close

“قاطعوا مصر”.. من يقف خلف الحملة الرقمية التي تستهدف اقتصادها؟

أكثر من 9 ملايين مشاهدة لحملة رقمية مُنسقة انطلقت من السعودية في يونيو 2025، دعت لمقاطعة السياحة والمنتجات المصرية، مستخدمة وسوم موحدة وخطابًا تحريضيًا عالي الانتشار.
Picture of آية ياسر

آية ياسر

في يونيو الماضي شهد موقع التواصل الاجتماعي “إكس”، حملة تحريضية ممنهجة على مصر، تدعو إلى حملة مقاطعة للمنتجات المصرية والسفر إلى مصر والسياحة بها، بدأت على استحياء في الأسبوع  الأول من يونيو المنقضي، وبلغت ذروتها في الفترة من ( 23 يونيو وحتى 25 يونيو)، قبل أن تنخفض حدتها بشكل واضح خلال الأسبوع الأول من شهر يوليو الجاري.

 وفي هذا التحقيق الذي أجرته زاوية ثالثة، بدعم مجتمع التحقق العربي (AFH)، – ضمن برنامج دعم الأدوات الرقمية – ، نبحث ما إذا كانت الحملة التحريضية ضد المنتجات المصرية والسياحة في مصر، على المنصات الرقمية ممنهجة أم عفوية؟ ومن هي الجهات أو الكيانات الفاعلة في توجيهها؟، وما الذي ساهم في تأجيجها؟، وكشف ما إذا كانت الحملات ممنهجة أم عفوية، بناءً على أنماط النشر والتوقيت والتنسيق، ومحاولة فهم البنية التنظيمية للحملات التحريضية.

وكانت قد تداولت حسابات الكترونية على موقع التواصل الاجتماعي “إكس”، خلال شهر يونيو الماضي، وسومًا تحريضية ، على نطاق واسع، أبرزها: #مقاطعة_المنتجات_المصرية ، #قاطعواالمنتجات_المصرية ، #مقاطعة ، #مقاطعة_السياحة_في_مصر ، #لا_تسافر_لمصر ، #مقاطعة السفر إلى مصر ، وبالتزامن أيضًا تم تداول وسم تحريضي  بعنوان #الداخليه_المصريه_تهاجم_السعودية.

وتصاعدت حدة الخطاب التحريضي ضد مصر، عقب مرور أيام على رفض السلطات المصرية السماح لقافلة الصمود بالوصول إلى معبر رفح، واندلاع الحرب الإيرانية الإسرائيلية التي عُرفت باسم حرب الاثني عشر يومًا، – كما أطلق عليها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب -، والتي بدأت في ساعات الفجر الأولى من يوم 13 يونيو 2025، حين شنت إسرائيل هجوماً مفاجئاً على عشرات الأهداف الإيرانية، ضمن “عملية الأسد الصاعد”، وردت عليها إيران بعملية “الوعد الصادق 3″، وبالتزامن مع انتشار تدوينات وتغريدات ومقاطع فيديو تُظهر تأييد مواطنين مصريين للضربات الصاروخية التي شنتها طهران على تل أبيب ومدن أخرى في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فيما أعتبره مستخدمون سعوديون تهديًدا لسيادة بلادهم ومواقفها السياسية المتعارضة مع التحركات الإيرانية في المنطقة.

في البداية بحثنا عن كلمات مفتاحية، مثل: “مقاطعة السياحة في مصر، مقاطعة المنتجات المصرية، لا تسافر لمصر، مقاطعة السفر إلى مصر، وعثرنا على نحو 7 وسوم مختلفة مرتبطة بتلك الكلمات المفتاحية، تم تداولها على موقع إكس (تويتر سابقًا) باعتباره المنصة الأكثر استخدامًا في الحملات السياسية والتنسيقات التحريضية، وكانت أكثر الوسوم تداولًا، في الفترة الزمنية من 1 يونيو 2025 وحتى نهاية الأسبوع الأول من يوليو 2025، هي:  `#الداخليه_المصريه_تهاجم_السعودية`، وهو وسم تحريضي يربط بين مصر والسعودية في سياق عدائي، تم تداوله 188، ومجموعة مجموعة وسوم مجمّعة، تعبر عن الدعوة للمقاطعة أو تشويه صورة مصر، أبرزها: #egypt_is_calling ، #مصر ، #مقاطعة`، تم تداولها 74 مرة، ووسومًا سياسية وإقليمية، وأخرى تعزز الخطاب المحرّض، مثل:  #قافلة_الصمود، #قاطعوا_المنتجات_المصريه تم تداولها 22 مرة، بالإضافة إلى وسمي #طرد_المصاريه_مطلب_السعوديين و#مقاطعة_المنتجات_المصرية ، في تعبير مباشر عن خطاب كراهية ضد المصريين وتحريض اقتصادي ضد مصر، مع وجود دمج واسع للوسوم في تغريدة واحدة، مما يرجّح استخدام أدوات جدولة أو نسخ جماعي، كما تم تداول وسمي #سيادة_مصر_خط_أحمر ، #السيسي_الزعيم_القوي،  كجزء من تغريدات عكسية أو مضادة للحملة.      

 

صورة تداولتها حسابات إلكترونية سعودية ضمن حملة رقمية منسقة للتحريض على مقاطعة المنتجات المصرية
صورة تداولتها حسابات إلكترونية سعودية ضمن حملة رقمية منسقة للتحريض على مقاطعة المنتجات المصرية

وأظهر بحثنا الأولي أن الجملة المفتاحية المركزية للحملة وهي “مقاطعة السياحة في مصر”، بلغ عدد مرات تداولها نحو 361 مرة، قبل أن يتم توسيع نطاق الحملة لتشمل الاقتصاد، ليتم تداول عبارة “مقاطعة المنتجات المصرية” 79 مرة، تزامنًا مع وجود خطاب تحريضي مباشر موجه ضد السفر إلى مصر؛ إذ تم تداول عبارة “لا تسافر لمصر” 5 مرات، ومقاطعة السفر إلى مصر، مرة واحدة، كما ورد اسم مصر، باعتبارها الدولة المستهدفة في الحملة،  323، وكلمة مقاطعة 317 مرة، وكلمة السياحة 256 مرة، وكلمة المنتجات 95 مرة، والمصرية 70 مرة، مما يعكس خطابًا تحريضيًا اقتصاديًا مباشرًا يستهدف سمعة مصر ومواردها.

صورة تداولتها حسابات إلكترونية سعودية ضمن حملة رقمية منسقة للتحريض على مصر
صورة تداولتها حسابات إلكترونية سعودية ضمن حملة رقمية منسقة للتحريض على مصر

 

وكانت أبرز الجمل التحريضية المستخدمة وأكثرها تكرارًا (Hit Sentences)، على موقع “إكس”، ضمن التغريدات الواردة في البيانات، التي قمنا بجمعها باستخدام  أداة Meltwater، – التي تُستخدم في تحليل البيانات الإعلامية ومحتوى وسائل التواصل الاجتماعي-: 

“اعلم يالسعودي عند مقاطعة السياحة في مصر ستأدب العبد وسيده 😉👌🏻”، والتي تم تداولها 179 مرة، وتضمنت دعوة صريحة وموجهة مباشرة إلى السعوديين، بصيغة تحقيرية، فيما تم تداول عبارة “نشهد بعض الأصوات العربية تُطلق هاشتاجات #مقاطعة السياحة في مصر… بينما تتصدر الدول الغربية حملات دعم”، نحو 68 مرة، وهي جملة مصاغة لتحفيز الحشد العاطفي ضد مصر، فيما ربطت جملتي “يا للعار باعوا غزة بالدولار… يجب مقاطعة السياحة في مصر لأنها جزء من دولة الاحتلال”، التي تم تداولها 39 مرة، “ع الشعوب العربية إذا لم يتحرك الشعب المصري فعلينا مقاطعة المنتجات المصرية…” التي تم تداولها 13 مرة، بشكل مباشر بين الموقف المصري من غزة وقافلة الصمود وبين الحملة التحريضية على مقاطعة السياحة بمصر والمقاطعة الاقتصادية كأداة ضغط سياسي، بالاعتماد على خطاب ديني وسياسي مشحون. 

 

وعلى النقيض من ذلك ظهر خطاب معاكس للحملة التحريضية، وإن كان أقل ظهورًا وتداولًا، إذ تم تداول جملة “بيقولك مره في بلد عربي عايز يعمل حملة مقاطعة السياحة في مصر… جاله الرد مصر بتنادي Egypt is calling 🔥🇪🇬 ، لنحو 7 مرات.

 

الكلمات والكيانات الأكثر تداولاً المرتبطة بالحملة
الكلمات والكيانات الأكثر تداولاً المرتبطة بالحملة

 

يظهر الإنفوجراف الكلمات المفتاحية (بالأزرق الغامق) مثل: “مقاطعة”، “المصرية وحثنا”، “فعلينا مقاطعة”، “غزة”، “العبد وسيده”، “إلي باعوها”، “بفلوس”، والوسوم (بالأزرق الفاتح): مثل: #الداخلية_المصرية_تهاجم_السعودية، #سياده_مصر_خط_احمر، #egypt_is_calling، #مقاطعة، #قاطعوا_المنتجات_المصريه ، #قافلة_الصمود، الأشخاص (باللون البنفسجي): السيسي، ترامب، وتظهر المواقع (بالبرتقالي): SA (السعودية)، EG (مصر)، KW (الكويت)، AE (الإمارات)، غزة، مصر، ويشير اللون البني إلى الإيموجي (الرموز التعبيرية): رموز تعبيرية مثل: 👌، 🔥، 😏.

وأظهر تحليلنا للمحتوى المتداول تكرار “مقاطعة السياحة في مصر” بمعدل يقارب 80% من التغريدات يدل على أن الرسالة موحدة ومنظمة، ووجود كلمات مفتاحية متقاربة تشير إلى أن عدة صيغ دعائية استخدمت لنفس الغرض لتفادي الحظر أو لتوسيع الوصول، ولاحظنا احتواء الخطاب التحريضي على بنية دعائية منظمة، متمثلة في تكرار كلمات وجمل واضحة، ووسوم تستهدف التحريض الاقتصادي والسياسي والديني في آنٍ واحد، مع استخدام مكثّف ومتكرر لنفس المصطلحات والوسوم يشير إلى نشاط غير عشوائي، أقرب إلى حملة رقمية منظمة.

 ويشير تكرار الجمل ذاتها إلى إعادة نشر واسع لنفس المحتوى من حسابات مختلفة أو منظمة، استخدام ما يُشبه “نص موحّد” يتم نسخه ولصقه عبر حملة رقمية، تعتمد على جمل تحريضية قصيرة وسهلة التداول ومُصاغة بلغة عاطفية وساخرة، تضمنت خطاب تحقير سياسي كعبارة (العبد وسيده)،  وخطاب تعبوي جماهيري، باستخدام جمل مثل: (إذا لم يتحرك الشعب المصري..)، والربط بالقضية الفلسطينية بكلمات (غزة، الاحتلال)، فيما جاءت بعض التغريدات مرفقة بروابط أو إشارات إلى محتوى محذوف أو حسابات لم تعد موجودة، مما قد يشير إلى تنسيق إلكتروني مكثف تم لاحقًا حذفه من قبل منصة إكس.

 

نوصي للقراءة: بين التنمر الرقمي وخطاب الكراهية: من يقف وراء حملات التحريض ضد الحجاج المصريين؟


كيف انطلقت الحملة؟

جاءت نقطة الانطلاق والتضخيم الأساسية للحملة من المملكة العربية السعودية؛ إما عبر حسابات حقيقية تعبّر عن حملة غضب منسَّق، أو عبر شبكة حسابات آلية/مستأجرة تستهدف الرأي العام السعودي، حيث شكّلت السعودية الكتلة الأكبر من المحتوى الجغرافي المٌصدّر للحملة، مسجلة  86  موقعًا من ضمن 142 موقع بنسبة تبلغ نحو  76 %، فيما شكلت دولًا أخرى  5 مشاركات، كدعم هامشي أو ربما عبر حسابات تستخدم برامج VPN، وجاءت في صدارة نشاط  الحملة أكبر مدن المملكة؛ إذ سجلت الرياض (15) تغريدة، وجدّة (10) تغريدات ، مكة (3) تغريدات، إضافة إلى مدن سعودية وخليجية أخرى، مثل: (جازان، الدمام، الخُبر، عرعر..)، فيما سجّلت العاصمة المصرية القاهرة 12 مشاركة والإسكندرية 3 مشاركات.

وجاءت السعودية على رأس التوزيع الجغرافي للدول التي تنتمي إليها الحسابات المشاركة في الحملة، مسجلة 86 مشاركة، وتلتها في المرتبة الثانية مصر، مسجلة 34 مشاركة، والجزائر والولايات المتحدة وسلطنة عمان، بـ 5 مشاركات لكل منهم، والمغرب والإمارات بـ 4 مشاركات لكلٍ منهما، والكويت             بـ 3 مشاركات، وسجلت الأراضي الفلسطينية مشاركتين فقط، وشاركت 12 دولة أخرى، بمشاركة واحدة لكل منها، وفيما كانت السعودية هي المصدر الأبرز للخطاب؛ فإن وجود مشاركة ملحوظة من مصر قد يعود إلى إعادة النشر (RETWEET)، وتشير المشاركات من دول مثل الجزائر، المغرب، وفلسطين، لوجود امتداد عربي محدود للحملة، بينما ترتبط مشاركة دول مثل: الولايات المتحدة، الصين، والبرازيل بوجود حسابات مغتربين أو مستخدمين لشبكات VPN.

 

رسم بياني يُظهر للتوزيع الجغرافي للدول التي تنتمي إليها الحسابات المشاركة في الحملة
رسم بياني يُظهر للتوزيع الجغرافي للدول التي تنتمي إليها الحسابات المشاركة في الحملة

 

 وأظهرت صيغة الخطاب «اعلم يا السعودي… ستؤدّب العبد وسيده» أن المخاطَب الرئيس المستهدف من الحملة الرقمية هو المواطن السعودي، كما أن الوسم الرئيس #الداخلية_المصرية_تهاجم_السعودية الذي تم تداوله 188 مرة، محاولة الحملة استثارة حسّ وطني سعودي ضد مصر. 

 

نوصي للقراءة: مصر: مشروع قانون اللجوء يثير عداءً رقميًا منسقًا ضد اللاجئين

الإنفجار الزمني للحملة

رصدنا 455 تغريدة ضمن حملة رقمية للتحريض على مقاطعة السياحة في مصر ومقاطعة السفر إلى مصر، تمتد في الفترة بين 2 يونيو و6 يوليو 2025، مع تركّز واضح لنشاطها في النصف الثاني من يونيو؛ ففي يوم 12 يونيو بلغ عدد التغريدات 58 تغريدة، وفي 13 يونيو كانت هناك 32 تغريدة، وفي 22 يونيو سُجّلت 80 تغريدة، وفي 23 يونيو، بلغ عدد التغريدات 112 تغريدة، لينخفض العدد في 27 يونيو إلى 65 تغريدة 

ولاحظنا أن هناك أربع موجات نشطة خلال شهر يونيو، مع قمة حادة يوم 23 يونيو، ولكن بعد 30 يونيو، انخفض النشاط بشكل حاد، حيث لم تتجاوز التغريدات 1–3 يوميًا في يوليو، ما يدل على أن الحملة كانت موجهة زمنيًا ومؤقتة.

في حين بلغ إجمالي عدد المنشورات (Mentions) خلال تلك الفترة 455 منشورًا؛ فإن إجمالي عدد مرات الوصول (Reach) قد بلغ 10,163,358 مشاهدة تقريبًا، وجاءت الذروة في تاريخ 23 يونيو 2025، الذي سجّل أعلى عدد منشورات في يوم واحد، وهو (112 منشورًا)، وبلغت أعلى معدلات الوصول في يوم واحد 9,185,669 مشاهدة، بتاريخ 25 يونيو 2025، رغم أن عدد المنشورات في ذلك اليوم لم يكن الأعلى، وكان متوسط عدد المنشورات اليومية حوالي 12.64 منشورًا، ومتوسط عدد الوصول اليومي: حوالي 282,315 مشاهدة، ورغم أن المتوسط اليومي لعدد المنشورات منخفض نسبيًا (أقل من 13 منشورًا يوميًا)، إلا أن الوصول الكلي مرتفع جدًا، مما يدل على أن منشورات محددة حققت انتشارًا واسعًا، ويشير الفرق بين تاريخ الذروة في عدد المنشورات (23 يونيو) وتاريخ الذروة في الوصول (25 يونيو) إلى تأثير مضاعف أو انتشار لاحق، ربما عن طريق إعادة التغريد أو مشاركة محتوى مؤثر بعد نشره بأيام.

رسم بياني يظهر إجمالي عدد المنشورات (Mentions)
رسم بياني يظهر إجمالي عدد المنشورات (Mentions)

 

رسم بياني يظهر عدد مرات الوصول (Reach)
رسم بياني يظهر عدد مرات الوصول (Reach)

 

ولوحظ أن الوصول (عدد الحسابات التي شاهدت الخطاب) شهد ارتفاعات حادة في أيام معينة، حتى في الحالات التي كان فيها عدد المنشورات منخفضًا، وهذا يدل على أن بعض المنشورات قد تم التفاعل معها بشكل كبير أو أُعيد تغريدها من قبل حسابات مؤثرة، مما أدى إلى تضخيم تأثيرها، كما أن الوصول لا يتناسب دائمًا مع عدد المنشورات، مما يشير إلى أن جودة الحسابات (مثل الحسابات ذات المتابعين الكُثر) لعبت دورًا أكبر من الكمّ، في حين أن فترات الذروة في الوصول لم تكن بالضرورة مصحوبة بزيادة في عدد المنشورات، ما يشير إلى تأثير التغريدات عالية الانتشار أكثر من الحملات الجماعية.

وتشير دلالات الانفجار الزمي إلى أن تركّز الخطاب في فترة قصيرة، يرجّح وجود حملة موجهة ومخطط لها زمنيًا مسبقًا، وارتباط الخطاب بكلمات تحريضية وقضايا سياسية يدل على توظيف حدث سياسي أو أمني كذريعة للحملة الرقمية، وربما يرجع حدوث تراجع سريع بعد الذروة، لكون الحملة حققت أهدافها، أو تم مواجهتها وإخمادها.

 

نوصي للقراءة: كيف استغلّت “لجان إلكترونية” غزّة وذكرى 25 يناير في حملة دعائية مُنظّمة؟

سيطرة الخطاب السلبي التحريضي

كانت أكثر الحسابات نشاطًا، في الحملة الرقمية هي: @7rrgr الذي شارك بـ21 تغريدة، ثم @bertrandgallag2 مشاركًا بـ13 تغريدة ، ويليه @wmessili بـ5 تغريدات، وحساب @9rrgr بنحو 4 تغريدات، وحساب @ali22sh بثلاث تغريدات، ولاحظنا أن حسابي @7rrgr و @9rrgr، يشتركان في نمط اسم مشابه، ما يرجّح وجود ارتباط بينهما (حسابات مكررة أو تابعة لنفس الجهة)، وكانت الحسابات الأكثر نشاطًا غير معروفة جماهيريًا، مما يدعم فرضية استخدام حسابات موجهة خصيصًا للحملة، وأن عددًا قليلًا من الحسابات أنتج الجزء الأكبر من المحتوى، مما يشير إلى وجود تنسيق رقمي واضح أو نشاط غير عضوي.

ويُظهر تحليل المشاعر (Sentiment) لتلك التغريدات أن نحو 322 تغريدة منها كانت سلبية، بنسبة تبلغ نحو 70.8% من التغريدات، أما المحايدة منها فكانت 126 تغريدة بنسبة 27.7%، وجاءت 7 تغريدات فقط منها إيجابية بنسبة 1.5%، ويعكس كون الغالبية الساحقة من التغريدات حملت مشاعر سلبية بوضوح، وجود طابع تحريضي قوي، كما أن المحتوى الإيجابي شبه المنعدم يشير إلى غياب الدفاع أو الموازنة الخطابية داخل إكس خلال فترة الحملة.

رسم بياني يظهر تحليل المشاعر (Sentiment) لمحتوى التغريدات
رسم بياني يظهر تحليل المشاعر (Sentiment) لمحتوى التغريدات

وحملت النسبة الساحقة من التغريدات مشاعر سلبية تجاه مصر، سواء عبر التحريض المباشر على المقاطعة، نشر اتهامات أو انتقادات سياسية أو أخلاقية، استخدام خطاب ساخر أو عدائي، وهذا المستوى العالي من السلبية يشير إلى طبيعة عدائية وموجهة للحملة، أما ما يقرب من ربع التغريدات فقد اتخذت طابعًا محايدًا، وتضمن ذلك إعادة نشر المحتوى دون تعليق، طرح أسئلة أو تساؤلات دون تبني موقف واضح، ومشاركة أخبار أو روابط قد تُفسر وفق توجه القارئ، وكان هناك عدد محدود جدًا من التغريدات عبّر عن مشاعر إيجابية (7 فقط من أصل 455)، هذا يدل على غياب شبه تام للدفاع عن السياحة أو المنتجات المصرية، وضعف الخطاب المضاد أو التفاعلات الداعمة لمصر في هذا السياق.

ويشير تحليل النشاط العام للحسابات، البالغ عددها الإجمالي 393 حسابًا، أن متوسط  إجمالي التغريدات بلغ حوالي 1.13 تغريدة لكل حساب، وأن الحد الأقصى للتغريدات، كان 21 تغريدة نشرها حساب واحد فقط، وأن معظم الحسابات (75%) نشرت تغريدة واحدة فقط أو أقل، ما يدل على أن النشاط مركز في حسابات قليلة.

وتمثل النسبة الأكبر من التغريدات في العينة، تغريدات السلبية، بمتوسط 0.80 تغريدة سلبية لكل حساب، وحد أقصى بلغ 21 تغريدة سلبية، أما التغريدات الإيجابية فهي شبه منعدمة، إذ كان متوسط عددها 0.012 تغريدة فقط لكل حساب، والغالبية العظمى من المغردين (أكثر من 95%) لم تنشر أي محتوى إيجابي.

فيما أظهر تحليل درجة التشابه بين الحسابات (Similarity)، باستخدام برمجة “بايثون” أن عدد الحسابات التي توفرت لها بيانات تشابه كانت 10 فقط من أصل 393، كما وجدنا أن 3 حسابات لديها تشابه كامل بنسبة 100% مع حسابات أخرى (تشابه متوسط ووسيط = 1.0)، مما يرجح أن هذه الحسابات إما مكررة (حسابات مستنسخة) أو تنشر نفس المحتوى بدقة، أما الحسابات الأخرى فيظهر بينها تباين في نسب التشابه، من 4% فقط إلى ما يقارب 98%، وتظهر درجة الانحراف المعياري منخفضة جدًا لدى غالبية الحسابات، ما يشير إلى أن المحتوى متشابه بدرجة كبيرة بينها وبين عدد محدود من الحسابات الأخرى، مما يشير إلى أن بعض الحسابات قد تكون جزءًا من شبكة تنسق المحتوى أو تُدار من مصدر واحد، خاصة تلك التي تظهر تشابهًا كاملًا أو شبه كامل.

 

كما يشير تحليل البيانات أن الخطاب المحرّض على المقاطعة لم يتبع نمطًا تصاعديًا أو تنازليًا ثابتًا، بل تميز بتقلبات واضحة على مدى اليومين الستين، مع فترات نشاط مفاجئة وارتفاعات مؤقتة في كل من عدد المنشورات وعدد الحسابات التي وصلتها هذه المنشورات، وكانت ذروة النشاط السلبي في يونيو 2025، حيث سُجّل ما نسبته 99% تقريبًا من التغريدات السلبية خلال هذا الشهر، قبل أن يحدث انخفاض حاد في يوليو 2025، مما يدل على توقف مفاجئ أو خفوت للحملة، احتمال أن تكون الحملة موسمية، موجهة، أو قصيرة المدى أو أن الحملة بلغت ذروتها وانتهت بعد التأثير المقصود أو التدخل الرقابي.

 

لماذا اشتعلت الحملة التحريضية الرقمية؟

أثناء عملية البحث وجمع البيانات حول الخطاب الإلكتروني التحريضي الذي يدعو إلى مقاطعة المنتجات المصرية ومقاطعة السياحة في مصر، لاحظت زاوية ثالثة وجود ارتباط تلك الدعوات وبين وسم #الداخليه_المصريه_تهاجم_السعودية ، الذي نشط على منصات التواصل الاجتماعي، وخاصة X، خلال الفترة من 22 إلى 24 يونيو 2025، وارتبط بجدل حول اتهامات تُوجه إلى وزارة الداخلية المصرية بأنها تقوم بهجوم أو تدعم هجمات ضد المملكة العربية السعودية. 

وانطلق الوسم على خلفية ادعاء مستخدمون سعوديون على موقع إكس، بأن ضابطًا مصريًا  يُدعى أحمد مجدي اعترف بأن وزارة الداخلية، أعطت الضوء الأخضر لهجمات ضد السعودية، إلا أنه لم يتم الكشف عن أي دليل رسمي يدعم هذه الادعاءات، مما رجح أن هذه الادعاءات اعتمدت على روايات غير موثقة.

صورة تداولتها حسابات إلكترونية سعودية ضمن حملة رقمية منسقة للتحريض على وزارة الداخلية المصرية 
صورة تداولتها حسابات إلكترونية سعودية ضمن حملة رقمية منسقة للتحريض على وزارة الداخلية المصرية

 

ومن خلال استعراض منشورات X التي تداولت الوسم، باستخدام تقنية البحث العميق على “جروك”،  هو مساعد مدعوم بالذكاء الاصطناعي، تم تطويره بواسطة xAI، يُلاحظ أن حسابات، مثل: @missdior456 و@qrnas_ksa4 و@SOBHI_TR، عبروا عن اتهامات مباشرة لوزارة الداخلية المصرية؛ إذ ذكر @missdior456 أن الوزارة نشرت إشاعات عن السعودية، بينما اتهم @qrnas_ksa4 ضابطًا يُدعى أحمد مجدي بأنه اعترف بأن الإساءات للسعودية حصلت بموافقة وزير الداخلية محمود توفيق، كما عبّر @BoJamman99 عن تضامن واضح مع السعودية، معتبرًا الهجوم عليها هجومًا على الكويت، واستخدم @Tareq_ALbnnan تعبيرات مسيئة وحادة.  

 

وفي 22 يونيو 2025، نشر حساب @Tareq_ALbnnan ، منشورًا تضمن اتهامًا لمصر مع استخدام صورة مسيئة، وحقق منشوره 358,201 مشاهدة، وخلال اليوم نفسه نشر حساب @qrnas_ksa4، منشورًا زعم خلاله أن ضابطًا يدعى أحمد مجدي اعترف بموافقة وزارة الداخلية المصرية على الإساءات الموجهة للسعودية، وحقق منشوره 276,607 مشاهدة، وفي منشور حقق 152,636 مشاهدة، أبدى المستخدم @BoJamman99 تضامنًا مع السعودية واعتبر الهجوم عليها هجومًا على الكويت أيضًا، وبلغ عدد مشاهدات منشورًا للمستخدمة @hayaMOdhaib نحو 91,039 مشاهدة، وتضمن تأكيدًا على أن الأمر لن يمر مرور الكرام، مع دعوة لاحترام الدول، وبتاريخ 23 يونيو 2025 نشر المستخدم @alshagiri، تغريدة تضمنت سخرية من شخصية مرتبطة بوزارة الداخلية المصرية، وحصد منشوره 222,849 مشاهدة.

وتظهر الأدلة الرقمية أن الحساب @Tareq_ALbnnan هو الأول الذي استخدم الوسم #الداخليه_المصريه_تهاجم_السعودية، بناءً على البحث في منشورات X، ويعود المنشور الأقدم إلى 22 يونيو 2025، في الساعة 17:01، وبفحص الحساب لا توجد أي أدلة على كون الحساب أصلي، بل يبدو حسابًا مزيفًا يستخدم لأغراض دعائية سياسية ضمن حملات رقمية يشنها الذباب الإلكتروني في السعودية.

 

أدلة على حملة رقمية منظمة

باستخدام لغة برمجة “البايثون”، – التي تستخدم في تطوير الويب، تحليل البيانات، الذكاء الاصطناعي، وأتمتة المهام -، رصدنا أربع موجات متتالية للحملة الرقمية خلال 18 يومًا، تضمنت قمة حادّة 23 يونيو ثم خمود شبه كامل بعد 30 يونيو، الأمر الذي يشير لوجود نافذة إطلاق محدَّدة مسبقًا ثم إيقاف الترويج، وهو سلوك تتبعه الحملات الرقمية المدفوعة، ووجدنا أن المشاعر التي تضمنها محتوى الحملة كانت سلبية بنسبة  70 %، 1.5 % إيجابية فقط، والنسبة المرتفعة لهذا الانحياز الشعوري السلبي تشير إلى خطاب موجَّه، كما يعكس المحتوى المكرَّر، مثل: جملة (اعلم يالسعودي..) التي نُشرت حرفيًا 179 مرّة، إلى استخدام طريقة النسخ واللصق جماعي أو عبر برامج جدولة، كما رصدنا حسابات مُستنسخة (Bots) أو مُدارة مركزيًّا، مثل: حسابي 7rrgr@ ، @9rrg تقوم بنشر تغريدات متطابقة بنسبة 100 %.

وجاء الاستخدام المنسَّق لوسوم مثل: #الداخلية_المصرية_تهاجم_السعودية ، مع وسوم المقاطعة للسياحة في مصر والمنتجات المصرية، ضمن إطار سردي مُوحَّد يربط مصر والسعودية لإثارة جمهور محدَّد، ولاحظنا التشابه اللغوي في محتوى الحملة؛ إذ تم تكرار كلمات الدلالة (مقاطعة السياحة، باعوها، العبد وسيده) في 80 % من التغريدات، الأمر الذي يوحي بوجود برمجة خطابية موحَّدة، وفيما تم نشر 455 تغريدة فقط ضمن الحملة الرقمية، خلال تلك الفترة إلا أن معدل وصولها (Reach) شهد قفزة كبيرة بشكل مفاجئ ليتجاوز 9 ملايين في يوم 25 يونيو، مما يرجح قيام حسابات عالية التأثير بإعادة الترويج للمحتوى المُعد سلفًا.

كما رصدنا 4 مؤشرات تقنية إضافية على وجود سلوك غير الأصيل لمحتوى تلك الحملة الرقمية، متمثلًا في وجود كُتل وسوم ولغات مختلطة في تغريدة واحدة، وهو دليل يشير إلى استخدام أدوات نشر جماعي، وحدوث حذف لاحق لبعض الروابط والحسابات، وهو أمر شائع بعد الحملات الالكترونية المنسَّقة لتقليل الأثر الراجِع، مع وجود تشابه حسابات (Similarity = 1.0) في ملفات المقارنة، يطابق تعريف إكس للحسابات الآلية.

في النهاية يمكن القول إن كل المؤشرات الرقمية والمضمونية تُظهر أن الحملة الالكترونية التي رُصدت في الفترة من 12 وحتى 27 يونيو 2025، لم تكن تفاعلاً عفويًّا، بل حملة رقمية مُنظَّمة قصيرة العمر، أطلقتها  حسابات إلكرونية داخل المملكة العربية السعودية، وتركزت في النصف الثاني من يونيو 2025، استهدفت الإساءة لسمعة السياحة والمنتجات المصرية عبر خطاب سلبي متكرر ومتشابه تدعمه حسابات عالية التشابه وأوسمة تحريضية موحَّدة.

 

أُنجز هذا التحقيق بدعم من مجتمع التحقق العربي (AFH)

آية ياسر
صحافية وكاتبة وروائية مصرية حاصلة على بكالوريوس الإعلام- جامعة القاهرة.

Search