English

بقلم: توناي ألتاي
ترجمة مايا أنور
العمل فني: مأخوذة عن ملهى كووييد
هذا المقال من ملف عدد ‘الزواج و الأعراس’ – هيكل العدد هنا 

 

بعد ليلة ممتعة في ملهى “كوارانتين” في تورنتو، في 28 آذار/مارس، قرر أربعة كويريين أتراك تأسيس ملهاهم الرقمي الخاص. عرف “ناز” و”إيلا” و”أكيش كا” و”إفه” بعضهم البعض من خلال مجتمع الميم في اسطنبول. بعد قضاء أيام في عزلة اجتماعية ومواجهة خسارة مالية وعاطفية بسبب جائحة فيروس كورونا، جمعهم هدف واحد بسيط: خلق بيئة مرحة وودودة لمجتمعهم الكويري على الإنترنت.

شكّل تأسيس ملهىً رقمي كويري في تركيا تحدياً كبيراً، فهي دولة ذات نزعات استبدادية متزايدة وإدارة مناهضة لمجتمع الميم. ورغم كل الصعاب، تكلّل كل شيء بالنجاح.

في ليلة الجمعة، 1 أيار/مايو، في الأسبوع الرابع من عزلتي الاجتماعية الصارمة، جلست مقابل شاشة حاسوبي للانضمام إلى أول حفل لملهى كووييد. أرسل لي صديق رابط الحفل، مضيفاً أن “اجتماع” زووم هذا ليس كأي شيء آخر رأيته. فهمت السبب عندما رأيت الشاشة التي كنت أظهر في أسفلها على اليمين. كانت شاشة ملهى كووييد مليئةً بأشخاص في أزياء (دراغ)، وملابس جريئة، وأخرى ملونة، يتمايلون معاً بشكل متناغم على نغمة إلكترونية سريعة الإيقاع. استغرقت لحظة لاستيعاب ما كنت أراه، وابتسمت ابتسامةً عريضة. خفّفت الضوء على الفور وبدأت شيئاً فشيئاً أرقص في غرفتي، وهو نشاط لم أمارسه منذ بدء الجائحة، ودخلت إلى عالم ملهى كووييد الرائع.

 

تركيا، فيروس كورونا، ومجتمع الميم

بدأت تركيا سياسات التباعد الاجتماعي في أوائل نيسان/أبريل، بما في ذلك إغلاق الأماكن العامة وفرض قيود على السفر للحد من العدد المتزايد لحالات الإصابة بفيروس كورونا. لسوء الحظ، لم يمنع تأخر تنفيذ هذه التدابير انتقال الفيروس إلى الآلاف. بحلول نهاية نيسان/أبريل، أصبحت تركيا أكثر الدول تضرراً من حيث عدد الحالات في الشرق الأوسط، حتى أنها تجاوزت الصين في عدد الحالات المؤكدة.

في واحدة من أسوأ لحظات الجائحة، اتّهم أكبر رجل دين مسلم في تركيا المثلية الجنسية بـ “التسبب بالأمراض”، وحذّر المجتمع لحماية أنفسهم من “هكذا شر”. سرعان ما حظِي هذا الإعلان بدعم الشخصيات السياسية البارزة في تركيا، بمن فيهم الرئيس، وخلق بيئة أكثر عدائية من أي وقت مضى تجاه أفراد مجتمع الميم في تركيا.

بناءً على ذلك، سأستكشف كيف خلقت الملاهي الرقمية مساحات وأوساط جديدة لمجتمع الميم التركي خلال فترة الكورونا.

 

بناء مجتمع كويري على الإنترنت

يُشكّل ملهى كووييد، الذي يُعد رائداً بين الملاهي الرقمية في تركيا، جزءاً من مشهد الأداء الكويري المتنامي بسرعة في إسطنبول. اثنان من المؤسسين، “أكيش كا” و”إفه”، فنانين كويريين ظهرا سابقاً على خشبة المسرح مع “Dudakların Cengi“، أشهر مجموعة دراغ في تركيا، كما هو حال غيرهم من الدراغ الذين يترددون على ملهى كووييد.

قال/ت “أكيش كا” إن توقعاته/ا الأولية من ملهى كووييد كانت البقاء على تواصل مع الأصدقاء والمساعدة على تخفيف الضغط والهلع الناتجان عن الجائحة. إلا أنهم وصلوا إلى جمهور أكبر مما تخيلوه في البداية. “انضم أشخاص من أنقرة، وإزمير، وأنطاليا، وحتى من دول أخرى. أحياناً، انضم إلينا أشخاص لم يسبق لهم أبداً الالتقاء بشخص من مجتمع الميم، لكنهم ينضمون إلى فعالياتنا للتعرف علينا”. رغم أن العديد من المشاركين يؤدون بأسلوب مشابه لـ “Rupaul”، ت/يحاول “أكيش” وأصدقاؤه/ا تخطي هذا المعيار لاحتواء مجموعة أوسع من الأداء الكويري.

في الليلة العادية، يصل عدد المشاركين في ملهى كووييد إلى حوالي المئة مشارك/ة. أشار/ت “إفه”، المسؤول/ة في أغلب الأوقات عن الحفلات المفتوحة للجميع على الإنترنت، إلى أن معظم المشاركين لا يعرفون بعضهم البعض عند تسجيل الدخول. مع ذلك، تصبح هذه المجموعة من الغرباء “أقرب” مع انقضاء الليلة. أضاف/ت “إفه”: “نبدأ بمشاركة أشياء جميلة، بما فيها مخاوفنا، قلقنا، وآمالنا. نناقش تخميناتنا عن بعضنا البعض، وقصص حياتنا، ويوماً بعد يوم، نصبح أقرب إلى بعضنا البعض”.

بعد سماعي لقصص امتداد هذه الحفلات بهذا الشكل الواسع والشامل، وقدرتها على توحيد الناس، لا يسعني سوى التساؤل كيف يمكن لمنصة كويرية أن تكون مفتوحة للجميع على الإنترنت، وفي نفس الوقت “آمنة”. أخبرني “ناز” و”إيلا”، اثنان من المؤسسين، أنهما يواجهان أحياناً تعليقات عدائية، لكنهما دائماً ما يجدان الدعم من رواد حفلات ملهى كووييد الذين يشاركون أيضاً في كشف المتنمرين. يقولان إن “ ملهى كووييد يعارض رهاب المثلية وغيرها من التصرفات التمييزية، ونشارك جميعاً في خلق منصة أفضل وأكثر أماناً على الإنترنت”.

 

“نبدأ بمشاركة أشياء جميلة، بما فيها مخاوفنا، قلقنا، وآمالنا. نناقش تخميناتنا عن بعضنا البعض، وقصص حياتنا، ويوماً بعد يوم، نصبح أقرب إلى بعضنا البعض”

 

ملهى كووييد الإلكتروني خلال إحدى حفلاتهم على زووم


هل يوجد مستقبل
للملاهي الرقمية بعد الكورونا؟

حالما بدأت حضور الحفلات بانتظام، تعرفت سريعاً على المشاركين والمؤدين في ملهى كووييد. أصبح الكثير من المشاركين معتادين على مشهد ملاهي الإنترنت وشعروا بالراحة في الفضاء الإلكتروني. إضافة إلى ذلك، يبدو أنهم متفقون على أن منصة ملهى كووييد متاحة بشكل مثالي وسط حظر التجول في تركيا.

إحدى ميزات المنصة أنها تُحرّر المشاركين من التوقعات الاجتماعية والوعي الذاتي الذي غالباً ما يكون حاضراً في المساحات الواقعية. قالت “سوكسانا”، امرأة منسجمة النوع الاجتماعي وواحدة من أشهر مؤديات عروض الدراغ في ملهى كووييد، إن الناس أكثر تقبلاً لخلع الملابس على الإنترنت: “قد لا يشعر الناس بالراحة في خلع ملابسهم في الملاهي على أرض الواقع، ولكن، مع المؤثرات البصرية، يمكنهم استعمال فلتر خاص واختبار العُري بالشكل الذي يلائمهم”.

يبدو أن الفلاتر الرقمية وإخفاء الهوية عاملان رئيسيان “يُغيران شروط” المتعة. أوضحت :إفه” أن الغرض من الفلاتر الرقمية يتعدى الجماليات: فهي تتيح الحرية للمشاركين. “يخلق كل شخص شخصية مختلفة. باستخدام الفلاتر أو الخلفيات، يصبحون شيئاً مختلفاً عما يكونون عليه في حياتهم اليومية. هذا التحول عن الواقع يجلب الحرية في اتخاذ قرار من يريدون أن يكونوا في تلك الليلة في ملهى كووييد“.

الراحة والقبول اللذان توفرهما هذه المساحة الافتراضية يمتدان إلى العالم الحقيقي. قالت “آيدن تيتيز”، إحدى أكثر الوجوه الزاهية في ملهى كووييد، إنها وجدت الشجاعة لبدء شخصية الدراغ الخاصة بها والإعلان لعائلتها بعد الوقت الذي قضته في ملهى كووييد: “أمارس الابتعاد الاجتماعي في منزل عائلتي. ذات يوم، أريتهم المكياج الذي أضعه من أجل كووييد. استغرقهم الأمر لحظة ليفهموا ويقبلوا، لكن أمي الآن توافق على دعم اهتماماتي”.

تصف “آيدن” الأشخاص الذين قابلتهم على الإنترنت بـ “أصدقاء كووييد“: إنها صداقة بين أشخاص لم يلتقوا أبداً في مساحة واقعية، ولكنهم رغم ذلك وجدوا تواصلاً ذو معنى في هذه الأوقات العصيبة. مع اقتراب ليلة ملهى كووييد المعتادة من الانتهاء، يبدأ الناس في الاستسلام للنوم أمام كاميراتهم. قالت “إفه” بنبرة هادئة: “بدلاً من النوم بمفردهم، ينامون معنا”، كما لو أننا نعيش الآن حالة طبيعية جديدة أصبحنا فيها أكثر ارتباطاً، ولكن كل منا ما زال لوحده.

في أوقات ازدياد التحكّم والعدائية، يُحقق ملهى كووييد شيئاً يتجاوز مجرد تنظيم الحفلات: إنه يوفر منصة تغذي التضامن والقبول، ويبني تفاعلات وهويات كويرية خلال أزمة عالمية. مع كل إمكانياتها وحدودها، وحده الوقت سيُظهر ما إذا كانت هذه التجربة على الإنترنت ستُترجم إلى المطالبة بمساحات كويرية أكثر شمولية وإتاحة على أرض “الواقع”.


ادعم
ملهى كووييد هنا