في عام 2009، بدأ ممدوح فتحي تحقيق حلمه ببناء منزل كبير يطل على البحر في حي الريسة، أحد أحياء مدينة العريش، عاصمة محافظة شمال سيناء. اشترى قطعة أرض وشرع في وضع أساسات البناء، واستمر العمل لعدة سنوات. وحين اكتمل المنزل وصار جاهزًا للسكن، حالت الظروف الأمنية والعمليات الإرهابية التي شهدتها شمال سيناء بينه وبين الانتقال إليه، ولم يسكنه إلا في عام 2016. وبعد ثلاث سنوات فقط، فوجئ ممدوح، كآلاف من سكان الحي، بصدور القرار الجمهوري رقم 330 لسنة 2019، الذي نص على اعتبار ميناء العريش ومحيطه من أعمال المنفعة العامة، ونقل تبعيته لاحقًا إلى القوات المسلحة، لتبدأ بذلك معاناة السكان مع قرارات الإزالة التي تطال منازلهم.
ورغم أن أسرة ممدوح تعيش في المنزل منذ تسع سنوات، فإن بعض المتضررين من الإزالات أقاموا في الحي منذ أكثر من 25 أو 30 سنة. يضم الحي عمارات سكنية من أربعة إلى خمسة طوابق تسكنها عدة أجيال من الأسرة الواحدة، بالإضافة إلى عدد من الفيلات. وكغيره من السكان الذين تحدثوا إلى “زاوية ثالثة”، يشكو ممدوح من تدني قيمة التعويضات، التي تُقدَّر وفق أسعار عام 2019، رغم ما شهدته أسعار العقارات من تضخم كبير منذ ذلك الحين.
يقول ممدوح: “على سبيل المثال، يُعطى تعويض يتراوح بين 600 و800 ألف جنيه عن منزل تزيد مساحته عن 150 مترًا ويضم حديقة وأشجارًا مثمرة، بينما تُباع الشقق حاليًا في مدينة العريش بأسعار تتراوح بين مليون ونصف ومليون و800 ألف جنيه”. ويستشهد بحالة شخص يمتلك قصرًا فيه حمام سباحة وسقف صيني، حصل على تعويض لا يتجاوز مليونًا و300 ألف جنيه، في حين لا يمكن شراء شقة متوسطة بأقل من هذا المبلغ. ويرى أن المنطقة تشكل “ظهيرًا سكانيًا”، وكان بالإمكان التعامل معها ضمن القرار رقم 330 الذي شمل الكتلة السكنية، إلا أن الإزالات عادت في مراحل رابعة وخامسة.
ويحكي لـ”زاوية ثالثة” كيف يعاني سكان منطقة الميناء من قرارات الإزالة التي تنفذها السلطات المحلية ضمن ما يُعرف بمخططات التطوير أو توسعة الطريق الساحلي، مشيرًا إلى أن الهدم يجري مؤخرًا بشكل مفاجئ، حيث تصل الجرافات صباحًا وتهدم منزلًا أو اثنين يوميًا، دون انتظار السكان لإخلاء منازلهم أو نقل أثاثهم، بخلاف ما كان يحدث سابقًا. ويصف ذلك بأنه شكل من أشكال الضغط النفسي لدفع السكان إلى المغادرة دون مقاومة، في إطار ما يسميه “خطة محكمة” لتفادي تجمعات أو احتجاجات جماعية.
ويضيف: “حاولت الحكومة سابقًا تهدئة الأوضاع، فأوفدت الوزير كامل الوزير إلى لقاء مع الأهالي في يوليو 2023، وقدّم اعتذارًا باسم الدولة ورئيس الجمهورية، لكن الوعود لم تُنفّذ، واستُؤنفت الضغوط وعمليات الهدم بشكل منهجي وتدريجي. ما يحدث هو إهدار لحقوق المواطنين وحرمانهم من مساكنهم دون تعويض عادل أو بديل مناسب”.
ويشير إلى أن الأراضي التي يملكها تطل مباشرة على البحر وتتمتع بجميع المرافق، بينما تُعرض عليه أراضٍ بديلة في منطقة جبلية تبعد أكثر من كيلومتر عن الشاطئ، ولا تضاهيها في القيمة أو الخدمات. ويُظهر استياءه من أن هذه الأراضي تُمنح كـ”حق انتفاع” وتُباع له بأسعار مرتفعة، ما يحمّله أعباء مالية إضافية. كما ينتقد غياب الشفافية في تقدير التعويضات، إذ يُطلب من الأهالي التوقيع وتسليم بيوتهم دون معرفة قيمة المبلغ الذي سيُودع في البنك، ويصف هذه الآلية بأنها تشبه “السر الحربي”، إذ يُجبر المواطن على القبول بالأمر الواقع دون تفاوض.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد أصدر في يوليو 2019 القرار الجمهوري رقم 330 لسنة 2019، الذي نشرته الجريدة الرسمية، وينص على اعتبار ميناء العريش بمحافظة شمال سيناء، وجميع منشآته ومرافقه، وأي أراضٍ أو منشآت أخرى يحتاجها، من أعمال المنفعة العامة، باستثناء المواقع العسكرية المخصصة لشئون الدفاع عن الدولة. كما نص القرار على أن تتولى الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس تمويل وتنفيذ وتطوير وإدارة وتشغيل الميناء، على أن تتولى وزارة الدفاع إجراءات تأمين المنطقة، وأن يُوقَّع بروتوكول بين الجهتين يحدد الالتزامات الفنية والمالية والقانونية المتعلقة بالإدارة.
وبعد عامين، أصدر السيسي القرار الجمهوري رقم 465 لسنة 2021، الذي استبدل نص المادة الثانية من القرار السابق، ليقضي بنقل تبعية ميناء العريش، وإعادة تخصيص جميع الأراضي المحيطة به واللازمة لأعمال التطوير لصالح القوات المسلحة، بمساحة إجمالية تبلغ 541.82 فدان، ضمن نطاق محافظة شمال سيناء. وعلى مدار العامين الماضيين، أزالت الجرافات منازل الأهالي في المراحل الأولى والثانية والثالثة من مشروع التطوير.

نوصي للقراءة: عطش شمال سيناء: أزمة مياه تمتد وتتمدَّد

من الفقد إلى الإخلاء: شهادات من حي الميناء
لا تقتصر خسائر الأهالي الناتجة عن الإزالات في حي الريسة بمدينة العريش، بحسب رشا الفرجاني، على الجانب المادي فقط. فقد أمضت مع أسرتها نحو 15 عامًا في منزلها هناك، وارتبطت ذكرياتها بجدرانه. وعندما فقدت أحد أبنائها خلال العملية الشاملة في سيناء، اختارت أن يكون قبره في حديقة المنزل، ليظل قريبًا منها دائمًا. وتقول: “دفنت ابني أمام البيت، ولن أحتمل فراق هذا المكان.”
تحكي رشا أن أزمة الإزالات بدأت منذ عام 2019 حين طُرحت فكرتها للمرة الأولى، لكنها دخلت حيز التنفيذ فعليًا في منتصف عام 2023. وتؤكد أن منازل كثيرة هُدمت بالفعل، وأُجبر كثير من السكان على مغادرة بيوتهم دون الحصول على تعويضات مستحقة. وتشير إلى أن الحكومة منحت بعض الأسر شققًا مؤقتة للسكن لا تتجاوز مدتها ستة أشهر، ثم طُلب منهم مغادرتها.
وتوضح لـ”زاوية ثالثة”: “قالوا لنا إن الشقة قيمتها 350 ألف جنيه، ثم اكتشفنا لاحقًا أن السعر الحقيقي هو 960 ألفًا، والمبلغ الأول مجرد دفعة مقدمة. المشكلة أن التعويضات حُسبت وفق أسعار عام 2019، وهو ما لا يعكس أسعار السوق الحالية. معظم العائلات كانت تقيم في منازل بمساحات تتراوح بين 150 و200 متر مربع، في حين أن الشقق البديلة المعروضة لا تتجاوز 65 مترًا، وهي بالكاد تفي بأبسط متطلبات المعيشة.”
وتتابع أن الفريق كامل الوزير، وزير النقل، زار الحي في يوليو 2023، واجتمع مع السكان وقدّم اعتذارًا باسم رئيس الجمهورية، مؤكدًا أن الإزالات لن تُنفذ إلا بموافقة الأهالي، وأن من يشعر بالرضا فقط سيغادر منزله. لكن رشا تفيد بأنها فوجئت بعد الاجتماع بفترة وجيزة بإرسال المحافظة إخطارًا إلى لجنة من السكان تطلب فيه بدء أعمال الإزالة، دون أي اعتبار لما تم الاتفاق عليه.
وتقول: “قالوا لنا: لن تُزال منازلكم إلا إذا كنتم راضين، ثم عادوا بعد أيام يطالبون بالبدء في الإزالات وكأن شيئًا لم يحدث. المحافظ ونائبه تحدثوا معنا بنفس لهجة الوزير، لكن أحدًا لم يلتزم بأي وعد.” وتعتبر أن تسارع وتيرة الإزالات، خاصة بعد انتهاء امتحانات الثانوية العامة، يعكس ضغوطًا من أجل تسليم الأرض للمستثمرين، دون مراعاة لمصير الأسر التي ستُترك بلا مأوى.
وتضيف أن حي الميناء يتكوّن من عمارات سكنية مرخصة، تتراوح بين طابقين وخمسة طوابق، ومعظم المباني مزودة بالمرافق الرسمية من مياه وكهرباء وخطوط هاتف. ويملك عدد من السكان سندات ملكية رسمية (السند الأخضر). وتشير إلى أن الأرض التي أُقيم عليها المعهد الأزهري في الحي، والذي تنوي السلطات هدمه، كانت تبرعًا من الأهالي لصالح أطفال المنطقة. وتتساءل: “إذا كانت الدولة هي من أدخلت البنية التحتية لهذه المنطقة، فلماذا تهدمها الآن؟”
وتختتم حديثها قائلة: “نحن لا نرفض التطوير، لكننا نرفض أن يتم على حساب كرامتنا وأمننا. نطالب بحلول عادلة تحترم إنسانيتنا. ابنوا لنا حيًا سكنيًا بديلًا، وسلّمونا مساكننا الجديدة قبل أن تهدموا بيوتنا. ما نمرّ به قاسٍ وغير عادل، ونحتاج إلى تدخل حقيقي يضع حدًا لهذه المأساة.”
وفقًا لبيانات محافظة شمال سيناء فإن منطقة تطوير ميناء العريش تضم نحو 1108 منشآت سكنية، و32 مبنى تجاريًا، و23 منشأة حكومية، بالإضافة إلى مجمع شاليهات “نجمة سيناء”، ويهدف مشروع تطوير ميناء العريش، والذي تٌشرف عليه القوات المسلحة، لزيادة القدرة الاستيعابية للميناء، لاستقبال السفن الكبيرة، خاصة الحاويات، ويشمل توسيع مساحة الميناء لتصل إلى 371 فدانًا، مع إنشاء أرصفة جديدة بطول 2250 مترًا وحواجز أمواج بطول 2700 متر، وإنشاء حوض جديد للحاويات بطول 3200 متر، مما يتيح استقبال سفن الحاويات لأول مرة في الميناء، إضافة إلى إنشاء 6 صوامع لتخزين الأسمنت بطاقة تخزينية تبلغ 75 ألف طن.

نوصي للقراءة: المهجرون من رفح المصرية بين النزوح القسري و مطالبات العودة
عراقيل صرف التعويضات والبناء
تسود حالة من الغضب واليأس بين كثير من المتضررين من مشروع إزالة حي الميناء في مدينة العريش، ومن بينهم منير عادل (اسم مستعار)، الذي يوضح أنه من سكان المرحلة الثالثة للإزالات، ورغم صدور قرار رسمي بصرف نسبة الـ20٪ من التعويضات التي وعد بها الفريق كامل الوزير في عام 2023، فإن السلطات لم تلتزم حتى الآن بتنفيذ القرار.
ويشير منير إلى أنه حصل على ترخيص لنقل البناء، لكنه لم يتمكن من استكماله، إذ لم تصله خدمات المياه والكهرباء، ولم تعترف الجهات المختصة بمنشور المحافظ، كما لم يعتمد مجلس المدينة الرسم الهندسي للمبنى الجديد، ما عطّل استقرار حياته من جديد. وينتقد عدم تفعيل ما يُعرف بـ”كروت الخصم” التي أعلن عنها المحافظ لتخفيف الأعباء عن الأهالي، مشيرًا إلى أنها لم تُنفذ فعليًا، رغم الترويج لها عبر إذاعة شمال سيناء، ولم يستفد منها أحد من السكان أو التجار.
يقول لـ”زاوية ثالثة”: “ما يحدث ظلم وقهر صريح. لقد هُدم منزلي، ومنذ ذلك الوقت أعيش مشتتًا بعيدًا عن أولادي وأحفادي دون تعويض حقيقي. كنا حماة لأرضنا وبيوتنا في وجه الإرهاب ولم نخشَ الموت، وحين انتهى الإرهاب طُلب منا الرحيل بحجة التنمية، فقبلنا، لكننا طالبنا بأن يُسمع صوتنا ويُعترف بحقوقنا. كثير من العائلات التي غادرت منازلها تعيش الآن في ظروف اقتصادية قاسية، وهو ما دفع كثيرين من السكان المتبقين إلى التمسك ببيوتهم ورفض مغادرتها”.
ويقارن منير بين تكلفة بناء الوحدات السكنية التي شيّدتها المحافظة وقدّمتها كمقياس لتعويض الأهالي، موضحًا أن التكلفة، وفق المناقصة الصادرة عام 2022، بلغت 425 ألف جنيه، لكنها وصلت في النهاية إلى 960 ألف جنيه. ويتساءل: “لماذا دفعت المحافظة هذا الفرق للمقاولين ولم تدفعه لنا؟”
وكانت محافظة شمال سيناء قد خصصت، في نهاية عام 2022، أراضي بديلة للسكان الذين أزيلت منازلهم، في مناطق جنوب حي الريسة وجنوب حي الزهور بمدينة العريش، بواقع 130 مترًا مربعًا كحد أقصى عن كل منزل، وفي يوليو 2023، عقد الفريق كامل الوزير، وزير النقل، اجتماعًا مع اللجنة الممثلة للمحتجين، وقدم خلاله اعتذارًا لأهالي حي الريسة في العريش، متعهدًا بصرف تعويضات مُرضية للمتضررين، والتوقف عن هدم المنازل لحين تقديم تعويضات عادلة وتوفير بدائل مناسبة للسكان.
نوصي للقراءة: يملكها العرجاني.. ما نعرفه عن مدينة “السيسي” الجديدة
التعويضات
النائب رحمي بكير، عضو مجلس النواب عن شمال سيناء، أكد تضامنه الكامل مع أهالي حي الميناء في مدينة العريش، الذين تضرروا من الإزالات المرتبطة بإنشاء مشروع ميناء العريش الجديد، معتبراً أن الأزمة الأساسية تتمثل في عدم عدالة التعويضات المقدّمة مقارنة بالأسعار الحالية للعقارات، وموضحًا أن الأهالي ليس لديهم اعتراض على مبدأ الإزالة إذا كانت للصالح العام، لكنهم يشترطون الحصول على تعويض عادل يمكّنهم من تأمين سكن بديل، وهو ما طالب به النائب مراراً لدى الجهات المسؤولة، وعلى رأسها المحافظ والإدارة المعنية بالمشروع.
يقول لـ”زاوية ثالثة”: “قرار الإزالة صادر منذ عام 2019 بقرار جمهوري، وقد شهدت الأسعار منذ ذلك الحين تغيّرات جذرية؛ حيث بدأ تسعير المتر للمباني بـ1200 جنيه فقط، ثم ارتفع بعد الاعتراضات إلى 3500 جنيه. لكنه أكد أن هذا السعر لا يكفي حالياً لشراء أو بناء مسكن بديل، مشيراً إلى أن سعر المتر الحقيقي حالياً لا يقل عن 8000 إلى 9000 جنيه، ما يجعل التعويض المقدم – الذي يصل في أحسن “الأحوال إلى نحو 350 ألف جنيه – غير كافٍ لبناء شقة تقدر قيمتها بين 800 إلى 900 ألف جنيه.
ويُبيّن النائب أن الدولة كانت قد رخصت لهذه المباني بشكل قانوني، ووفرت لها مرافق كالكهرباء والمياه والغاز، وبالتالي فإن تجاهل حقوق السكان أو تعويضهم بمبالغ لا توازي استثماراتهم الفعلية يعد ظلماً كبيراً، مشيرًا إلى عقد لقاءات سابقة بين الأهالي والفريق كامل الوزير، وزير النقل، الذي وعدهم بتعويضات عادلة وتهدئة مخاوفهم، إلا أن هذه الوعود لم تُنفذ من قبل المحافظة بشكل فعلي، ما أدى إلى حالة من الاحتقان بين المواطنين، الذين عادوا للاحتجاج والتجمهر في الشوارع.
ويضيف النائب: “الحلول الجزئية التي قُدمت من قبل مثل السماح بالبناء على أراضٍ بديلة مملوكة للأهالي لم تُطبق بشكل شامل، وأن المطلوب الآن هو الإسراع في تنفيذ التعويضات العادلة وإنهاء حالة القلق بين السكان.. أنا أتضامن مع أهالي الميناء في مطلبهم بالحصول على تعويض مناسب وسعر عادل لمبانيهم في الوقت الحالي، حتى يتمكنوا من إيجاد سكن بديل”.
ويؤكد بكير أنه تواصل مع المسؤولين السابقين والحاليين، وطالبهم بتطبيق قانون رقم 10 لسنة 1990، الذي ينص على منح المواطنين سعراً عادلاً ومهلة كافية للإخلاء عند تنفيذ مشروعات للمنفعة العامة، مشددًا على أن صرف التعويضات يجب أن يكون مسبقاً قبل تنفيذ الإزالات، حتى يتمكن المواطنون من تدبير سكن بديل، داعياً الحكومة بأن تفي بوعودها وتعالج الأزمة بشكل منصف وإنساني.
فيما أفاد مصدر محلي لـ”زاوية ثالثة”، أن مشروع ميناء العريش الجديد، ذو أهمية استراتيجية كبرى، نظراً لقربه من الحدود الشرقية والجسر المزمع إنشاؤه بين مصر والسعودية، فضلاً عن اتصاله بمسارات السكك الحديدية التي ستربط بين البحر الأحمر ودول الخليج، موضحًا أنه خلال الموجات الأولى من الإزالات، تم الاتفاق بين المسؤولين والأهالي على صرف التعويضات بسعر 7000 جنيه للمتر، وهو ما اعتُبر حينها عادلاً مقارنة بتكلفة مواد البناء، ومع الموجة الحالية، من الإزالات تم رفع السعر إلى 9000 جنيه للمتر، وجرت مفاوضات مع المحافظ والفريق كامل الوزير على مبدأ “بيت مقابل بيت” أو”أرض مقابل أرض، وتلقى الأهالي وعودًا في ذلك الحين بالحصول على شقق جاهزة التشطيب في حي “الريسة” بالعريش أو قطع أراضٍ للبناء في مناطق قريبة، أو صرف تعويضات مالية لشراء سكن بديل حسب رغبة المواطن.
نوصي للقراءة: سكان العمرانية يواجهون قرارات إزالة دون إخطار رسمي أو بدائل سكنية
المشاركة المجتمعية؟
بدوره يرى محمود شلبي، الباحث المعني بالشؤون المصرية والليبية في منظمة العفو الدولية، أن الأخبار حول إخلاءات قسرية وهدم للمنازل حي الميناء بالعريش، تمثل جزءًا من نمط متكرر شهدته مصر في السنوات الأخيرة، يتمثل في تغييب المشاركة المجتمعية وتحويل قضايا التنمية إلى مسائل أمنية، على حساب حقوق السكان.
وفي سياق حديثه لـ”زاوية ثالثة”، أكد أن عمليات الإخلاء يجب أن تخضع لضوابط واضحة وفقا لمعايير القانون الدولي، تنصّ أولًا على ضرورة إجراء مشاورات جادة وذات مغزى مع السكان المتأثرين، قبل اتخاذ أي قرار بالإزالة أو الإخلاء، وذلك احترامًا لحقهم في السكن وسبل العيش المرتبطة به، مشيرًا إلى أن المفترض، في حال ثبوت عدم وجود بدائل لتنفيذ خطط التنمية سوى الإخلاء، أن يُمنح السكان إشعارًا مسبقًا بوقت كافٍ قبل تنفيذ الهدم، حتى يتسنى لهم اتخاذ الترتيبات اللازمة لحياتهم.
يقول: “حدث في حالات سابقة مثل قرية جميمة في مرسى مطروح، محاولات للإخلاء دون أي استشارة حقيقية مع الأهالي، وهو ما يمكن أن يتكرر في العريش.”
ويشدد شلبي على أهمية أن تكون التعويضات عادلة ومتناسبة مع الظروف الاقتصادية الحالية، معتبرًا أن التعويض العادل ينبغي أن يتم تحديده بالتشاور مع الأهالي، ويأخذ بعين الاعتبار طبيعة حياتهم وأعمالهم ومصادر دخلهم، مثل الزراعة أو الصيد، والتي يمكن أن ترتبط بالمكان نفسه.
ويختم شلبي حديثه معنا، بالتأكيد على أن الإخلاء يجب أن يكون آخر الحلول، لا الخيار الأول، ويجب أن يُنفذ في إطار يحترم حقوق الإنسان، ويضمن تعويضًا عادلًا، وإشعارًا مسبقًا، ومشاركة فعالة من السكان، وبدائل واضحة، خصوصًا لمن لا يملك قدرة على توفير سكن بديل.
وبينما تتسارع خطوات الدولة في تنفيذ مشروع تطوير ميناء العريش، فإن آلاف الأسر من سكان حي الريسة، يجدون أنفسهم محاصرين بين قرارات إخلاء قسري، وتعويضات لا تلائم الوضع الاقتصادي وبدائل سكنية لا تراعي الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة، وتُظهر شهادات السكان المحليين التي حصلت عليها “زاوية ثالثة”، حجم المأساة الإنسانية والاجتماعية التي يواجهها السكان بسبب الإزالات، الأمر الذي يطرح تساؤلات ملحة حول جدوى السياسات المتبعة وغياب العدالة في معالجة قضايا التهجير القسري والتعويضات.