
إن هذا التقرير الدوري الحادي والعشرين الذي يصدره مركز الخليج لحقوق الإنسان حول حالة حقوق الإنسان في العراق، حيث يتضمن مجموعة قضايا ومواضيع، منها اغتيال نشطاء المجتمع المدني، ضعف إجراءات المحاسبة الحكومية، والأحكام القضائية الترهيبية بحق المتظاهرين السلميين. كذلك تطرق التقرير إلى حقوق الطفل وحرية الصحافة بالإضافة إلى آخر تطورات الحراك الاحتجاجي في العراق.
مجزرة جبلة
بتاريخ 30 ديسمبر/كانون الأول 2021، قام ضابط برتبة نقيب، يعمل في قوات مكافحة المخدرات في العاصمة بغداد، باستغلال منصبه وأدلى، بسبب خلاقات أسرية، بمعلومات مضلله عن والد زوجته مدعياً أنه تاجر مخدرات ويأوي في منزله، الواقع في ناحية جبلة شمال محافظة بابل، عدداً من الإرهابيين. حاولت القوة الأمنية اعتقاله وحصل تبادل لإطلاق النار. وصلت بعدها تعزيزات كبيرة تحمل مختلف أنواع الأسلحة المتوسطة والثقيلة التي استخدمت في اقتحام الدار مما أدى إلى مقتل جميع الأسرة الذين كانوا داخل منزلهم، ويبلغ عددهم 20 شخصاً من بينهم 12 طفلاً. لقد تبين فيما بعد رب الأسرة غير مطلوب للسلطات. لقد قامت السلطات العراقية باعتقال عددٍ من الضباط وعناصر الأمن عقب المجزرة. بتاريخ 03 يناير/كانون الثاني 2022، أعلن مجلس القضاء الأعلى أن، “قاضي التحقيق المختص صدق اقوال ثلاثة عشر متهما من بينهم تسعة ضباط وثلاثة منتسبين، اضافة إلى المخبر الذي ادلى بالمعلومات غير الصحيحة.”
يدين مركز الخليج لحقوق الإنسان هذا الحادث الإجرامي بحق أسرة بريئة تم قتل جميع أفرادها ومعظمهم من الأطفال بدم ٍ بارد. لا شك أن الأسباب الرئيسية لحصول هذه المجزرة هو عدم كفاءة القوات الأمنية العراقية، سوء الإدارة، انعدام المهنية، وضعف الدولة بشكل عام إلى الدرجة التي سمحت فيها لمنتسبي الأجهزة الأمنية في استخدام القوات التي يعملون معها من أجل تصفية خلافاتهم الشخصية والأسرية، ناسين أن مهمة القوات الأمنية الأساس هي حماية المواطن وليس قتله.
استذكار ضحايا الاحتجاجات من الذين فقدوا حياتهم
ما زال ملف نشطاء المجتمع المدني والمتظاهرين الذين اغتيلوا خلال العامين الأخيرين، يواجه الإهمال الواضح في العراق، حيث إن الإجراءات الحكومية في إنصاف الضحايا وملاحقة الجناة، توصف بالضعيفة من قبل المراقبين المحليين.
بتاريخ 08 ديسمبر/كانون الأول 2021، استذكر المواطنون وبضمنهم عددٍ من مدافعي حقوق الإنسان (الصورة الرئيسية)، الذكرى الثانية لاغتيال مدافع حقوق الإنسان البارز فاهم الطائي في محافظة كربلاء، الواقعة في الجنوب الغربي من بغداد.
وخلال ذكرى استذكاره، طالب المشاركون، بضرورة أن تتخذ الحكومة العراقية إجراءات جدية لملاحقة قتلة المحتجين وتقديمهم إلى العدالة. يعتبر الطائي الذي اغتيل في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2019، أحد أبرز الوجوه التي قادت الاحتجاجات العراقية في محافظة كربلاء، وشكلت عملية اغتياله منعطفاً خطيراً بالنسبة للمتظاهرين في المحافظة، وأظهرت حجم المخاطر الأمنية التي تواجه الناشطين.
وثق مركز الخليج لحقوق الإنسان عام 2019 عملية اغتيال الطائي، عندما قام شخصان ملثمان يستقلان دراجة نارية، بإطلاق النار عليه من مسدسين مزودين كاتمين للصوت ولاذا بالفرار وذلك في منطقة البارودي ذات التحصين الأمني والواقعة في وسط المدينة. وكان الطائي قد أعلن في الصباح عن تلقيه تهديدات من مجموعة مسلحة هي ذاتها التي استهدفت زميله الأكاديمي وناشط المجتمع المدني مهند الكعبي بعبوة لاصقة. توضح الصورة أعلاه على اليمين كيف وقف الطائي بكل شجاعة بمواجهة قتلته ليضرب مثالاً لن يُنسى عن مدافع حقوق إنسان قدم كل ما بوسعه من أجل محاربة الفساد والدفاع عن حقوق المواطنين المدنية والإنسانية.
بتاريخ 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، تظاهر العشرات من نشطاء المجتمع المدني في محافظة ذي قار لاستذكار المجزرة التي عرفت باسم “مجزرة جسر الزيتون” عام 2019 التي راح ضحيتها العشرات من المتظاهرين السلميين. وثق مركز الخليج لحقوق الإنسان عام 2019 المجزرة التي حصلت بتاريخ 28 من نوفمبر/تشرين الثاني 2019 خلال فترة حكم رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي وذهب ضحيتها 500 محتج بين قتيل وجريح ومصاب بالغاز المسيل للدموع.
أحكام قضائية ضد ناشطي المجتمع المدني
لم تنته بعد عمليات الترهيب القضائية التي تقوم بها أطراف سياسية عراقية بحق النشطاء، فبعد عمليات الاغتيال التي تعرضوا لها طيلة العامين الماضيين، استخدمت أطراف سياسية ملف الدعاوى القضائية لإسكات بعض الأصوات المشاركة في الاحتجاجات.
بتاريخ 12 يناير/كانون الثاني 2022، نشر ناشط المجتمع المدني الدكتور ضرغام ماجد مهدي فيديو على صفحته في الفيسبوك بين فيه ملابسات صدور مذكرة إلقاء القبض ضده من قبل رئاسة استئناف محافظة الأنبار وذهابه بنفسه لتسليم نفسه إلى القوات الأمنية لمحافظة بابل حيث يقيم لكنهم طلبت منه التريث. تتعلق هذه المذكرة بتوجيه تهمة التشهير من قبل بعض السياسيين ضده بعد أن قام بتنظيم مظاهرة توجهت نحو محافظة الأنبار ولكن لم يسمح لها بدخول المحافظة. لقد شكر زملائه وجميع المواطنين في مختلف المحافظات على تضامنهم معه. أكد أيضاً استمرار الاحتجاجات السلمية أمام دار القضاء في المحافظة من أجل اسقاط الدعاوي الكيدية ضد المحتجين، وإصلاح القضاء.
لقد تم استهدافه عدة مرات في السابق ومن بينها ما وثقه مركز الخليج لحقوق الإنسان بتاريخ 30 أبريل/نيسان 2021، عن تعرض منزله الواقع في قضاء الحمزة الغربي بمحافظة بابل لإطلاق نارٍ من قبل مجهولين ولم ينتج عن الحادث أية إصابات.
بتاريخ 19 ديسمبر/كانون الأول 2021، اعتقلت القوات الأمنية العراقية في محافظة البصرة ناشط المجتمع المدني عمار الحلفي بتهمة التحريض وفق المادة 328 من قانون العقوبات العراقي.
بتاريخ 27 ديسمبر/كانون الأول 2021، كتبت زوجة الحلفي على صفحته في الفيسبوك ما يلي، “أنا زوجة الناشط عمار الحلفي تم تأجيل محكومية عمار من قبل القاضي ، اناشد كل عراقي شريف عمار برقبتكم عمار دافع عن حقوقكم عمار قال كلمه الحق وهذه كانت النتيجة يا حكومة البصرة يا رئيس اللجنة الأمنية، عمار يعيل خمسة اطفال عمار ساكن في الإيجار يا قضائنا العراقي العادل المفروض تنصفونه وتقفون معه ولا تكونوا ضده اتمنى تنظرون بقضية عمار واطفاله الخمسة أين يذهبون.”
يستخدم الحلفي حسابه في الفيسبوك للتضامن مع زملائه من ناشطي المجتمع المدني ومحاربة الفساد، بتاريخ 18 ديسمبر/كانون 2021، كتب ما يلي على صفحته، “على كل بصري غيور وشريف ويعاني من الواقع الصحي المرير، الاستعداد للخروج بتظاهرة للمطالبة بإقالة مدير صحة البصرة الفاشل الفاسد ولا عودة إلا بإقالته.”
بتاريخ 10 يناير/كانون الثاني 2022، تم الإفراج عنه ليكتب على صفحته على الفيسبوك ما يلي، “الحمد لله اليوم تم الأفراج عني شكراً لكل من وقف معي من ثوار البصرة الأبطال وثوار المحافظات لموقفهم المشرف شكراً للمحامين….شكراً للحراك الشعبي العراقي لموقفهم المشرف.”
بتاريخ 12 ديسمبر/كانون الأول 2021، أصدرت محكمة استئناف المثنى جنوبي العراق، حكماً بالسجن لمدة ٤ أشهر ضد ناشط المجتمع المدني ابو ايهم النعيمي بتهمة التخابر مع دول أجنبية.
وخلال الفترة التي أودع فيها النعيمي في السجن، نظم زملائه من نشطاء المجتمع المدني في محافظة المثنى ومحافظات جنوبية أخرى وقفات احتجاجية للمطالبة بإطلاق سراحه، وبعد عشرة أيام أي في 22 ديسمبر/كانون الأول 2021 أطلق سراحه لعدم ثبوت أي من التهم التي وجهت ضده.
وكان مركز الخليج لحقوق الإنسان قد وثق بتاريخ 01 أكتوبر/تشرين الأول 2021، استهداف منزله في وسط مدينة السماوة، مركز محافظة المثنى، بهجوم ٍ بواسطة قنبلة يدوية من قبل شخصين مجهولين يستقلان دراجة نارية.
اعتداءات على ناشطي مجتمع مدني ومتظاهرين
ما زالت الاعتداءات التي ترتكتب ضد نشطاء المجتمع المدني والمتظاهرين مستمرة، رغم الوعود الحكومية بإنهائها ومحاسبة الجناة، حيث تشكل هذه الاعتداءات مصدر قلق وخطورة بالنسبة للمشاركين في الاحتجاجات.
بتاريخ 08 يناير/كانون الثاني 2022، أصيب بمدينة الكوت، مركز محافظة واسط، اثنان من المتظاهرين بجروح أثر أطلاق النار عليهم من قبل أحد أفراد المليشيات المسلحة بعد أن تجمع العشرات من المتظاهرين في ساحة الاحتفالات بوسط المدينة.
بتاريخ 22 ديسمبر/كانون الأول 2021، شهدت محافظة ذي قار احتجاجات ضد الفساد وسوء الخدمات، وطالب المحتجون بإقالة المحافظ أحمد الخفاجي، لكن القوات الأمنية تصدت لهم ومنعتهم من الوصول إلى مبنى المحافظة.
وخلال هذه الصدامات مع القوات الأمنية، جرح ثلاثة محتجين برصاص عناصر الأمن، نقلوا على إثرها إلى المستشفى لتلقي العلاج. على أثر ذلك، قدم المحافظ استقالته في اليوم التالي الموافق 23 ديسمبر/كانون الأول 2022.
بتاريخ 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، تعرض ناشط المجتمع المدني أزهر تركي لمحاولة اغتيال من قبل 3 أشخاص مجهولين اعترضوا طريقه في ساعة متأخرة من الليل خلال عودته من ساحة الحبوبي وانهالوا عليه ضربا بالأسلحة البيضاء.
ووفقا لنشطاء من محافظة ذي قار تحدثوا لمركز الخليج لحقوق الإنسان، فإن “مواطنين نقلوا تركي إلى مشفى الناصرية التعليمي لتلقي العلاج، حيث تعرض لثلاث ضربات بالسلاح الأبيض”.
فرض القيود على حرية الصحافة
لم تنته عمليات ترهيب الصحفيين وملاحقتهم في محاولة لتكميم الأفواه وتقييد حرياتهم في نقل الأخبار ونشر قضايا المواطن، بل تعمد السلطات المحلية في بعض المحافظات العراقية إلى فرض القيود على حرية الصحافة، ومنع تناول القضايا التي تظهر سوء الخدمات العامة والفساد.
بتاريخ 20 ديسمبر/كانون الأول 2021، تعرض الصحفي ومذيع الأخبار لدى قناة ديوان الفضائية عبدالرحمن الغزالي لاعتداءٍ من قبل أربعة أشخاص مجهولي الهوية، ترجّلوا من سيارة دفع رباعي سوداء اللون كانوا يستقلونها. لقد قاموا بضربه ضرباً مبرحاً بينما كان برفقة أسرته وسط بغداد ولم تتدخل قوات الشرطة التي كانت متواجدة في المكان نفسه لمنع الاعتداء. بالرغم من قيامه بتقديم شكوى حول الحادث إلا ان الجهات المختصة في وزارة الداخلية لم تفعل شيئاً يُذكر لمعرفة الجناة.
بتاريخ 02 ديسمبر/كانون الأول 2021 اعتقل مراسل قناة العهد الفضائية في محافظة الأنبار حميد الفهداوي من قبل مديرية إجرام الأنبار، بسبب قيامه بنشر خبر محاولة شخص سرقة إحدى مكاتب الصيرفة في قضاء الرمادي مركز المحافظة.
وأبلغ صحفيون في محافظة الأنبار مركز الخليج لحقوق الإنسان، أن “الفهداوي اعتقل عندما اتصلت به مديرية مكافحة الإجرام وأبلغته بالحضور إلى المديرية لشرب القهوة، وعندما وصل إلى هناك اعتقلته دون أمر قضائي، ولم توجه له أي تهمة سوى ما وصفته بزعزعة أمن المحافظة بسبب تقاريره التي تتحدث عن الخدمات والسرقات.”
بتاريخ 07 ديسمبر/كانون الأول 2022، تم إطلاق سراحه.
انتهاك حقوق الطفل
شهد العراق خلال الأشهر الأخيرة عمليات اعتداء وانتهاكات وجرائم ارتكبت بحق الأطفال، كانت أبشعها جرائم الاغتصاب التي تعرضوا لها من قبل جناة يحمل بعضهم صفة “عنصر أمن” في مؤسسات الدولة الأمنية.
بتاريخ 26 ديسمبر/كانون الأول 2021، أعلنت وزارة الداخلية العراقية، إلقاء القبض على رجل اغتصب طفلة تبلغ من العمر سبعة أعوام فقط، بعد أن اختطفها بتاريخ 23 ديسمبر/كانون الأول مع شقيقها الذي تمكن من الهرب. ترقد الطفلة الآن في إحدى المستشفيات وتعاني من وضع خطير. لقد أكدت تقارير محلية أن المغتصب هو عنصر أمن في وزارة الداخلية. وقعت الحادثة في منطقة الحسينية، شمال شرق بغداد.
في 20 ديسمبر/كانون الأول 2021، قتلت طفلة عمرها خمس سنوات وتدعى شمس نهاد الدفاعي أثناء تبادل لإطلاق النار بين قوة من الأمن الوطني ومطلوبين في العاصمة بغداد. وبحسب معلومات مركز الخليج لحقوق الإنسان، فإن الحادثة وقعت خلال تنفيذ أفراد من الأمن الوطني واجباً لإلقاء القبض على متهمين ضمن منطقة بغداد الجديدة.
بتاريخ 18 ديسمبر/كانون الأول 2021، أدى إطلاق نار في تشييع جنازة بقرية آل نياز عند مدخل مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار، إلى إصابة طفلة دون سن العشر سنوات.
في 13 ديسمبر/كانون الأول 2021، انفجر مقذوف من مخلفات الحرب في حي الأنصار بمدنية الديوانية. انفجر المقذوف على الأطفال خلال عودتهم من المدرسة، وتسبب ببتر ساق أحدهم وإصابة أربعة آخرين بجروحٍ مختلفة.
بتاريخ 11 ديسمبر/كانون الأول2021، أبلغ نشطاء مجتمع مدني في محافظة نينوى، مركز الخليج لحقوق الإنسان، بمقتل طفل وإصابة شقيقه جراء انفجار صاعق من مخلفات داعش في قرية السلطان عبد الله في ناحية القيارة جنوب الموصل.
في 09 ديسمبر/كانون الأول 2021، أعلنت قيادة شرطة محافظة المثنى اعتقال شخص اعتدى جنسياً على طفل عمره 6 سنوات بعد استدراجه في مدينة السماوة. واعترف الجاني بجريمته عندما ألقي القبض عليه، ودونت أقواله وصُدقت قضائيا وتم توقيفه وفق المادة (396) من قانون العقوبات العراقي وتمت إحالته إلى المحكمة المختصة.
ان هذه السلسلة من الأحداث المحزنة التي نتج عنها مقتل عدد من الأطفال وفقدان آخرين منهم الأمل في مستقبل زاهر، يسترعي الانتباه العاجل من السلطات العراقية للبدء بإصلاح شامل للقوانين الحالية، والعمل بشكل جدي مع البرلمان الجديد من اجل إصدار قانون مناهضة العنف الأسري وقانون حماية حقوق الطفل.
التوصيات
يحث مركز الخليج لحقوق الإنسان
1- مجلس النواب العراقي الجديد للقيام تشريع قانون حماية الطفل؛
2- جميع السياسيين العراقيين للتوقف عن ترهيب نشطاء المجتمع المدني والصحفيين بالدعاوى القضائية؛
3- اللجنة المعنية بالتحقيق في ملف قتل المتظاهرين لإعلان نتائجها وملاحقة الجناة؛
4- الحكومة العراقية لتوفير الحماية اللازمة لمدافعي حقوق الإنسان الذين يتعرضون لانتهاكات واعتداءات مستمرة من قبل جماعات مسلحة.