بقلم شفاء القضاة
(مصدر الصورة تارين سيمون) العمل الفني: ياسمين دياز
هذه المقالة حصيلة ورشة عمل المجلة للكتابة

“كنت بستناها تموت ببطني لأقدر أنزلها، قلتلهم اختصرولي هاي المعاناة، ما رضيوا”، بهذه الكلمات تلخص سارة (اسمٌ مستعار) لـ”ماي كالي” تجربتها مع الإجهاض، والتي حبلت بعد عامين من زواجها بطفلة قدّرت الطبيبة في الشهر السادس أنها ستموت وهو ما يستدعي إجهاضها، إلا أنَّ الأطباء رفضوا ذَلك حتى يتوقف نبض الطفلة؛ لأن التشريعات الأردنيّة و”أخلاقيات المهنة الطبيّة” تجرم إجهاض الأطفال، بحسب ما شرح لها طبيبها.

عانت سارة من الألم لبضعة أيام حتى توقف نبض طفلتها وقامت بإجهاضها، حاولت خلال تلك الفترة البحث عن طريقةٍ غير قانونيّةٍ لإيقاف الألم وإجهاض الطفلة، إلا أنَّ خوفها من العقوبة كان رادعًا لها وشكّل عبئًا عليها منعها من فعل ذَلك، قائلةً “الرعب اللي كنت عايشته مش طبيعي، ضليتني خايفة يصيرلي شي”.


تجريم الإجهاض
تشير المواد 321 – 325 من قانون العقوبات الأردني رقم 16 لعام 1960 وتعديلاته للإجهاض باعتباره جريمةً تستوجب العقوبة سواءً أكان ذَلك من قِبل الأم نفسها أو أقدم عليه شخصٌ آخر غيرها، دون وجود أي استثناءات1.

وبالنظر لنصوص المواد، فإن المادة 321 تنص على أنَّ “كل امرأة أجهضت نفسها بما استعملته من الوسائل أو رضيت بأن يستعمل لها غيرها هذه الوسائل، تعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات”، وهو ما يثير التساؤل حول أحقيّة القانون بفرض عقوبةٍ مثل هذه على النساء لمجرد قيامهنَ بالإجهاض، الحديث عن ستة أشهر أو ثلاث سنوات، ليست مدةً قصيرةً لتقضيها امرأةٌ بعد الولادة في السجن.

هذا القانون مأخوذ من قوانين المستعمرات الفرنسيّة 2 إذ تمَ وضع العديد من القيود على الإجهاض في ذَلك الوقت وكانت معظم قوانين الإجهاض في المنطقة عقابية عندما دعمت الأنظمة الاستعمارية الفرنسية والبريطانية سياسات الإنجاب لزيادة عدد سكان الأراضي المستعمرة 3، وهو ما يثير التساؤلات حول عيشنا في القرن الحالي وتحت فكرة الاستقلال الذي يتم الاحتفال به كل سنة مع قوانين تُعدُ امتدادًا للاستعمار الذي من المُفترض أن البلاد استقلت عنه، لكن على ما يبدو فحتى الحكومات المتتابعة تجرعت هذه القوانين دون أي دراسةٍ مُسبقةٍ لها أو بحثٍ في أصلها وأسباب وجودها، فإذا كان الأصل في تجريم الإجهاض هو التكاثر من أجل زيادة عدد المُستَعمَرين والأيدي العاملة الرخيصة، فلم يظل موجودًا الآن بعد ذهابهم؟


لكن من اللافت للنظر أنَّ المادة 12 من قانون الصحة العامة نصّت على إجازة الإجهاض في حال كانت صحة المرأة الحامل في خطر أو أن الحمل يعرضها للموت، مع اشتراط أن يتم ذلك في مشفىً مع موافقةٍ خطيّةٍ من  الحامل بإجراء العملية وفي حالة عدم مقدرتها على الكتابة أو عجزها عن النطق تؤخذ هذه الموافقة من زوجها أو ولي أمرها إضافةً إلى شهادة من طبيبين مرخصين ومن ذوي الاختصاص والخبرة تؤكد وجوب إجراء العملية للمحافظة على حياة الحامل أو صحتها، وإضافةً لذلك يحتفظ المشفى باسم الحامل ومعلوماتها وشهادة الطبيبين مدة 10 سنوات 4، وكأن العمليّة حسّاسة وتحتاج للعديد من الإجراءات، ولربما هذه الطريقة في التعامل هي نفسها التي تُخيف البعض من الإقدام على الإجهاض، فحتى القانون الذي يجيز هذا، يشعرك بأنك مقدمٌ على ساحة حرب توجب عليكَ توديع كل شيءٍ قبلَ دخولها.

وتتفق معها  المادة 21 من الدستور الطبي الأردني الصادرة بموجب قانون نقابة الأطباء الأردنية بأنه يحظر على الطبيب إجراء الإجهاض الاختياري بأية وسيلة كانت إلا إذا كان استمرار الحمل خطرًا على حياة الحامل 5مع بعض الشروط.

لكن يستثني هذا القانون خطر الحمل على صحة الأم النفسية وخاصةً بأن الجانب النفسيّ مهمٌ جدًا إذا ما أرادت المرأة أن تحظى بطفل، قد يعتقد البعض أنّه كان اختيارها أن تحبل به، ولذا فمن واجبها تحمّل ذَلك، لكن ماذا إن كان خطأً ناتجًا بين الزوجين أو كان خطأً عن علاقةٍ عابرةٍ ما، هل يتوجبُ عليها أيضًا تحمّل نتيجة هذا الخطأ طيلة حياتها بينما من الممكن أن تجهضه؟ هل سيحظى الطفل بحياةٍ صحيةٍ وجيّدة في حال إجبار الأم على ولادته؟ أعتقد أن من الصعب حصول هذا، الأطفال يحتاجون للحب والدفء ومن السيء إجبار الأمهات على ولادتهم لمجرد الإجبار.

وفي حالةٍ قريبة، دعونا نتحدث عن الإجهاض قبل 90 يومًا، وهو قبل بثّ الروح فيه، أو قبل أن ينبض قلبه، -إذ ما اعتبرنا أنَّ الإجهاض بعد نبض القلب قتلٌ لطفلٍ لم يولد من الأساس!-، ما هي الدواعي التي تستوجب عقوبةً لمثل هذا الأمر؟ وإذا كان بالإمكان القول فإنه يبدو وكأن جسد المرأة ملكٌ للدولة إذا ما رغبت باختيار قرارها الخاص بطفلها فإنها ستعاقب بالسجن؛ لأنها لا تستحق أن تقرر ما لا ترغب الدولة به.

سمعنا العديد من قصص نساءٍ متزوجات وفتياتٍ غير متزوجات حول تجاربهنَ مع الإجهاض وخوفهنَ من كشف أمرهن وكأنهن ارتكبنَ جُرمًا ما، وهو دفع بعضهنَ لاتباع طُرقً غير آمنةٍ لفعل ذَلك

وبالنظر للمادة 322 والتي تنص على “من أقدم بأية وسيلة كانت على إجهاض امرأة برضاها، عوقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات.وإذا أفضى الإجهاض أو الوسائل التي استعملت في سبيله إلى موت المرأة عوقب الفاعل بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن خمس سنوات”، وتنص المادة 325 “إذا كان مرتكب الجرائم المنصوص عليها في هذا الفصل طبيباً أو جراحاً أو صيدلياً أو قابلة، يزاد على العقوبة المعينة مقدار ثلثها”، تبدو هذه المادة ساعية لتخويفٍ الطبيب الذي سيحاول إجهاضها، بأنه حتى ولو حاول فعل ذَلك فسيتم عقابه، وإذا ماتت المرأة فهو أيضًا سيعاقب، وكأنه لا مفرَ من العقوبة إلا العقوبة، ومرةً أُخرى تفرض الدولة سيطرتها على أجساد النساء ومن يرغبون بتحريرهنَّ باتباع قراراتهنَّ الخاصة بهنّ، وهو ما يفرض عليهن وعلى من يقومون بإجهاضهن المجازفة، ولربما لهذا السبب يعزى ارتفاع كلفة الإجهاض غير القانونيّ، بحسب تقديري، وهذا ما يخيف الأطباء من إجراء الإجهاض حتى لو كان قانونيا ويمثل خطرا على حياة الأم كما في حالة نورا.

حملت نورا (اسمٌ مستعار) بعدَ 12 سنةً من زواجها وإنجابها لطفلين، كان الحمل غير مخطط له وحدث على الرغم من أخذها موانع الحمل، إلا أنَّ إصابتها بالتهاباتٍ مزمنة شكّلت خطرًا على حياتها في حال استمر الحمل، ما دفعها لزيارة طبيبةٍ نسائية وحَمل التقارير الطبيّة التي تؤكد الخطر على حياتها في حال لم تجهض الجنين، غير أن الطبيبة رفضت ذَلك بشدة.

تقول نورا لـ”ماي كالي” أنها اضطرت في النهاية أن تشتري دواء “سايتوتيك” من خارج الأردن؛ نظرًا لأنه ممنوعٌ من البيع هنا، والذي بلغ ثمن 6 حباتٍ منه 150 دينارًا.

بعد أن تناولت نورا الدواء أصابها إجهاضٌ حاد أثَّر على صحتها، غير أنها تحمّلت الألم والتعب حتى لا يعرف أي طبيبٍ أنَّ السبب فيما أصابها هو الإجهاض وتتعاقب قانونيًا، قائلةً “أنا عندي طفلين وممكن لو كمل الحمل أموت أو أنشل وما أقدر أمشي، مين بدو يقوم فيهم؟!”.

نورا ليست الحالة الوحيدة، خلال العمل على هذا التقرير، سمعنا العديد من قصص نساءٍ متزوجات وفتياتٍ غير متزوجات حول تجاربهنَ مع الإجهاض وخوفهنَ من كشف أمرهن وكأنهن ارتكبنَ جُرمًا ما، وهو دفع بعضهنَ لاتباع طُرقً غير آمنةٍ لفعل ذَلك.

دفع نحو الموت
تؤكد الناطق باسم جمعية اختصاصي الأمراض و الجراحة النسائية و التوليد الأردنية عبير عنّاب لـ”ماي كالي” وجود مطالباتٍ طبيّةٍ بتوسيع مظلة الإجهاض والسماح لعددٍ أكبر من الحالات بذَلك، وخاصةً تلك التي تؤثر على صحة المرأة الجسديّة والنفسيّة.

وتشير إلى أن الإجهاض في الأردن لا يحدث إلا إذا كان هناك ضررٌ على صحة المرأة؛ كأن يكن لديها أمراضُ مزمنة تؤثر على صحتها الإنجابيّة، مستدركةً “أما إذا كانت غير جاهزةٍ نفسيًا لإنجاب الأطفال وظروفها لا تسمح بذَلك فإنها لا يمكنها الإجهاض بحسب القانون”.

وتتابع عنّاب التي تعد عضوًا في نقابة الأطباء الأردنية، أن مثل هذه الإجراءات تدفع بالنساء لزيارة الأماكن غير الآمنة وغير النظيفة وهو ما يؤدي لمضاعفاتٍ لديهنَّ بعد الإجهاض وهو ما يعرضّهن للعقوبة إضافةً لمن قام بإجراء الإجهاض لها، نافيةً وجود أدويةٍ تساعد على الإجهاض تباع في الصيدليات الأردنيّة، أي أن القانون لا يترك خيار لهن إلا الإجهاض غير الآمن.

ومن جانبها تشير منظمة أطباء بلا حدود إلى أنَّ الإجهاض غير الآمن واحدٌ من الأسباب الرئيسية لوفيات الأمهات في جميع أنحاء العالم، وهو السبب الوحيد الذي يمكن الوقاية منه وتجنبه كليًا. ومن الواضح أن هذا لن يحدث إلا بعد تعديل التشريعات التي تسمح بذَلك.

  1. قانون العقوبات الأردني رقم 16 لعام 1960، 321-325،
  2. رامي سعادة، محمد الفقيه، أسما عودات، محمد اللوح، “Attitudes of Medical and Health Sciences Students towards Abortion in Jordan”، Hindawi، 10/2021، 22/2/2022،
  3. إيرين مافي، ليف تونسين، “EDITORIAL The Limits of the Law: Abortion in the Middle East and North Africa”، health and human rights journal، 9/12/2019، 22/2/2022،
  4. قانون الصحة العامة رقم (47) لسنة 2008 وتعديلاته، المادة 12
  5. الدستور الطبي الأردني، المادة 21،