إنهاء الإفلات من العقاب، حماية الصحفيين
2/11/2025
بمناسبة اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب لعام 2025، الذي يُحتفل به سنوياً مع الشركاء في 02 نوفمبر/تشرين الثاني، أصدر مركز الخليج لحقوق الإنسان هذا التقرير
مقدمة
2023-2024-2025، الأعوام الأكثر دموية للصحفيين ولوسائل الإعلام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
مع تصاعد الحصار على غزة، واستئناف الاشتباكات في سوريا، واستمرار الصراع في السودان، وتكثيف القمع في المملكة العربية السعودية خلال عام 2025، لا يزال الصحفيون في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يواجهون انتهاكات جسيمة، لاسيما عمليات القتل التي ترتكب على يد قوات الدولة أو الجماعات المسلحة أو السلطات الحكومية، وتُنفذ في كثيرٍ من الأحيان مع إفلاتٍ تام من العقاب.
بمناسبة اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، الذي يُصادف في 02 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، يوثّق هذا التقرير حالات مقتل الصحفيين خلال العامين الماضيين، منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023. يهدف هذا اليوم، الذي تحتفل به اليونسكو سنوياً في مختلف أنحاء العالم، إلى تسليط الضوء على ظاهرة الإفلات من العقاب في الجرائم ضد الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام، والدعوة إلى تعزيز المساءلة والعدالة.
إن الوضع في غزة كارثي على نحوٍ خاص. منذ اندلاع الحرب، أسفرت العمليات العسكرية الإسرائيلية عن مقتل عدد من الصحفيين غير المسبوق. كان العديد منهم مستهدفين عمداً، ما يجعل القطاع أخطر مكان في العالم بالنسبة للعاملين في المجال الإعلامي.
إلى جانب فلسطين، تظل دول مثل سوريا والعراق واليمن والمملكة العربية السعودية من بين البيئات الأكثر خطورة بالنسبة للصحفيين، حيث يمكن أن يكلف نقل الحقيقة حياة المرء أو حريته.
إن من أبرز الأمثلة الحديثة على ذلك، مقتل الصحفي أنس الشريف في أغسطس/آب 2025، وكان صحفياً بارزاً عُرف بتقاريره الشجاعة حول الأزمة الإنسانية الحادة والمجاعة في غزة منذ اندلاع الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023. لقد أثار مقتله، شأنه شأن العديد من الضحايا الآخرين، موجة من الصدمة في مختلف أنحاء المنطقة. في 10 أغسطس/آب 2025، قُتل الشريف وخمسة من زملائه على يد القوات الإسرائيلية، عندما استهدف القصف خيمةً خارج البوابة الرئيسية لمستشفى الشفاء في مدينة غزة، حيث كان الصحفيون متجمعين. إن من بين القتلى الآخرين الصحفي محمد قريقع، ومشغّلا الكاميرا إبراهيم زاهر ومحمد نوفل، بالإضافة إلى الصحفيين المستقلين مؤمن عليوة ومحمد الخالدي.
بينما يحتفل المجتمع الدولي بالذكرى السنوية لخطة عمل الأمم المتحدة بشأن سلامة الصحفيين ومسألة الإفلات من العقاب، يجدد مركز الخليج لحقوق الإنسان دعوته لتعزيز الحماية للصحفيين في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وضمان المساءلة في مواجهة عمليات القتل المستهدفة. عندما لا تتم محاسبة أولئك الذين يقتلون الصحفيين، تصبح المخاطر التي تواجه الصحافة أكثر فتكاً. إن فقدان كل صحفي يعني انخفاض صوت واحد يكشف الحقيقة، مما يترك للجمهور مصادر أقل للمعلومات الحيوية.
مع اقتراب نهاية عام 2025، يظل العالم مكاناً غير آمن للصحفيين والعاملين في مجال الإعلام، الذين ينقلون الحقيقة بشجاعة وسط الصراعات والقمع والظلم. لا تزال حرية التعبير، الحق الأساسي المنصوص عليه في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، مهددة من قِبَل الحكومات والأفراد ذوي النفوذ في جميع أنحاء العالم:
لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية. (المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان)
لكل إنسان حق في حرية التعبير. يشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكلٍ مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها. (المادة 19 -الفقرة 2- من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية)
يشمل هذا الحق مجموعة من الحريات، بما في ذلك حرية الصحافة، وحرية الرأي، والحق في الاعتراض بضميرٍ حي على الخدمة العسكرية. بالرغم من ذلك، تتعرض حرية الإعلام في العديد من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لهجوم ٍ شديد، نظراً لدورها الحاسم في تعزيز الشفافية ومساءلة أصحاب السلطة.
وفقاً إلى لجنة حماية الصحفيين، قُتل 124 صحفيا في جميع أنحاء العالم في عام 2024. إن من المقلق أن ما يقرب من ثلثي هؤلاء (70% من الصحفيين قتلوا على يد إسرائيل في عام 2024) كانوا من الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام الفلسطينيين، وكثير منهم تم استهدافهم عمداً من قبل القوات الإسرائيلية. منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، قُتل أكثر من 285 صحفياً ومراسلاً في غزة، وفقاً إلى المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية (مدى).
يُعزى هذا الارتفاع الحاد في عدد وفيات الصحفيين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى الهجوم على غزة وإلى النزاعات المرتبطة به في دولٍ مجاورة، حيث أدت الغارات الجوية الإسرائيلية إلى مقتل صحفيين في سوريا واليمن ولبنان وإيران. كما تعرّض صحفيون للاستهداف خلال الاشتباكات الداخلية في محافظة السويداء جنوب سوريا في يوليو/تموز 2025.
بحسب الاتحاد الدولي للصحفيين، فإن حجم وكثافة عمليات القتل هذه جعل هذه الفترة واحدة من أخطر الفترات بالنسبة للصحفيين في تاريخ الصحافة الحديثة.
يصبح الوضع أكثر فتكاً عندما لا يُحاسب المسؤولون عن قتل الصحفيين. إن الإفلات من العقاب يُغذي المزيد من العنف، وبالتالي، سيواجه وصول الجمهور إلى المعلومات خطراً داهماً. مع تقلص دور الصحافة، يتضاءل أيضاً وصول الجمهور إلى معلومات مستقلة ودقيقة.
يُظهر الواقع اليوم أن الصحفيين يتحملون العبء الأكبر من الصراعات الدائرة في المنطقة، وأن شجاعتهم في نقل الحقيقة وكشف واقع الأحداث تعرض حياتهم للخطر يومياً.
إن حياتهم بسبب ذلك تتسم بسلسلة من التهديدات المستمرة، والهجمات الموجهة، والخسائر الشخصية الجسيمة. على سبيل المثال، بعد وصوله إلى قطر لتلقّي العلاج الطبي، تحدّث المصوّر الصحفي الفلسطيني معتز عزايزة عن صعوبة متطلّبات مهنته، فكتب على منصة إكس، “لا وقت للراحة”، معبّراً عن أمله في الاستمرار بممارسة عمله رغم المخاطر.
بالنسبة للصحفيين الفلسطينيين، فإن المخاطر شخصية للغاية. فقد التقطت فاطمة حسونة، المصوّرة الصحفية الفلسطينية الراحلة البالغة من العمر 25 عاماً، الجمال الهادئ لمدينتها في قصصها الأخيرة على إنستغرام، مشيرة بشكل مؤثر إلى أن، “هذا أول غروب للشمس منذ وقت طويل،” قبل أن تنتهي حياتها بشكل مأساوي.
بالمثل، كشف الصحفي أنس الشريف، في رسالة أعدّها لنشرها في حال وفاته، عن الخسائر الفادحة الناجمة عن مشاهدة العنف يومياً، مشيراً إلى أنه، “عاش الألم بكل تفاصيله” و”ذاق الحزن والخسارة مراراً وتكراراً.”
تُبرز هذه الأصوات الأعباء العاطفية والجسدية التي يتحمّلها الصحفيون في مناطق النزاع. إنهم لا يواجهون المخاطر المباشرة للحرب والتفجيرات والهجمات المستهدفة فحسب، بل يعايشون أيضاً ألم رؤية المجتمعات، وأحياناً أسرهم، تعاني وتهلك. في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا تُعد الصحافة مجرد مهنة، بل شكلاً من أشكال الشجاعة، وتُؤكّد تضحياتهم التكلفة الإنسانية المرتبطة بالشهادة.
ينشر مركز الخليج لحقوق الإنسان سنوية تقريراً بمناسبة اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب، وينظم حدثاً توعوياً للمساعدة في تسليط الضوء على الصحفيين الذين قتلوا في العام الماضي. يتضمن هذا التقرير حالات جديدة لمقتل صحفيين دون عقاب في فلسطين ولبنان وسوريا والمملكة العربية السعودية والعراق وإيران واليمن والصومال والسودان.
بين عامي 2024 و2025، بلغ استهداف الصحفيين في قطاع غزة مستويات مدمرة، مما يعكس المخاطر الجسيمة التي يواجهها الإعلاميون في مناطق النزاع. يشمل هذا التقرير من بين القتلى حمزة الدحدوح، ورزق الغرابلي، ومحمد عطا الله، وحسن عبد الرحيم حمد، وفاطمة حسونة، وأنس الشريف، ومريم أبو دقة، ومحمد سلامة، وهم جزء من مجموعة أوسع تضم أكثر من 285 صحفياً وإعلامياً فلسطينياً قُتلوا في الغارات الإسرائيلية منذ عام 2023.
في لبنان، لقي عدد من الصحفيين والمراسلين حتفهم نتيجة الغارات الإسرائيلية في جنوب لبنان، ويشير هذا التقرير إلى بعض هذه الحالات، بما في ذلك غسان نجار وسُكينة منصور.
في العراق، أودت غارات جوية تركية بطائرات مُسيّرة بحياة صحفيين كرديين، هما هيرو بهاء الدين وكلستان تارا، في أغسطس/آب 2024.
في اليمن، قُتل 31 صحفياً يمنياً قُتلوا خلال غارات جوية إسرائيلية استهدفت مكاتب صحيفتي “26 سبتمبر” و”اليمن” في صنعاء في 10 سبتمبر/أيلول 2025.
في سوريا، لا يزال الصحفيون يدفعون ثمناً باهظاً وسط توترات داخلية وتدخلات إقليمية. لقد قُتلت صفاء أحمد في غارة جوية إسرائيلية على دمشق في 30 سبتمبر/أيلول 2024. ازداد الوضع تعقيداً بعد تشكيل حكومة سورية انتقالية، تتعارض مواقفها مع مواقف الطائفة الدرزية. يُبرز مقتل ساري مجيد الشوفي ، أول صحفي يُقتل في سوريا عام 2025، المخاطر الجسيمة التي يواجهها الصحفيون في مناطق النزاع، لا سيما في المناطق التي تشهد عنفاً طائفياً وقبلياً.
يعرض هذا التقرير صوراً لمجموعة من الصحفيين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذين ضحوا بحياتهم من أجل حرية التعبير، لذا يجب تكريمهم وتخليد ذكراهم.
في معظم حالاتهم، كان هناك إفلات تام من العقاب للمسؤولين عن الاعتداء على الصحفيين المذكورين في هذا التقرير أو قتلهم. بمناسبة اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب في 02 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، ندعو مجدداً إلى تحقيق العدالة في قضاياهم.
التوصيات
متابعةً للتوصيات الصادرة خلال الفعاليات السابقة التي نظمها مركز الخليج لحقوق الإنسان بمناسبة اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، يدعو مركز الخليج لحقوق الإنسان مجدداً إلى اتخاذ إجراءات فورية على النحو التالي:
1. يدعو جميع الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى احترام العمل الصحفي وتقديم جميع أنواع الدعم والحماية للصحفيين المنهمكين في تغطية الاحتجاجات الشعبية، أو العاملين في مناطق النزاع المسلح، أو غيرهم ممن يكتبون بمهنية عالية عن قضايا الفساد؛
2. يدعو جميع المؤسسات المعنية إلى ملاحظة أن معظم جرائم القتل وغيرها من الانتهاكات الجنائية المرتكبة ضد الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان من قبل الجهات الحكومية أو الميليشيات المتطرفة في العديد من البلدان قد ارتكبها أشخاص مجهولون لم يتم تحديد هويتهم بعد – باستثناء العدد الهائل من الصحفيين الفلسطينيين الذين استهدفتهم السلطات الإسرائيلية عمدًا، والذين يتحملون مسؤولية قتلهم؛
3. يحث على إجراء تحقيق فوري وجاد من أجل إيجاد آليات عملية وفعالة تضع حدًا حاسمًا للإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين في جميع دول منطقتنا؛
4. يحث الحكومات والهيئات المعنية الأخرى على العمل بجد لمحاسبة مرتكبي الجرائم ضد الصحفيين، وضمان عدم بقاء مرتكبي هذه الانتهاكات ومدبريها مجهولين وإفلاتهم من العقاب؛
5. يدعو جميع الأطراف المعنية إلى توفير الحماية المناسبة للصحفيين في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وخارجها حتى يتمكنوا من أداء عملهم على أكمل وجه؛
6. يدعو جميع دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى اعتماد توصيات خطة عمل الأمم المتحدة بشأن سلامة الصحفيين ومسألة الإفلات من العقاب.



