قبل أكثر من ثلاث سنوات تعرض منزل عائلة سارة محمد، الواقع في منطقة نزلة السمان، على مقربةٍ من الأهرامات بالجيزة، ويحمل رقم (114 د)، والذي كان مكوّنًا من خمس شقق مُقامة على مساحة 400 متر مربع في منطقة ، للإزالة إضافة لهدم الإسطبل المجاور للمنزل، دون أن تحصل الأسرة على تعويض مادي أو بديل سكني حتى الآن، إذ لم تحصل المرحلة الثانية من المتضررين على مستحقاتهم المادية حتى الآن، بحسب ما تحكي لـ”زاوية ثالثة”، مؤكدة أن الأهالي المتضررين راجعوا المحافظة ومجلس الوزراء ومصلحة المساحة في الدقي، لكن الرد الأخير الذي تلقوه كان أن “الأوراق في المطابع الأميرية”، متسائلة عن سبب تأخر الإجراءات طوال هذه المدة.
تؤكد السيدة الخمسينية أن التعويضات التي حصل عليها متضرري الإزالات في المرحلة الأولى صُرفت بسعر 15 ألف جنيه للمتر، بينما أُبلغ سكان المرحلة الثانية بأنهم سيحصلون على 22 ألفًا لقربهم من الهرم، لكن ذلك لم يُنفذ حتى الآن، إذ أبلغتهم نائبة المحافظ، بحضور أحد اللواءات، بأنهم سيحصلون على التعويض خلال ستة أشهر على الأكثر، غير أن السنوات مرت دون صرف أي مبالغ.
“الإزالات تركزت على منازل الأسر البسيطة في نزلة السمان، ونحن طلبنا من المحافظة إعطاءنا شقق بديلة، لكن ردوا علينا بأنه لا توجد شقق، رغم أن بعض الأسر حصلت على وحدات في منطقة الهضبة بينما حُرم آخرون منها، بعد أن كنا نمتلك منزلًا ورثناه عن والدنا، أصبحنا مستأجرين. ندفع أربعة آلاف جنيه إيجارًا، من أين نأتي بها”.. تقول لـ”زاوية ثالثة”.
تُبدي سارة، استيائها من تجاهل شكاوى الأهالي المتضررين، مؤكدة أنها قدمت شكوى حديثة إلى مجلس الوزراء قبل شهرين، لكن الموظف أغلق الهاتف في وجهها، مضيفة: “نحن أصحاب حق ولسنا مفتعلين للمشاكل. نريد فقط صرف تعويضاتنا عن بيوتنا التي هُدمت منذ أربع سنوات، المرحلة الأولى صُرفت، بينما نحن لا نزال ننتظر.. لا نريد سوى حقوقنا التي وعدونا بها”.
اليوم تعيش مع إخوتها في شقة صغيرة مستأجرة، شقيقتها الأرملة التي اضطرتها الظروف لأن تصبح واحدة من عاملات المنازل، وشقيقها المريض نفسيًا يعيش على معاش “تكافل وكرامة” الذي لا تتجاوز قيمته 900 جنيه، كانت نزلة السمان بالنسبة إليها أكثر من مكان للسكن، هناك توجد ذكريات سنوات عمرها الخمسين، وحياة كاملة عاشتها عائلتها جيلًا بعد جيل.. “المنطقة جميلة جدًا، فيها بيوت وفيلات ومحلات راقية، حتى مطاعم وفنادق. كنا نعيش وسط حياة نابضة بالسياحة”.. تحكي سارة.
بالنسبة إلى عائلة باسم مكاوي، كان منزلهم القديم، الواقع في منطقة “سن العجوز”، المٌطلة على الأهرامات، ضمن المرحلة الأولى من الإزالات، منذ أكثر من ثلاث سنوات، لكن التعويض المالي لم يُصرف لهم إلا قبل نحو خمسة أشهر فقط، ولم يتجاوز سعر المتر في التعويض 8000 جنيه، وفي حين كانت مساحته تصل إلى نحو ألف متر ويضم ثلاثة منازل فرعية، إلاّ أنه تم خُصم نصف مساحته من الحصر الرسمي، ومحاسبة مُلاكه على نحو 550 مترًا فقط من مساحته، ما جعل التعويض أقل بكثير من القيمة الحقيقية، بحسب ما يؤكد لـ”زاوية ثالثة”.
يتذكر باسم أن العقار تعود ملكيته في الأساس إلى جدة والده التي أورثته لثلاثة أبناء، ومنهم جده، الذي أنجب ستة أبناء لكلٍّ منهم عائلة كبيرة، مما يعني أن عدد الورثة الذين لهم حق في المنزل كبير جدًا، وبالتالي فإن نصيب كل فرد لا يكفي حتى لشراء شقة صغيرة، مشيرًا إلى أن المنزل له عقد ملكية رسمي يعود إلى زمن الملك فاروق، ولم يكن وضع يد.
يوضح باسم أن المرحلة الأولى من الإزالات في المنطقة نُفذت منذ نحو ثلاث سنوات ونصف، وأنها قُسمت إلى مرحلتين من حيث صرف التعويضات، في حين أن عددًا من الأهالي لم يحصلوا على مستحقاتهم حتى الآن، رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على هدم منازلهم، مشيرًا إلى أن الدولة لم تُقدم تعويضات عادلة أو بدائل سكنية مناسبة للملاك.
يقول لـ”زاوية ثالثة”: “المقيمون فعليًا في المنازل المزالة ضمن المرحلة الأولى حصلوا على شقق بنظام حق الانتفاع، وليست تمليكًا، تقع بالقرب من بوابات الأهرامات الجديدة، في مشروع سكني يشبه حي الأسمرات بالمقطم، ثلاثة فقط من أقاربي الذين أقاموا في المنزل حصلوا على تلك الشقق، بينما حُرم بقية الورثة من أي بدائل، رغم أن الملكية أصلًا تعود لنا جميعًا، كما أن عائلتي ظلت أكثر من ثلاث سنوات بعد الهدم بلا مقابل مادي، ما تسبب في معاناة كبيرة وتشريد لعدد من أفراد العائلة، والغريب في الأمر أن البيوت التي أُزيلت ما زالت أنقاضها في أماكنها، ولم يُنفذ أي تطوير فعلي في الأراضي التي تم إخلاؤها حتى الآن”.
ويكشف مكاوي عن حالة الذعر والقلق السائد بين الأهالي بعد تداول خرائط جديدة للإزالات في نزلة السمان، ضمن المرحلة الثالثة، خاصة بعد أن كانوا قد تلقوا وعودًا رسمية بعدم تنفيذ أي إزالات جديدة، والاكتفاء بتطوير المنازل القائمة، موضحًا أن الأهالي استجابوا لتلك التوجيهات وأنفقوا مبالغ ضخمة لتطوير مساكنهم وبناء فنادق صغيرة ومشروعات سياحية، إلا أنهم فوجئوا بحديث جديد عن موجة أخرى من الإزالات تشمل أجزاء واسعة من المنطقة، مؤكدًا على أن استمرار الإزالات يهدد استقرار آلاف الأسر، ويُبدد ما أنفقوه من أموال وجهد خلال السنوات الماضية، مطالبًا بوضع حلول تضمن حق الأهالي في البقاء والاستفادة من تطوير منطقتهم بما يتناسب مع قيمتها التاريخية وموقعها الفريد.
وتقع نزلة السمان على مشارف أهرامات الجيزة، وهي نقطة النهاية لمحور خوفو، المقترح ضمن الـ22 مشروعاً المدرجة ضمن الرؤية الإستراتيجية للتنمية العمرانية في القاهرة الكبرى، ومنذ أيام يتداول الأهالي خريطة تتعلق بمشروع تطوير منطقة نزلة السمان وهضبة الأهرامات في الجيزة، ضمن خطة تطوير مزعومة، تهدف إلى تحويل منطقة نزلة السمان إلى مقصد سياحي وثقافي عالمي، وتُظهر الخريطة المخطط الاستراتيجي لهذه المنطقة، مع إبراز مناطق مختلفة بألوان محددة تشير إلى مراحل التطوير أو حالات الملكية أو الاستخدامات المقترحة للأراضي.
وبحسب الخريطة المتداولة فإن الإزالات الجديدة، ستشمل مساحة 4819 متر مربع في نزلة السمان، من بينها 54 قطعة أرض تتضم مباني ذات خطورة داهمة، تظهر باللون السماوي، على مساحة قدرها
1715 متر، بجانب 10 قطع أراضي، على مساحة 38325 متر، ستتعرض للإزالات بسبب تدهور الحالة العامة للمباني، وتظهر على الخريطة باللون البرتقالي، إضافة إلى 221 قطعة أرض مباني في النطاق الأول، ضمن الطريق الصاعد لهرم خوفو بعرض 50 مترًا، على مساحة قدرها 24415 مترًا، وتظهر باللون البني، وإزالة 116 قطعة أرض مباني تدخل ضمن النطاق الثاني للطريق الصاعد لهرم خوفو، على مساحة 5126 متر مربع، تظهر على الخريطة باللون الأزرق، كما تشمل الخريطة إزالات لتحقيق النسيج العمراني، تظهر باللون الأحمر، في حين تٌظهر المناطق المغطاة باللون الأخضر أن المباني التي تمت إزالتها فعليًا في نزلة السمان، هي 215 قطعة على مساحة 72900 متر مربع.

نوصي للقراءة: سكان العمرانية يواجهون قرارات إزالة دون إخطار رسمي أو بدائل سكنية

مخاوف السكان من الإزالات
كغيره من سُكان نزلة السمان تفاجئ أحمد فاروق، بخريطة الإزالات المتداولة، والتي يقع منزله ضمن نطاقها، الأمر الذي جعله يعيش هو وأسرته في قلق واستياء كبير، لا سيما أن عائلته تعيش في المنطقة منذ قرون، وتوارثت منازلها جيلًا بعد جيل، في حين يعتبرون أن التعويضات التي تقدمها الدولة لسكان نزلة السكان لم تكن منصفة.
يقول لـ”زاوية ثالثة” إن الأهالي الذين أُزيلت منازلهم في نزلة السمان، تلقوا مقابلًا لها إما تعويضات مالية زهيدة أو شققًا بنظام المنفعة العامة، رغم أن هذه المنازل كانت ملكًا خالصًا لهم بورق رسمي. وبعض الأسر لم تحصل على تعويضاتها إلا بعد مرور أربع سنوات كاملة من هدم منازلها وإجبارها على الإخلاء”.
ويشير إلى أن أسعار الوحدات السكنية في الوقت الحالي ارتفعت بشكل كبير، إذ لا يقل ثمن الشقة على الطوب الأحمر عن 500 إلى 750 ألف جنيه، في حين أن منازل الأهالي في نزلة السمان، التي كانت مساحتها لا تقل عن 300 متر، جرى تقدير سعر المتر فيها بنحو 14 ألف جنيه فقط، دون أي تعويض عن المباني أو قيمة الإنشاءات.
ويؤكد الساكن المحلي، أن عمليات الإزالة تمت باستخدام القوة الجبرية، دون منح السكان الوقت الكافي لتدبير بدائل أو التوصل إلى حلول عادلة، معتبرًا أن ما يحدث تهجير قسري لأهالي المنطقة التي تمثل جزءًا من تاريخ الجيزة وذاكرتها الاجتماعية.
وكان الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، قد عقد اجتماعًا في 1 أكتوبر الجاري، لمتابعة مستجدات مشروع إعادة إحياء منطقة نزلة السمان كمقصد سياحي متكامل، بحضور وزيري السياحة والإسكان ومحافظ الجيزة وعدد من المسؤولين والاستشاريين، وأعلن وقتئذٍ أن المشروع يستهدف دمج نزلة السمان مع منطقة الأهرامات الكبرى لتصبح وجهة سياحية عالمية، بالتزامن مع افتتاح المتحف المصري الكبير، مشددًا على أهمية المشاركة المجتمعية لسكان المنطقة، بحيث يستفيد الجميع من خطة التطوير.
وخلال الاجتماع استعرض المهندس محمد الخطيب، استشاري المشروع، ملامح الرؤية التخطيطية التي تهدف إلى تحويل نزلة السمان بحلول عام 2030 إلى منطقة سياحية نابضة تعتمد على تراثها الثقافي وتوفر فرص عمل لأهاليها من خلال مشروعات فندقية وتجارية صغيرة، مٌبينّا أن الخطة تشمل تطوير البنية التحتية، وتحسين المشهد العمراني، وإنشاء مسارات للمشاة ومساحات عامة، مع الحفاظ على الطابع التراثي للمنطقة ووضع ضوابط للبناء والواجهات والارتفاعات.
وخلال العقد الأخير من حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، طُرحت عدة مخططات لتطوير منطقة الأهرامات ونزلة السمان بإشراف المجلس الأعلى للآثار ووزارة الثقافة ومشروع القاهرة 2050 التابع لوزارة الإسكان، إلا أنها لم تُنفذ فعليًا. ركزت تلك المشروعات على تعزيز السياحة بوصفها الهدف الأساسي، إذ خضعت السياسات المكانية لمنطق الجذب السياحي بدلًا من حماية التراث للمجتمع المحلي، وفي عام 2002 أقام زاهي حواس سورًا بطول 18 كيلومترًا لعزل هضبة الأهرامات تمهيدًا لإزالة المساكن والتجارة غير الرسمية، وفي عام 2009 أثناء تولي أحمد نظيف رئاسة مجلس الوزراء، أعلن الدكتور مصطفى مدبولي، الذي كان رئيس الهيئة العامة للتخطيط العمراني وقتئذٍ، عن خطط الحكومة لإزالة جميع المساكن غير الرسمية في نزلة السمان والمناطق العشوائية المحيطة بهضبة الأهرامات، ونقل سكانها إلى مكان آخر.
ومن المتوقع أن يتأثر بالإخلاء وإعادة التوطين نحو 53.392 من سكان نزلة السمان، يفترض إخلاءهم على خمس مراحل تمتد لـ6 سنوات، ، بتكلفة 1.5 مليار جنيه تم تخصيصها لدعم عمليات الإخلاء والتعويض وإعادة توطين السكان، الأمر الذي سيتطلب توفير 12.973 وحدة سكنية و242 وحدة مخصصة للاستعمال التجاري، وكان سكان منطقة “سن العجوز”، الواقعة شمال نزلة السمان والبالغ تعدادها 7.760، هم أول من تم إجلاؤهم، وهي من المناطق ذات الدخل المنخفض بها العديد من المباني المتهالكة، وقد صنفها صندوق تطوير المناطق العشوائية كمنطقة غير آمنة من المستوى الثاني، وهي مبنية على أرض مملوكة للدولة.
نوصي للقراءة: “مدينة الأمل” تُبنى على أنقاض عزبة الهجانة

القضية منظورة أمام القضاء
الإزالات في نزلة السمان التي طالت منازل العديد من السكان، وصل صداها إلى ساحات القضاء؛ إذ كان قد أقام محامو المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بالتعاون مع مركز “دفاع” والمحامي خالد علي، دعوتان قضائيتان لوقف تنفيذ قرارات الإزالة والاستيلاء المؤقت على عقارات أهالي نزلة السمان، والمطالبة بالكشف عن طبيعة القرارات الصادرة بشأنها وما إذا كانت خاضعة لقانون نزع الملكية للمنفعة العامة، إضافة إلى إلزام الجهات الحكومية بعقد حوار مجتمعي مع الأهالي حول مشروعات التطوير، واختصمت الدعوتان رئيس الوزراء ووزيري السياحة والإسكان ومحافظ الجيزة وعددًا من المسؤولين.
وفي أبريل الماضي، أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمًا تمهيديًا بإحالة دعويي إزالات نزلة السمان للجنة ثلاثية من خبراء وزارة العدل بأمانة 50 ألف لكل دعوى، أي 100 ألف جنيه في الدعويين، تم سدادها قبل جلسة 1 يناير 2023، كما قررت حجز الدعويين المقامتين من مالكي وشاغلي العقارات بمنطقة نزلة السمان في محافظة الجيزة، والمقيدتين برقمي 3176 لسنة 76، و19981 لسنة 76 ق، واللتين طالبتا بوقف تنفيذ القرارات الصادرة بشأن إخلاء وهدم أكثر من 390 عقارا مملوكا لهم.
وطبقًا للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فإن الشروع في إزالة هذه العقارات لم يزامنه صدور قرارات نزع ملكية وتحديد البدائل، سوى تسليم أحد المزال عقاراتهم وحدة سكنية (حق انتفاع) رغم ملكيته للعقار المزال، ووفق مخطط محافظة الجيزة، من المستهدف نقل 4800 أسرة من نزلة السمان.
من جهته يؤكد خالد الجمال، المحامي بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن الإزالات التي تمت في منطقة نزلة السمان حتى الآن شملت جزءًا صغيرًا فقط من المنطقة يُعرف باسم “سن العجوز”، حيث أُزيلت بعض الأكشاك والمنازل البسيطة، بينما لم يتجاوز عدد المتضررين بضع أسر، موضحًا أنه منذ بدء هذه الإجراءات في عام 2021، أقام المركز دعوتين قضائيتين أمام محكمة القضاء الإداري للطعن على قرار نزع الملكية للمنفعة العامة، استنادًا إلى أن الأراضي مملوكة للأهالي منذ أكثر من مئتي عام، ولا تقع ضمن نطاق المنطقة الأثرية، إذ سبق لوزارة الآثار أن أجرت حفريات فيها ولم تعثر على أي آثار.
يقول لـ”زاوية ثالثة”: “المحكمة أحالت الدعوتين إلى خبراء وزارة العدل لمعاينة العقارات وتحديد حالتها، وتبيّن من المعاينة أن المنازل مبنية بالخرسانة المسلحة وليست متهالكة أو عشوائية، وأن نزلة السمان تضم أكثر من تسعة آلاف غرفة فندقية تستقبل سائحين من ذوي الدخل المحدود، ما يجعلها مكوّنًا داعمًا للسياحة المحلية. وأشار إلى أن التقريرين الصادرين عن الخبراء لم يقدما نتيجة واضحة، إذ اكتفيا بحصر العقارات دون تقييم قانوني لمدى صحة قرار الإزالة”.
ويشدد الجمال على أن قرار نزع الملكية خالف القانون في جميع إجراءاته، إذ صدر دون تحديد قيمة التعويضات، ودون إعداد كشوف بأسماء المتضررين أو إخطارهم أو تعليق الكشوف في الحي، كما لم تُودع مبالغ التعويض في حسابات بنكية كما يفرض القانون. لذلك، طلب الدفاع إعادة القضية إلى خبراء وزارة العدل لإعداد تقرير جديد أكثر وضوحًا، وقد وافقت المحكمة على ذلك لعدم وضوح التقرير السابق.
ويضيف: “الدولة لم تنفذ أي عمليات إزالة جديدة منذ عام 2021 وحتى الآن بسبب القضايا المرفوعة، وهو ما طمأن الأهالي نسبيًا، مجلس الوزراء كان قد أعلن العام الماضي عن خطة لتطوير المنطقة على غرار القاهرة التاريخية، تتضمن تجميل المباني وتحديثها، وتحويل المحلات إلى بازارات ومرافق سياحية، مع السماح لمن يرغب بتحويل بيته إلى غرف فندقية، وهو ما لاقى قبولًا واسعًا بين السكان”.
وبيّن الجمال أن من حصلوا على تعويضات أو شقق بديلة هم سكان “سن العجوز” فقط، وأن عددهم قليل للغاية مقارنة بعدد سكان نزلة السمان الذين يتجاوزون 200 ألف نسمة، مشيرًا إلى أن بعضهم انتقل إلى شقق بنظام حق الانتفاع في حدائق أكتوبر، وأصبحوا مستأجرين يدفعون 250 جنيهًا شهريًا، بعدما كانوا من الملاك، وهو ما يتيح للدولة حق سحب الوحدات منهم في أي وقت.
وفيما يخص الخريطة الجديدة المتداولة للإزالات المرتقبة، يوضح الجمال أنها تشمل إزالة مساحة كبيرة تصل إلى نحو ثلث نزلة السمان، لإنشاء طريق وتوسعة مدخل منطقة أبو الهول، رغم أن مدخل الأهرامات الجديد من ناحية حدائق الأهرام والمتحف الكبير تم تطويره بالفعل دون الحاجة إلى الإزالات، مشيرًا إلى أن المنطقة المستهدفة تضم عددًا كبيرًا من الفنادق والغرف السياحية، ما يعني أن تنفيذ الإزالات سيحرم السكان من مصدر رزقهم ويهدد استقرارهم الاقتصادي، خاصة أن التعويضات المقترحة لا تعكس القيمة الفعلية للعقارات، مؤكدًا أن القضية ما زالت منظورة أمام القضاء، ولم يصدر أي قرار رسمي جديد بالإزالة، داعيًا إلى ضرورة الالتزام بإجراءات قانون نزع الملكية وإخطار أصحاب العقارات وتحديد التعويضات بشكل عادل قبل تنفيذ أي خطوة.
ويرى الجمال أن خطط تطوير منطقة الأهرامات تثير مخاوف مشروعة لدى السكان، خاصة أن المنطقة تحتوي بالفعل على منشآت سياحية وفندقية، ولا حاجة لهدم مساكن نحو 200 ألف نسمة لإقامة مشاريع جديدة، معتبرًا أن التطوير الحقيقي يجب أن يتم بمشاركة الأهالي وفي نفس المكان، لتتحول نزلة السمان إلى منطقة سياحية شبيهة بخان الخليلي، دون تهجير سكانها أو تدمير نسيجها الاجتماعي، وأنه يتوجب على الدولة إذا كانت تهدف إلى تطوير المنطقة لخدمة الاقتصاد والسياحة، أن توازن بين المصلحة العامة وحقوق المواطنين، وأن تطرح تعويضات عادلة ومنصفة وتتعامل مع الأهالي بشفافية.
وفي السياق ذاته يؤكد المحامي الحقوقي مالك عدلي، مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لـ”زاوية ثالثة”، أن قضية نزلة السمان التي رفعها المركز أمام محكمة القضاء الإداري ما زالت قيد النظر، وقد أُحيلت إلى خبراء وزارة العدل منذ عدة أشهر، موضحًا أن الخبراء باشروا عملهم لنحو عام، إلا أن التقرير الذي قدموه إلى المحكمة جاء غير مكتمل، إذ لم يُنفذ بدقة ما طلبته المحكمة من إجراءات فنية، ما دفع المحكمة إلى إعادته مرة أخرى إلى الخبراء لإعداد تقرير جديد أكثر وضوحًا وتفصيلًا حول أوضاع العقارات والإجراءات القانونية التي تمت.
ويكشف عدلي، عن أن القرار الذي استندت إليه الإزالات في نزلة السمان لم يُنشر في الجريدة الرسمية أو في أي وسيلة رسمية أخرى، مشيرًا إلى أن المركز اضطر إلى اللجوء للمحكمة للحصول على نسخة منه، لافتًا إلى أن الإزالات التي تمت في عام 2021 شملت أجزاء من المنطقة، وأنها كانت تتم بشكل مفاجئ دون إخطار مسبق أو تحديد واضح للتعويضات، ما أثار اعتراضات واسعة بين الأهالي ودفعهم إلى التجمهر ومنع تنفيذ بعض الإزالات حتى التوصل إلى تفاهم مع السلطات.
يقول، في حديثه معنا: “الحكومة عرضت على بعض المتضررين شققًا بديلة في مدينة حدائق أكتوبر بنظام حق الانتفاع مقابل إيجار شهري يبلغ 250 جنيهًا، وهو ما رفضه كثير من السكان لأنهم كانوا من الملاك وتحولوا بموجب هذا النظام إلى مستأجرين، ما يجعلهم مهددين بفقدان مساكنهم في أي وقت”.
وبيّن مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن النزاع القانوني يدور بين فئتين من السكان: فئة من الملاك الذين يمتلكون عقودًا رسمية أو أوراق ملكية مثبتة، وهؤلاء يرفضون قرارات الإزالة لأنها تمس ممتلكاتهم الخاصة، وفئة أخرى من واضعي اليد الذين يقيمون في مناطق غير آمنة أو آيلة للسقوط مثل “سن العجوز”، وهي مناطق كانت الدولة تخطط لإخلائها على أي حال، مشيرًا إلى أن الخسائر في بعض أجزاء نزلة السمان كانت كبيرة، إذ تضم المنطقة منشآت فندقية صغيرة وفيلات وأماكن مخصصة لاستقبال السياح.
ويرى عدلي أن المشكلة الجوهرية تتمثل في غياب الشفافية والإجراءات القانونية الصحيحة، مشيرًا إلى أن التطوير العمراني يجب أن يراعي حقوق السكان ويحترم القانون، لا أن يتم بقرارات مفاجئة أو دون نشر رسمي أو تعويض عادل.
نوصي للقراءة: التطوير مقابل الإزالة: كيف ضحت الحكومة بمواطنيها من أجل الطرق؟

القيمة الاقتصادية والتاريخية للمنطقة
من ناحية أخرى يرى الدكتور عباس الزعفراني، العميد السابق لكلية التخطيط الإقليمي والعمراني بجامعة القاهرة، وأستاذ الاستدامة البيئية في العمارة والتخطيط العمراني، أن مسألة تطوير منطقة الأهرامات لا تحتمل إجابة واحدة أو رؤية مطلقة، بل يمكن تناولها من أكثر من مدخل؛ إذ أن السماح بنمو المنطقة على مدار السنين بشكل عشوائي كان خطأً تاريخيًا ما كان يجب أن يحدث، مشيرًا إلى أن الصور القديمة من ثلاثينيات القرن الماضي تُظهر أن المنطقة كانت في الأصل حقولًا زراعية تغمرها مياه الفيضان، وكانت المراكب تبحر تحت هضبة الأهرامات في مشهد بديع، ولكن مع إنشاء شارع الهرم الذي مر وسط الحقول، بدأت القرى القديمة مثل نزلة السمان في التوسع تدريجيًا لتتحول إلى تجمعات غير مخططة، ونما ارتباطها بمنطقة الأهرامات لاعتماد سكانها على النشاط السياحي كمصدر رئيسي للرزق.
ويعتبر الزعفراني أن الوضع الراهن يفرض التعامل مع حقوق مكتسبة للسكان بعد عقود من الإقامة، إذ أصبح لهم حق واقعي فيما يمكن تسميته بـ”وضع اليد” أو “الأمر الواقع”، لكنه يؤكد أنه في حال كانت هناك ضرورة لإخراج السكان من بعض المناطق، فيجب أن يحصلوا على تعويضات عادلة وكريمة، لأن نشاطهم الاقتصادي يرتبط بشكل وثيق بمنطقة الأهرامات، والأفضل في رأيه هو تطوير المنطقة مع بقائهم فيها.
يقول لـ “زاوية ثالثة”: “لهذه المناطق قيمة اقتصادية كبيرة لو جرى استغلالها بشكل منظم، فبعض السكان يؤجرون غرفًا وشققًا للسياح بأسعار محدودة، لكن يمكن للدولة أن تحقق استفادة أكبر من خلال تطوير المنطقة وإنشاء فنادق تطل على الأهرامات، تصل قيمة الإقامة في غرفها إلى نحو ألف دولار في الليلة، ما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني. وتعويض السكان في هذه الحالة ليس تفضّلًا بل حق، ويجب أن تكون التعويضات عادلة بل وأكثر من عادلة”.
ويؤكد العميد السابق لكلية التخطيط الإقليمي والعمراني، أن الإزالة الشاملة ليست الحل الأمثل؛ فالمناطق الملاصقة لهضبة الهرم يجب إزالتها لأسباب تتعلق بتأمين السياح وتسهيل الوصول إلى الموقع الأثري، بينما يُرجّح أن تحتوي المنطقة المجاورة لفندق مينا هاوس على معبد الوادي الخاص بهرم خوفو، الذي لم يُكتشف بعد، وهو ما يستدعي أعمال حفر أثرية قد تفرض الإزالة هناك.
كما يلفت إلى أن بعض المباني في نزلة السمان تعيق المحاور البصرية، خاصة في المنطقة الواقعة بين فندق مينا هاوس وترعة المنصورية عند نهاية شارع ترسا، الذي يُعد المحور الوحيد الذي يتيح رؤية الأهرامات من بدايته، مشيرًا إلى أن إزالة هذه المباني ستعيد فتح المشهد البصري للأهرامات وتتيح فرصًا لإنشاء مشروعات سياحية واقتصادية جديدة يستفيد منها الأهالي والدولة معًا.
ويوضح الزعفراني أن المنطق المهني للتخطيط العمراني يقتضي تنويع الحلول وعدم فرض نهج واحد على جميع الحالات، فهناك مناطق تستلزم الإزالة لأسباب أمنية أو أثرية ويجب تعويض أصحابها، ومناطق أخرى يمكن تطويرها اقتصاديًا بمشاركة السكان كمستفيدين وشركاء، وأخرى يمكن الإبقاء عليها كما هي لأنها لا تمثل ضررًا أو عائقًا.
ويضيف: “أن المنطقة خضعت منذ عام 2015 لدراسات مكثفة لتحديد أولويات الهدم والتطوير، وتم تنفيذ جزء من هذه الخطة في عام 2021 بإزالة بعض المناطق الملاصقة لهضبة الهرم وأجزاء يُعتقد أنها تضم معبد الوادي، إلا أنه لم يُعثر عليه حتى الآن”.
ويختتم الزعفراني حديثه معنا، بالتأكيد على أن النزاعات القضائية بين الأهالي والحكومة أمر طبيعي يحدث في كل الدول عند تنفيذ مشروعات كبرى، مشيرًا إلى أن المصلحة العامة تُقدَّم على المصلحة الخاصة، لكن بشرط تعويض المتضررين تعويضًا كريمًا يضمن تحسين أوضاعهم بعد التطوير لا تدهورها. وضرب مثالًا بمشروعات التوسعة في مكة المكرمة، حيث تكون التعويضات سخية بما يجعل المواطنين يرغبون في إدراج ممتلكاتهم ضمن خطط الإزالة، مؤكدًا أن تقدير التعويض العادل هو مفتاح تجنب النزاعات القضائية وضمان رضا السكان عن مشروعات التطوير.
وتعليقًا على القضية، يوضح يحيى شوكت، الباحث في سياسات الإسكان والعمران ومدير مرصد العمران، أن منطقة نزلة السمان تُعد منطقة تاريخية تأسست في القرن التاسع عشر على يد عمال جُلبوا من صعيد مصر بواسطة الأثريين آنذاك، لما عُرف عنهم من أمانة وحسن سمعة في أعمال التنقيب عن الآثار، ولكن مع تزايد أعداد الزوار، توسع نشاط أهالي النزلة لتلبية احتياجات السائحين من وسائل التنقل والمظلات والمشروبات وغيرها، ما جعل علاقتهم بمنطقة الأهرامات وثيقة تاريخيًا، الأمر الذي يستلزم أن يراعي أي مشروع لتطوير المنطقة احتياجات السكان ورؤيتهم المستقبلية.
ويشير مدير مرصد العمران إلى أن خريطة منطقة أهرامات الجيزة تزخر بالآثار المتنوعة، من أهرامات ومعابد ومدينة للعمال وحقول مقابر، وهي مواقع لا يمكن زيارتها في يوم واحد. لذلك، يجب تحقيق توازن بين أعمال إزالة بعض المنازل بغرض التنقيب عن آثار جديدة، وبين الحفاظ على ما هو قائم بالفعل.
يقول لـ “زاوية ثالثة”: “أن هناك تقنيات حديثة للبحث الأثري يمكن الاعتماد عليها دون الحاجة إلى عمليات إزالة واسعة، أو من خلال إزالات محدودة ومدروسة. كما لفت إلى أن افتتاح المدخل الجديد للمنطقة من جهة طريق الفيوم أسهم في تقليل الاعتماد على مدخل نزلة السمان، ما يخفف الضغط ويحافظ على طابع المنطقة”.
ويؤكد شوكت أن قانون نزع الملكية الحالي لا يتيح للسكان حق الطعن على قرارات المشروعات أو على تصنيفها كمشروعات ذات منفعة عامة، وهو ما قد يؤدي إلى تهجير بعض الأهالي وحرمانهم من فرص التطوير، في مقابل استفادة آخرين أو مستثمرين جدد، معتبرًا أن الأفضل هو التوصل إلى مشروع متكامل يحقق منفعة جماعية للسكان، ويعزز موقعهم الاقتصادي، مع الحفاظ في الوقت ذاته على القيمة الأثرية والتاريخية للمنطقة.
وفي ظل تبايُن الرؤى بين الأهالي والمسؤولين حول مشروع تطوير نزلة السمان، تبقى الحقيقة المؤكدة هي أن المنطقة تمثّل ركيزةً تاريخية وسياحية واجتماعية يصعب فصلها عن هوية الأهرامات نفسها، لكن أي خطة لتطويرها لن تُكتب لها الاستدامة ما لم تُراعِ حقوق السكان الذين عاشوا فيها جيلًا بعد جيل، وأسهموا في تشكيل ملامحها الثقافية والاقتصادية.
وبينما تواصل الحكومة الحديث عن تحويل نزلة السمان إلى مقصدٍ سياحي عالمي يليق بموقعها الفريد، لا يزال العديد من المتضرّرين ينتظرون تعويضاتهم أو بدائل سكنية عادلة تُنهي معاناتهم الممتدة منذ أكثر من ثلاث سنوات.
وحتى تُحسم القضية المنظورة أمام القضاء، يظلّ أمل الأهالي معلّقًا على أن يكون التطوير شراكةً حقيقية لا إقصاءً، وأن تتحقّق معادلة التنمية والعدالة معًا، في منطقةٍ لا تُعدّ مجرد موقع أثري، بل موطنًا لآلاف القصص والذكريات الممتدة عند سفح الأهرامات.