close

من “التمويل الغبي” إلى وعود بالحل… لماذا يتحدث ترامب عن سد النهضة الآن؟

في ظل تصريحات مفاجئة من دونالد ترامب حول سد النهضة، ترفض مصر أي مقايضات تمس أمنها المائي، وتتمسك باتفاق قانوني ملزم مع إثيوبيا وسط تصاعد الخطر من استمرار التشغيل الأحادي للسد.
Picture of رشا عمار

رشا عمار

أعادت تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد وترامب، حول سد النهضة الأثيوبي، الجدل مجددًا حول احتمالات توسط الولايات المتحدة لحل الأزمة المحتدمة بين القاهرة وأديس أبابا بشأن ألية تشغيل السد، فيما تشير تصريحات رسمية إلى تضرر مصر فعليًا من عملية التشغيل المبدئي، ويتوقع أن تزداد المخاطر مع استمرار التشغيل الأحادي من الجانب الأثيوبي دون التوصل لاتفاق يضمن حصة مصر العادلة في مياه النيل.

وللمرة الثالثة خلال أيام تحدث ترامب عن الأزمة، إذ  قال: “تم التعامل مع مصر وإثيوبيا، كما تعلمون كانتا تتقاتلان بسبب السد، إثيوبيا بنت السد بأموال الولايات المتحدة إلى حد كبير، إنه واحد من أكبر السدود في العالم”، مضيفًا في تصريحاته التي نقلتها وسائل إعلام وتداولها مستخدمون على منصة “إكس”، تويتر سابقا: ” لكنه يعاني من مشكلة صغيرة، إنه لا يسمح بمرور الكثير من المياه إلى نهر النيل، يمكنكم أن تتخيلوا أن مصر غير سعيدة بذلك، لأنها تعتمد في حياتها على نهر النيل، النيل هو دمها، هو قلبها، هو كل شيء لها، نعتقد أننا تعاملنا مع هذا الموضوع بشكل جيد إلى حد بعيد”.

وأردف ترامب في كلمته: “لكن ما حدث كان أمرا سيئا، كنت أتابع الأمر أثناء بناء السد، تلقيت صورًا وأقمارًا صناعية وكل شيء ونظرت إلى هذا السد الضخم، وقلت هل سيمنع المياه من الوصول إلى نهر النيل؟ على أي حال لم يكن يجب أن يحدث الأمر بهذه الطريقة، لكن تم تمويله من قبل الولايات المتحدة، كل هذا يبدو مجنونا بعض الشيء، وأعتقد أن هذا الأمر سيحل على المدى الطويل”.

من جهته رد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في تغريدة له على تصريحات نظيره الأمريكي، وأكد أن موقف مصر من قضية السد ثابت لا يتغير بتغير التصريحات الدولية أو المواقف السياسية. وجاء في بيان رسمي صادر عن رئاسة الجمهورية أن مصر تُثمن أي مواقف تعترف بحقوقها التاريخية في مياه النيل، لكنها في الوقت نفسه تشدد على أن أمنها المائي “خط أحمر” لا يمكن تجاوزه أو التهاون فيه. وأكد الرئيس السيسي أن مصر لن تقبل أي وساطة أو تحركات دولية لا تنطلق من احترام هذه الحقوق، ولن تُستدرج إلى أي مقايضة تمس مصالحها الاستراتيجية، مشيرًا إلى أن الدولة المصرية تواصل تحركاتها الدبلوماسية مع كل الأطراف، ولن تتخلى عن الدفاع عن حقوق الشعب المصري في مياه النيل، سواء عبر التفاوض أو من خلال الخيارات الأخرى المتاحة.

وقبل أيام أقر وزير الري والموارد المائية المصري، هاني سويلم، أن بلاده تأثرت من ملء السد الإثيوبي وكل كمية مياه يتم ملؤها من السد الإثيوبي تخصم من حصة مصر والسودان، موضحًا أن تخفيف حدة آثار الملء كان بسبب توفر كميات أمطار فوق المتوسط ساعدتهم في فرصة اتخاذ إجراءات من دون أن يشعر المواطن أو المزارع العادي بمعاناة. وأوضح في تصريحات تلفزيونية أن السد لم يكتمل حتى الآن وبه 13 توربين وما تم تركيبه 8 فقط ويعمل منها من 5 إلى 6 توربينات بشكل تبادلي، مشددًا على أن اكتمال بناء السد من عدمه يخص الجانب الإثيوبي وما يعني مصر هو عدم تأثر موارد مصر المائية في الوقت الحالي ومستقبلًا.

 

نوصي للقراءة: الملء الخامس لسد النهضة: تحديات جديدة للحكومة المصرية

كيف نقرأ تصريحات ترامب؟

تؤكد سارة كيرة، – مديرة المركز الأوروبي الشمال أفريقي للأبحاث-، أن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة بشأن سد النهضة تمثل، في تقديرها، محاولة للضغط على مصر لدفعها نحو قبول المخططات الإسرائيلية في المنطقة، مقابل وعود بتأمين احتياجاتها المائية ودعم موقفها في قضية السد. مشددة في تصريح خاص إلى زاوية ثالثة، على أن مصر، بحكم تاريخها وقدرتها على حماية أمنها المائي، لا تخضع لمثل هذه الضغوط، وتمتلك من الوسائل ما يمكّنها من الدفاع عن مصالحها الاستراتيجية، سواء عبر أدوات الدبلوماسية أو من خلال تحركاتها الإقليمية والدولية.

وتشير كذلك إلى أن توقيت تصريحات ترامب يتزامن مع تحركات مصرية نشطة لإيجاد آلية جديدة للتعامل مع أزمة سد النهضة من خلال تكتل “البريكس”، في ظل سعي القاهرة لتكريس موقعها كعضو فاعل داخل هذا التكتل، بما ينسجم مع توجهاتها لتعزيز مصالحها بعيدًا عن الضغوط التقليدية من القوى الكبرى. لافتة إلى أن ترامب يقرأ هذه التحركات المصرية باعتبارها خطوات تصعيدية، ما يدفعه إلى إطلاق تصريحات يدّعي فيها امتلاكه مفاتيح الحل، رغم أن الإدارات الأمريكية السابقة، بما فيها إدارته، سبق أن دعمت بناء السد في مراحل سابقة.

بالإضافة إلى ذلك تؤكد الباحثة المصرية المعنية بالشؤون الدولية، على أن الولايات المتحدة سبق أن دخلت على خط الوساطة في مفاوضات سد النهضة، لكنها لم تلعب الدور الفاعل أو المؤثر، الأمر الذي يجعل من الصعب، برأيها، أن تقبل مصر بوساطة أمريكية جديدة ما لم يقدم الجانب الإثيوبي الضمانات الكافية لحل الأزمة من جذورها، من خلال توقيع اتفاق قانوني مُلزم يحفظ الحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل، وهو حق أصيل لا يمكن التنازل عنه.

ومن جهته، يؤكد محمد حامد، – مدير منتدى شرق المتوسط للدراسات-، أن تصريحات الرئيس الأمريكي الأخيرة تُعدّ جيدة ومهمة، خاصة إذا وُضعت في سياق الرواية المصرية الرسمية، والرؤية المصرية لحقوقها المائية وأمنها القومي. مشددًا على أن هذه الحقوق تحظى بتقدير والتزام أمريكي، وهو التزام تعهدت به الولايات المتحدة خلال الحوار الاستراتيجي المصري-الأمريكي الذي عُقد في عام 2021 بين وزير الخارجية المصري آنذاك سامح شكري، ونظيره الأمريكي في إدارة الرئيس بايدن، ويلفت إلى أن التصريحات الأمريكية الأخيرة تمثل امتدادًا لهذا الالتزام، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على صون حقوق مصر المائية.

ويضيف حامد أن الإدارة الأمريكية، من خلال تكرار هذه التصريحات، ترسل رسائل إيجابية تجاه مصر، وهو ما دفع الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى التفاعل معها بإصدار بيان رسمي يرحب فيه بتصريحات الرئيس الأمريكي، معتبرًا إياها تصب في صالح الحفاظ على حقوق الشعب المصري في مياه النيل.

ويرى مدير منتدى شرق المتوسط للدراسات أن مصر تتطلع لأن تبادر الولايات المتحدة مجددًا بإحياء مبادرتها التي أطلقتها في عام 2019 برعاية وزارة الخزانة الأمريكية، والتي أسفرت حينها عن مفاوضات مباشرة جمعت وزراء الخارجية والموارد المائية من مصر وإثيوبيا والسودان، ويُذكّر بأن هذه المفاوضات كانت تهدف إلى التوصل لوثيقة اتفاق ملزمة تنظم ملء وتشغيل سد النهضة.

ويوضح حامد أن مصر وقّعت بالفعل على هذه الوثيقة بالأحرف الأولى، في حين تهرّبت إثيوبيا من التوقيع، وامتنع السودان عن المشاركة في التوقيع النهائي. ويؤكد أن هذه الخطوة تمثل محطة تفاوضية مهمة، كانت تهدف إلى تثبيت حقوق مصر والسودان القانونية في مياه النيل، بما يضمن مصالح الدولتين كدولتي مصب في مواجهة التصرفات الأحادية لإثيوبيا كدولة منبع.

ويشير حامد إلى أن القاهرة تأمل في أن تعيد واشنطن تحريك هذه المبادرة، وتعمل على جمع الأطراف الثلاثة، مصر والسودان وإثيوبيا، مجددًا حول طاولة المفاوضات، من أجل استكمال ما بدأ في واشنطن، والضغط باتجاه توقيع اتفاق ملزم يضمن استقرار المنطقة ويحفظ الحقوق المائية لدولتي المصب. مؤكدً على أن إعادة طرح وثيقة واشنطن من شأنها أن تساهم في وقف الممارسات الأحادية من جانب أديس أبابا، وتحقيق التوازن المطلوب في قضية تُعدّ من أخطر قضايا الأمن القومي المصري.

 

نوصي للقراءة: دور الاتحاد الأفريقي في أزمة سد النهضة

عجز مائي يهدد الأمن القومي

تعتمد مصر بنسبة تصل إلى 97% على مياه نهر النيل، وهو ما يجعل أي تهديد لحصتها المائية بمثابة خطر مباشر على أمنها القومي. فعلى الرغم من أن احتياجات مصر المائية تبلغ نحو 114 مليار متر مكعب سنويًا، إلا أن الموارد المتاحة لا تتجاوز 60 مليار متر مكعب، وهو ما يخلق عجزًا مائيًا يقدَّر بـ54 مليار متر مكعب سنويًا.

ويُعد السد العالي في أسوان أكبر محطة كهرومائية في إفريقيا بقدرة 2100 ميجاوات، وفق بيانات وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة. غير أن الدراسات العلمية تحذر من أن التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة سيؤديان إلى زيادة معدلات تبخر مياه النيل، مما يقلل من تدفقات النهر بنسبة قد تتجاوز 0.5%. وتشير التقديرات إلى أن معدلات البخر الحالية في خزان أسوان تصل بالفعل إلى نحو 10%.

ومع تصاعد درجات الحرارة وتزامن ذلك مع تطبيق خطط حكومية لترشيد استهلاك الطاقة وتخفيف الأحمال، تزداد حاجة المواطنين للمياه النظيفة، مما يفرض ضرورة إعادة النظر في حصة مصر المائية، خاصة في ظل الضغط المتزايد على الموارد.

تتوقع منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) أن ترتفع درجات الحرارة في بعض مناطق مصر ما بين 1.8 و3.6 درجات مئوية خلال القرن الحالي. هذا الارتفاع سيضاعف الحاجة لاستهلاك المياه في الزراعة مع زيادة معدلات التبخر في نهر النيل وشبكات الري، بينما من المتوقع ألا يتواكب العرض مع الطلب، ما يهدد بانعدام الأمن المائي وحدوث أزمة اقتصادية خانقة.

ومنذ بدء إثيوبيا بناء سد النهضة في عام 2011، تعتبر مصر المشروع تهديدًا حقيقيًا لأمنها المائي. وفي السنوات الأخيرة، حرصت القاهرة على إبراز التكلفة الاقتصادية الكارثية لملء وتشغيل السد من طرف واحد. ووفق تقديرات رسمية، فإن نقصان مليار متر مكعب فقط من حصة مصر من مياه النيل قد يؤدي إلى فقدان 290 ألف وظيفة، وتدهور إنتاجية 130 ألف هكتار، وزيادة واردات الغذاء بنحو 150 مليون دولار، إضافة إلى خسارة 430 مليون دولار من عوائد الإنتاج الزراعي، بحسب ما تم تقديمه أمام مجلس الأمن الدولي.

يؤكد التقرير الوطني الثالث المقدم إلى لجنة الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، أن موارد المياه العذبة والزراعة هما أكثر القطاعات عرضة لتداعيات التغير المناخي في مصر، سواء نتيجة ارتفاع درجات الحرارة أو تناقص كميات الأمطار. ولتقليل استهلاك المياه، خفضت الحكومة المصرية بالفعل المساحة المزروعة بالأرز من 1.76 مليون فدان إلى 750 ألف فدان، في خطوة تستهدف توفير نحو 3 مليارات متر مكعب من المياه سنويًا.

لكن التحديات تظل ماثلة؛ إذ تتوقع الدراسات أن تنخفض المساحة الزراعية في صعيد مصر بنسبة تصل إلى 29.47%، وفي دلتا النيل، سلة غذاء مصر، بنسبة 23.03%. وسيؤدي هذا التراجع، إلى جانب تدهور إنتاج الأرز والمحاصيل الأساسية الأخرى مثل الفاكهة والخضروات، إلى تهديد الأمن الغذائي ورفع أسعار الغذاء، ما ينذر بمخاطر اقتصادية واجتماعية كبيرة، لا سيما وأن الزراعة تمثل نحو 23% من سوق العمل في مصر.

أقر وزير الموارد المائية والري المصري السابق، محمد عبد العاطي، بأن مصر تواجه عجزًا مائيًا يقدَّر بنحو 20 مليار متر مكعب سنويًا. وبينما تصل احتياجات البلاد إلى 80 مليار متر مكعب، فإن إجمالي الموارد العذبة المتاحة لا يتجاوز 60 مليار متر مكعب. ولسد هذه الفجوة، تعتمد مصر على إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، والمياه الجوفية السطحية في الوادي والدلتا، فضلاً عن استيراد كميات من الغذاء تعادل استهلاك 34 مليار متر مكعب من المياه سنويًا.

ومع مرور السنوات، شهد نصيب الفرد من المياه العذبة في مصر تراجعًا خطيرًا، حتى بات أقل من حد الفقر المائي العالمي البالغ 1000 متر مكعب سنويًا، وهو ما يُنذر بتعقيد الأزمة المائية ومضاعفة انعكاساتها السلبية على مختلف مناحي الحياة.

ومن جانبه يعلق الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، على تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن سد النهضة، قائلًا إن ترامب يسعى لاستثمار هذه الأزمة في محاولة للظهور مجددًا بمظهر صانع السلام، وربما الترويج لنفسه كمرشح محتمل لجائزة نوبل للسلام.

ويشير شراقي في حديث إلى زاوية ثالثة إلى أن ترامب تناول قضية سد النهضة مرتين في أقل من شهر، الأولى في 21 يونيو 2025 حين كتب في تغريدة أن “الولايات المتحدة موّلت غبيًا السد الإثيوبي الذي قلل من تدفق المياه إلى نهر النيل”، والثانية في 14 يوليو حين أكد أنه عمل على ملف مصر مع “جارتها الجيدة إثيوبيا”، التي “بنت سدًا يمنع تدفق المياه إلى نهر النيل”، مؤكدًا أن بلاده قادرة على حل الأزمة بسرعة لأنها “تُبرم صفقات جيدة”.

ويذكر شراقي أن ترامب كان بالفعل راعيًا لجولة المفاوضات التي جرت بين نوفمبر 2019 وفبراير 2020، والتي انتهت بفشل التوقيع على اتفاق بعد تغيب إثيوبيا عن الجلسة النهائية، رغم توقيع مصر بالأحرف الأولى. وعقب ذلك، فرض ترامب عقوبات محدودة على أديس أبابا، قبل أن تلغيها إدارة بايدن لاحقًا. ويضيف أن انشغال ترامب بأزمة كورونا والانتخابات الأمريكية حينها حال دون استكمال جهوده في الملف.

 

نوصي للقراءة: أزمة المياه تتفاقم في مصر: انقطاعات متكررة وارتفاع في الأسعار

 ورقة للمساومة؟

يشدد الدكتور عباس شراقي على أن أزمة سد النهضة، رغم خطورتها على الأمن المائي المصري، لا يجب أن تُستخدم كورقة مساومة في قضايا أخرى مثل تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وهو مطلب ترفضه مصر بشكل قاطع، ويوضح أن السنوات الخمس الماضية، التي شهدت مراحل الملء الأول والثاني والثالث والرابع والخامس، مثلت التحدي الأصعب لمصر، حيث اعتمدت خلالها على السد العالي والتدابير الفنية لتجنب كارثة مائية، وهو ما نجحت فيه الدولة المصرية حتى الآن.

ويشير إلى أن الوضع هذا العام أفضل، إذ من المتوقع أن يصل إيراد النيل السنوي كاملًا إلى مصر سواء عملت توربينات السد الإثيوبي أم لم تعمل. ويرى أن فرصة ترامب لقيادة وساطة جديدة قائمة بالفعل، خصوصًا أن الخلاف حول عدد سنوات الملء — الذي كان نقطة تعقيد رئيسية، قد انتهى مع اكتمال الملء الخامس والأخير، ما يجعل الطريق مفتوحًا أمام اتفاق ينظم الملء المتكرر والتشغيل ويحد من مخاطر السعة التخزينية الكبيرة على السودان ومصر.

يؤكد شراقي أن بحيرة سد النهضة تقترب من استعادة مخزونها السابق البالغ 60 مليار متر مكعب عند منسوب 638 مترًا، بعد أن وصلت إلى 58 مليار متر مكعب خلال يوليو 2025. وهذا يضع إثيوبيا أمام أحد خيارين: إما فتح بوابات المفيض كما حدث في سبتمبر الماضي، أو مواصلة التخزين حتى يصل المنسوب إلى 640 مترًا، ما سيؤدي إلى تدفق المياه عبر الممر الأوسط في أول اختبار حقيقي له كمفيض طبيعي، وهو ما قد يحدث بنهاية يوليو الجارى.

ويحذر شراقي من أن استمرار إثيوبيا في التخزين مع بداية موسم الأمطار يمثل مغامرة خطرة، خاصة على السودان، مؤكدًا أن القاعدة الفنية الطبيعية تقضي بتفريغ السدود قبل موسم الأمطار لا أثناءه.

وحول وضع التوربينات، يشير شراقي إلى أن المعلومات المتاحة غير مؤكدة بالكامل. فمن المؤكد تركيب توربينين في 2022 وتوربينين آخرين في 2024، جميعها افتتحها رئيس الوزراء الإثيوبي، لكن الأرقام حول العدد الإجمالي المثبت حاليًا تختلف بين الروايات الإثيوبية والروايات المصرية. وكان وزير الري المصري قد أشار إلى أن عددها بلغ ثمانية، بينما تحدثت مصادر إثيوبية عن تركيب اثنين آخرين.

 

فشل المفاوضات

على مدار أربع جولات تفاوضية متتالية، فشلت مصر وإثيوبيا في التوصل إلى أي اتفاق بخصوص أزمة سد النهضة. وفي ديسمبر 2023، أعلنت القاهرة رسميًا فشل الجولة الأخيرة من المفاوضات التي استمرت أربعة أشهر، مؤكدة أن أديس أبابا استغلت مسار التفاوض كغطاء لفرض سياسة الأمر الواقع، دون مراعاة لمصالح دولتي المصب، مصر والسودان. وأكدت مصر، في بيان رسمي، أنها ستواصل مراقبة كل ما يتعلق بعمليات الملء والتشغيل عن كثب، مع احتفاظها الكامل بحقها في الدفاع عن أمنها المائي.

ويعود أصل الأزمة إلى مارس 2015، حين وقع الرئيس عبد الفتاح السيسي في الخرطوم “إعلان مبادئ” مع إثيوبيا والسودان، وهو اتفاق نصّ على التزام إثيوبيا بمراعاة احتياجات مصر والسودان المائية، وتجنب إلحاق أي أضرار جسيمة بهما خلال بناء وملء سد النهضة على مجرى النيل الأزرق، الرافد الرئيسي لنهر النيل. إلا أن الممارسات الإثيوبية اللاحقة، بحسب القاهرة، خالفت هذا الالتزام.

وفي يونيو 2021، لجأت مصر إلى مجلس الأمن الدولي، في محاولة لحشد موقف دولي يضغط على إثيوبيا لتجميد تحركاتها الأحادية بشأن بناء السد وملئه. غير أن مجلس الأمن اكتفى حينها بحثّ الدول الثلاث على مواصلة التفاوض تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، وهو ما رأت فيه مصر والسودان موقفًا لا يرقى إلى مستوى خطورة التهديد.

تعتبر القاهرة أن قرار إثيوبيا بالشروع في بناء السد عام 2011 كان تجاهلاً صريحًا لحقوق 110 ملايين مصري و46 مليون سوداني يعتمدون على مياه النيل كمصدر شبه وحيد للمياه العذبة. ومنذ ذلك الحين، تحاول مصر دفع أديس أبابا إلى اتفاق عادل ومتوازن، خاصة فيما يتعلق بأكثر بنود النزاع حساسية: جدول ملء خزان السد، وتأثيره المباشر على التدفقات المائية لدولتي المصب.

طالبت مصر بجدول ملء يمتد لسبع سنوات على الأقل، لتجنب حدوث أي عجز حاد في المياه يهدد الأمن الغذائي والاقتصادي لمواطنيها. في المقابل، أصرت إثيوبيا على ملء الخزان خلال ثلاث سنوات فقط، وهو ما نفذته فعليًا خلال الملء الأول والثاني والثالث والرابع الذي تم إعلان اكتماله في سبتمبر 2023، دون اتفاق مع مصر أو السودان.

الخلاف لا يقتصر على نتائج التفاوض، بل يمتد إلى كيفية إدارة المفاوضات نفسها، فبينما تطالب مصر والسودان بتدويل القضية واللجوء لوساطة دولية متعددة الأطراف، تشمل الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تصر إثيوبيا على أن يبقى الاتحاد الأفريقي هو الجهة الوحيدة الراعية للتفاوض، رغم أن جولات الرعاية الأفريقية السابقة لم تُسفر عن أي تقدم ملموس. وتؤكد مصر والسودان على ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم يحدد بدقة قواعد ملء وتشغيل السد، خاصة في أوقات الجفاف أو الجفاف الممتد. بالمقابل، ترفض إثيوبيا فكرة الاتفاق الملزم، معتبرة ذلك تدخلًا في سيادتها الوطنية.

حتى منتصف 2025، لا يبدو أن هناك أي اختراق في الأفق، إذ لا توجد مؤشرات على استئناف مفاوضات جادة، ولا توافق على مسار واضح للحل.، ومع تشغيل السد بشكل شبه كامل وزيادة تأثير التغيرات المناخية على مياه النيل، تحذر دوائر دبلوماسية واقتصادية من أن تتحول الأزمة إلى نزاع أكثر حدة، يهدد ليس فقط استقرار مصر وإثيوبيا، بل أمن المنطقة ككل.

 

رشا عمار
صحفية مصرية، عملت في عدة مواقع إخبارية مصرية وعربية، وتهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية.

Search