تتصاعد الأحداث داخل مدينة النجيلة بمحافظة مرسى مطرح، ففي أعقاب مقتل ثلاثة من عناصر الشرطة خلال محاولة ضبط أحد المحكوم عليهم بالسجن 35 عامًا، في 9 أبريل الماضي، أقدمت قوات الأمن على احتجاز نحو 20 سيدة من أقارب المشتبه بهم، في خطوة وُصفت بأنها محاولة للضغط على المتهمين لتسليم أنفسهم، أثارت استياءً واسعًا بين سكان المنطقة، الذين اعتبروا أن احتجاز النساء دون سند قانوني يمثل انتهاكًا صارخًا للحقوق الأساسية ويعيد إلى الأذهان ممارسات أمنية تجاوزها الزمن.
وتنفي وزارة الداخلية واقعة احتجاز السيدات، لكن شهود عيان تحدثت إليهم زاوية ثلاثة على مدار الساعات الماضية أكدوا الواقعة، وسردوا تفاصيل ما حدث. يقول أحد شهود العيان، فضل عدم ذكر اسمه، إن ما جرى عقب مقتل عناصر الشرطة كان صادمًا للجميع، إذ اقتحمت قوات الأمن منازل الأهالي فجرًا واحتجزت نحو عشرين سيدة من أقارب المتهمين دون سند قانوني، في محاولة للضغط على المطلوبين لتسليم أنفسهم. ويضيف أن المحتجزات كن من النساء الكبيرات في السن، وأمهات وربات بيوت لا علاقة لهن بالحادث، ما أثار غضبًا واسعًا في القرية، ودفع الأهالي والمشايخ للتدخل.
يقول شاهد آخر، إن مثل هذه الحوادث باتت تتكرر مع أهالي مطروح بشكل مستمر، إذ تستخدم السلطات أساليب قمعية لإسكات الأهالي أو مواجهتهم، ولا يحدث ذلك فقط مع المتهمين أو الخارجين عن القانون، على حد تعبيره، لكن مع الجميع، حتى أصحاب الحقوق الذين يعترضون على بيع أملاكهم لجهات استثمارية يتم التنكيل بهم وبأسرهم، في غياب كامل لدولة القانون.
من جهتها تقول وزارة الداخلية في بيان أصدرته مساء الخميس، إن “ما تم ترويجه على عدد من الصفحات بمواقع التواصل الاجتماعي بشأن قيام الأجهزة الأمنية بمديرية أمن مطروح باحتجاز سيدات على خلفية استشهاد أفراد من المديرية أثناء تنفيذهم لأحكام قضائية ضد عناصر إجرامية شديدة الخطورة، غير صحيح،” مؤكدة على اتخاذ كافة الإجراءات القانونية حيال مروجي تلك المزاعم لتعمدهم إثارة البلبلة بأوساط الرأي العام، على حد وصف البيان.
نوصي للقراءة: رأس الحكمة في مواجهة جرافات كامل الوزير
مقتل شابين
نقيب المحامين الأسبق وأحد أعضاء هيئة الدفاع عن سيدات مطروح ممدوح دربالة يكشف في حديث إلى زاوية ثالثة تفاصيل الواقعة كاملة. يقول إن اشتباك وقع بين قوة أمنية وبعض المتهمين أسفر عن مقتل 3 عناصر أمنية، وهروب المتهمين، في صباح اليوم التالي ألقت السلطات الامنية القبض على 23 سيدة، وتم احتجازهن بالمخالفة للقانون في محاولة لإجبار المتهمين على تسليم أنفسهم للشرطة، وتحت ضغط كبير من الأهالي والمحاميين، اضطرت السلطات للإفراج عن نحو 19 سيدة بينما استمرت أربع سيدات رهن الاحتجاز.
وفي ضوء رفض السلطات إطلاق سراح السيدات، اضطر شابين (17 و18 عامًا) من ذويهم لتسليم أنفسهم للشرطة، تحت إشراف كبار العائلات والمشايخ، مع التأكيد على أنهم أبرياء ولا علاقة لهم بمقتل أمناء الشرطة، لكنهم سلموا أنفسهم كبديل عن السيدات المحتجزات لحين ضبط المتهمين.
الصدمة الكبرى كانت بعد أن قامت قوات الشرطة باصطحاب الشابين، وهما يوسف عيد فضل السرحاني، وفرج رباش الفزاري إلى طريق السلوم وإطلاق النار عليهم وتصفيتهم خارج إطار القانون رغم أنهم أبرياء والجميع يعلم ذلك، ما أشعل حالة الغضب بين الأهالي. وبسؤاله عن التحركات المقبلة يؤكد دربالة في حديثه معنا أن الأوضاع تغلي وما يحدث ينذر بكارثة حتمية، خاصة أن الأهالي يرغبون في سلك مسلك القانون والتقدم ببلاغ رسمي للنائب العام، بينما يصر أخرون على الذهاب للقاء قائد المنطقة العسكرية والسعي لاحتواء الأزمة، لكن في الحالة الثانية لن يحصل الأهالي على حقوقهم، يقول دربالة.
وفي المقابل، أكدت وزارة الداخلية صباح الجمعة، أن الشابين هما عناصر إجرامية متورطة بالواقعة. يقول البيان: “تمكنت أجهزة البحث الجنائي بمديرية أمن مطروح بالاشتراك مع قطاع الأمن العام من تحديد مكان اختباء (عنصرين إجراميين شديدي الخطورة من مرتكبي واقعة استشهاد 3 أفراد شرطة بمديرية أمن مطروح أثناء تنفيذهم أحكام قضائية ضد أحد العناصر الجنائية شديدة الخطورة بمطروح)، مضيفًا: “عقب تقنين الإجراءات تم استهدافهما بمشاركة قطاع الأمن المركزي، وأسفر تبادل إطلاق النيران عن مصرعهما وبحوزتهما (2 بندقية آلية – كمية من الطلقات ).
وبالعودة إلى الأهالي والشهود والتواصل مع 10 أشخاص على الأقل شهدوا الأحداث منذ بدايتها، ثلاثة منهم كانوا ضمن المجلس الذي اتفق على تسليم الشابين للحكومة بهدف إخلاء سبيل السيدات، أجمعوا جميعًا أن الشابين ليسوا على صلة بالواقعة أصلًا، وأنه تم تصفيتهم على خلاف الاتفاق مع كبار المشايخ والعائلات التي توسطت بالأمر.
وتعقيبًا على مقتل الشابين، يقول أحد الأهالي تحدث إلينا وفضل عدم نشر اسمه: نترحّم أولاً على شهداء الشرطة الثلاثة، سائلين الله أن يتغمدهم بواسع رحمته، ونؤكد جميعًا أننا تحت طائلة القانون، وملتزمون بالوقوف إلى جانب الدولة في مواجهة أي عمل إجرامي يمس أمن الوطن وسلامة المواطنين، لكننا نُشدد في الوقت نفسه على أن من يخطئ يجب أن يُحاسب بشكل فردي، ولا يجوز بأي حال من الأحوال تعميم العقوبة أو اتخاذ إجراءات جماعية ضد أبرياء لا علاقة لهم بالواقعة.”
ويضيف: “احتجاز النساء دون توجيه اتهام واضح لهن يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون والدستور، وهو تصرف مرفوض جملة وتفصيلًا، ولا يُمكن تبريره تحت أي ظرف. ونأمل أن تُجري وزارة الداخلية تحقيقًا شفافًا في هذا الأمر حتى لا يتكرر مثل هذا التصرف في المستقبل، كما ندين بشدة ما جرى بالأمس من تصفية شابين من أبناء محافظة مطروح بدم بارد، رغم أنه لا ذنب لهما ولا علاقة لهما بالواقعة محل التحقيق. لقد سُلِّما طواعية بناءً على وعود بالأمان تمهيدًا للتحقيق معهما، لكن ما حدث من اقتيادهما إلى جانب الطريق وإطلاق الرصاص عليهما هو انتقام لا يمت للقانون أو الشريعة أو الدستور بصلة.”
ويضيف: “نطالب بفتح تحقيق عاجل في هذه الحادثة المؤلمة، ونحمّل المسؤولية الأدبية والمعنوية للعمد والمشايخ والمسؤولين في المحافظة، الذين تقع على عاتقهم مسؤولية حماية أبنائنا والدفاع عن حقوقهم. دماء هؤلاء الشباب الأبرياء في أعناقكم، ولن نسكت عن هذا الظلم.”
نوصي للقراءة: أزمة الدولة الوطنية وخرائط المستقبل
تهديد الثقة بين الدولة والمواطن
في تعقيبه على الأزمة يقول -الناشط الحقوقي- نور خليل في حديث مع زاوية ثالثة إن هذه ليست المرة الأولى التي تحدث فيها مثل هذه الانتهاكات، فقد سبق أن وقعت حادثة مشابهة في مركز شرطة النجيلة، عندما ألقت قوات الأمن القبض على سيدات من العائلات واحتجزتهن، وكان ذلك في مارس 2023. مشيرًا إلى أن مناطق مثل مرسى مطروح وما حولها، وصولًا إلى السلوم، بما فيها النجيلة، تشهد انتهاكات مستمرة بحق الأهالي، سواء فيما يتعلق بالقضايا التي توجه إلى الشباب تحت تهم التهريب، أو في ممارسات أمنية تعسفية أخرى، حيث يتم احتجازهم في قضايا ثم إدراجهم في أخرى، دون مبرر قانوني”.
ووقد شارك خليل إلى جانب مئات الحقوقيين والنشطاء في حملة اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الساعات الماضية احتجاجًا على الانتهاكات بحق النساء تحت عنوان (#إلا_النساء)، وفي هذا السياق يلفت الناشط الحقوقي إلى أن الإشكالية في تلك المناطق لا تقتصر على انتهاك حقوق الأفراد فقط، بل تمتد لتخلق خصومات ثأرية قد تطال العائلات بأكملها، مثلما حدث في واقعة تصفية اثنين من الشباب الذين كانوا قد قرروا تسليم أنفسهم، أو كما حدث صباح اليوم في الحالة التي أُبلغ بها.
ويتابع في حديثه معنا: “ما يحدث هو تجاوز حاد لمبدأ أن العقوبة شخصية، حيث تمتد الممارسات الأمنية لتطال أهل المتهمين، سواءً من خلال تصفيتهم أو احتجازهم أو ترهيبهم، وهذا لا يمكن أن يبرر حتى لو كان المتهم متورطًا في نشاط غير قانوني. مشيرًا إلى أن البيان الذي أصدرته وزارة الداخلية لم يتناول جوهر الإشكالية، فقد اكتفى بالإشارة إلى وقوع تبادل لإطلاق النار ومقتل أحد الأشخاص فورًا، ثم اثنين في المستشفى، مع استمرار وجود القوة الأمنية في المستشفى، دون أي توضيح للآلية التي اتبعتها الوزارة لحماية المدنيين في المنطقة، أو سبب اقتحام حرمة المنازل”.
على مدار العقد الماضي، واجهت وزارة الداخلية المصرية اتهامات متكررة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وفقًا لتقارير منظمات حقوقية دولية ومحلية. تضمنت هذه الانتهاكات استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين، مما أدى إلى مئات الوفيات، فضلًا عن ممارسة التعذيب داخل مقرات الأمن الوطني والإخفاء القسري الذي طال آلاف الأشخاص. كما شهدت البلاد تنفيذ أحكام إعدام جماعية بحق معتقلين سياسيين بعد محاكمات وصفت بأنها غير عادلة، إلى جانب تدهور أوضاع السجون التي يعاني فيها المعتقلون من الاكتظاظ وسوء الرعاية الصحية والإهمال الطبي، خاصة خلال جائحة كورونا.
ورغم نشر وزارة الداخلية تقارير تدعي تحسين أوضاع حقوق الإنسان عبر مبادرات إنسانية ومراقبة سلوك أفراد الأمن الوطني، إلا أن هذه الإجراءات لم تمنع استمرار الانتهاكات الموثقة. وتؤكد المنظمات الحقوقية أن هذه التجاوزات أصبحت منهجية وشاملة، في ظل غياب المساءلة الفعالة للجهات الأمنية، مما أثر بشكل كبير على الحريات الأساسية وحقوق الأفراد في مصر خلال السنوات العشر الماضية.
تهديد للسلم الاجتماعي
يشدد خليل على أن التعامل مع النساء بهذه الطريقة يُعد انتهاكًا خطيرًا، خاصة في المجتمعات البدوية التي تنظر إلى النساء كجزء حساس ومحوري من بنيتها القبلية والاجتماعية، مضيفًا: “أحيانًا، تلجأ الأجهزة الأمنية لاحتجاز الأمهات أو الأخوات للضغط على المتهم لتسليم نفسه، بل تصل الممارسات إلى اقتحام غرف النوم وإرسال صور منها للضغط النفسي، وهو ما يُعد مهانة شديدة وخرقًا فادحًا للقانون والأعراف”.
ويوضح أن هذه الانتهاكات تؤدي إلى خسارة الدولة لعلاقتها بالمواطنين، حيث تصبح الدولة نفسها في موقع ارتكاب الجريمة، وتفقد ثقة الأهالي فيها، قائلًا: “بدلًا من أن تكون الدولة مسؤولة عن حماية أبناء المتهمين ودمجهم في المجتمع، نجدها تمارس نفس أساليب البلطجة، وتمتد العقوبات لتشمل الأبرياء من العائلة، وهذا لا يجوز بأي شكل من الأشكال”.
ويردف: “المناطق الحدودية كمرسى مطروح، والنجيلة، وبراني، ومحيط رأس الحكمة، تشهد توترات حادة بسبب مشاريع استثمارية قائمة على طرد الناس من بيوتهم دون تعويضات عادلة، وهذا يُضاف إلى مشكلات قديمة مثل قضايا التهريب التي يتورط فيها الأهالي أحيانًا بحثًا عن مصدر رزق، فيُعتقلون ويُزج بهم في السجون لسنوات دون محاكمات عادلة أو حتى معرفة موعد الإفراج”، مشيرًا إلى قضية الشاب فرحات المحفوظي في براني، الذي قُتل خلال حملة أمنية، وما أعقبها من غضب شعبي واسع وقطع للطريق، نتج عنه مقتل شرطيَين، مؤكدًا أن مثل هذه الوقائع تزيد من الاحتقان، وتدفع الناس إلى العنف والانتقام.
ويؤكد الحقوقي المصري أن “التعامل الأمني العنيف والعقاب الجماعي في تلك المناطق، لا يفرز إلا مزيدًا من العنف والغضب، فحين يشعر الناس أن لا أحد يستمع إليهم، ولا حتى شيوخ القبائل أو العُمد الذين لم يعودوا قادرين على لعب دور الوساطة مع الدولة، فإنهم يفقدون الثقة في كل مؤسسات الدولة”، مضيفًا: “اليوم، نشهد شبابًا يتهمون شيوخ القبائل بأنهم السبب في ما يحدث، لأنهم يمثلون وجه المجتمع أمام الدولة، وهذا الغضب لا يصب إلا في اتجاه التصعيد”.
“الطريقة التي تُدار بها الأمور حاليًا في تلك المناطق، من إخلاءات قسرية، واعتقالات، وتصفيات، هي وصفة مؤكدة لمزيد من العنف في المستقبل، وعلى الدولة أن تراجع سياساتها وتعيد فتح قنوات التواصل مع المجتمع المحلي، وإلا فإن الوضع مرشح للانفجار”، يقول خليل.
نوصي للقراءة: “لن نُغادر” أهالي الوراق في مواجهة الإخلاء القسري.. والأمن يستخدم القوة المفرطة
انهيار دولة القانون
من جهته يؤكد – المحامي المعني بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية- ياسر سعد أنّ هذه الممارسات “ليست جديدة، بل تمثل عودة للسياسات القديمة وانهيار لدولة القانون، فقد دأبت وزارة الداخلية على انتهاج هذا الأسلوب منذ سنوات طويلة، وربما منذ ما قبل عام 2011، وإن كانت قد قلّلت من استخدامها بشكل نسبي بعد عام 2013، لا سيما في القضايا ذات الخلفيات السياسية، حيث يكون المقبوض عليهم لأسباب تتعلّق بمواقفهم أو نشاطهم السياسي”.
ويضيف في حديثه مع زاوية ثالثة: “الداخلية تلجأ إلى هذا النهج في اللحظات التي يشعر فيها بعض أفرادها بأنهم باتوا فوق القانون، وأنّ أي اعتداء أو انتهاك لم يعد يعني شيئاً، ما داموا ينفذون ما يعتبرونه ردعًا للخارجين عن القانون. وهذا أمر في غاية الخطورة”، مشددًا على أنّ “ما يحدث يُعدّ انتهاكًا جسيمًا، ليس فقط للقانون، بل كذلك للّوائح التي يتحدّث عنها وزير الداخلية مرارًا، وتؤكّد الدولة أنها تُعلي من شأنها في إطار احترام حقوق الإنسان”.
ويؤكد: “ما يحدث يستوجب المساءلة والمحاسبة، ليس للأفراد الذين ارتكبوا الانتهاكات فحسب، بل لوزير الداخلية نفسه باعتباره المسؤول الأعلى عنهم. لا نعلم حتى الآن إن كانت النتائج التي يُراد الوصول إليها تهمّ الدولة أو المجتمع بالفعل، لكن ما نعلمه جيدًا هو أن هذه الأساليب تُشكّل تجاوزات لا يمكن تبريرها، ولا يصحّ الصمت إزاءها”.
وتجدر الإشارة على نقيب محامي مطروح، عادل علي العبد، على خلفية قد أصدر بيانًا، على خلفية الأزمة، أكد فيه إدانته الشديدة لحادث مقتل ثلاثة من رجال الشرطة أثناء أدائهم لمهامهم، مشيرًا إلى أن الواقعة هزّت المجتمع المطروحي بكامل أطيافه.
وفي الوقت نفسه، عبّر العبد عن رفضه لما وصفه بـ”الإجراءات الأمنية العشوائية” التي شملت القبض على رجال ونساء لا صلة لهم بالواقعة، واعتبر ذلك خرقًا واضحًا للدستور والقانون، وتهديدًا للسلم الاجتماعي في محافظة ذات تركيبة قبلية واجتماعية حساسة. وطالب نقيب المحامين بسرعة الإفراج عن المحتجزين دون سند قانوني، وفتح تحقيق عاجل بشأن التجاوزات، مهيبًا بالنائب العام ووزير الداخلية ومدير أمن مطروح التدخل الفوري لوقف ما اعتبره “انتهاكًا للعدالة ولقيم المجتمع المطروحي”.
وفي الختام، تسلّط أحداث النجيلة الأخيرة الضوء على مفارقة خطيرة في العلاقة بين الدولة والمواطن، حين تتحول السلطة المنوط بها تطبيق القانون إلى طرف يُتهم بانتهاكه. فبدلًا من أن تسعى وزارة الداخلية لاحتواء الغضب الشعبي وتهدئة التوتر عبر إجراءات قانونية واضحة، باتت ممارساتها، كما يروي شهود وأهالٍ ومحامون، سببًا في تصعيد الأزمة، وتقويض ما تبقى من جسور الثقة مع المواطنين في مناطق حساسة مثل مرسى مطروح. إن احتجاز النساء دون سند قانوني، وتصفية شبان سلّموا أنفسهم طواعية، لا ينتهك فقط الدستور، بل يضرب في الصميم مبدأ العدالة ويهدد السلم المجتمعي.
وفي ظل الإنكار الرسمي واستمرار الخطاب الأمني دون تحقيقات شفافة أو مساءلة حقيقية، فإن الدولة تضع نفسها في مواجهة مفتوحة مع مجتمع قبلي قائم على الكرامة والالتزام، ما ينذر بموجات غضب لا يمكن التنبؤ بنتائجها. لا يكفي نفي البيانات الرسمية أو شيطنة المحتجين، بل المطلوب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، هو مراجعة جادة للسياسات الأمنية، وفتح باب العدالة أمام المتضررين.