in English

بقلم موسى الشديدي
العمل الفني: ياسمين دياز (استخدمت صور من الثورة العراقية)



في منتصف شهر يناير ظهر علينا علي الحسيني الناطق باسم الحشد الشعبي وهو جزء من القوات المسلحة العراقية، بفيديو يرتدي فيه بزته العسكرية يهدد فيه المعتصمين والمعتصمات في الثورة العراقية المشتعلة منذ الأول من أكتوبر 2019 ويتهمهم بالمثلية الجنسية والدعارة، وقبله عزت الشابندر عضو البرلمان العراقي السابق، الذي قال في تسجيل مكالمة مسربة له عن المعتصمين والمعتصمات في المطعم التركي المطل على ساحة التحرير وسط بغداد بأنهم “قطاع الطرق والسفلة” وبأن الكل يعرف أنهم “لواطة، والمخدرات والكحول والزنا ليل نهار”، وهذه ليست المرة الأولى، فكيف استخدمت الطبقة السياسية العراقية الحاكمة الجنس كجزء من خطابها المعادي للثورة؟ وما رد الثوار والثائرات على هذه التهم؟ وهل تمكنت ساحات الثورة حقا من استيعاب أفراد بتوجهات جنسية متنوعة ومشاركة لكافة شرائح المجتمع على اختلافها بالرغم من خطاب السلطة هذا؟

هذه المقالة توثق تواجد طيف متنوع من أفراد بتوجهات جنسية متنوعة في ساحات الثورة العراقية، والتهم الجنسية التي توجهها الطبقة السياسية ضد هذه الساحات، ورد بعض هؤلاء الأفراد على هذه التهم.

الثائرة
ليان* طالبة طب أسنان مثلية، لم تخرج في الثورة إلى الشارع لأنها ببساطة لم تكن ترى الأمل في المجتمع العراقي ولم تكن مهتمة بالشأن السياسي العراقي كالكثير من العراقيين والعراقيات، حتى أنها كانت تخطط مستقبلها بعيدا عن العراق لأنها لم ترى مستقبلا فيه، لكن بعد مرور الأيام الأولى من شهر أكتوبر 2019 شاهدت شبابا مثلها في الساحات “شباب بعمري ويحبون الحرية ويريدون يعيشون بسلام، هالشي خلاني أحس بانتماء إلهم، لأول مرة بحياتي حسيت بالأمان بنص هالناس، وصرت منهم ومستعدة أضحي بروحي علمودهم، لأن كلنا صرنا سوة، ردت حريتي وية حريتهم، ردت المجتمع اللي شفته بالتحرير يكبر ويصير واقعنا كلنا”، وحينها قررت أنها ستبقى وتساهم في بناء الوطن الذي تريده وتغيير الواقع مع الثوار والثائرات في الساحة، “مو سهل أكيد بس كلشي له بداية ولازم تصير هسة، إذا مو احنا نبدي منو لعد؟” ليان* كانت تتحدث عن مشاعر أنا اختبرتها أيضا في الأسابيع الأولى للثورة مع أنني خارج البلاد، وربما هذا أعظم ما قدمته الثورة لنا، لقد أعادت صياغة هويتنا.

كانت ليان* مستغربة بشدة حيال التضامن العميق الذي ظهر في الساحة الذي وصل حد التضحية بالنفس “مرة تقدمت للمنطقة الخطرة بالقرب من جسر الجمهورية (حيث تسقط قنابل الأجهزة الأمنية الدخانية على رؤوس الثوار وتقتلهم إلى جانب الرصاص الحي) تقدم باتجاهي رجال مبين ببداية التلاثينات نهاية العشرينات شكله بسيط، نزع خوذته وانطانياها وقال لي: هاي الج، ديري بالج على نفسج. رديت عليه: بس أني مباقية هنا، بس هو خلاها بيدي وراح”. لقد منحها الشيء الوحيد الذي يحمي به نفسه من الموت.

ذهبت مرات عديدة مع حبيبتها إلى الساحة، وحدثتني عن المثليين المتواجدين هناك، وعن شجاعتهم في مواجهة الخطر في مناطق الاشتباك مع القوات الأمنية، فهي لا ترى بأن تواجد المثليين كفيل باضعاف الثورة حيث تراهم “طالعين كعراقيين قبل ما هم مثليين، حتى اللي بالساحة من يشوف هالشي يكول أني معلية مثلي أو لا، المهم حامل دم الشهيد بعينة، هذا أقدس من أي شي وأهم من أي شي، هالشي ديقويها للثورة، وبالعكس هالشي يبين هواية أمور مهمة، رغم اختلاف المثلي ورغم خوفه من عدم تقبله بالساحة هو نسى خوفه الشخصي، وطلع للساحة من أجل قضية أكبر”.١


“المسعفة نور في ساحة التحرير”


المسعفة

نور مسعفة لا جنسية٢ تبلغ الـ 23 عاما من ساحة التحرير في بغداد، سبق أن تطوعت في الجيش العراقي خلال عمليات تحرير البلاد من داعش، تابعت ما حدث في بداية أكتوبر 2019 بحزن حيث استخدمت الحكومة العراقية العنف المفرط ضد تظاهرات الشباب السلمية وسقط فيها ما يزيد على المئة شهيد في أقل من أسبوع واحد فقط، خرجت نور مع تجديد التظاهرات في يوم 25 من ذات الشهر التي سرعان ما تحولت إلى ثورة أكتوبر قالت لي “قررت أروح يوم 22 قبل الثورة حتى نحضرلها، نبلغ أصدقائنا حتى يشاركون، وكل شخص يجيب إسعافات أولية ونتجمع بمكان” تحدثنا أنا ونور عن التواجد النسائي فوصفته لي بأنه “غير متوقع وصدمة للمجتمع، خصوصا التواجد بخطوط أمامية وبنص الليل” وهذا ما استفز الحكومة بشكل كبير منعكسا في حملة الخطف الممنهج الذي تعرضت له المسعفات في ساحة التحرير وأخبرتني “البارحة رفعت الحكومة دعوة قضائية على منظمة حرية المرأة العراقية التي تحمي النساء المعنفات ولها دور في إيواء النساء” بحسب وسائل الإعلام ما دفع أمانة مجلس الوزراء لرفع هذه الدعوى هو أن المنظمة تقف عائقا أمام العشائر التي تريد قتل بناتها بدافع “الشرف”، أي أن الحكومة مستفيدة من قتل العشائر للنساء وخصوصا الثائرات منهن.


وحدثتني عن صديقتها المثلية الثائرة التي تعرضت لتهديد بالقتل من قبل أتباع إحدى المليشيات الموالية لإيران بحجة أنها “تتشبه بالرجال” ما أدى إلى هربها خارج البلاد، أما عن تواجد المثليين في الساحة قالت لي هناك الكثير منهم، ولم يتعرض أحد منهم للمضايقات داخل الساحة، وبأن “المضايقات اجت من الأحزاب ومليشياتها حصرا” ربما بهذا انكشف القناع عن من قتل أبناء الشعب العراقي بتهمة “المثلية الجنسية” طوال ال 16 سنة الماضية، أما عن التهم الجنسية التي توجهها الطبقة السياسية الحاكمة الموالية لإيران ضد الثوار والثائرات علقت نور قائلة “لأنهم مكبوتين جنسيا وكل تفكيرهم بالجنس، الجنس حق طبيعي، وجميع هذه المحاولات لتشتيت الثورة فاشلة لأن المطالب واضحة وماكو تراجع نهائيا، وحتى المثليين تواجدهم مصدر قوة للثورة”.. ٣

 

الجريح
هيثم* طالب معهد طبي مثلي، يبلغ الـ 20 عاماخرج مع أصدقائه للتظاهر يوم 25 أكتوبر حيث كانت “الاجواء حلوة كلنا يد وحدة، المثليين موجودين بس محد يفصح عن مثليته، هواية ولد ناعمين موجودين بساحات التظاهر محد أذاهم بالعكس، الكل مرحب بيه بالتظاهرات” عندما سألته عن المشاهد التي لن ينساها في الثورة قال لي “مستحيل أنسى مشهد القنبلة الدخانية اللي صابت شخص كدامي وقتلته، بنفس الوقت صابتني دخانية برجلي ونقلوني للمستشفى بعد ما فقدت الوعي” وطمئننا بأن صحته جيدة وقت الحوار.٤

من أهم إنجازات الثورة أنها ألغت الفوارق الطبقية والطائفية والجندرية والجنسية، فالغني والفقير فيها سواء والسني والشيعي يهتفان جنبا إلى جنب، والنساء مع الرجال، ولا حادث تحرش جنسي واحد على طول التظاهرات بحسب المفوضية العراقية العليا لحقوق الإنسان على الرغم من مشاركة الآف النساء، ولم يتعرض أي رجل أنثوي لعنف  في الساحات، وهو ما أزعج السلطة وجعلها تفقد أعصابها مستخدمة كل وسائل القمع الممكنة من رشهم بالماء المغلي للضرب والاعتقال والخطف والتهديد والتعذيب والرصاص الحي والغازات السامة ورمي قنابل الغاز المسيل للدموع (منتهية الصلاحية) بشكل قاتل مستهدفين رؤوس المتظاهرين وغيرها، وبعد أن فشلت كل هذه الطرق في إخماد الثورة استخدمت السلطة أسلوب التهم الجنسية، وهذا إن دل على شيء فيدل على إفلاسها.

خلفية تاريخية
أن أسلوب اتهام الحكومات لمعارضيها السياسيين بالتهم الجنسية عموما والمثلية الجنسية تحديدا ليس بجديد، فلو عدنا إلى رواية القوقعة للكاتب السوري مصطفى خليفة التي يوثق فيها ما شاهده في سجن تدمر بعد اعتقاله على يد النظام السوري البعثي، يروي لنا قصة اتهام الشرطة لسجناء الإخوان المسلمين المعارضين للنظام “بالشذوذ الجنسي” حيث يكتب “أنا شبه متأكد أن كل ما يقوله عناصر الشرطة أو يشيعونه بأنهم يمارسون الشذوذ الجنسي هو محض افتراء أو كذب. حتى على المستوى الواقعي هذا مستحيل.”٥ ويال السخرية بعد خمس سنوات من نشر الرواية ظهر الإعلامي والسياسي المصري توفيق عكاشة المؤيد للنظام العسكري في مصر على شاشات التلفاز وردد ذات التهمة عن الإخوان في السجون المصرية وبأن لهم علاقات جنسية “غير طبيعية” داخل السجون.

ونقل لنا الروائي والصحفي المصري سعد القرش شهادة أحد بلطجية السلطة الذي هاجم ثوار مصر في 2011 بما يعرف بموقعة الجمل قال بأن رجالا كبارا في الحزب “الوطني” حرضوهم على الإغارة، لتطهير ميدان التحرير من “شباب مدمنين يدخنون الحشيش”، ويمارسون “الجنس الجماعي والشذوذ”، واستمر استخدام هذا الأسلوب حتى اتهم الصحفي اللبناني جوزيف أبو فضل الثورة اللبنانية أو ما أسماه بالحراك بأنه يهدف إلى “السماح للواط وتغيير الجنس” وكذلك تقنين زواج المثليين في لبنان، أما المخرج شربل خليل فقد اتهم هو الأخر الحراك بأنه يسعى إلى تقنين المثلية الجنسية في لبنان كذلك في نهاية عام 2019.

إن الأنظمة العربية تستثمر في عداء الممارسات المثلية الجنسية سياسيا منذ سنوات، فهو أحد أهم أدوات هذه الأنظمة في مواجهة أعدائها والأكثر استخداما، ما يقترح أن الناطق باسم الحشد الشعبي لم يأتي بجديد بل كان كالببغاء الذي يردد ما قيل من قبل، حيث ظهر وزير الداخلية الجزائري صلاح الدين دحمون قبلها بشهر تقريبا واصفا ثوار الجزائر “بالشواذ والمثليين”، فتقسيم الشعب إلى سنة وشيعة أغنياء وفقراء رجال ونساء مثليين وغيريين وخلق نزاعات بين بعضهم البعض يرسخ هيمنة السلطة الحاكمة في النهاية ويعمل لمصلحتها، فهل نجحت هذه السلطة في ذلك؟

الصورة من سريع محمد القاسم عند قطع المتظاهرين له، مكتوب على الأرض، “اللاجنسيين/ات في كل مكان”.


المخطوف
وأهمية التهم الجنسية في العادة أنها تقلل من عدد المعتصمين والثوار وهكذا أصدر مقتدى الصدر في 8 فبراير بيانا من بين ما جاء فيه منع الاختلاط بين الجنسين في ساحات الاعتصام وكأنه القائد الرسمي للثورة، ما استفز المعتصمين والمعتصمات بشكل خاص فبالنسبة لهن كان البيان  وكأنه دعوة لهن بمغادرة الساحات، على الرغم من أن خيم الزيارة الأربعينية أحدى أهم شعائر الشيعة المقدسة في الكثير من الأحيان تكون مختلطة، والبرلمان الذي للصدر نواب فيه مختلط أيضا، ما دفعهن لتنظيم مسيرة نسوية مليونية يوم الخميس 13/2/2020 رفعت شعارات مثل “فصل الدين عن الدولة أفضل بكثير من فصل الذكور عن الإناث” و”العمائم لا تمثلنا” و”أعظم شعائر الله الحج مختلط، وأن لم تكن زينب مع الحسين من كان سيقود معركة الإصلاح من بعده؟ بينا تكمل الثورة” وصور لشهيدات الثورة، وفي الوقت ذاته انطلاق حملة ساخرة صور فيها الثوار الذكور نفسهم يرتدون الحجاب امتثالا لأمر “ئلسيد”.

في هذا اليوم كان عبد الله* في الشارع الذي يصل بين ساحة الخلاني منطقة اشتباكات الثوار مع القوات الأمنية وبين ساحة التحرير حيث يعتصم الثوار منذ شهر أكتوبر الماضي، محاولا إسعاف الجرحى وجد شخصا عائدا باتجاه التحرير ورأسه ملطخ بالدماء، “رحت عليه انطيه معقم يود، بهالاثناء طلعولنا اثنين من قوات مكافحة الشغب ضربني أحدهم على رأسي فوقعت عالأرض، حاولت أقوم لكن زميله ضربني لأقع مجددا، اجتمع علية بين 10-15 واحد وسحلوني لساحة الخلاني” أراني عبد الله الخدوش والأجزاء المتسلخة من جسمه بسبب السحل، اتهموه بأنه قام برمي الحجارة والمولوتوف عليهم، محاولين تلفيق تهم رفض الاعتراف بها، فضربوه بالعصي والجزم وانهالت عليه اللكمات والكفوف وهو معصوب العينين، بقي مخطوفا عندهم منذ ال12 ظهرا حتى ال 11 ليلا.

عبد الله* البالغ من العمر 18 عاما تواجد في ساحة التظاهرات منذ يوم 27 أكتوبر وزع المناديل الورقية على المتأثرين بالغاز المسيل للدموع، ثم تحول إلى رش الخميرة والبيبسي للتقليل من مفعول الغاز، انتقل إلى الساتر الثاني على جسر الجمهورية الفاصل بين الثوار والمنطقة الخضراء حيث تتحصن الطبقة السياسية هناك، ثم منعه الثوار من التواجد في خط الصد لأنه طالب وقد انكشف أمره بسبب ثياب المدرسة التي كان يرتديها، عاد تحت نصب الحرية للتظاهر، وتحول إلى مطاردة القنابل الدخانية التي تسقط هناك ببطانية حتى لا ينتشر الدخان منها، وهناك شهد استشهاد رمز الثورة صفاء السراي حيث قال لي عنه “هذه اللحظة مستحيل أنساها”.

طلبوا منه الاعتراف بأنه قد تعرض للاغتصاب من قبل الثوار في ساحة التحرير، “كلما كنت أنفي كلما كان يزداد الضرب والعنف اللفظي، “سألني أنت فرخ؟٦ كم مرة نايـ*يك؟ يقصد المتظاهرين” وفي هذه الأثناء كان يشتم أمه وأخته، ثم وبعد تفتيش هاتفه المحمول اتهموه بممارسة الجنس مع إحدى الثائرات التي كان يجمعه بها صورة موجودة في هاتفه، وطلبوا منه الاعتراف بأن هذه الفتاة تمارس الجنس الجماعي في خيم الاعتصامات، في النهاية استسلم وأخبرهم بأنه لا جنسي وبأنه لا يمارس الجنس مع أحد لا رجال ولا نساء، فرد من كان يحقق معه “يعني مخصي؟”٧ على الرغم من تأكيد المرجعية الدينية على ضرورة حماية القوات الأمنية للمتظاهرين، فلأي دين تنتمي هذه القوات؟ وما حكم هؤلاء شرعا من وجهة نظر المرجعية؟

أن يتم خطف المسعفين بهذا الشكل غير القانوني بالكامل وأن تمارس الجهات الأمنية الحكومية التعذيب بهذا الشكل وأن يتمحور التحقيق غير الرسمي إلى هذا الحد حول الجنس لهو في الحقيقة دليل على الإفلاس التام لهذا الجهاز، هم يبحثون عن أي اعتراف قد يساعد الطبقة السياسية على التقليل من شرعية الثورة أو تضامن الشعب معها.


الصدري
هذا حدث نفس اليوم الذي أصدر فيه مقتدى الصدر الزعيم الديني السياسي (الشهير بتأسيس أول مليشيا طائفية مسلحة في تاريخ العراق) بيانا ثانيا يعترض فيه على “الانحلال الاخلاقي” في ساحات الثورة متهما بعض الثوار “بالشذوذ الجنسي والمثلية” وأطلق عليهم تسمية “الشرذمة الشاذين من دواعش التمدن والتحرر”، على الرغم من أنه كان قد أصدر فتوى في عام 2016 دافع فيها عن المثليين وأمر بعدم الاعتداء عليهم، وهللت له المنظمات الحقوقية الدولية حينها، حرق أتباعه علم القوس قزح في بغداد في ذات اليوم بالقرب من نصب الحرية في ساحة التحرير.

كنت قد أجريت حوارا في بداية الثورة مع شخص مزدوج الميل الجنسي٨
منتمي للتيار الصدري اسمه حسين* من محافظة النجف جنوب العراق، يبلغ من العمر 22 عاما، قال لي “سيد مقتدى من أول ما قال مظاهرات لأجل الوطن بـ2017 طلعت بساحة التحرير ببغداد” أما ما يخص ممارساته الجنسية فقال لي “لو الحكومة بيها حظ أوضاعنا جان صارت أحسن حتى من الخارج، خيراتنا مو شوية، كان تحسنت حياتنا من كل جوانبها” أخبرني عن أكثر مشهد أثر به ولا يمكن نسيانه بالنسبة له “من رفع المتظاهرين صورة الإمام علي بوجه الشغب في النجف، كان شي رهيب ووصل المتظاهرين لمجلس المحافظة في نفس اليوم، وبعدنه مخيمين عنده” أما بخصوص الهتاف الذي لا يمكن أن ينساه كان “شورطك ويانة أهل النجف دفانة” بمعنى (كيف لك أن تقع بمشلكة معنا؟ ألا تعلم أن أهل النجف يدفنون أعدائهم؟).٩

عدت وتحدثت معه بعد كل التغيرات التي جرت على علاقة الصدر بالثورة، قال لي بأنه ما يزال مؤيد للثورة ويرى بأن “الصدر يحاول انقاذها، من الفساد الذي ينتشر فيها والخمر والعربدة، واحد ثقة قال لي عثرنا على طفل مغتصبيه في الساحة”١٠ وهذا قريب جدا من الاعتراف الذي حاول أفراد الأجهزة الأمنية إجبار عبد الله بالتعذيب على الاعتراف به، فهل كان هذا مجرد مصادفة، وهل يعقل أن يكون نفس الشخص الذي عذب عبد الله كان قد أخبر حسين بهذه القصة؟ ولكن الأهم أن حسين ما يزال يؤمن بأن الثورة عراقية وبأنه مناصر لها.

فلا يجب علينا أن نتوقع من ذوي وذوات التوجهات الجنسية المتنوعة (كالمثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي واللاجنسيين واللاجنسيات) تبني وجهة نظر سياسية واحدة، فمنهم من هم داخل الطبقة السياسية الفاسدة ومنهم من يقتل ويخطف ويعذب الثوار والثائرات بين صفوف المليشيات والأجهزة الأمنية، ومنهم من استشهد وضحى بحياته في سبيل العراق، أما مقتدى الصدر الذي انتقد تواجدهم في ساحات الاعتصام فيوجد الكثيرين/ات منهم بين صفوف تياره، لكن الأهم هو ما حققه أبطال وبطلات ساحات الثورة بغض النظر عن كل اختلافاتهم/هن متحدين في وجه الفساد والطائفية، ذلك الذي عجزت الحكومة في ال 16 سنة الماضية عن فعله وقسمت الشعب إلى ألف شريحة ومذهب وجماعة وحزب.

*تم استبدال أسماء بعض الشخصيات في هذا المقال بأسماء مستعارة لضمان سلامتهم/هن وأمنهم/هن.