Article in English

 

بقلم أوليفيا كوثبيرت: لندن
تحرير: مهى محمد

تصوير: ع. س.
ترجمة: آيفي ناصر
تدقيق: يزن مخامرة
اخراج: خالد عبد الهادي
مكياج: بيل حزام

 

 

كان ينبغي أن تكن خائفة, لكن عوضاً عن ذلك كانت متحدية… عندما بدأ الرجال بأمطارها بالإهانات وهم ينتظرون لقطتها التالية. تجاهلت التحديق والسخرية، وهي سعيدة لأن العارضة “الموديل” فعلت الشيء نفسه.

“شعرت بالحرية، فقد استطعت تغيير شيء ما حقاً” رنيم تتذكر.

عقدت جلسة تصوير مجلة “ماي كالي” في مدينة اربد شمال الأردن، حيث تكون طرق التفكير أكثر محافظة من العاصمة. “كانوا يتفوهون بعبارات مهينة جداً مثل: “إيش يا قطة،” وإهانات أخرى، لي وللموديل أيضاً”

كمصورة فوتوغرافية وممثلة ترعرعت في عمّان، صرت معتادةً على مواجهة الحواجز المجتمعية والثقافية. “كونك امرأة في الأردن هو صراع.”

في أعين والدها، التمثيل كان مهنة معيبة، وكان قلقاً من تعرضها للتحرش أثناء العمل. “المساحات المسرحية بإمكانها أن تكون سيئة” تؤكد ذلك وهي تحتسي قهوتها في مقهى هادئاً مواجهاً لمحطة فيكتوريا في وسط لندن.

سافرت إلى هنا من ويمبلي، 40 دقيقة شمال لندن، حيث تتشارك شقة مع زوجها الإيطالي باسكوالة, محاطة بمن تصفهم بمجموعة متنوعة من الأصدقاء، من باكستان، المغرب، المملكة المتحدة، إيطاليا، وأماكن أخرى. “إنه خليط كبير، مما يجعله مميزاً جداً، بينما في الأردن كل أصدقائي أردنيين.”

قررت رنيم أنه في الوقت الراهن، تعد لندن هي أفضل مكان لممارسة مهنتها، صناعة الأفلام والتصوير الفوتوغرافي, إلا أن جذورها الأردنية/ الفلسطينية تظل في واجهة الأدوار التي تختارها. “من المهم أن أقوم بإرسال الرسالة الصحيحة لمن لا يدركون ما يحدث في العالم العربي.”

قبيل مغادرة عمّان، وافقت على دور في فيلم مدته 10 دقائق، ضمن حملة مناهضة للمادة 308، ساعدت في إسقاط قانون زواج الاغتصاب سيء السمعة، والذي تم إبطاله في صيف 2017، وأيضاً ضد ثغرات أخرى مشابهة في القانون الجنائي للبنان والمغرب.

تلعب رنيم دور فتاة المدرسة “مرح” التي يجذب جمالها انتباه جارها الفاسق، بعدما يطاردها لمنزلها ويحاول الاعتداء عليها، فتقوم عائلة “مرح” باستدعاء المادة 308، والتي تسمح للمغتصبين بالفرار من الحكم بالسجن إن وافقوا على الزواج من ضحاياهم.

جاكيت صوف – Complice or Something؛ الخواتم – H&M؛ الأقراط الخضر – River Island.

بالنسبة لرنيم، لعب دور الضحية كان أفضل طريقة لجذب الاستعطاف للحملة طويلة الأمد، والذي سلط الضوء على الضرر الذي يحدث حين تجبر النساء على الزواج من مغتصبيهم ليحافظوا على شرف العائلة. “حين يتراءى لك الأمر وتراه على الشاشة، فإنه يؤلم أكثر.”

الفيلم يركز على “مرح،” فتاة حامل ووحيدة في غرفة جرداء، بينما يلاحق الرجل الذي أجبرت على الزواج منه نساء أخريات. إنها قصة وجدت صدى في جميع أنحاء المنطقة، حيث كثيراً ما ينظر لأجساد النساء كوعاء لشرف العائلة. “تطلب الأمر شجاعة منهم ليقوموا بإنتاج فيلم كهذا في بلد عربي، فإن الموضوع مثير جداً للجدل”

بعد إنهاء دراستها في جامعة “كارديف” في وايلز عام 2012، عادت إلي الأردن، وظهرت في عدة مسرحيات، من ضمنها المغنية الصلعاء (اقتباس لكلاسيكية  يوجين يونسكو). قامت أيضاً بدور في المسلسل الكوميدي الشهير “الجار قبل الدار” وأوجدت اسماً لها في الوسط الفني المحلي، فقد لعبت دور شيماء، ابنة الشخصية الرئيسية.

جاكيت صوف – Complice or Something؛ الخواتم – H&M؛ الأقراط الخضر – River Island.

أنهى المسلسل موسمه الرابع مؤخراً, والذي تم تصويره لأول مرة في هوليوود, لوس أنجلوس, مضيفاً لقاعدة معجبيه المتزايدة جمهوراً أمريكياً.

شكلت مشاركتها في فيلم “ديجراديه” – إنتاج فلسطيني، فرنسي مشترك، والذي تم عرضه في مهرجان كان السينمائي نجاحاً باهراً على الصعيد الشخصي والمهني، حيث كان لها دوراً مميزاً في الفيلم الذي يتتبع تجارب 12 امرأة عالقات في صالون للتجميل، بينما يستعر القتال خارجه في قطاع غزة المدمر بفعل الحرب.

لعبت رنيم دور “مريم”، فتاة من عائلة ثرية تصاحب زوجة أخوها المستقبلية أثناء استعدادها لحفل الزفاف، العروس تأتي من خلفية بسيطة، وهذا ما لا يقبله والدا ماريا، ليناقش الفيلم تلك الصراعات الطبقية في المجتمع الفلسطيني.

“عنى الأمر الكثير لي, فأنا نصف فلسطينية، لذلك كنت أشعر أنني لا أمثل حتى.” كان هذا الفيلم هو الأول لرنيم، وكانت سعيدة بأن أول ظهور لها في السينما كان إنتاجاً فلسطينياً استطاع الوصول إلى مهرجان كان.

“كان الأمر هائلاً، السينما العربية لم تشكل نواحيها بعد بالشكل الكافي، فهذا كان دفعة كبيرة لي، وأعطاني أملاً أن باستطاعتنا أن نصل لمكان أفضل يوماً ما”

لكن بناء مسيرتها المهنية في التمثيل في موطنها الأردن لم يكن سهلاً، “دائماً كان هناك عائقاً،” تذكر أنها اضطرت لترك عمل ما بسبب الطريقة التي كان يعاملها بها المنتج. “أردت أن أبني وأنشئ نفسي في بلدي الأم، لكني سرعان ما أدركت أنه مهما حاولت فإنه لا يمكنني التغيير. لكن ومع هذا كله، هناك بالفعل بعض الإنجازات الإيجابية في الأردن، فتبعاً للهيئة الملكية الأردنية للأفلام، فقد تم إنتاج 110 فيلماً رئيسياً من ضمنها فيلم “المريخي،” والذي تم تصويره في صحراء وادي رم، و فيلم “خزانة الألم،” و فيلم “30 دقيقة بعد منتصف الليل,” وفيلم “بروميثيوس,” وفيلم الدراما البدوية الحائز علي جوائز عديدة “ذيب.”

استطاعت رنيم الداوود الوصول إلى مرحلة المرشحين 6 الأخيرة، لدور في إنتاج ديزني القادم لفيلم علاء الدين “Aladdin”، في الوقت الذي كان يتم تصويره في المملكة الأردنية الهاشمية. أثناء تذكرها تشير أنها لوهلة ظنت أنها قد تحصل علي الدور الذي سيؤمن انطلاقتها للسينما، “كان حلماً.” حتي وإن لم يكن مقدراً هذه المرة، إلا أن القيام بتجربة الأداء أعطاها ثقة بأن هناك أمل للسينما في الأردن.

في النهاية، تبين لها أن وتيرة التقدم بطيئة جداً مقارنة مع طموحها. لذلك قامت وبدافع عدم الرغبة في خسارة المزيد من وقتها بالتقدم للحصول على درجة الماجستير في الصحافة والأداء التوثيقي في المملكة المتحدة، وانتقلت إلى لندن لتبني مسيرتها المهنية.

يمين: معطف المطر الوردي – السوق البالة\المستعمل; الخواتم – H&M؛ الأقراط الخضر – River Island. شمال: التي شيرت و الخواتم – H&M

“لم يكن الأمر سهلاً. نعم توجد العديد من الفرص، لكن التنقل المستمر من تجربة أداء لأخرى بإمكانه أن يستنفذ كل طاقتك تماماً. في بعض الأسابيع قد تذهب لأربعة أو خمسة تجارب أداء، وأنت تجوب المدينة بسرعة لتتنافس مع المئات من الممثلين الصاعدين من أجل أدوار مطلوبة في كل شيء، من إعلانات مالتيزر، للأفلام، للمسلسلات الشهيرة.”

بشعرها الأجعد وعيناها البنيتين وبشرتها السمراء، تتلقى الجميلة ذات الـ27 عاماً العديد من العروض، أغلبها يكون للعب شخصيات من أوروبا الجنوبية أو الشرق الأوسط.

“إن عدد الفرص للممثلين من الوطن العربي بتزايد مستمر، إلا أنه يتم اختزالها في أدوار محددة، كلاجئة أو ضحية عنف أو الفتاة العربية الثائرة التي تتحدى والديها المحافظين. حين يتعلق الأمر بالأدوار المخصصة للممثلين العرب، هناك بالفعل نقص في الأدوار السعيدة.”

هذا شيء تبحثه هي والمنتجة المشاركة “رنيم حنوش” في مشروع الماجستير الوثائقي الخاص بهما، والذي يستكشف تجارب 3 نساء فلسطينيات ناجحات تركن وطنهن أثناء النكبة، وبنين لأنفسهن حياة جديدة في لندن. قصص تضم فلسطين وحقوق المرأة وقصص اللاجئين في فيلم واحد، “مما يكسر النمط السائد تماماً بعرض تلك المواضيع بنظرة إيجابية.”

كل النساء اللاتي شاركن رنيم (إحداهن صحافية بارزة وأخرى فنانة معروفة والأخيرة طاهية ناجحة) أثرن فيها، وهي تأمل أن يساعد الفيلم الوثائقي في تغيير الطريقة التي يري بها الغرب العرب، وأن يكسر الصورة النمطية التي تحيط باللاجئين.

حاز المشروع على إشادة من جامعة ساسكس، والآن هي تجري نقاشات مع المنتجين لتحوله لمسلسل كامل. “ستكون هناك دائماً شكاوى واعتراضات ضد اللاجئين أينما ذهبوا، فمن الجيد أن ترى الأمر من منظور مختلف، وأن تراهم وهم يفعلون شيئاً مفيداً للبلد.”

إحدي النساء اللاتي يظهرن في الفيلم تدعى ليلى الشوى، وهي ابنة لعمدة سابق لقطاع غزة، وهي فنانة معروفة، تعرض أعمالها في أبرز معارض لندن الفنية. هي واحدة من عدة نساء فلسطينيات قاموا بإلهام رنيم، والتي تتمنى أن تشارك قوتهن وثباتهن مع الجمهور بينما يقوم الفيلم الوثائقي بالتنقل عبر المهرجانات السينمائية في أنحاء أوروبا.

جاكيت – H&M؛ الأقراط الخضر – River Island.

“إنها قصة إنسانية. أردت أن أعيد تفسير تاريخ ما حدث في فلسطين وعرضه من منظور شخصي عوضاً عن المنظور السياسي.”

تعمل أيضاً من خلال التصوير الفوتوغرافي على تفكيك الأفكار المسبقة المتعلقة بالعالم العربي، متحديةً الأفكار المختزلة لما يعني أن تكون مسلماً في الشرق الأوسط. ففي إحدى جلسات التصوير المخصصة بمجلة “ماي كالي،” نرى في صورة واحدة شيخاً يقف وبجانبه امرأة ترتدي الحجاب بإطلالة مبهرة، وأكمام عباءته مطوية لتكشف عن ذراعيه التي يغطيهما الوشم، لتعبر اللقطة عن لمحة من قصة حب بين الاثنين.

المعني المخفي للصورة يفسر أن الإسلام لا يمتثل لتفسير موحد، بل يأتي بأشكال متعددة، من ضمنها الشباب والعصرية. “لا يمكنك وضع حدود على الإسلام.”

فترى رنيم أن هناك طريقتان لتوصل رسالتها، أولاً بخلق منصة لعرض قصص إيجابية (كما تفعل في الوثائقي الخاص بها)، وثانياً بتحدي المواقف الصعبة وبالنضال لشق الطريق سواء من خلال التصوير الفوتوغرافي لموضوع مثير للجدل في موقع غير متوقع، أو بتحدي التحرش في مواقع التصوير، “إن بقينا صامتين و مختبئين لن يتغير شيء، علينا أن نتحرك وأن نقدم على فعل حقيقي. فسيظل دائماً هناك قتال، لكن أحياناً يستحق الأمر التضحية”