منذ فبراير/شباط 2023، بدأت سلسلة من الاعتقالات في خضم المعركة السياسية في تونس والتي لاتزال قائمة بعد سنتين تقريبا من ما تمت تسميته إعلامياً قضية التآمر على أمن الدولة  التي هزت الوسط الحقوقي والقضائي التونسي المحلي والدولي، وتعلقت التهم، وفق مصادر قضائية، بـالتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي، تكوين والانضمام إلى تحالف إرهابي، الاعتداء المقصود به تبديل هيئة الدولة، إثارة الهرج والقتل والسلب المرتبطة بجرائم إرهابية، والإضرار بالأمن الغذائي والبيئة.

لقد تم اعتبارها محاكمة غير مسبوقة في تونس، نظرا لطبيعة المتهمين البارزين، ومن بينهم مدافعون عن حقوق الإنسان، مدونون، صحفيون، وشخصيات سياسية. إن من بين أبرز المتهمين، أعضاء حركة النهضة الذين أحيلوا إلى القضاء بتهمة التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي، طبقا للمادتين 68 و72 من المجلة الجزائية التونسية.

أصدرت الدائرة الجنائية الخامسة المختصة في قضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائية بتونس، في ساعة متأخرة من ليل يوم 19 أبريل/نيسان 2025، أحكاماً بالسجن تراوحت بين 4 و 66 سنة ضد 40 متّهماً، بينهم وجوه من المعارضة، وفق ما أكده المساعد الأول لوكيل الجمهورية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب لوكالة تونس إفريقيا للأنباء. لقد دونت تفاصيل الأحكام في أدناه.

الجدير بالذكر أن الأحكام الصادرة على المتهمين الهاربين صدرت غيابياً. وعقب انتهاء الجلسة الثالثة للمداولات، شملت الأحكام 37 شخصاً، من بينهم موقوفون ومُفرج عنهم وهاربون. في غضون ذلك، حُذفت أسماء ثلاثة متهمين مؤقتاً من القضية بعد أن تقدموا بطعون لدى محكمة النقض. إن الأحكام الصادرة بحق الفارين قد صدرت بنفاذٍ فوري.

الأحكام القضائية الصادرة

إن حطاب سلامة هو مواطن مدني تونسي لا علاقة له بالسياسية أو قيادات الأحزاب السياسية، وشهد الكل بعدم معرفتهم المسبقة به غير أن ذنبه الوحيد أنه ركن سيارته أمام منزل محمد خيام التركي المذكور سابقا.

فيما يتعلق بالمتهمين الأحرار الذين صدرت بحقهم أحكام، أوضح فريق الدفاع أنهم سيظلون طلقاءً ريثما تُبتّ إجراءات الاستئناف. علاوة على ذلك، يبدو البناء القانوني لقضية مؤامرة أمن الدولة غامضاً من حيث عناصرها والأسس القانونية للجريمة المزعومة. لقد تشابكت قضايا أخرى غير ذات صلة مع قضية المؤامرة، التي لا تزال حتى اليوم عالقة بين الادعاءات والتكهنات والافتراضات غير المثبتة، وأدى ذلك كله إلى محاكمة صورية تفتقد المعايير الدولية الدنيا للمحاكمة العادلة والإجراءات القانونية. يمكن القول إن ما يجري في تونس الآن هو مثال واضح لاستخدام السلطات القضاء المسيس كأداة لإسكات الأصوات المعارضة والقضاء على حركة حقوق الإنسان.

قررت هيئة الدائرة الجنائية في المحكمة الابتدائية بتونس تعيين تاريخ 06 مايو/أيار 2025، للنظر في ملف “التآمر على أمن الدولة” بجزئه الثاني الذي تشمل التحقيقات فيه 21 متهماً منهم، رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، نادية عكاشة، رئيس المجلس البلدي المنحل بالزهراء ريان الحمزاوي، كمال البدوي، رئيس الحكومة الاسبق يوسف الشاهد، والقيادي في حركة النهضة لطفي زيتون، بالإضافة إلى مسؤولين أمنيين سابقين في وزارة داخلية وأشخاص آخرين.

على ذات النمط من القمع الممنهج، قامت مجموعة أمنية تابعة لفرقة مكافحة الإرهاب في بوشوشة صباح يوم 21 أبريل/نيسان 2025، بمداهمة منزل محامي حقوق الإنسان البارز، أحمد صواب، وهو قاضي سابق وعضو هيئة الدفاع في قضية “التآمر على أمن الدولة”.

يُعتبر صواب أحد أبرز الأصوات القانونية المناهضة لسياسات الحالية وذلك منذ حلّ البرلمان عام 2021. لقد شارك صواب في الدفاع عن المعارضين في قضية التآمر على أمن الدولة.

أكد المحامي ورئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسام الطريفي، أن النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الارهاب أذنت بالاحتفاظ به لمدّة 48 ساعة على ذمة التحقيقات. بالرغم من ذلك، أصدر قال محامون إن قاضيا أصدر قرارا في 23 أبريل/نيسان 2025، بسجنه بسبب تعليقات انتقد فيها القضاء. لم تعلن السلطات سبب اعتقاله أو التهم الموجهة ضده.

تُشير الاحصائيات إلى أن أكثر من 170 شخص موقوفين في تونس اليوم بتهم “ذات دوافع سياسية”. يأتي هذا في إطار حملة أمنية شاملة بدأت بعد إعلان السلطة السياسية الرئاسية في 2023 عن “حرب ضد الفساد والإرهاب بالمعنى الشامل”، والتي استخدمها رئيس الجمهورية كذريعة قانونية لا تمت للواقع بصلة من أجل استهداف الحريات العامة وغلق الفضاء المدني.

من المفزع أن يتواصل إصرار السلطة القضائية في خضم ذلك على ضرب حق الصحفيين في الولوج إلى قاعات المحاكم وتغطية المحاكمات ذات الأهمية بالنسبة للرأي العام.

بتاريخ 18 أبريل/ نيسان 2025، أصدرت النقابة الوطنية للصحفيين بياناً نشرت على صفحتها في الفيسبوك جاء فيه ما يلي، “تم صباح اليوم الجمعة، منع الصحفيين/ات من دخول قاعة الجلسات المخصصة للنظر في القضية المعروفة إعلاميا باسم قضية “التآمر على أمن الدولة” في المحكمة الابتدائية تونس.” أضاف البيان أنه، “كما تم منع الزميلة عايدة الهيشري نائبة رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين من الدخول ومقابلة وكيل الجمهورية بالمحكمة من أجل حل الأزمة المتكررة بمنع الصحفيين من العمل.”

مسيرة احتجاجية تضامنية

شهدت العاصمة تونس العاصمة مساء يوم 25 أبريل/نيسان 2025، مسيرة احتجاجية انطلقت من أمام مقر النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين بشارع الولايات المتحدة (الصورة الرئيسية). طالب المحتجون بالإفراج الفوري عن محامي حقوق الإنسان أحمد صواب الموقوف على خلفية تصريحات أدلى بها. رفع المشاركون في المسيرة شعار “أطلقوا سراح أحمد صواب”، داعين إلى وقف الملاحقات القضائية ضد ناشطي المجتمع المدني والناشطين السياسيين.

التوصيات

يدعو مركز الخليج لحقوق الإنسان السلطات في تونس إلى:

1. الإلغاء الفوري للأحكام المشددة الصادرة بحق جميع المتهمين في قضية التآمر وأطلاق سراحهم دون قيدٍ أو شرط؛
2. العدول الفوري عن الذرائع الواهية التي تُستخدم لتقويض الحريات الأساسية وانتهاك حقوق الإنسان في تونس؛
3. العمل على إرساء مبادئ المساواة أمام القانون والفصل بين السلطات؛
4. تطبيق المعايير الدولية الخاصة بمفهوم المحاكمة العادلة والإجراءات القانونية؛
5. التنديد بالانتهاك الصارخ لحرية الصحافة وحرية العمل النقابي الذي يعتبر انتهاكاً صارخاً للدستور التونسي الذي يحمي كل هذه الحقوق.