قبل أسابيع، فوجئت أسرة رحيم الراوي، المقيمة في عزبة الهجانة (مدينة الأمل حاليًا) بجوار سور كومباوند “جاردينيا”، بزيارة وفد من موظفي محافظة القاهرة لوضع علامات على منازل مجاورة، ضمن ما وصفوه بعملية “حصر” تمهيدًا لإزالات جديدة. أوضح الموظفون أنهم يرقمون البيوت ويجمعون بيانات عن السكان وملكية العقارات، دون تحديد قيمة التعويضات، مكتفين بالقول إنهم “ينفذون التعليمات” وأن التفاصيل لدى مسؤولي المحافظة.
أثار الأمر قلق السكان الذين استعادوا تجربة عام 2022، حين أزالت السلطات نحو 700 عقار لإنشاء محور “شينزو آبي” الرابط بين شارع مصطفى النحاس وطريق مصر-السويس، وعوّضت المتضررين بوحدات في مشروعات مثل “أهالينا” و”الأسمرات”. لاحقًا، أزيلت 232 عقارًا أخرى بجوار “مثلث جاردينيا” ضمن خطة تطوير “مدينة الأمل”، وعرض على أصحابها خيار شقة بديلة أو تعويض مالي قدره 5000 جنيه للمتر.
يقول رحيم لـ”زاوية ثالثة” إن معظم السكان فضّلوا الوحدات البديلة بعد وعود ببنائها في نفس الموقع، إلا أن أعمال الإنشاء استمرت أكثر من عامين، ليكتشفوا لاحقًا أن خيار التبديل ألغي، وأن التعويض المالي هو البديل الوحيد. ويضيف أن الشقق الجديدة، التي أقيمت مكان منازلهم في مشروع “كومباوند الأمل” المكون من عمارات من 12 طابقًا تنفذها شركة “كونتراك” للتنمية العمرانية، تُطرح للبيع بأسعار تتراوح بين 2.6 و3.5 مليون جنيه، بسعر يصل إلى 35 ألف جنيه للمتر، بينما الأراضي اشتُريت من السكان بسعر 5000 جنيه للمتر، ما يعني أن هذه الوحدات موجهة للبيع العام لا لتعويض الأهالي.
وتقع عزبة الهجانة بمدينة نصر في القاهرة، بين محور “شينزو آبي” وطريق السويس، وعلى مقربة من كمبوندات فاخرة مثل “جاردينيا”، تُعد واحدة من أكبر المناطق غير المخططة في العاصمة، وفي حين يعتقد السكان أن أعدادهم تتجاوز المليون نسمة؛ فإن الإحصائيات الرسمية كانت قد قدّرتها بنحو 39432 نسمة، ضمن التعداد العام للسكان في مصر لسنة 2006، الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ويُقدّر تعداد سكان شرق مدينة نصر ومن بينها “عزبة الهجانة”، بحوالي 685,361 نسمة وفقًا لإحصاءات عام 2024، مما يجعله من الأحياء الأعلى كثافة سكانية في القاهرة.
وتحمل المنطقة اليوم اسم “مدينة الأمل”، وهو مشروع إزالة وإعادة إعمار تنفذه محافظة القاهرة بالتعاون مع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وشركة “كونتراك” للتنمية العمرانية، إلا أن كثير من السكان يرونه أقرب إلى استثمار عقاري يهدف إلى الربح مستفيدًا من الموقع الإستراتيجي المحاط بالمحاور الرئيسية والمناطق السكنية الراقية، أكثر منه مشروعًا يحقق أمل السكان.
وكان الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في عام 2022، عن أطلق اسم رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، على طريق يربط منطقة مدينة نصر والطريق الدائري بطريق السويس، ويمتد المحور بطول 8 كم، ويمر داخل مدينة الأمل أو عزبة الهجانة سابقًا، بطول 2 كم، كما يمر على سوق السيارات، ويصل عرضه إلى 37 متراً، وتعلوه أربعة جسور جرى بناء جوانبها على الطراز الياباني، ونفذت محافظة القاهرة بالتعاون مع الهيئة الهندسية 4 كباري على مسار المحور بمدينة نصر.
فيما أعلن محافظ القاهرة،إبراهيم صابر، في يوليو 2024 أن مدينة الأمل الجديدة، المقرر إقامتها على مساحة 10 أفدنة، ستكون نموذجًا لتطوير المناطق غير المخططة؛ حيث سيتم إقامة 22 عقار سكني داخل المدينة يتوافر بها كافة الخدمات والمرافق، لتوفير حياة كريمة لهم ضمن خطة الدولة لتطوير المناطق غير المخططة، مشيرًا إلى التواصل مع المواطنين واستطلاع رأيهم، والتعرف على رغباتهم قبل أعمال الإزالة سواء الحصول على تعويضات مادية لمن يرغب، أو العودة للمنطقة بعد التطوير.
وطبقًا للمحافظ فإن أعمال الحصر لإقامة مدينة الأمل الجديدة في عزبة الهجانة سابقًا، تضمنت 232 عقارًا تشمل 1166 وحدة سكنية، و224 محلًا ومخزنًا، و23 قطعة أرض فضاء، وجرى تقدير سعر المتر السكني بـ5 آلاف جنيه، بينما الراغبين فى العودة يقدم لهم بدل إيجار نحو 30 ألف جنيه لحين انتهاء تنفيذ المشروع.
نوصي للقراءة: جرافات التنمية تقتحم حي الريسة في العريش

استثمار عقاري؟
منذ أربعين عامًا، انتقل محمد سامر إلى عزبة الهجانة، التي تُعرف اليوم بمدينة الأمل، للعيش مع عائلته في ظروف قاسية، إذ لم يكن يصل إلى البيوت كهرباء، أو مياه، فكان محمد يذاكر على ضوء “اللمبة الجاز”، ويقضي نهاره في حمل جراكن المياه من مسافة تتجاوز الكيلومتر، يتصبب عرقًا تحت شمس القاهرة الحارقة، ويعاني كغيره من سكان العزبة بسبب عدم توفر المواصلات، والتي كانت تنتهي عند محطة إيديال ألماظة من جهة، و«العاشر» من جهة أخرى.
مرت السنوات، وتغيرت ملامح المكان، من عشش وبيوت صغيرة إلى عمارات سكنية بها مرافق، لكن محمد بات يرى الآن بوضوح أن العزبة التي بناها أهلها بأيديهم، أصبحت هدفًا لمشروعات استثمار عقاري، تباع الوحدة السكنية منها بملايين الجنيهات، بينما باقوى بالفتيات إلى السكان الأصليين الذين ستطال الإزالات منازلهم.
يقول لـ “زاوية ثالثة”: “خمسة آلاف جنيه للمتر، لا تكفي لشراء حتى غرفة في منطقة شعبية، تُقدَّر شقتي بنحو 400 ألف جنيه، بينما تُسعَّر الشقة البديلة في مدينة الأمل بمليونين و400 ألف، على أن يسدد الفارق بالتقسيط طوال العمر، وتُسحب الشقة مني إذا عجزت عن الدفع.. هكذا ببساطة، أجد نفسي في الشارع”.
محمد لا يفهم كيف ستخرجه محافظة القاهرة، من بيت أفنى فيه عمره، وشارك أهله في بنائه من قوت يومهم، ليُقام مكانه مشروعًا تُباع وحداته بالملايين الجنيهات، غصّة تبدو في حلقه حين يقارن حال السكان، بحال من كانوا يسكنون عششًا تحت كابلات الضغط العالي، والذين حصلوا على شقق مجهزة ومفروشة بالأثاث والأجهزة الكهربائية فورًا، بينما أصحاب الشقق والعمارات في العزبة مهددون الآن بالطرد والتشرد.
«أغلبنا يعيش على الكفاف، بالكاد ندفع فواتير الكهرباء والماء، لا نستطيع شراء بيت جديد، ولا حتى دفع أقساط»، يشرح محمد، ويختتم حديثه معنا قائلاً: «أنا عن نفسي لن أخرج إلا إذا أعطوني ما يمكنني من شراء شقة مماثلة. نحن لن نغادر بيوتنا، فإما أن نموت فيها، أو نموت إذا تركناها».
وكانت مجموعة أخرى من الأسر القاطنة بالقرب من سور كومباوند “جاردينيا” في بمدينة الأمل، قد تفاجأت بقيام موظفي المحافظة بوضع علامات إزالة على منازلهم، ومن بينهم ياسمين حمدان، في مطلع أغسطس الجاري.
ولم يكشف الموظفون عن أية معلومات تخص مصير السكان أو التعويضات التي سيتم صرفها لهم، الأمر الذي أثار قلقهم وغضبهم، وحين أُشيع بينهم أن محافظ القاهرة سيأتي لزيارة المنطقة ليناقش الأمر معهم، فإنهم خرجوا إلى الشارع وتجمهروا، بحسب ما تحكي ياسمين لـ”زاوية ثالثة”.
ووفقًا للواء أحمد جودة، رئيس حي شرق مدينة نصر، فإن الإزالات في عزبة الهجانة أو مدينة الأمل شملت 232 عقارًا، يضم: 1166 وحدة سكنية، 224 محلًا ومخزنًا، و23 قطعة أرض فضاء، ومسجد واحد، وحتى يناير 2025، تمت إزالة 171 عقارًا إزالة كلية، بينما يجري إزالة 19 عقارًا جزئيًا، وإخلاء 11 عقارًا، وانتظار 31 عقارًا آخر للإزالة خلال الفترة القادمة، والإزالات تتركز خلف قسم شرطة ثالث مدينة نصر، على مساحة حوالي 10 أفدنة، بينما بلغ عدد المواطنين الذين حصلوا على تعويضات مالية، 1027 مواطنًا من السكان وأصحاب المحال التجارية، وتُقدّر التعويضات المادية، بنحو 5000 جنيه، للمتر السكني، بينما يبلغ سعر المتر للمحال التجارية 10000 جنيه، وسعر المتر للمخازن 7000 جنيه، وسعر المتر للأراضي الفضاء 8000 جنيه، وحتى يونيو 2024، تم صرف حوالي 162.6 مليون جنيه لـ477 حالة عبر البريد.
وبحسب محافظة القاهرة فإن الإزالات تهدف إلى تحويل عزبة الهجانة من منطقة غير مخططة، وصفتها بـ”العشوائية” إلى مدينة الأمل الحضارية، والتي ستتضمن إنشاء 22 برجًا سكنيًا، مجهزًا بالخدمات الأساسية (مياه، كهرباء، صرف صحي، شوارع مخططة، بالإضافة إلى توسعة محور شينزو آبي الشهير بـ”الوفاء والأمل”، لتحسين السيولة المرورية وتقليل الازدحام، وقد تمت إزالة 672 منزلًا (567 في المرحلة الأولى و105 في المرحلة الثانية) لتوسعة هذا المحور.
نوصي للقراءة: سكان العمرانية يواجهون قرارات إزالة دون إخطار رسمي أو بدائل سكنية

انتزاع القيمة السوقية للمناطق
من ناحيتها تعتبر الباحثة في السياسات العمرانية، هند الغزال، أن ما يجري من أعمال إزالات في عزبة الهجانة التي تحولت إلى “مدينة الأمل”، يعد امتدادًا لنهج الدولة في إخلاء مناطق قائمة منذ عقود ونقل سكانها إلى تجمعات سكنية بديلة في أطراف المدن، غالبًا، دون تحقيق عدالة مكانية أو سكنية، موضحة أن الدولة تبدو وكأنها تسير في مسار “تفريغ المدينة القديمة” وانتزاع قيمتها السوقية العالية، سواء من حيث الموقع أو الخدمات أو قيمة الأرض، والذي يجعلها مطمعًا للمستثمرين، مشيرة إلى أن هذا النمط من الإزاحات يعيد إنتاج فكرة “الجيتوهات”، حيث يُنقل السكان إلى مجمعات سكنية متباينة التركيب الاجتماعي، كما في مشروعات “أهالينا” و”المحروسة” و”حي الأسمرات”.
وتلفت الباحثة إلى أن السياسات الحالية لا توفر آلية عادلة وواضحة للتعويضات، وأن الخطاب الرسمي يشوبُه تضارب، مستشهدة بتصريحات سابقة لوزير النقل والصناعة، الفريق كامل الوزير، قال فيها إن السكان ليس لهم حق في التعويضات لأن الأرض مملوكة للدولة، رغم إقامتهم المستقرة التي يقرها القانون، مبينة أن صندوق تطوير العشوائيات، الذي أُنشئ عام 2008، كان يعتمد تصنيفات للمناطق (خطرة، تحتاج تحسين، غير مخططة) مع محاولات سابقة لتطوير بعض المناطق بإشراك السكان في العملية، مثلما حاولت الوزيرة ليلى إسكندر، لكن السياسات الحالية لا تتبع خطة شاملة، بل تتعامل مع كل حالة على حدة، مع توظيف وصف “عشوائيات” كسلاح لتبرير الإخلاء وإسقاط الحق في البقاء.
تقول لـ”زاوية ثالثة”: “إن مصطلح “تطوير العشوائيات” بات شديد الالتباس في ظل السياسات النيوليبرالية العسكرية، إذ لا يبدو أن الهدف هو خدمة السكان بقدر ما هو انتزاع القيمة السوقية للمناطق، إلى جانب بعد أمني يتعلق بتفريغ مناطق مركزية مثل: محيط ميدان التحرير لمنع أي تجمعات محتملة، كما أن نطاق استهداف الإزالات توسع ليشمل مناطق مخططة لم تكن تصنف كعشوائية، مثل ألماظة والسبتية، ويعد ذلك جزءًا من سياسات الاستثناء العمراني، التي ناقشتها في أطروحة رسالة الماجستير خاصتي”، وهي تقوم على تعطيل القوانين والتصنيفات العمرانية المتعارف عليها لتمرير مشروعات أو قرارات محددة، كبناء الكباري، بغض النظر عن الوضع القانوني أو الطبقة الاجتماعية للسكان، بحيث يصبح القرار في يد جهة واحدة بلا معايير واضحة”.
وترى الغزال أن تحقيق العدالة السكنية يتطلب التعامل مع كل حالة بخصوصية وإشراك الأهالي في عملية التطوير، بدلًا من الحلول النمطية القائمة على النقل القسري إلى الأطراف، مؤكدة أن ما يحدث حاليًا هو إعادة تشكيل لديموغرافية القاهرة ونقل الفقراء –وأحيانًا غير الفقراء– إلى الهامش.
بدوره اعتبر مصدر حقوقي مختص في سياسات الإسكان والعمران، – رفض ذكر اسمه -، في تصريحات لـ”زاوية ثالثة”، أن مشروع تطوير عزبة الهجانة، ما هو إلا تحسين واجهة لرفع قيمة مشروع الإسكان الاستثماري، الذي يتم إنشاؤه بجوارها، وأن ما يحدث ليس بمشروع تطوير؛ إذ أن تقييم المشروع يجب أن يبدأ برغبات السكان في التطوير؛ فبخلاف سكان عشش الكابلات الذين كانوا بالفعل يطالبون بإعادة تسكينهم لتدني جودة بيوتهم فإن سكان العزبة لم يطلبوا إعادة التسكين لكونهم يسكنون في بيوت خرسانية قاموا ببنائها بأنفسهم بشكل يلائم احتياجاتهم.
ويوضح المصدر أن العزبة تعاني منذ زمن من مشكلات تتمحور حول الخدمات العامة من مدارس ومستشفيات ومراكز للشباب والمرافق في بعض الأماكن، وكلها يمكن حلها بدون أية إزالات، مؤكدًا أن التعويضات عادة ما تكون غير عادلة لعدم مراعاة الحكومة للوضع القائم؛ فإذا تم توفير شقق بديلة تكون أصغر وإذا تم صرف تعويض مادي يكون أقل من سعر السوق ويعني ذلك إخلاء السكان إلى مكان آخر وبالتالي فإن هذا ليس بتطوير، متسائلًا: هل راعت الحكومة من قام بطلب تقنين أرضه حسب قانون وضع اليد الذي أقره مجلس النواب، أو طلب التصالح على مخالفة البناء؟، وإذا كانت الإجابة بنعم لماذا تسمح للبعض بالتقنين وتقوم بإزالة منازل آخرين وهم في نفس الوضع؟.
نوصي للقراءة: التطوير مقابل الإزالة: كيف ضّحت الحكومة بمواطنيها من أجل الطرق؟

الحق في السكن
ينتقد المحامي الحقوقي، مالك عدلي، رئيس المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، سياسات الحكومة في التعامل مع عمليات الإزالة والتطوير بالمناطق غير المخططة التي تصفها بالعشوائية، مؤكدًا أن الحكومة تُظهر إشكالية جوهرية في احترام الملكية الخاصة والحيازات القانونية المستقرة، وهذه الممارسات تمثل مساسًا بحق المواطنين في السكن والأمن الاجتماعي، وهو أحد عناصر الأمن القومي؛ إذ أن إشعار المواطن بعدم الأمان حتى وهو في منزله يضر بالاستقرار الاجتماعي.
ولا يفصل عدلي بين تلك الممارسات وبين التدخل التشريعي لإلغاء عقود قانونية قائمة، كما حدث في قانون الإيجار القديم، الذي يخالف مبدأ “العقد شريعة المتعاقدين” المنصوص عليه في القانون المدني والدستور، مما يعكس نهجًا حكوميًا مستمرًا في تقييد الحق في السكن، على غرار ما حدث في قضايا جزيرة الوراق، نزلة السمان، مساكن ألماظة، رفح، الشيخ زويد، ومناطق الإزالات المرتبطة بامتداد المحاور، وحاليًا مدينة الأمل.
وفيما يخص التعويضات، يقول لـ”زاوية ثالثة”: “قانون نزع الملكية رقم 10 لسنة 1991 ينص على تقدير قيمة العقارات بسعر السوق وقت صدور قرار النزع، مع إيداع المبلغ في البنك بفوائده حتى استلامه، لكنه تساءل عن مفهوم “المنفعة العامة” الذي تتبناه الحكومة حاليًا، ولا يجوز اعتبار إخلاء الفقراء من مناطق ذات قيمة مرتفعة لبناء مشروعات استثمارية للأثرياء منفعة عامة، بينما المفهوم الصحيح يرتبط بمشروعات البنية التحتية والدفاع والأمن القومي، لا بإحلال سكان المناطق الشعبية لصالح مشاريع عقارية فاخرة”.
ويوضح المحامي الحقوقي أن الحيازات القانونية المستقرة تشمل قرارات التخصيص وأراضي طرح النهر، أما “وضع اليد” على أملاك الدولة فلا يكتسب الملكية، لكنه دعا إلى إعادة النظر في تعريفه، لافتًا إلى أن المصلحة العامة قد تقتضي الإبقاء على السكان الذين عمروا الأرض لعقود بدلًا من طردهم بعد ارتفاع قيمتها، منتقدًا المنطق السائد في التعامل مع “أراضي الدولة”، والتي هي بالأساس ملكًا لجميع المواطنين وليست ملكًا للمسؤولين، ودور الدولة هو إدارتها لصالح الشعب، لا أن تقوم بتحويلها إلى أداة للربح على حساب السكان.
بدوره يؤكد مدحت الزاهد، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي ورئيس الحركة المدنية الديمقراطية، على أهمية ضمان الحق في السكن، مشددًا على أن أي مشروع للتطوير يجب ألا ينال من هذا الحق أو يضر بمصالح السكان المرتبطة بمناطقهم، مشددًا على أن دور الدولة لا يقتصر على فرض الرسوم وإنشاء الكباري، بل يبدأ بضمان الحقوق الجوهرية للمواطنين في السكن والتعليم والصحة والغذاء والعمل، وتكافؤ الفرص في الخدمات العامة، بما يضمن مستوى معيشة لائق بعيدًا عن خط الفقر.
يقول لـ”زاوية ثالثة”: “إن الكتل السكانية في مناطق مثل عزبة الهجانة ترتبط بالمكان من حيث الورش والمدارس وأماكن العمل، وأن نقل هذه الكتل مسألة شديدة الحساسية تتطلب دراسة شاملة، إذ أن من الضروري الحفاظ على نمط حياة السكان أو توفير سكن بديل لائق في نفس المنطقة، كأن يتم مثلّا إنشاء أبراج سكنية في مساحات محدودة تستوعب سكان شارع بأكمله بدلًا من الإخلاء”.
وينتقد الزاهد تقدير سعر المتر في عزبة الهجانة بـ 5000 جنيه، معتبرًا أنه أقل بكثير من القيمة السوقية ولا يكفي لتمكين الأهالي من الحصول على سكن بديل، مؤكدًا أن هذا التعويض غير منصف ويتعارض مع العدالة السكنية، داعيًا الحكومة إلى لعب دور مباشر في حل الأزمة، مستشهدًا بوجود مئات الآلاف من الوحدات السكنية المغلقة التي تحولت إلى كتل أسمنتية، وبأن أسعار الوحدات المطروحة عبر الهيئات المختلفة تفوق قدرة غالبية المصريين.
ويؤكد رئيس الحركة أن الحلول يجب أن تقوم على المشاركة المجتمعية الواسعة وأخذ تقديرات أصحاب المصلحة في الاعتبار، بدلًا من تحركات البيروقراطية المركزية المنفردة التي تؤدي إلى تفجر الأزمات، منتقدًا تعطيل المجالس المحلية منذ عقود، موضحًا أنها كانت الأساس في معالجة المشكلات المحلية بحكم قربها من المواطنين، داعيًا إلى إشراك الجمعيات الأهلية وروابط السكان في محاولة للوصول إلى حلول بالتراضي، تضمن عدم تضرر الأهالي وتجنب القرارات الإدارية الفوقية التي لا تراعي مصالحهم.
نوصي للقراءة: رغم التكلفة العالية… لماذا أخفقت المدن العمرانية الجديدة في جذب السكان؟

الإزالات على امتداد المحور
من ناحيته نفى النائب عمرو السنباطي، عضو مجلس النواب عن دائرة مدينة نصر، في تصريح إلى “زاوية ثالثة” حدوث أي تجمهر من أهالي عزبة الهجانة (مدينة الأمل) خلال الأيام الماضية، لرفض الإزالات، موضحًا أن ما جرى هو تواصل بعض الأهالي معه بشكل فردي أثناء وجوده خارج البلاد، وأنه سيتابع الأمر معهم فور عودته.
ويؤكد السنباطي أن المطالب الأساسية للأهالي تتركز في زيادة قيمة التعويضات، مشيرًا إلى أن الدولة توفر دائمًا خيارين للمتضررين من الإزالات: التعويض المادي أو الحصول على مسكن بديل في مشروعات الإسكان الاجتماعي، وهو ما تم تطبيقه في مناطق أخرى سابقًا.
ويوضح النائب البرلماني أن الإزالات الجارية في عزبة الهجانة تقتصر على نطاق محدود يخص امتداد محور “شينزو آبي”، ولا تشمل باقي أرجاء المنطقة، مطمئنًا السكان بأن الأوضاع مستقرة، وأنه حريص على نقل رسائل التطمين إليهم، مؤكدًا أن حالة الهدوء والرضا ستزداد مع استمرار التواصل بينه وبين الأهالي.
وفي الوقت الذي تؤكد فيه السلطات أن ما يجري في عزبة الهجانة هو عملية تطوير تهدف لتوفير حياة كريمة للسكان، الذين سيتم تعويضهم عن إزالة منازلهم؛ فإن حقوقيون يعتبرونها إخلاءً قسريًا مقنّعًا، متهمين الحكومة بالاستيلاء على أراضٍ بأسعار منخفضة، وتحولها بالشراكة مع شركات استثمار عقاري، إلى مشروعات سكنية مرتفعة الأسعار لا يستطيع السكان الأصليون العودة إليها، في نمط متكرر من الإخلاء الطبقي تحت شعار التطوير.
فيما يؤكد مختصون أن الحق في السكن لا يقتصر على توفير جدران وسقف، بل يشمل الحق في البقاء في المكان الذي بُنيت فيه الحياة والمجتمع، ويشددون على أن التنمية الحقيقية يجب أن تضمن بقاء السكان في مناطقهم بعد تطويرها، ووقف أي مشروع لا يضمن عودتهم الفعلية؛ فـ”مدينة الأمل” – برأيهم – لا ينبغي أن تُقام على أنقاض أحلام أسر قضت عقودًا في بناء بيوت فوق أرض، تراها الدولة موردًا استثماريًا.