مصر...تضامناً مع المقموعين والمهمشين

654
لا مجال هنا للتوسع في تحليلات تفند ظروفًا مزرية – اقتصادية واجتماعية وسياسية – تمتهن كرامة الإنسان المصري؛ لذلك فإن وصفها في هذه الكلمات الموجزة تسبر أغوار هذه الأوضاع المضنية، وتوثيق آلام دامية يتعرض إليها أناس؛ قد يردم المآقي التي تذرف منها دموع المقموعين والمهمشين. فمن ناحية أولى نبشت حادثة أطفال بورسعيد – خلال الأيام الماضية – في جروح متقيحة تتعلق بوضع الطفل المصري؛ تعتبر هذه الحادثة بمثابة صفعة على وجه المجتمع – بمسؤوليه وأفراده – الذي كان يتعامى عن الانتهاكات التي يتعرض إليها الطفل المصري – أطفال لا مأوى لهم والأطفال الذين يتعرضون للاستغلال الاقتصادي دون مراعاة شروطه القانونية – فانتاب المجتمع نوبة مشاعرية أيقظت ضميره الذي كان في سبات عميق. فلم تفت ساعات حتى قامت الظروف والملابسات التي أحاطت بهذه الحادثة بالحيلولة؛ مما أدى إلى إطفاء جذوة التعاطف، ووضع مبررات تضع الضحية في قفص الاتهام، وتجعل الجاني – المجتمع – يمتطي منصة القاضي في المحكمة التي وضع أوزارها، فتناسى الجميع مرة أخرى أن هناك أطفالًا يتعرضون لجميع أنواع العنف سواء أكان عنفًا ماديًّا أو معنوّا منذ ردح من الزمن، وتتاجر بأعضاء المشردين منهم – الأطفال لا مأوى لهم – في ظل السبات الطويل للمجتمع الذي يضاهي سبات أهل الكهف. ومن ناحية ثانية بحلول ذكرى مجزرتي رابعة والنهضة؛ تفرض اللحظات المؤسفة نفسها عندما تملص الملايين من المصريين والمصريات من إنسانيتهم، ورقصوا واحتفلوا على جثث مواطنين ومواطنات مصريين آخرين، وخولوا للجاني الرئيسي الشرعية لتصفيتهم بنزولهم في الميادين في 26 يوليو(أيلول) بعد استجابتهم لشعارات شعبوية رددتها الأبواق الإعلامية للدولة العميقة، ولكن لا تثريب على من عاشوا تحت نير الاستبداد لسنوات طويلة – لأن الجهل وليد الاستبداد – بمقدر التثريب الذي يلاحق كل من دعم هاتين المجزرتين من الذين يطلقون على أنفسهم نخبًا سياسية وثقافية سيطرت على المشهد آنذاك. وتعيد ذكرى هذه الحادثة أيضًا الوضعية المؤسفة التي فرضت نفسها عنوة على من ينتمون إلى اليمين الديني – جماعة الإخوان المسلمين – الذين تعرضوا لقمع – للأسف – لم ينحصر في تعقب الأجهزة الأمنية لهم بل شارك فيه المجتمع – الجيران والأهل – مما أدى ذلك إلى فرارهم من ثنائية القمع التي تتمثل في تعقب الأجهزة الأمنية، والنبذ المجتمعي لمجرد انضوائهم تحت لواء أيدلوجية التيار الإسلامي. ومن ناحية ثالثة بالتزامن مع المؤتمرات – المؤتمرات الشبابية – التي ترج لديمقراطية اختلقتها السلطوية الجديدة، يزداد عنفوان الأجهزة الأمنية في تعقب النشطاء المكترثين بالمجال العام، والأفظع من ذلك أن هؤلاء النشطاء – القابعين في غياهب السجون – يجردون من حقوقهم القانونية في الاهتمام الطبي بأحوالهم الصحية التي تتدهور يومًا بعد يوم – على سبيل المثال لا الحصر أستاذ وائل عباس والدكتور حازم عبد العظيم- في ظل نغمة التشفي المستشرية من الموالين للسلطوية الجديدة. ومن ناحية رابعة عرقلتني الصدفة للتعرف على أحوال عمال المصانع في منطقة من المناطق الصناعية – برج العرب – وما أتعسني أحوال بعض عمال اليومية الذين يعملون في الحر القائظ عملًا يعتمد على المجهود البدني المحض، وما يجعلني أتساءل كيف ستكون وضعية هؤلاء العمال إذا تعرضوا لمرض من الأمراض التي من الممكن أن تصيب أبدانهم دون وجود ضمانات تراعي أحوالهم المبكية؟ وكيف تكون أحوال عمال المصانع وأسرهم التي صفت عملها وصكت أبوابها في وجه عمالها، وسرحتهم بتعويضات رمزية لا تسمن من جوع؟ ومن ناحية خامسة يهمش المفكرون الشباب من المؤتمرات الشبابية التي يروج لها آناء الليل وأطراف النهار على شاشات التلفاز التي تعج بشباب وشابات لا يفعلون شيئًا سوى الاسترسال في التصفيق والضحك، بل الأكثر من ذلك؛ أنهم يتهمون بحفنة من الاتهامات المكارثية.

محمد عيسى

تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك