 مركزا في عام واحد فقط؛
٦- في 16 سبتمبر/أيلول 2023 ، أصدر الرئيس قيس سعيّد مرسوما جديدا يتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال وتعتبر بعض فصوله مقيدة بشدّة لحريّة التعبير والصحافة والحق في الخصوصية؛
٧- لقد مثل الفصل 24 من هذا المرسوم باباً مفتوحاً للتكييف القضائي وتجريم كل الأفعال حيث يُعاقب ما وصفه بإنتاج أو ترويج أو نشر “أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة” بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات وتشدد العقوبة بعشرسنوات إذا كان ذلك يستهدف موظفين عموميين.
التظاهر السلمي وتكوين الجمعيات
١- منعت قوات الأمن بشكل متكرر المظاهرات من خلال منع الوصول إلى أماكن معيّنة، واستخدمت القوة المفرطة لتفريق المتظاهرين، بما في ذلك يوم 14 يناير/كانون الثاني2023، في ذكرى ثورة 2011، وفي 22 يوليو/تموز 2023، أثناء مظاهرة ضدّ الاستفتاء الدستوري 2022؛
٢- فرضت السلطات التونسية العشرات من قرارات حظر السفر التعسفي دون إشراف قضائي، مما قيّد حرية تنقل الناس وخاصة الناشطين السياسيين منهم؛
٣- في فبراير/شباط 2022، اتهمت رئاسة الجمهورية منظمات المجتمع المدني بخدمة مصالح أجنبية، وعزمت على منع “التمويل من الأجنبي”؛
٤- علاوة على كل ذلك، شرع قانون جديد مقيّد لتنظيم الجمعيات، مما يُشكل انتكاسة لتدابير حماية حرية تكوين الجمعيات أو الانضمام اليها والتي انتُزعت بعد مثابرة شاقة من خلال تعديل المرسوم المرقم 88 لعام 2011 الذي ينظم عمل المجتمع المدني ويضمن حقوق منظمات المجتمع المدني في الوجود وممارسة نشاطها بحرية.
حقوق المرأة والجندر
١- لم تحقق الدولة التونسية أي تقدم مثمر أو شيئا يُذكر للنهوض بحقوق المرأة بالرغم من تعيين نجلاء بودن كرئيسة حكومة في 2021 الذي يُعتبر سابقة في شمال أفريقيا، إلا أنها لم تمنح استقلالية سياسية تُذكر؛
٢- يستمر القانون التونسي في التمييز ضدّ المرأة في حقوق الميراث، بالرغم من عرض الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي مشروع قانون على البرلمان في المساواة بالميراث، لكن لم يتم اعتماده، كما عبّر الرئيس سعيّد عن معارضته الشديدة له؛
٣- تفتقر تونس إلى سياسة تحمي حق الفتيات الحوامل في التعليم؛
٤- رغم اعتماد قانون مكافحة العنف ضدّ المرأة في 2017، الذي نصّ على خدمات دعم جديدة وآليات وقاية وحماية للضحايا، إلا أنّ هناك العديد من أوجه القصور في تنفيذه، لا سيما في الطريقة التي تعالج بها الشرطة والسلطة القضائية شكاوى العنف الأسري كما ان نسبة المعنفات في ارتفاع مستمر خاصة في السنوات الأخيرة؛
٥- أبقى دستور 2022 على بعض أحكام دستور 2014، ونصّ على أن النساء والرجال “متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء أمام القانون دون أيّ تمييز”، وألزم الدولة باتخاذ إجراءات للقضاء على العنف ضدّ المرأة، وهذا لم يتم تنفيذه بجدية من قبل السلطات الحكومية.
التوصيات
يدعو مركز الخليج لحقوق الإنسان السلطات في تونس إلى:
١- إلغاء أو تعديل البنود القمعية التي اسُتخدمت في فرض قيود على حرية المرأة وحرية التعبير، مثل البنود الواردة في المجلة الجزائية ومجلة المرافعات والعقوبات العسكرية، التي تحظر إهانة الرموز والهيئات العامة والمسؤولين الحكوميين؛
٢- إيقــاف العمــل فــورا بالمرسوم 54 لسنة 2022 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال يضــع عوائــق غيــر مشــروعة أمــام حــق الصحفييـن/ات فـي الحصـول علـى المعلومـة مـن مصادرهـا الرسـمية وحـق المواطـن فـي الحصــول عليهــا؛
٣- الأخذ فورا بتوصيات المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، الصادرة بتاريخ 24 يناير/كانون الثاني 2023، والاخذ بعين الاعتبار دليلها الذي يحمل العنوان “10 عقبات أمام العدالة: دليل الإصلاحات التشريعية ضد الإفلات من العقاب”؛
٤- وضع آليات دولية مشتركة لضمان حقوق الانسان الرقمية من حرية التعبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي وحماية المعطيات الشخصية وكذلك يسر النفاذ للمعلومة في المسائل المتعلقة بالمصلحة العامة؛
٦- العمل على مواكبة القوانين للتطور التكنولوجي والحد من التأثير السلبي لذكاء الاصطناعي ووضع “محاذير فعالة”؛
٦- تعزيز دور تونس باعتبارها مركزاً للمدافعين عن حقوق الإنسان في شمال إفريقيا من خلال زيادة الاستثمار في هذا النطاق وبناء قدرات هذه المنظمات الموجودة في تونس؛
٧- العمل على احترام الالتزامات الدولية فيما يتعلق بحق اللجوء وضمان قيام المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان بأنشطتهم المشروعة دون عوائق، وذلك بغض النظر عن جنسيتهم/هن وبمعزل عن علاقات التعاون الأمني التي قد تربط تونس ببلدانهم.
[1] الامر الرئاسي 117-2021 سبتمبر/أيلول 2021 يتعلق بصلاحية إصدار قوانين جديدة بمراسيم دون مراجعة أو رقابة من أي سلطة أخرى.
[2] صدر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية مرسوم عدد 22 لسنة 2022 مؤرخ في 21 أبريل 2022 المتعلّق بتنقيح أحكام القانون الأساسي عدد 23 لسنة 2012 المؤرّخ في 20 ديسمبر/كانون الأول 2012 المتعلّق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات وإتمامها.
[3] الاستفتاء الدستوري التونسي 2022 وهو استفتاء عام أجري في تونس يوم 25 يوليو/تموز 2022 بتنظيم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات للسماح للتونسيين باتخاذ قرار بشأن دستور جديد للجمهورية التونسية.
[4] علّقت المحكمة الإدارية بتونس العاصمة قرار الرئيس بشأن 49 من أصل 57 قاضيا، وقررت إعادتهم إلى مناصبهم لكن ظل هذا القرار قضائيا فقظ.
[5] حل المجلس الأعلى للقضاء، وإعادة صياغة المجلس بواسطة مراسيم (10 ديسمبر/كانون الأول 2021).
[6] وفقا لتقارير الهيئة التونسية للوقاية من التعذيب.
[7] وفقا الهيئة التونسية للوقاية من التعذيب.
[8] وفقا لتقارير النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين مارس/آذار2023.