بقلم: هبة أبو طه

العمل الفني: عود نصر
هذا المقال من ملف ‘الهجرة والغربة’ – هيكل العدد
هنا

تنبيه: هذا النص يحتوي على مشاهد فيها عنف قد لا تكون مناسبة للجميع.

“أنا لا أطلب من عائلتي أو من المجتمع أي شيء، أنا فقط أريد أن أمضي في هذه الحياة بأمان دون قلق من حبل مشنقة سيلف على رقبتي أو دفعي للانتحار فقط لأنني قررت تحرير جسدي منهم، ولأن قلبي مال لأنثى ولم يميل لذكر”. هكذا بدأت شيماء الفتاة الأردنية ابنة الثلاثة وعشرين ربيعا حديثها.

أكملت والحزن في عينيها “أنا تعاملت مع جسدي بالطريقة المناسبة من وجهة نظري، لم أعتدِ على أحد، أنا كجميع البشر على هذه الأرض عشقتُ وقلبي دق ولكن للأنثى فلماذا أحاسبُ على مشاعري وميولي واضطهد لأنني أمارس حقا لي”، حاصرتها الغربة في وطنها وفي منزلها. 

طفولتي مسلسل رعب 
عادت شيماء بالزمن للوراء، للطفولة التي كانت سمتها الرئيسية الرعب والقلق والعنف، إذ ولدت بعائلة متشددة دينيا، لم ترى والدها حتى الخامسة من عمرها حيث كان خارج الأردن، كأي طفلة كانت تتشوق لرؤية والدها ولكن بعدما قدم للبلاد ندمت حتى على لهفتها له، الذكرى الأولى لوالدها ما زالت عالقة في ذهنها ليومنا هذا حيث كان موعد مقرر لضيوف سيحضرون عند والدها وكأي طفلة كانت تنتظر اقتراب الموعد ليضعوا المكسرات إذ كان يلفت انتباهها في تلك الصحن الكاجو فتناولت بعض منه أمام شقيقها الذي فضح أمرها وأبلغ والدها الذي ما كان منه سوى أن شتمها ورفعها بيديه حتى وصل رأسها للحائط فضربه به، هذه ليست واقعة التعنيف الوحيدة فكانت تُضرب دوما من والدها الذي كان يختار أقسى أنواع التعذيب حتى وان أصابته نوبة العصبية فجأة لا يُلقي عليها ما بيده بل ينتقي أكثر الأشياء أمامه صلابة وخطورة ليلقيها على شيماء التي كانت تقص شعرها دوماً كي لا يشدها ويجرها والدها منه لأن ما بجسدها من علامات تعنيف يكفي ليكُن شاهدا على جبروت هذا الأب وقسوته.

حتى منزل عائلتها لا تحبه شيماء وتعتبره سجن كانت معتقلة به طوال حياتها، إذ كان كبيرٌ ومليء بالغرف داخل مسجد في منطقة (….) حيث كان والدها إمام له، وللمنزل نظام داخلي يحكمه فكان من العيب والحرام على شيماء وشقيقاتها ارتداء ملابس قصيرة أو ضيقة يجب أن تكون فضفاضة حتى عند النوم لأن عكس ذلك يعتبرن شيماء وشقيقاتها مشبهات بالكاسيات العاريات الكافرات العاهرات مصيرهن جهنم وبئس المصير، وكان العنف سيد الموقف، فكان من الطبيعي أن تعنف شيماء، ومن الطبيعي أن تصمت عند ضربها، ومن الطبيعي عند سؤالها بالمدرسة ما الذي حل بك؟ أن تجيب أنها وقعت على الأرض وتُخفي الحقيقة كي لا تشوه صورة والدها، رجل الدين الرؤوف الرحيم مع العالم والجبار المتوحش مع أسرته. هذا الأب طالما تذرع بالتربية لضرب شيماء ولم يقتصر التعنيف على الأب حتى أشقاءها كانوا يعنفوها ويعتقدون أن ضربها حق لهم كونهم ذكور.

كما كانت شيماء وشقيقاتها يضربن كانت والدتهن تضرب أيضا من قبل الوالد الأمر الذي كان يستفز شيماء ويزعجها ودون تفكير تركض لإنقاذ والدتها من بين يديه والرد ذاته يتكرر في كل مرة فتُضرب شيماء من والدها لأنها تدافع عن أمها وليس هكذا فحسب بل حتى والدتها تضرب شيماء لأنها تغضب الله عندما تدافع عنها وتحاول تخليصها من والدها. 

“أنتِ قبيحة”
لم تكتفِ عائلة شيماء بتعنيفها جسديا بل امتد الأمر لتعنيفها معنوياً ورميه بكلمات سامة، فكانت أمها تقول “هاي مش خلفتي هاي قبيحة” وكانت تردد على مسامع شيماء دوما “لا خلق ولا خُلق”، إذ كانوا يحاولون دوما إضعاف ثقتها بذاتها وهز كيانها.

ورغم كل ما سبق، كان حلم شيماء بطفولتها حضن أم أو حضن أب لكن حتى هذا الحلم لم يتحقق إلا أربع مرات تذكرهن شيماء؛ أما حضن أباها فبقي حلم بالنسبة لها وربما يصبح في طي النسيان بعدما ذاقت الأمرين.

المغتصب بريء
أول واقعة تحرش تعرضت لها شيماء كانت في السابعة من عمرها إذ وضعها شقيقها بحضنه ومد يده على مناطق حساسة في جسدها مسكته حينها جدتها وشتمته وضربته كف ولم يُكرر تلك الجريمة، وما أن شعرت شيماء بالأمان والخلاص وإذ بشقيق آخر لها يتحرش بها حيث كانت تحضر أغراض لوالدتها من غرفة التخزين التي يكسوها السواد ولا يدخل لها نور الشمس ويوم ما وهي في تلك الغرفة تحرش بها وأيضا لمس مناطق حساسة أبلغت والدتها لكنها كذبتها ولم تُصدقها وأصبحت تجبرها على الذهاب للمتحرش بقدميها، ومن ثم أصبح يختلي بها في المنزل ويتحرش بها حتى الاستمناء وتكرر الأمر عشرات المرات. وذات ليلة بعد وفا الجدة كانت عائلتها خارج عمان بفي زيارة لمحافظة إربد، وإذ بشقيقها هذا يحضر للبيت وبصحبته مادة مخدرة (مورفين) أجبر شيماء على تعاطيها وهنا وقعت الجريمة النكراء واغتصب شيماء، أبلغت عائلتها فكان ردهم التأكد من عذريتها لأنه في حال فقدت غشاء البكارة يرقعوه لها “ليستروا عليها” فاصطحبوها للعيادة النسائية وتبين أنها ما زالت عذراء فاتهموها بالكذب وأن شقيقها لم يغتصبها وهنا نوهت شيماء أن غشاءها وفق الطبيب لا يفُض إلا عند الولادة ومضت تلك الجريمة دون أن يُعاقب المجرم.

الهروب الأول والحب الأول
“لم ألتفتُ يوما لشاب ولم أشعر بأي إعجاب تجاه الجنس الآخر، أول من لاحظ هذا الأمر مدرسي في الجامعة ونصحني بتطبيق تعارف وفعلاً قمت بتنزيل هذا التطبيق بعد حين تعرفت على فتاة تقطن بأميركا اسمها سارة تبادلنا أطراف الحديث ووقع القدر وتعلقنا ببعضنا البعض ودق قلبي لسارة لأول مرة بالحياة استمرينا بالتواصل عبر الفضاء الإلكتروني لعدة أشهر ومن ثم هربت من الأردن لأميركا عند سارة. إلا أنّ حادثة لم تكن بالحسبان قلبت الموازين؛ فصديقتي التي كنت أثق بها وبيت سري أبلغت عائلتي بكل شيء، كانت بالنسبة لي صدمة وطعنة بالظهر وأجزم أنها قبضت ثمن سري من عائلتي، وبعد ذلك هددني والدي بأن يقتل أبنائها لحبيبتي سارة فمن خشيتي عليها توجهت للمطار دون تفكير فقط لأحميها وأولادها من شر والدي، فحجزتُ أول طائرة وعدتُ للأردن”. حد قولها


خمسة أشهر أمضيتها بالمنزل دون هاتف أو حاسوب كان الهدف من ذلك إعادة تأهيلي دينياً لأصبح الزوجة الصالحة المطيعة

العمل الفني: عود نصر

العودة للجحيم 
عدتُ للجحيم من جديد لكن لم أتخيل أنه أصبح جحيما بهذه الفظاعة، فقد وصلت المطار في شهر آذار الماضي وحجزوا جواز السفر واقتادوني الشرطة في المطار إلى غرفة احتجاز أمضيت بها اثنا عشر ساعة ومن ثم ذهبوا بي بمركبة أمن إلى حماية الأسرة التي أجبروني بها على ارتداء الحجاب والجلباب لأقابل والداي، وبعد أربعة ساعات من استجوابي من قبل المحققة التي كانت تتدخل في كل تفاصيل حياتي وعندما أتحفظ على جواب ما تضرب الطاولة بيدها وتصرخ، وبهذه اللحظات كدتُ أن أصرخ بوجه كل العالم فأنا الضحية كيف أتحول لمذنبة؟ وكيف يجب علي أن أثبتُ أنني ضحية؟… وفعلا قابلت والداي ونظرت لهم بدهشة واستهجان وعقلي لم يعُد يستوعب سوى أني عدت للجحيم ثانية.

مستشفى الأمراض العقلية عقاب
أكملت شيماء “فور دخولي للطبيب النفسي قال لي “هل حاولتِ الانتحار؟” لكنني أنكرت هذا الأمر بشدة وطلبتُ منه دليل على اتهاماته هذه لكنه بقي مصمم وبعدها تم نقلي إلى مستشفى الأمراض العقلية “الفحيص” سكتت شيماء وثم قالت بسخرية “ليوفروا لي سبل الحماية بما أن عائلتي رفضوا استلامي”، وصلت الفحيص وقاموا بتعريتي ليتأكدوا من عدم حيازتي لأدوات حادة وكانت هذه فاجعة بالنسبة لي حيث قاموا بتفتيش كل مواطن جسدي، وبعدها ألقوا بي بغرفة بها مريضات نفسيات كانوا يستيقظون منتصف الليل ويقومون بضربي ومن ثم يتقدمنّ الممرضات ليأخذهن على مكان خاص للعزل وأعطوني إبر مهدئة ومنوم وربطوا يدي وقدمي بالسرير إذ كان التعامل مهين كأننا بهائم، ولا بد من الإشارة إلى أننا كنا مجبرين/ات عل قص روايتنا على المتدربين وعلى الممرضات حين يملون من العمل. 

أبلغت المُعالجة أو المحققة، لا أعلم ما مسماها الوظيفي سوى أنها تعمل بحماية الأسرة، قلتُ لها “أنني بالغة عاقلة راشدة ومن حقي السفر لأي بلد أريده وبنهاية الجلسة أبلغتني أنها تستطيع أن توفر لي الحماية من عائلتي وتحميني من الأذى. ولكن المحزن المبكي أن الحماية أما بالسجن أو بمشفى الأمراض العقلية”. وفق شيماء. وبعد ذلك وافقت عائلتي على استلامي تحررت من هذا السجن لانتقل إلى سجن عائلتي.

اغتصاب برسم الزواج
“خمسة أشهر أمضيتها بالمنزل دون هاتف أو حاسوب كان الهدف من ذلك إعادة تأهيلي دينياً لأصبح الزوجة الصالحة المطيعة ومن ثم انتقلت إلى عش الزوجية، للأسف المكان الذي رفضته والشخص الذي لم أقبله يوما، وفُرض علي لأنه ابن عمتي وقد وصل معه الأمر لاغتصابي عندما رفضت ممارسة الجنس معه، فبقي يمارس معي الجنس مرات متتالية حتى أُصبت بنزيف ورغم ذلك لم يكل ولم يمل، ويقول “عند رفضك ممارسة الجنس معي تكوني ملعونة” وكان يعنفني ويعتبرني ملكه، علاوة على قيامه بإغلاق أبواب المنزل وأخذ المفتاح معه عند يخرج؛ إلا في حال كان أحد أفراد عائلتي يُريد زيارتي يترك المفتاح بحوزتي”. وفقاً لشيماء.

النجاة والهروب الأخير 
يوما ما ذهب زوجي لعمله وترك المفتاح بحوزتي ظنا منه أن عائلتي سيأتون لزيارتي فاكتشفت أن هذه لحظة الفرج إما سأنجو أو سأمضي عمري بهذا السجن الزوجي فقمت بلملمة أغراضي الهامة والهرب من المنزل والتوجه إلى المطار لأحجز أقرب طائرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وعند وصولي إلى مطار إحدى الدول أبلغوني أنني لا أستطيع السفر لأميركا لأنني في زيارتي السابقة تجاوزت المدة المحددة في “الفيزا” فتوسلت لهم أن لا يعيدوني للأردن لأن حياتي بخطر، وفعلا قاموا بتسفيري إلى “….” التي أمكث بها حاليا وما زال أفراد عائلتي يبحثون عني بغاية قتلي و”غسل عارهم” وفقا لمخيلتهم. 

إلى الأردن والعالم
ختمت شيماء حديثها برسالة وجهتها إلى الأردن ومن ثم للعالم “أولاً أقول للأردن التي لم تعد وطني ولم تحمِني ولا أتألم لفراقها لأنها دمرتني لمجرد كوني امرأة مثلي وعذبتني، من الشرطة الذين هم “الأمن” مرورا بمستشفى الأمراض العقلية وانتهاءً بعائلتي التي تشهر سيفها بوجهي، علاوة على رفض السلطات الأردنية تجديد جواز سفري الذي سينتهي في الشهر الأول من العام القادم، وأما العالم فرسالتي لكل بشر عليه لا ترفُضني لأنني أختلف عنك بمعتقداتك وأفكارك، لا تُعطي حقا لنفسك بقتل كل من اختلف عنك، دعونا نحيا بإنسانية ونحترم ذواتنا والآخرين….”.