عن جدار الخوف المشروخ .. والأمل في يناير

3054

بالورقة والقلم، لسه بلدنا في الذكرى السابعة لثورة يناير ٢٠١١ بعيدة جدا عن الحرية اللي طالب بيها قطاع واسع وحقيقي من المصريات والمصريين.


لسه بلدنا بعيدة جدا عن وقف الظلم اللي بيتعرض له شاب اختفى قسريا عشان قال رأيه بصراحة، وشابة محبوسة أو ممنوعة من السفر عشان حبت تقدم حاجة للناس واشتغلت في منظمة للمجتمع المدني، وشاب تالت بقاله سنين محبوس عشان متعاطف مع اإخوان أو كان عضو معاهم وعمره ما اتورط في عنف ودلوقتي الحبس بيقربه من مجنين الجماعات الجهادية والتكفيرية.

لسه بلدنا بعيدة جدا عن وقف الظلم الواقع على صحفي زي الصديق هشام جعفر بقاله سنتين بيتجدد حبسه الاحتياطي من غير ما يعرف ايه اللي منسوب ليه بالضبط، وعلى اللي اشتغلوا في السياسة كتير أو قليل زي الدكتور الكتاتني والمستشار الخضيري والصديق عصام سلطان وبقالهم في الحبس والمحاكم من ٢٠١٣.

لسه مصر بعيدة جدا عن وقف الظلم وتغيير فكر  "العصر الحجري" زي ما "كايروكي" بيقولوا في أغنية الديناصور (عايشين وبنقاوح في العصر الحجري) ، اللي بيتعرض له شابة وشاب حضروا حفل "مشروع ليلى" وشباب وناس من أعمار تانية ليهم في الحياة الخاصة والعلاقات الجنسية تفضيلات مختلفة وكل شوية يتقبض عليهم ويتهموا ظلم بانهم بيضروا المجتمع ويتقال عليهم في الإعلام كلام لا في إنسانية ولا أخلاق ولا لمحة من احترام حقنا كبشر في اننا نكون متنوعين وحق كل واحد فينا أن يدور على سعادته الخاصة ويقرب منها طالما لا بيمارس عنف جسدي ولا نفسي ضد حد.


لسه بلدنا بعيدة جدا عن دولة وسياسة فيها مؤسسات بجد غير الجيش والمخابرات والأمن، وفيها رئيس جمهورية مش شايف نفسه يعرف كل حاجة في الدنيا وقابل فعلا فكرة أنه يتحاسب على شغله في انتخابات نزيهة ورافض التورط في انتهاكات الحقوق والحريات، وفيها إعلام لغير المطبلاتية وكتايب الخبراء الاستاتيجيين ودكاترة الكفتة ومزيفي كل حقيقة حسب التوجيهات، وفيها معلومات كاملة عن أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية تخلينا نعرف نقيم اللي بيحصل أو متوقع يحصل من أول المشروعات الكبيرة اللي بمليارات لغاية تعويم الجنية والديون المتراكمة.


باختصار احنا لسه بعيد عن ترجمة ولو حتة صغيرة من حلم الحرية في يناير ٢٠١١ لواقع.

مش بس كده، احنا في مناطق معينة في مكان أصعب من قبل ٢٠١١.

انتهاكات الحقوق والحريات أفظع، سيطرة المخابرات والأمن على الإعلام والجامعات وغيرهم أفظع، وشوية السياسة والمجتمع المدني اللي كانوا موجودين وقت الرئيس الأسبق مبارك اختفوا، واللي بسميها "السلطوية بمعلمة وشياكة" بطريقة رئيس مجلس الشعب الأسبق الدكتور فتحي سرور ووزراء المجموعة الاقتصادية في السنين الأخيرة قبل ٢٠١١ اختفت تماما وجيه مكانها جمهورية خوف كل واحد بيبص فيها وراه. في أكيد محاولات أفضل لمواجهة الفساد وفي محاولات أن أجهزة الدولة الإدارية من المحليات للوزارات تشد حيلها، بس المشكلة الحقيقية هي أن لا الفساد ينفع نتخلص منه بالكامل واحنا مع حكم الفرد ولا الأجهزة الإدارية هتشم نفسها بجد طول ما المخابرات والأمن في كل مكان والمسؤول خايف من "الضابط أشرف" مش من الناس.


ده كله انتوا عارفينه، وما فيهوش جديد، ومش محتاج لو وقف كلامي هنا أنه يتنشر على موقع فكر تاني.

الجديد يمكن هو اني في الذكرى السابعة ليناير ٢٠١١ شايف أن في حاجات كبيرة نجحت الثورة في تحقيقها ومصيرها هتترجم نفسها لواقع هنعيشه قريب في مصر. الجديد هو اني مش شايف، مع كل الظلم اللي حولينا، داعي لتحويل الذكرى السابعة لا لبكائيات ولا لكلام عن الأخطاء والحاجتين عملناهم كويس جدا السنين اللي فاتت.

الجديد هو اني مقتنع أن حلم الحرية له أغلبية في بلدنا، وأن المطبلاتية والخبراء الاستراتيجيين ودكاترة الكفتة ما بقاش حد يصدقهم غير شريحة صغيرة جدا من الناس، وأن ما فيش جمهورية خوف بتستمر لو أغلب الناس ما بقوش مصدقين لا تمجيد "الرئيس" لا تشويه المعارضين ولا "الحط" على الشباب اللي بيدور على حريته. هتكمل جمهورية الخوف شوية كمان بشوية مظالم إضافية، ويمكن يطلع منها جهود مهمة لمواجهة الفساد وإصلاح الجهاز الإداري للدولة ومعالجة بعض اختلالات الاقتصاد (تعويم الجنية كان قرار صح)، وأكيد في جيل جديد من المطبلاتيةبيطلع. لكن أنا متأكد أن جمهورية الخوف مش هتستمر ٣٠ سنة كمان، لأن الأغلبية إما بتنفض من حوليها لأنها مش عايزة تسمع خلاص "الرئيس يعرف لوحده كل حاجة" ولا "المعارضين الخونة"، أو بتبعد عن هيستريا ما بعد التفويض الشعبي ومذبحة ابعة وعن كل اللي اتورطوا في تبرير التفويض والمذبحة أو عملوا ودن من طين وون من عجين، أو لأن خوف الأغلبية بيقل من الظلم اللي ممكن يطولها وده مرتبط بظروف الحياة الصعبة جدا والمعاناة الاقتصادية والاجتماعية وهي ما اتغيرتش خلال السنين الأخيرة. الشاب اللي مستعد يخاطر بحياته في مركب هجرة غير شرعية عشان يوصل أوروبا أو بالدخول لليبيا عشان يكسب قوته، الشاب ده في لحظة هيوقع جدار الخوف وهيطلب حقه في عيشة آدمية في بلده. ووقتها لا هينفع التطبيل ولا التهديد. جمهورية خوف عشان تستمر محتاجة أغلبية متوزعة بين تصديقها وبين الخوف منها، والأغلبية في مصر بقت في ٢٥ يناير ٢٠١٨ في مكان تاني. وهنا لازم نفكر تاني، ونبعد عن البكائيات والندب وجلد الذات، ونفهم الفرص الموجودة للتغيير.


نفكر تاني في ٢٠١٨. ظروف بلادنا بالديون المرعبة والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة بتجبر الحاكم الفرد أنه يقدم تفسيرات للناس ويدور على إجابات لأسئلتهم، ومهما كان ده محدود إلا أنه تغيير هيبعدنا تدريجيا عن "الرئيس يعرف كل حاجة" وهيفتح أبواب للمحاسبة اتقفلت من ٢٠١٣. والمؤسسات القوية وهي الجيش والمخابرات والأمن حتما هتحتاج بعد فترة مش طويلة أنها ترجع لورا شويه وما تفضلش في الخط الأولاني للحكم وتدوير الدولة والمجتمع عشان تقلل درجة الاستنفار العالية جواها وتقلل صراعاتها، وهنا حتما هيزيد دور المؤسسات والأجهزة التانيةوهتزيد أسماء المدنيين في الحكومة. والمطبلاتية والخبراء الاستراتيجيين ودكاترة الكفتة ومدعي التنوير والليبرالية اللي هللوا للقتل في رابعة وشتمونا لما رفضنا تدخل الجيش في السياسة وانتهاكات حقوق الإنسان وليسه بيشتموا، كتايب المزيفين دول لا حد بقى يصدقهم ولا بياخد كلامهم بجد وممكن يواصلوا إما الصراخ في الميكروفونات أو يلعبوا دور المثقفين بتوع التنوير والإصلاح الديني وأي بطاطا تانية ولكن هيفضلوا دون مصداقية. الأغلبية فاقت من الهيستريا، وصعب ترجع لها تاني، ويستحيل هتصدق مرة تاني اللي هللوا للم واستباحوا كرامة الناس مرة باسم الوطنية ومرة باسم تنوير جردوا من كل مبدأ قيمة.


نفكر تاني في ٢٠١٨. تمنع الرقابة أغنية الديناصور لكايروكي، فيروح لها الملايين في يوتيوب وغيره وتتحول كلماتها لجرس إنذار حقيقي .

 تتحاصر الانتخابات الرئاسية عشان ما يبقاش فيها غير مرشح أوحد وتتوقع جمهورية الخوف أن الأغلبية الشابة هتقاطع وتقول مسرحية ومش لاعبين، وتتفاجأ من أن المقاطعة ما لهاش شعبية والشباب بيشارك كتير منهم في حملات المرشحين المحتملين. تحصل تغييرات مهمة في قيادات المؤسسات القوية وآخرها المخابرات العامة ويبقى الموقف الرسمي في البداية الصمت والتجاهل، وبعدين يضطر لتقديم اتفسيرات والتبريرات اللي ما يهمنيش هنا صح ولا غلط المهم هو اضطرار جمهورية الخوف لتقديم تفسيرات. يراهنوا على أن الظلم واغتيال حلم الحرية هيطفش الشباب بعيد عن الاهتمام بالشأن العام، وبعدين يلاقوا بعد كل القمع من ٢٠١٣ شباب كتير شغالين في المجتمع المدني وعلى الأرض للتنمية وما تورطوش لا في التطبيل للحاكم الفرد ولا في الجري ورا المبادرات الرئاسية والحكومية. بالعكس، كتير من الشباب دول شغالين كمان في الدفاع عن حقوق الإنسان وبيساهموا في حملات مرشح محتمل محترم هو الصديق خالد علي. وشباب تانيينيطلعوا إبداعهم وطاقتهم جوه مصر في الفن والسينما البديلة والمسرح النقدي وموسيقى الإندرجراوند، ومنهم اللي بيعمل مشاريع اقتصادية وتجارية خاصة وناجحة جدا. طبعا في شباب كتير في السجون وشباب كتير سابوا البلد واكتر في اكتئاب وحزن مستمر، لكن الحقيقي كمان أن ليسه في شباب بيعافروا على الرغم من الظلم والظروف المعيشية الصعبة وهما اللي هيوقعوا جدار الخوف الجديد تدريجيا. وكل حاجة من دول هي نتيجة مباشرة لثورة ٢٥ يناير ٢٠١١.


خلونا نفكر تاني في ٢٠١٨. نفكر بأمل أكبر ويأس أقل وبتقدير موضوعي لكل حاجة نجحت ثورة يناير ٢٠١١ في تحقيقها، وبحب للإنسانية يخلينا ندافع عن الظاليم اللي ورا الأسوار والمظاليم اللي جمهورية الخوف والمطبلاتية مش سايبينه يعيشوا بحرية، وبحب لبلدنا حتما هيغير جمهورية الخوف اللي لو فكرت مؤسساتها القوية كويس هتعرف أن التغيير التدريجي باتجاه فتح أبواب الحرية مرة تاني هو الحل الوحيد.  


تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك