شهدت قمّة السلام التي عُقدت في مدينة شرم الشيخ المصرية برئاسة مصر والولايات المتحدة ومشاركة قادة إقليميين ودوليين، في الثالث عشر من أكتوبر الجاري، توقيع كلّ من مصر والولايات المتحدة الأمريكية إضافة إلى قطر وتركيا، على وثيقة وقف إطلاق النار في قطاع غزة، ضمن خطة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب للسلام، والتي تتكون من 20 نقطة، وتهدف إلى إنهاء الحرب التي اندلعت في أكتوبر 2023، لكن العديد من التساؤلات ما تزال قائمة حول مستقبل السلام في قطاع غزة، ومصير حل الدولتين في ضوء ما يراه مراقبون غموضًا حول المرحلة اللاحقة من توقيع الاتفاق.
وخلال القمة، -التي شارك فيها قادة من أكثر من 20 دولة عربية وغربية، بما في ذلك الإمارات، قطر، تركيا، الأردن، الاتحاد الأوروبي، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، والسلطة الفلسطينية (ممثلة بالرئيس محمود عباس)، وغابت عنها تل أبيب وحركة المقاومة الإسلامية “حماس” -، أعلن الرئيس الأمريكي، انتهاء الحرب في غزة، متعهدًا بأن يصمد وقف إطلاق النار، واصفًا إياه بـ الانتصار المذهل لإسرائيل والعالم، فيما اعتبر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أن الاتفاق يفتح حقبة جديدة من السلام والاستقرار في الشرق الأوسط وينهي صفحة أليمة من تاريخ البشرية، ووصفه باللحظة التاريخية، معلنًا أن مصر ستستضيف قمة إعادة إعمار غزة في وقت لاحق، كما ستواصل التنسيق مع الأطراف كافة لضمان تنفيذ بنود الاتفاق.
قبيل ساعات من انعقاد القمة، وأثناء زيارته إلى تل أبيب، ألقى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خطابًا أمام الكنيست الإسرائيلي دعا خلاله إلى التركيز على تحقيق السلام في المنطقة، مؤكدًا دعمه لتل أبيب بوصفها “الحليف الأقرب لواشنطن في الشرق الأوسط”. وخلال كلمته، طالب ترامب بمنح عفو خاص لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القضايا القانونية والجنائية التي يواجهها، معتبرًا أن “إسرائيل بحاجة إلى زعيم قوي غير مثقل بالملاحقات القضائية”، في إشارة واضحة إلى دعمه السياسي لنتنياهو قبيل أي تسويات داخلية محتملة أو انتخابات مقبلة.
في الثامن من أكتوبر الماضي، نجحت جهود الوساطة في التوصل إلى اتفاق بين تل أبيب وحركة حماس حول المرحلة الأولى من خطة السلام، وذلك بعد مفاوضات غير مباشرة استضافتها مدينة شرم الشيخ في مصر، جرت بوساطة أمريكية ومصرية وقطرية. ودخل اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيّز التنفيذ في العاشر من أكتوبر الجاري، ما مثّل أول خطوة عملية نحو تثبيت الهدنة وتهيئة الأجواء لاستكمال مراحل الخطة اللاحقة.
وتضمنت المرحلة الأولى التوقف الفوري للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، وسحب القوات الإسرائيلية من المناطق الحضرية إلى خط متفق عليه (يُعرف بـ”الخط الأصفر”) خلال 24 ساعة من الموافقة الإسرائيلية، على أن تحتفظ إسرائيل بسيطرة على نحو 53% من القطاع، بينما يتم إطلاق سراح 20 رهينة إسرائيلياً حياً خلال 72 ساعة، بالإضافة إلى إعادة جثث 24 آخرين (مع إمكانية تأخير بعضها بسبب الدمار)، مقابل ذلك، تطلق تل أبيب سراح 250 فلسطينياً محكوماً عليهم بالمؤبد، و1700 معتقلًا من غزة اعتقلوا بعد 7 أكتوبر 2023، بالإضافة إلى جميع النساء والأطفال الفلسطينيين المحتجزين.
من ناحيتها أطلقت فصائل المقاومة الفلسطينية سراح جميع الرهائن الأحياء، وأعادت بعض الجثث، فيما هددت تل أبيب باستئناف القتال إذا لم تلتزم حماس بكامل البنود، وأمر وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، جيش الاحتلال بإعداد “خطة شاملة لسحق حماس”، لكن الرئيس الأمريكي أكد أنها لا تزال تبحث عن البقية تحت الأنقاض الناتجة عن القصف، معتبرًا أن التأخير لا يُعد خرقًا كاملًا، وفي حين تضمنت المرحلة زيادة تدفق المساعدات إلى غزة، بما في ذلك فتح معبر رفح في الاتجاهين، إلاّ أن تل أبيب أعلنت عدم فتح المعبر حتى إعادة جميع الجثث، مما أثار مخاوف من انتهاك الاتفاق.
نوصي للقراءة: قمة شرم الشيخ برئاسة مصرية- أمريكية.. كيف ستؤثر في مستقبل غزة؟
ما البند الذي فعلته إسرائيل ولماذا؟
في سياق متصل كشف مدير مكتب الجزيرة في فلسطين وليد العمري أن الحكومة الإسرائيلية فعّلت مؤخرًا بندًا سريًا في قرارها المتعلق باتفاق غزة، يتيح للجيش إطلاق النار متى اعتبر وجود خطر أو خرق من جانب المقاومة الفلسطينية. وأوضح أن هذا البند ورد في الملحق (باء) من القرار الحكومي الصادر الخميس الماضي، والمتصل بـ”إعادة الأسرى الأحياء والأموات خلال 72 ساعة”، مشيرًا إلى أن تفعيله جاء متزامنًا مع إطلاق نار إسرائيلي على فلسطينيين شرق غزة وتحركات ذوي الأسرى القتلى، في مؤشر على بدء تطبيق ما يُعرف بـ”الفرقة الساخنة” التي تمنح الجيش حرية التحرك الفوري بزعم وجود تهديد.
وأضاف العمري أن هذا الإجراء لا يندرج ضمن بنود اتفاق إنهاء الحرب، بل يستند إلى قرار حكومي داخلي قد يكرّس وضعًا ميدانيًا شبيهًا بالوضع في لبنان، بحيث تصبح إسرائيل قادرة على تنفيذ هجمات وقتما تشاء. وأشار إلى أن المرحلة الثانية من الاتفاق، المتعلقة بتثبيت وقف إطلاق النار وصفقة الأسرى وإدخال المساعدات، لم تبدأ بعد، فيما تكشف تصريحات مسؤولين إسرائيليين عن نية تل أبيب عرقلة تنفيذ الاتفاق، من خلال التلويح بوقف المساعدات وإغلاق معبر رفح بحجة عدم تسليم جميع الجثامين.
ماذا بعد قمة شرم الشيخ؟
تُمثّل قمة السلام التي عُقدت في شرم الشيخ، “خطوة مهمة نحو إنهاء الصراع في قطاع غزة، إذ أسفرت عن توقيع إعلان ترامب للسلام الدائم والازدهار، الذي تضمّن خطة سلامٍ مكونة من عشرين نقطة، شملت وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن (عشرون رهينة إسرائيلية مقابل أكثر من ألفَي أسير فلسطيني)، وزيادة المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، والتعهد بإعادة إعمار القطاع بقيمةٍ تتجاوز خمسين مليار دولار، فضلًا عن تشكيل قوة دولية لحفظ الاستقرار”، بحسب الدكتور محمد العزبي، خبير العلاقات الدولية، والذي يرى أنّ الاتفاق يسير في الاتجاه الصحيح، متوقعًا وقفًا كاملًا لإطلاق النار وعدم عودة إسرائيل للقتال، رغم المخاوف التي يُبديها البعض من غموض بعض البنود.
ويؤكد العزبي لـ”زاوية ثالثة” أن مصر لعبت دورًا محوريًا في الوساطة منذ بداية الصراع، وقد الرئيس السيسي رحّب بالاتفاق واعتبره “الفرصة الأخيرة للسلام في المنطقة”، مع تركيزه على إنهاء معاناة الفلسطينيين وإعادة فتح معبر رفح للمساعدات، كما ساهمت القاهرة ساهمت في التوصل إلى الاتفاق ودعت إلى تشكيل حكومة فلسطينية تكنوقراطية بدعم دولي، في إطار اتفاق سابق مع الفصائل على إنشاء “لجنة الإسناد” لتولّي حكم غزة بعد الحرب، مع تأكيدها أنّ غزة مسؤولية فلسطينية تتطلب دعماً دولياً، في توازنٍ بين الاعتبارات الإنسانية ومتطلبات الأمن القومي.
يقول خبير العلاقات الدولية، في حديثه معنا: “إنّ بعض الأطراف ترى وجود مساحة للتأويل، غير أنّ النقاط العشرين واضحة جدًا، وأنّ توقيع هذا العدد الكبير من القادة العالميين يؤكد جدية التنفيذ واستمرارية الاتفاق، ويمنح الغموض النسبي لبعض بنود الاتفاق، كل طرفٍ مساحة لإعلان “انتصاره” دون صدام مباشر، لكنه لا ينفي وضوح المسار العام نحو السلام الدائم”.
ويعتبر الخبير أنّ تصريحات ترامب أمام الكنيست الإسرائيلي، التي أكد فيها انتهاء الحرب في غزة ورفضه أي عودة للقتال، تمثّل ضمانة سياسية قوية لاستمرار الهدنة، مشيرًا إلى أنّ لجنةً مصرية-تركية-قطرية شُكلت للبحث عن جثث الإسرائيليين وتسليمها لإسرائيل مقابل الإفراج عن باقي الرهائن الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية، كما أنّ دعوة مصر لعقد مؤتمر إعادة إعمار غزة، وطلبها أن يكون برعاية أمريكية، دليلٌ على نيةٍ حقيقيةٍ للاستمرار في تطبيق الاتفاق.
ويشير العزبي إلى أن الثقة في التزام إسرائيل بالاتفاق، محدودة نسبيًا، لكنّ الثقة الأكبر تكمن في الضغط الأمريكي على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خاصة بعد طلبه شبكة أمان سياسية وعفوًا من الرئيس الإسرائيلي، لافتًا إلى أنّ بعض الانتهاكات المحدودة، مثل التجاوز داخل الخط الأصفر، لا تمثّل خرقًا جوهريًا، بل محاولات من إسرائيل لإثبات الوجود دون نسف الهدنة، على غرار ما حدث في هدنة يناير 2025.
وتناول العزبي السيناريوهات المتوقعة لمستقبل غزة، موضحًا أنّ السيناريو الأول يقوم على إعادة إعمار ناجحة بدعم دولي، وتشكيل حكومة تكنوقراط، وزيادة المساعدات إلى 600 شاحنة يوميًا، بما يفضي إلى استقرار اقتصادي وإنشاء منطقة اقتصادية خاصة تحت رقابة دولية للأمن. أمّا السيناريو الثاني فيتضمن هدنة مع بعض الانتهاكات المحدودة، واستمرار سيطرة إسرائيل على 15% من الحدود، مما يجعل نزع سلاح حماس أكثر صعوبة، ويؤخر إعادة الإعمار لنقص التمويل. واستبعد العزبي تمامًا احتمال انهيار الاتفاق، مؤكدًا أنّه غير وارد إطلاقًا.
ويضيف العزبي: “إنّ الرئيس الأمريكي يحاول الظهور بمظهر رجل السلام، في محاولةٍ لتحسين صورته الدولية بعد دعمه العسكري السابق لإسرائيل، ويعكس إعلانه انتهاء الحرب بعد يومٍ من تمويله العسكري لتل أبيب، سياسة ترامب المعروفة “أمريكا أولاً”، التي تجمع بين الدعم الأمني لإسرائيل والسعي لإنهاء الصراعات لأسبابٍ اقتصاديةٍ وسياسيةٍ، كما أنّ الضغط الذي مارسه ترامب على نتنياهو لقبول الاتفاق يُعد نجاحًا دبلوماسيًا كبيرًا له”.
ويؤكد العزبي أنّ الفرصة قائمة وبقوة لملاحقة الاحتلال في المحاكم الدولية، مشيرًا إلى أنّ تقارير أممية صادرة في سبتمبر 2025 تتّهم إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية، وأنّ لجنة التحقيق الأممية المستقلة أثبتت تطابق هذه الجرائم مع معاهدة الإبادة، لكن القضايا لا تزال منظورة أمام المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، رغم رفض إسرائيل التعاون والدعم الأمريكي لها، متوقعًا أنّ الضغوط الدولية المتصاعدة قد تؤدي إلى ملاحقات فعلية مستقبلًا، لكن يبقى احتمال تغيير القيادة الإسرائيلية، مع دعم ترامب ليائير لابيد كبديلٍ لنتنياهو، وسعيه إلى توفير مخرجٍ آمنٍ للأخير.
مستقبل جديد للمنطقة
بدوره يعتبر السفير الدكتور محمد حجازي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أنّ قمة شرم الشيخ تمثل واحدةً من أهم المحطات التاريخية التي مرت بها المنطقة منذ عقود، إذ من شأنها أن تؤسس لمستقبلٍ جديدٍ للمنطقة، وتسهم في إرساء دعائم السلام والأمن والاستقرار، وتمهّد لرؤيةٍ إقليميةٍ تقوم على التعاون والأمن المشترك، تتعايش في إطارها شعوب المنطقة في أمنٍ وسلامٍ، لتعويض سنوات الحروب وتحقيق رخاء الشعوب.
يقول لـ”زاوية ثالثة”: “القمة تُعَدّ بدايةَ الحلّ، القائم على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل أراضيها الوطنية المحتلة عام 1967، بما يشمل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية عاصمةً لها، وهذا التجمّع الدولي الهام، الذي عُقد بمشاركة عشرين رئيسَ دولةٍ وحكومةٍ، وبحضور الرئيس الأمريكي، شهد اعتماد خطة سلامٍ شاملة، تستلزم التزامًا كاملًا من الأطراف المعنية، سواء من الأطراف المنخرطة في عملية التفاوض والإسناد الدبلوماسي للحلّ، أو من طرفَي النزاع المتمثلين في حركة حماس وإسرائيل، وذلك في إطار المرحلة الفنية الأولى التي تتضمّن انسحاباتٍ وتبادلَ أسرى ورهائن”.
ويوضح السفير أنّ المرحلة التالية ستشهد تمكين وحدة الإسناد المجتمعي من تولّي مسؤولياتها في قطاع غزة، في ارتباطٍ سياسيٍّ وقانونيٍّ مع السلطة الوطنية الفلسطينية، إلى جانب تمكين الشرطة الفلسطينية، التي جرى تدريبها في مصر والأردن، من تولّي مهام الأمن داخل القطاع، كما ستدعو القاهرة إلى مؤتمرٍ للفصائل الفلسطينية، بهدف الاتفاق على مستقبل إدارة قطاع غزة والضفة الغربية، وبحث سُبل توحيد الموقف الفلسطيني بما يجعل من الوحدة الوطنية عامل ضغطٍ لإقامة الدولة الفلسطينية الواحدة، القائمة على حكومةٍ واحدةٍ وسلاحٍ واحدٍ، مُبيّنًا أنّ المرحلة اللاحقة ستتجه إلى ملف إعادة إعمار غزة، الذي يُعَدّ من أهم عوامل تثبيت الفلسطينيين على أرضهم، وتنمية القطاع بما يضمن أمنهم واستقرارهم وسلامتهم، من خلال شراكاتٍ وتعاونٍ دوليٍّ واسعٍ مع الدول المعنية بهذا المسار.
وكانت انطلقت مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، في الـ14 من أكتوبر الجاري، والتي ستتضمن أمن غزة وإدارة شئون القطاع، وتثبيت وقف إطلاق النار بشكل كامل وعدم عودة الحرب، ومناقشة ملفات الانسحاب الإسرائيلي وسلاح حماس وإبعاد قادة الحركة ومصيرها، إضافة إلى شكل الحكم في اليوم التالي لحرب الإبادة، وإعادة الإعمار، مع تقديم تصور لإنشاء هيئة دولية تحمل اسم “مجلس السلام”، والذي سيلعب دورًا في إدارة غزة بعد الحرب، ويرأسه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبالتزامن قُتل 6 مواطنين فلسطينيين وأصيب آخرون في قصف إسرائيلي على مدينتي غزة وخان يونس، الإثنين، رغم سريان وقف إطلاق النار في القطاع.
ويشدد حجازي على أنّ المشهد الراهن يتطلّب مزيدًا من الوعي والحكمة والمسؤولية في التعامل مع التحديات والأخطار المحدقة بالمنطقة، خاصةً في ظلّ بعض الإشكالات التي بدأت تظهر، سواء في ملف تسليم رفات الرهائن أو في إدخال المساعدات الإنسانية، فضلًا عن تصاعد بعض أعمال العنف المتبادلة، مؤكدًا أنّ هذه التطورات تستدعي دورًا حكيمًا من الوسطاء والأطراف الدولية المشاركة في القمة، حتى تكون قمة شرم الشيخ نقطة انطلاقٍ نحو مرحلةٍ جديدةٍ تؤسّس لـ شرقٍ أوسطٍ أكثر أمنًا واستقرارًا وسلامًا.
ويتفق معه الدكتور جهاد الحرازين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، حول نجاح قمة شرم الشيخ في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وتمكنها من فرض مجموعة من الاشتراطات على الطرفين تتعلق بآليات التنفيذ، وأن الحضور الدولي الواسع شكّل ضمانة أساسية لمواصلة تنفيذ خطة ترامب الخاصة بوقف إطلاق النار وبدء إعادة الإعمار، وما ورد ضمن بنود الاتفاق، معتبرًا أن القمة حققت الأهداف المرجوّة منها، وأثبتت قدرة مصر على الحشد وبناء التوافق الدولي تجاه القضية الفلسطينية، إذ أن الدور المصري لم يقتصر على تثبيت وقف إطلاق النار، بل سعى إلى أن تكون القمة بداية لمسار سلامٍ شاملٍ ينهي النزاعات والحروب القائمة في المنطقة.
يقول لـ”زاوية ثالثة”: “إن القيادة المصرية تبنّت رؤية أوسع من مجرد التهدئة، إذ هدفت إلى إعادة طرح القضية الفلسطينية دوليًا، والتأكيد على أن الاحتلال هو جوهر الأزمة، وأن تحقيق السلام لن يتحقق إلا بإنهائه وإعادة الأمل والحياة للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، ويستند الموقف المصري في هذا الملف إلى تاريخ طويل من الوساطات، فالقاهرة عملت بشكل متواصل على جمع الأطراف المتنازعة، من الاحتلال إلى حركة حماس، من أجل الوصول إلى وقف شاملٍ لإطلاق النار وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المدنيين الفلسطينيين في ظل الإبادة التي يمارسها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني”.
ويرى الحرازين إن بنود خطة ترامب للسلام لا تزال غامضة وعامة، وتتطلب تفاوضًا تفصيليًا لتحديد آليات التنفيذ الخاصة بالانسحاب التدريجي، ونزع السلاح، وإعادة الإعمار، والمسار السياسي، مؤكدًا أن مصر نجحت في تحقيق المرحلة الأولى من هذه الخطة، لكنها تواجه تحديًا في المراحل المقبلة، إذ “تكمن الشياطين في التفاصيل”، على حد وصفه، ما يتطلب جهدًا دبلوماسيًا كبيرًا في الأيام القادمة لضمان استمرار الهدنة ومنع عودة القتال.
ويشير الأكاديمي والمحلل السياسي الفلسطيني، إلى أن مشاركة الرئيس الفلسطيني في القمة كانت خطوة مهمة، مكنت القاهرة من إعادة فتح قنوات التواصل مع الإدارة الأمريكية وإذابة ما وصفه بـ”جبل الجليد” في العلاقات بين الجانبين الأمريكي والفلسطيني، معتبرًا أن التزام الاحتلال ببنود الاتفاق سيظل مرهونًا باستمرار الضمانة والضغط الأمريكيين، لافتًا إلى أن “الأنا المتضخمة” لدى ترامب تدفعه إلى الحديث عن نفسه بوصفه الرجل الأوحد القادر على إنهاء الحروب وتحقيق الإنجازات، وهو يُقدّم لكل طرف ما يرغب في سماعه حفاظًا على صورته كقائد مهيمن على المشهد الدولي.
وفي وقت يأمل فيه الشعب الفلسطيني مواصلة تثبيت وقف إطلاق النار وبدء عملية إعادة الإعمار من خلال مؤتمر دولي، إلى جانب إعادة توحيد النظام السياسي الفلسطيني في إطار سلطة واحدة وقانون واحد وشرعية موحدة، كما تسعى القاهرة والأطراف العربية والدولية، إلاّ أن الحرازين لا يستبعد أن يسعى رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى عرقلة التنفيذ عبر مناورات سياسية، داعيًا في المقابل حركة حماس إلى الالتزام الكامل بما تم الاتفاق عليه لتفويت الفرصة على تل أبيب.
وفي ختام حديثه معنا، شدد الحرازين على أن ملاحقة الاحتلال أمام المحاكم الدولية أمرٌ محسوم قانونيًا، قائلًا: “إن الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي، سواء كانت جرائم حرب أو إبادة أو جرائم ضد الإنسانية، لا تسقط بالتقادم، ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية تنظران بالفعل في قضايا ضد قادة الاحتلال، ما يعني أن المساءلة القانونية لا يمكن تجاوزها، وأن تبرئة إسرائيل من جرائمها أمر مستحيل قانونيًا وأخلاقيًا”.
نوصي للقراءة: مصر تدين تصريحات الاحتلال.. وتواجه خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين

الطريقَ للسلام لا يخلو من عراقيل
في حين تشيد الدكتورة دينا محسن، أستاذة الإعلام السياسي ومديرة مركز العرب للدراسات، بقمة شرم الشيخ، واصفة إياها بالحدث التاريخي الاستثنائي، الذي تمت صناعته بامتياز داخل القاهرة، بمشاركة الأطراف العربية الأخرى، وجهود فرنسا وإسبانيا لتحريك ملف القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، إلاّ أنها تشير لوجود بعض الهواجس والمخاوف رغم الأجواء الإيجابية للقمة، إذ أن الاتفاق الذي تم توقيعه في شرم الشيخ هو اتفاق مبدئي لمرحلة أولى فقط، في حين لا تزال مراحل لاحقة تنتظر التنفيذ، والطريق لا يخلو من عراقيل، كما وقعت بعض الخروقات البسيطة للاتفاق من أطراف محددة.
تقول لـ”زاوية ثالثة”: “القضية الفلسطينية ملف مصري أصيل تتعامل معه الدولة المصرية منذ النكبة وحتى اليوم بروح المسؤولية التاريخية، لكن إدارة الملف الفلسطيني ليست مسؤولية مصر وحدها، من يظن أن القاهرة تتحمل كامل العبء منفردة فهو مخطئ، ويتطلب احتواءه الكامل تفاعلًا عربيًا ودوليًا واسعًا، وبعض الأطراف لم تدرك حجم هذا الملف وتعقيداته، ما أدى إلى فشلها في احتوائه، بينما نجحت مصر في الحفاظ على اتزان المسار رغم الصعوبات، و تبقى هناك بعض الثغرات والنتوءات التي تحاول مصر سدها بكل ما نملك من حكمة وأدوات دبلوماسية وأمنية”.
وتؤكد مديرة مركز العرب للدراسات أن المرحلتين الثانية والثالثة من الاتفاق هما الأعقد والأخطر والأكثر جدلًا، مؤكدة أن القيادة السياسية والعقول الدبلوماسية والاستخباراتية المصرية لا تنام في سبيل سد الثغرات المحتملة، مشيرة إلى أن أبرز القضايا العالقة تتمثّل في ملف نزع سلاح المقاومة الفلسطينية، ولا سيّما سلاح حركة حماس، موضحة أنها إشكالية مؤرقة للغاية تسعى القاهرة إلى إيجاد توافق حولها منذ سنوات، وليس فقط في المرحلة الراهنة.
وتؤكد أستاذة الإعلام السياسي أن الخلط بين فصائل المقاومة الفلسطينية واختزالها في فصيل واحد، خطأ كبير، مؤكدة أن التوافق بين الفصائل المسلحة على رؤية موحدة بشأن سلاح المقاومة هو ما تعمل عليه مصر منذ فترة طويلة، مضيفة: “أن الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب لا يزال يركّز على مسألة نزع السلاح في تصريحاته، وهناك أطرافًا أممية ودولية عدة تتبنى الطرح ذاته، ما يجعل المشهد في المراحل المقبلة أكثر تعقيدًا وحساسية”.
وتشير إلى أنّ الجامعة العربيّة ترفض بشكل قاطع أي وجود تركي في المنطقة، في وقت يُعَدّ فيه الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب نفسه من استدعى أنقرة للانخراط في هذا الملف، كما أنّ بعض الأطراف العربيّة تسعى لإرسال قوّات عسكريّة إلى قطاع غزّة، ومن بينها أطراف خليجيّة تُبدي استعدادها للمشاركة الميدانيّة، وهو ما يعقّد المشهد ويُشكّل عبئًا على العمل الدبلوماسيّ العربيّ.
وترى الخبيرة أن ترامب يحاول تجميل صورته أمام الرأي العام العالمي، والتظاهر بدور “رجل السلام”، وكذلك يسعى نتنياهو لإخفاء صفحة الماضي المليئة بالجرائم ضد الإنسانيّة، مؤكّدة أنّ “فكرة السلام ليست نابعة من دوافع إنسانيّة، بل فُرضت عليهما قسرًا بعد أن فقد الاحتلال السيطرة على مجريات الحرب ويسعى نتنياهو للنجاة بفعلته عبر تزييف الوعي العالمي الذي يعيش حالة انتفاضة أخلاقيّة ضد الانتهاكات”، متسائلة: “إذا كان نتنياهو يريد السلام في غزّة، فلماذا لا يسعى إليه في لبنان أو مع إيران أو سوريا؟”، موضّحة أنّ ما يُطرح اليوم ليس سلامًا شاملًا بقدر ما هو تسوية جزئية تُخفي وراءها استمرار العمليات العسكريّة ضد المدنيين في أكثر من جبهة، لكن، وينبغي استثمار هذه اللحظة التاريخية لوقف ما وصفته بـ“المهازل الإنسانية”.
وتعتبر دينا أن قمة شرم الشيخ ليست نهاية الطريق، بل بداية مسار جديد نحو تسوية تاريخية، موضحة أن مصر ستواصل دورها المحوري في حماية القضية الفلسطينية، مع تغليب منطق العقل والحكمة على الانفعال والمزايدة، سعيًا إلى تحقيق سلام عادل وشامل يحفظ للشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية المشروعة، مؤكدة أنّ “مصر تواصل، بكل ما أوتيت من قوّة وجهد دبلوماسي واستخباراتي، العمل على سدّ الثغرات التي تهدد مسار التسوية السياسيّة، مشدّدة على أن القاهرة لا تزال تمسك بزمام المبادرة في هذا الملفّ الحساس”.
ويأتي اتفاق وقف إطلاق النار، بعد ضغوط دولية متزايدة لإنهاء الحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر 2023، حين نفذت فصائل المقاومة التابعة لحركة حماس هجومًا واسع النطاق أسفر عن مقتل أكثر من 1200 شخص وأسر 251 آخرين، قبل أن تعلن سلطات الاحتلال حالة الحرب، وفرضها حصارًا شاملًا على القطاع، الأمر الذي أدى لنزوح ما يقرب من 2.1 مليون شخص، أي ما يعادل 95% من سكان القطاع، وتفشّي المجاعة بينهم في ظل انعدام المياه والغذاء، وتفشي الأمراض.
وبحسب تقديرات وزارة الصحة في القطاع، وهيئات أممية، فقد تجاوز عدد الضحايا من الجانب الغـزي 67 ألف شخص، من بينهم حوالي 20 ألف طفل، بينما بلغ عدد الجرحى ما بين 168 و170 ألفًا، كثير منهم أُصيبوا بإعاقات دائمة، وهو ما يعادل قرابة 10% من سكان القطاع قبل اندلاع الحرب، وفي المقابل، قُتل ما يقارب 1665 شخصًا من جانب تل أبيب، من بينهم أكثر من 460 جنديًا، وأُصيب نحو ثلاثة آلاف آخرين.
وتسببت الحرب كذلك في تدمير أو تضرر نحو 78% من مباني القطاع، أي ما يعادل 193 ألف مبنى من أصل 250 ألفًا، من بينها 436 ألف وحدة سكنية، وهو ما خلّف أكثر من 61 مليون طن من الحطام، كما طال القصف 213 منشآة طبية و1029 مدرسة، ولم يتبقَّ سوى 14 مستشفى تعمل جزئيًا بطاقة تشغيلية تفوق 240% من طاقتها الأصلية، بينما دُمّرت 90% من المدارس و79% من الجامعات، أما القطاع الزراعي، فقد خسر أكثر من 95% من إنتاجه، وتعرضت التربة والمياه لتلوّث حاد بسبب الذخائر، كما لحقت أضرار بالغة بالتراث الثقافي، شملت مساجد تاريخية، أسواقًا عثمانية، ومواقع أثرية.
نوصي للقراءة: عودة ترامب إلى البيت الأبيض: كيف ستتأثر مصر؟
غموضِ بالاتفاقية يتيحُ تأويلاتٍ متباينة
من جهته يرى السفير علي الحفني، مساعد وزير الخارجية الأسبق والأمين العام للمجلس المصري للشؤون الخارجية، أن المناخ الدولي الذي احتضن قمة شرم الشيخ تشكل نتيجة ضغط الشارع العالمي وتزايد الأصوات المطالبة بوقف العنف وحماية المدنيين، الأمر الذي مثّل فرصة دولية لوقف النار وبدء مسار يهدف إلى إنهاء المعاناة في قطاع غزة. لذا سعت القاهرة إلى توظيف القمة سياسيًا ودبلوماسيًا للاستفادة من التوافق الدولي الضاغط على الأطراف المعنية، هادفة من دعوة هذا التجمع لقادة الدول إلى الإسراع في وقف إطلاق النار وفتح ممرات المساعدات الإنسانية وإنقاذ حياة مئات الآلاف من سكان القطاع الذين بدأت عليهم بوادر المجاعة وسوء التغذية. وبالتزامن حاولت بعض الدول الغربية خلال الفترة الماضية استعادة صورتها أمام الرأي العام، إذ بادرت دول مثل إسبانيا والنرويج وفرنسا بالضغط لصالح حل سياسي، بينما خضعت مواقف أخرى لاعتبارات داخلية ضاغطة فرضت عليها الموازنة بين موقف شعبي ومصالح استراتيجية.
وبخصوص بنود اتفاق وقف إطلاق النار، يقول لـ”زاوية ثالثة”: “إن بعض البنود حملت صياغات واضحة تُعنى بوقف الأعمال العسكرية وتبادل الأسرى وفتح المعابر، بينما شاب نصوصًا أخرى قدر من الغموض الذي قد يتيح تأويلات متباينة من قبل الأطراف، ما يستلزم إشرافًا دوليًا فاعلًا ووجود آليات مراجعة وتنسيق تقنية لضمان تنفيذ البنود دون إخلال”. ويرى الحفني أن إمكانية الامتثال الإسرائيلي لبنود الاتفاق مرهونة بوجود ضغوط دولية مستمرة، وخصوصًا الضغط السياسي الأمريكي، معبرًا عن اعتقاده بأن حوافز دولية ورقابة مراقبة قد تحد من التجاوزات الصغيرة، لكنه حذر من أن ثقة الشارع والضحايا تبقى محدودة حتى تتحقق نتائج ملموسة على الأرض. ويعتقد مساعد وزير الخارجية الأسبق أن غزة تنتظر إما حدوث سيناريو إعادة إعمار فعالة بدعم دولي وتشكيل حكم فني مؤقت يهيئ لعملية استقرار طويلة الأمد، أو سيناريو هدنة هشة تشوبها تجاوزات وإبطاء في تمويل الإعمار واحتفاظ إسرائيل بجزء من السيطرة الحدودية، مما قد يؤخر عملية نزع سلاح الجماعات المسلحة وبناء مؤسسات أمنية فلسطينية موحدة.
ويضيف: “نجاح قمة شرم الشيخ يقترن بقدرة المجتمع الدولي على تحويل الإرادة السياسية إلى تنفيذ عملي ومراقبة فعالة، لذا يجب استمرار الحوار الفلسطيني-الفلسطيني وتقديم ضمانات مالية وسياسية تسهم في تثبيت أي اتفاق يُبرم، مع الحفاظ على ثوابت الحقوق الفلسطينية كمرتكز لأي حل دائم وعادل”. كما يشير مساعد وزير الخارجية الأسبق إلى أن الملاحقات الدولية تمثل خيارًا قانونيًا وضرورة أخلاقية لمساءلة المسؤولين عن الانتهاكات، مشيرًا إلى وجود سجال دبلوماسي وقانوني بين دوافع المساءلة وعوائق التطبيق، لاسيما مع مقاومة بعض الدول الكبرى ودعمها السياسي لبعض الأطراف، غير أن المسار القضائي يحتاج إلى توثيق دقيق ودعم دولي مؤسسي لضمان مثول المتهمين أمام محاكم دولية أو محاكم وطنية مستقلة.
بدوره يشير المحلل السياسي الفلسطيني الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، إلى أن خطة ترامب ذات البنود العشرين، تتضمن العديد من الثغرات والمشكلات، أبرزها ما يتعلق بتبادل الأسرى، الذي لم يُنفذ حتى الآن، بسبب صعوبة البحث عن جثث القتلى الإسرائيليين تحت أنقاض الدمار في غزة، إضافة إلى استشهاد عدد من الذين شاركوا في دفنهم، مشيرًا إلى أن بنودًا أخرى غامضة ما زالت محل جدل، مثل آلية نزع سلاح حركة حماس، وهوية الجهة التي ستتولى حكم غزة بعد الحرب، وكيفية إدارة الملف الأمني. وفي الوقت ذاته يسعى الوسطاء الدوليون إلى تفكيك الاتفاقية بندًا بندًا لتوضيحها، إذ إن الخطة رغم تأييدها المبدئي تحتاج إلى مفاوضات معمقة.
يقول لـ”زاوية ثالثة”: “الخبرة الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي تُظهر نمطًا متكررًا من المماطلة، مستشهدًا بانسحاب الجيش الإسرائيلي الجزئي من جنوب لبنان، والذي لم يُستكمل حتى الآن، وهناك مخاوف من تكرار السيناريو ذاته في غزة، حيث انسحب الاحتلال من نحو 50% فقط من أراضي القطاع. كما أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن منع غزة من امتلاك السلاح أو القدرة على التصنيع تؤكد نية الاحتلال إطالة أمد الصراع واستنزاف الفلسطينيين، غير أن توقيع ترامب على اتفاق وقف النار شكّل ضمانة مهمة لالتزام إسرائيل بالهدنة”.
ويؤكد الرقب أن تحويل غزة من بيئة طاردة إلى بيئة جاذبة يتوقف على نجاح الإعمار، مضيفًا أن الاحتلال يسعى إلى دفع سكان القطاع إلى الهجرة الطوعية بسبب الدمار واليأس وانهيار البنية التحتية، إلا أن الاستراتيجية العربية والدولية الحالية تهدف إلى إعادة إحياء الأمل في غزة، لافتًا إلى أن مصر بدأت إرسال معدات ثقيلة لرفع الأنقاض في إطار مشروع متكامل لإعادة الإعمار تُقدّر تكلفته بحوالي 92 مليار دولار، كما أن ترامب لمح إلى أن دول الخليج ستتحمل الجزء الأكبر من التمويل، وهو ما قد يثير تحديات في آلية الالتزام بالدفع.
ويرى المحلل السياسي الفلسطيني أن قمة شرم الشيخ، التي بذلت فيها القاهرة جهدًا كبيرًا لعقدها، حظيت بزخم سياسي ودبلوماسي واسع، مشيرًا إلى أن مصر كانت لها عدة أهداف واضحة من المؤتمر تمثلت في تحصين اتفاق وقف إطلاق النار عبر وجود الضامن الأمريكي، الذي وقّع بالفعل على الاتفاق، ثم إعادة إعمار قطاع غزة، وهو ملف نوقش باستفاضة، ومن المقرر عقد مؤتمر خاص بالإعمار قريبًا في إحدى العواصم الأوروبية، بمشاركة وفد مصري يسعى إلى جمع أكبر قدر من التمويل لإعادة الإعمار.
ويضيف الرقب أن “كلمة الرئيس المصري أكدت على ضرورة إنهاء الصراع من خلال إقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش بسلام، بينما تجنب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحديث عن هذه النقطة، واكتفى بالإشارة إلى ما سماه سلام إبراهيم، وكان الفلسطينيون يأملون أن يخرج المؤتمر بتوصيات تتضمن موافقة أمريكية على فتح مسارات سياسية جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين تفضي إلى سلام دائم على أساس حل الدولتين أو تقرير المصير للشعب الفلسطيني، غير أن ذلك لم يتحقق. ومع ذلك، فقد شكلت القمة منعطفًا مهمًا لتحصين الهدنة وتعزيز الزخم الدولي للقضية الفلسطينية”.
ويؤكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس أن مصر عارضت منذ البداية استمرار الحرب، وسعت بكل الوسائل إلى وقف القتال ودعم الموقف الفلسطيني سياسيًا واقتصاديًا وقانونيًا، وتبنت القاهرة الرواية الفلسطينية في المحافل الدولية، ودافعت عن مبدأ حل الدولتين، كما كشفت في المنتديات القانونية انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، ورفضت التهجير القسري أو الطوعي، وهو موقف أيدته عواصم عربية وأوروبية عديدة، مما أسهم في دفع الجهود نحو وقف الحرب.
ويرى الرقب أن ترامب يحاول الظهور بمظهر صانع السلام رغم مسؤوليته عن تأجيج الصراع، مشيرًا إلى أن شخصيته النرجسية والمتناقضة جعلت القيادة المصرية تتعامل معه بذكاء سياسي عبر الإشادة بدوره لضمان استمرارية التزامه بالهدنة، مؤكدًا أن المد الشعبي المتزايد لصالح القضية الفلسطينية يبشر بمرحلة جديدة من الصمود والمساءلة الدولية للاحتلال.
ويؤكد أن الشعب الفلسطيني لن يتراجع عن ملاحقة قادة الاحتلال قانونيًا ودوليًا، قائلًا إن “الحقوق لا تسقط بالتقادم، وأن المرحلة المقبلة ستشهد جهدًا فلسطينيًا ودوليًا متصاعدًا لتوثيق الجرائم ومحاكمة المسؤولين عنها”. وأضاف أن الوضع الراهن صعب لكنه ليس انكسارًا، بل هو انحناءة سنابل القمح أمام العاصفة، مشيرًا إلى أن مذكرتي الاعتقال الصادرتين عن المحكمة الجنائية الدولية ضد نتنياهو ووزير حربه السابق تمثلان تطورًا مهمًا في مسار المحاسبة الدولية، رغم محاولات واشنطن وبعض العواصم الأوروبية عرقلتها.
ورغم ما حملته قمة السلام في شرم الشيخ من آمال بإنهاء أطول حروب غزة وأكثرها دموية، وما مثّلته من حراك دبلوماسي غير مسبوق أعاد مصر إلى صدارة المشهد السياسي الإقليمي، فإنّ الطريق نحو سلامٍ دائم لا يزال محفوفًا بالتحديات؛ إذ أن الاتفاق الذي وُقّع في أجواء احتفالية، يواجه اليوم اختبار التنفيذ على أرضٍ تشبعت بالدمار والإبادة. وبينما تسعى القاهرة لتثبيت الهدنة وقيادة جهود إعادة الإعمار، وتعمل واشنطن على تسويق خطتها كإنجازٍ تاريخي، يبقى الشعب الفلسطيني وحده من يدفع ثمن كل إخفاقٍ أو تلكؤٍ في التنفيذ، تظل قمة شرم الشيخ علامة فارقة في مسار الصراع، لكنها أيضًا تذكير بأن السلام الحقيقي لا يُبنى على الورق فحسب، بل على إرادةٍ صادقةٍ تعيد للشعب الفلسطيني حقه في الحياة والكرامة فوق أرضه.