close

قمة شرم الشيخ برئاسة مصرية- أمريكية.. كيف ستؤثر في مستقبل غزة؟ 

الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى مصر، تمثل لحظة فارقة في مسار العلاقات المصرية الأمريكية، وفرصة لإعادة صياغة معادلة التوازن الإقليمي في الشرق الأوسط بعد عامين من الحرب على غزة
Picture of آية ياسر

آية ياسر

 تستضيف مدينة شرم الشيخ، صباح الاثنين، القمة الدولية التي تعقد تحت عنوان “قمة شرم الشيخ للسلام”، برئاسة مشتركة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الأمريكي دونالد ترامب، بمشاركة أكثر من 20 دولة بهدف وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق يهدف إلى إنهاء الحرب في قطاع غزة وتعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، فيما تشمل الإجراءات توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن واستئناف المساعدات الإنسانية لغزة.

ومن بين أبرز المشاركين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني. فيما أكدت تل أبيب وحماس عدم مشاركتهما في القمة.

 وكان السيسي وجّه دعوة إلى نظيره الأمريكي، خلال اتصال هاتفي، الخميس، للمشاركة في الاحتفالية التي ستُقام في مصر بمناسبة إبرام الاتفاق، فيما رحّب ترامب بالدعوة معربًا عن سعادته بزيارة مصر، التي قال إنه “يُكنّ لها كل الاعتزاز والتقدير”، وذلك بحسب بيان صادر عن رئاسة الجمهورية.

في سياق متصل، قال المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، السفير محمد الشناوي، السبت، في تدوينة عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، السبت، إن القمة تهدف إنهاء الحرب في قطاع غزة، وتعزيز جهود إحلال السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، من جهته اعتبر الرئيس الأمريكي أن اتفاق شرم الشيخ لوقف إطلاق النار في غزة يمثل “صفقة عظيمة لإسرائيل، وللعرب، وللمسلمين، وللعالم أجمع”، مؤكدًا أن الاتفاق يشكل خطوة حاسمة نحو إنهاء الحرب وبداية مرحلة جديدة من الإعمار والسلام في الشرق الأوسط، وكان ترامب قد عرض خطته لإنهاء الحرب في غزة، المؤلفة من 20 بندًا، في 30 سبتمبر الماضي، خلال لقاء جمعه برئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وتلقت ردود فعل إيجابية.

وفي السياق ذاته يعتبر السفير الفلسطيني السابق في مصر، بركات الفرا، أن القمة التي تستضيفها مدينة شرم الشيخ تمثل حدثًا سياسيًا مهمًا كونها تجمع عددًا كبيرًا من القادة والرؤساء في وقت دقيق تمر به المنطقة، الأمر الذي يعكس احترام العالم لمكانة مصر الإقليمية ودورها الثابت في القضايا العربية، غير أنه يرى أن تحقيق السلام في غزة ليس مضمونًا، إذ أن تل أبيب “خصم متطرف يسعى لتحقيق أهدافه الاستراتيجية بأي وسيلة”، وأن هناك خشية من أن تنفذ دولة الاحتلال المرحلة الأولى من الاتفاق، ثم تفتعل أزمة جديدة وتعود للحرب، مشددًا على أن نجاح مخرجات القمة يتطلب قرارًا من مجلس الأمن تحت البند السابع لضمان إلزام إسرائيل بالتنفيذ، إضافة إلى وجود ضمانات من الدول المشاركة، وعلى رأسها الولايات المتحدة ومصر وقطر والإمارات ، لضمان استمرار تنفيذ ما تم الاتفاق عليه وعدم التراجع بعد المرحلة الأولى.

ويؤكد الدبلوماسي الفلسطيني، في تصريحات إلى زاوية ثالثة أن استمرار وقف إطلاق النار بشكل دائم وشامل يتطلب التزامًا كاملًا من الأطراف كافة، مشددًا على أن المؤتمر يمثل أهمية قصوى وفرصة حقيقية لتحقيق اختراق في مسار السلام إذا ما تم تطبيق توصياته بشكل عملي ومدعوم دوليًا.

وفي تعليقه على عدم مشاركة إسرائيل وحركة حماس في القمة، يقول الفرا: “إن ذلك لا يعني أن التوصيات ستكون غير ملزمة، الطرفين قد توصلا بالفعل إلى اتفاق، وما يجري حاليًا هو مجرد الإعلان عنه، والولايات المتحدة إذا التزمت بتنفيذ ما تم التوافق عليه فستكون هناك فرصة حقيقية لنجاح الاتفاق”.

وحول مستقبل قطاع غزة بعد الحرب، لا يستطيع الفرا التنبؤ بشكل دقيق بما سيؤول إليه المشهد، نظرًا لتشابك العوامل السياسية والعسكرية في القطاع، كون إسرائيل لا تزال تفرض ما يُعرف بالخط الأصفر الذي يقسم غزة إلى مناطق، مما يعقّد أي تصور واضح للمستقبل، مضيفًا أن الوضع الميداني في غزة معقد للغاية، ولا يمكن لأحد الجزم بانسحاب الجيش الإسرائيلي بشكل كامل أو باستمرار وجوده في نقاط محددة، وبالتالي فإن الحديث عن مستقبل حماس أو شكل الحكم في القطاع بعد الحرب لا يزال في إطار التكهنات، لا سيما أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يضع نصب عينيه خطة لإعادة إعمار القطاع بطريقة أقرب إلى المشروع الاستثماري، لكن موقف مصر الرافض للتهجير لعب دورًا حاسمًا في وقف أي مخطط لإعادة توطين الفلسطينيين خارج غزة.

ويؤكد الفرا أن الآمال الفلسطينية تتركز على إعادة غزة إلى حضن الدولة الفلسطينية وإنهاء الانقسام الداخلي، لذا من الضروري أن يتوحد الشعب الفلسطيني لبناء القطاع بإمكانياته الذاتية، مع قبول وجود قوات مراقبة دولية مؤقتة من الأمم المتحدة لضمان الاستقرار وتنفيذ الاتفاقات، آملًا أن تنجح الجهود الدولية، بقيادة مصر، في تثبيت وقف إطلاق النار وإعادة إعمار غزة، واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، وأن يصبح المؤتمر الأخير بداية حقيقية لمرحلة جديدة، إذا ما توفرت الإرادة السياسية الصادقة والضمانات الدولية الملزمة.

من جهته، يشير الباحث والكاتب المتخصص في الشأن الفلسطيني والإسرائيلي، إبراهيم الدراوي إلى أن الحرب الأخيرة على غزة كشفت حجم الخسائر البشرية لدى الطرفين، وأنها أدت إلى مزيد من عزلة إسرائيل على الساحة الدولية، إذ أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أصبح ملاحق قضائيًا ولا يستطيع زيارة الدول الموقعة على اتفاقيات المحكمة الجنائية الدولية خشية من توقيفه، بينما نجحت القاهرة في دفع إسرائيل نحو إنهاء الحرب والانتقال نحو مسار سياسي جديد.

يقول الدراوي لـ”زاوية ثالثة”: “قمة شرم الشيخ، التي وُصفت بأنها “قمة العشرين لدعم غزة أو للسلام في الشرق الأوسط”، تحولت فعليًا إلى قمة الخمسة والعشرين، نظرًا لمشاركة أكثر من 25 زعيماً من الدول العربية والإسلامية والدولية، لافتًا إلى أن انعقاد القمة بهذا الزخم يعكس نجاح الدبلوماسية المصرية خلال العامين الماضيين، سواء في تعاملها مع تل أبيب أو في حشد المواقف الدولية ضد سياساتها في قطاع غزة”.

وبشأن مبادرة ترامب للسلام، التي تضم 20 بندًا، يوضح الدراوي أن مصر سبق أن قدمت تصورًا متكاملًا لإدارة بايدن يتضمن أربع نقاط رئيسية: تبادل الأسرى، إعادة الإعمار، إدخال المساعدات الإنسانية بشكل شامل، ثم تفعيل مسار حل الدولتين باعتباره الضمانة الوحيدة لتحقيق الأمن والاستقرار للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء، مؤكدًا أن معظم المبادرات الأمريكية اللاحقة، سواء من إدارة ترامب أو بايدن أو عبر وزير الخارجية بلينكن، استندت في جوهرها إلى المبادرة المصرية، لكن كل ذلك لن يكون قابلًا للتحقيق إلا بوجود حل الدولتين، وهو ما لم لن يتحقق في ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة نتنياهو، التي لا ترغب في السلام مع الفلسطينيين أو مع الدول العربية.

ويضيف: “مصر والدبلوماسية العربية استطاعتا عزل دولة الاحتلال دوليًا، وضبط سلوكها داخل الأمم المتحدة حتى وصلت إلى مرحلة “التجميد السياسي”، هذا ما جعل القضية الفلسطينية تحظى بدعم واسع وإجماع عربي ودولي ضد التهجير القسري، وموقف الرئيس المصري كان حاسمًا الخطوط الحمراء المتعلقة بالتهجير القسري للفلسطينيين أو تصفية القضية الفلسطينية، وهذه المواقف عززت ثقة المجتمع الدولي بالدور المصري”. 

أما بشأن مستقبل قطاع غزة بعد الحرب، يشير الدراوي إلى أن مرحلة الإعمار قد تمتد إلى خمس سنوات حتى يتعافى القطاع كليًا وتستعيد الحياة دورتها الطبيعية، معتبرًا أن عودة نحو 500 ألف فلسطيني إلى شمال القطاع خلال 24 ساعة فقط تعد مؤشرًا على رغبة السكان في استعادة حياتهم، رغم الدمار الهائل الذي خلفته الحرب، ومتوقعًا أن المرحلة المقبلة ستشهد جهودًا مكثفة لإعادة إعمار غزة وتثبيت وقف إطلاق النار، وستكون مصر ضامن رئيسي لتحقيق السلام.

 

نوصي للقراءة: مصر تدين تصريحات الاحتلال.. وتواجه خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين


ما أهمية القمة؟

تتجاوز قمة شرم الشيخ للسلام كونها مناسبة للتوقيع الرسمي على اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة حماس والفصائل الفلسطينية من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، كون النقاشات ستركز على استدامة وقف إطلاق النار وتثبيت الوضع الميداني الراهن ومنع تجدد القتال، في ظل وجود شكوك حقيقية ومبررة بشأن النوايا الإسرائيلية تجاه قطاع غزة وما يتعلق بالترتيبات اللاحقة للوضع الأمني والسياسي في القطاع، كما ستبحث الترتيبات الأمنية المستقبلية، بما في ذلك تشكيل قوات استقرار دولية، وطبيعة وجود إسرائيل في محور صلاح الدين (فيلادلفيا)، وآليات التنسيق العسكري والمدني بمشاركة القوات الأمريكية، إلى جانب مناقشة الضمانات الدولية اللازمة لإعادة الإعمار وتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، بحسب ما يوضح السفير رخا أحمد حسن، – مساعد وزير الخارجية الأسبق وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة-.

يقول حسن لـ”زاوية ثالثة”: “مصر تتحرك بدافع القلق من احتمال نكوص إسرائيل عن التزاماتها، وتسعى عبر القمة إلى حشد دعم دولي واسع لضمان استمرار الهدنة ومنع تعثر المفاوضات، ونتذكّر تجربة سابقة في مارس 2019 عندما عرقلت إسرائيل الوصول إلى اتفاق خلال المفاوضات، ما أدى إلى اندلاع الحرب التي استمرت نحو ثمانية أشهر، لكن مشاركة القادة والزعماء العرب والدوليين في القمة تمثل ضمانة سياسية للحد من احتمالات تجدد القتال والضغط على إسرائيل للالتزام بالاتفاق”.

ويرى مساعد وزير الخارجية الأسبق أن مستقبل قطاع غزة لا يمكن فصله عن الإطار الإقليمي الأوسع، إذ أن الملفات المطروحة تشمل إعادة الإعمار، والحفاظ على حالة السلم، وتعزيز الاستقرار الإقليمي، والسلام في الشرق الأوسط، لافتًا إلى أن نتائج حرب غزة لن تقتصر على الساحة الفلسطينية بل ستمتد بتأثيراتها إلى النظامين الإقليمي والدولي بأكملهما، مشيرًا إلى أن نجاح المفاوضات ودور مصر المحوري فيها قد ينعكسان إيجاباً على العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وربما يؤدي إلى تخفيف حدة التوتر في الملفات العالقة، كما أن تجديد الزخم في العلاقات المصرية–الأمريكية قد يفتح الباب أمام تعاون أوسع في قضايا إقليمية أخرى مثل الأزمات في السودان وليبيا ولبنان وسوريا، التي ترتبط بالمصالح الاستراتيجية المصرية، واصفًا القمة بأنها فرصة حقيقية لإعادة ترتيب الملفات الإقليمية المعقدة على أسس من التعاون والاستقرار.

ومن جانبه، يعتبر أحمد سلطان، – الباحث في شؤون الأمن الإقليمي والإرهاب-، أن قمة شرم الشيخ تتجاوز كونها مناسبة بروتوكولية أو توقيعًا رسميًا على اتفاق لوقف إطلاق النار، والذي تم بالفعل بين الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، وإسرائيل، إلاّ أن القمة تبحث ما بعد هذه المرحلة، وبخاصة سبل ضمان استدامة وقف إطلاق النار ومنع تجدد القتال في ظل وجود مخاوف حقيقية من نوايا إسرائيل تجاه قطاع غزة والترتيبات الأمنية اللاحقة.

ويوضح سلطان لـ”زاوية ثالثة” أن القمة تبحث ملفات متعددة تتعلق بالاتفاقيات الأمنية، وفي مقدمتها آليات انتشار القوات الدولية أو ما يُعرف بـ”قوات الاستقرار الدولي”، إلى جانب مناقشة الوجود الإسرائيلي في محور صلاح الدين (فيلادلفيا)، وطبيعة التنسيق العسكري والمدني المتوقع بين تلك القوات والولايات المتحدة، كما تهدف إلى توفير ضمانات من الدول المشاركة لدعم جهود إعادة إعمار قطاع غزة، وضمان تثبيت وقف إطلاق النار بشكل دائم.

يقول سلطان في حديثه معنا: “مصر تتحرك بدافع القلق من احتمال خرق إسرائيل للاتفاق الحالي، وتسعى من خلال حشد الدعم الدولي والعربي إلى تأمين استمرارية الاتفاق ومنع انهياره، مشيرًا إلى أن تجارب سابقة أثبتت ميل إسرائيل إلى تعطيل المفاوضات، كما حدث في مارس 2019، حين أدت المماطلة الإسرائيلية إلى اندلاع حرب استمرت نحو ثمانية أشهر قبل التوصل إلى تهدئة جديدة”.

وبيّن الباحث أن دعوة عدد كبير من الزعماء والقادة العرب والدوليين للمشاركة في القمة تمثل في جوهرها آلية للضمان السياسي والدبلوماسي للاتفاق، بهدف منع أي طرف من إشعال جولة جديدة من القتال، خصوصًا مع محاولة القاهرة توسيع نطاق الالتزام الدولي بالاتفاق ليصبح جماعيًا وليس ثنائيًا فقط بين حماس وتل أبيب، مؤكدًا أن القمة خطوة محورية في تثبيت الأمن الإقليمي بعد حرب غزة، وأن مصر تسعى من خلالها إلى بناء مظلة دولية تضمن تنفيذ الاتفاق ومنع تكرار دوامة الصراع.

ويشدد سلطان على أن مستقبل غزة لا ينفصل عن السياق الإقليمي والدولي، موضحًا أن ملفات إعادة الإعمار، واستدامة السلم، والاستقرار الإقليمي باتت مترابطة، وأن نتائج حرب غزة تمتد إلى ما هو أبعد من حدود القطاع، إذ سيكون لها انعكاسات مباشرة على توازنات النظام الإقليمي، وربما الدولي أيضًا.

 

نوصي للقراءة: عودة ترامب إلى البيت الأبيض: كيف ستتأثر مصر؟

التقارب المصري الأمريكي

زيارة ترامب، هي الأولى من نوعها إلى مصر، منذ توليه فترة رئاسته الثانية في يناير الماضي، وتأتي ضمن جولة شرق أوسطية، تشمل تل أبيب وشرم الشيخ، تهدف إلى ترسيخ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، بعد حرب إبادة اندلعت في 7 أكتوبر 2023، واستمرت لأكثر من عامين. وخلال ولايته الرئاسية الأولى (2017–2021)، لم يزور ترامب مصر، غير أنه التقى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي في عدد من المناسبات الدولية، من بينها اجتماعات في الرياض عام 2017، وفي واشنطن عام 2019، وأثناء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

من جهته يرى الدكتور عمرو الشوبكي، المفكر السياسي ومستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى مصر تأتي في توقيت دقيق يشهد توافقًا واسعًا حول ضرورة وقف إطلاق النار في غزة، مع توقعات بأن تشهد الزيارة تقدمًا في هذا الملف الحيوي، إلى جانب تعزيز العلاقات الثنائية بين القاهرة وواشنطن.

ويعتبر الشوبكي أن العلاقات المصرية الأمريكية، رغم ما شهدته من توترات متقطعة على مرّ العقود، تظل علاقة استراتيجية راسخة تقوم على المصالح المشتركة والتفاهم المتبادل، مشيرًا إلى أن زيارة ترامب تمثل مؤشرًا على استمرار هذا المسار وتعزيز الشراكة في مجالات الأمن والسياسة والاقتصاد.

يقول لـ”زاوية ثالثة”: مصر لطالما كانت لاعبًا أساسيًا في الإقليم، تسعى لتحقيق الاستقرار وتسوية النزاعات بالوسائل الدبلوماسية، وقد واجهت في مراحل سابقة محاولات من بعض القوى الإقليمية لتقويض دورها، لكنها نجحت في تجاوز تلك التحديات وأثبتت قدرتها على الحفاظ على مكانتها وريادتها الإقليمية”.

ويضيف: “مصر لعبت، ولا تزال، دورًا محوريًا في الوساطة بين الأطراف المتصارعة في المنطقة، وأنها مستمرة في أداء هذا الدور انطلاقًا من مسؤوليتها التاريخية والإقليمية، مشددًا على أن القاهرة لن تتخلى عن موقعها القيادي في محيطها العربي والدولي.”

ويتوقع الشوبكي أن زيارة ترامب ربما تفتح آفاقًا مستقبلية جديدة للتعاون في ملفات عدة، أبرزها مكافحة الإرهاب، والتعاون الاقتصادي، ودعم جهود التسوية السلمية للنزاعات الإقليمية، موضحًا أن توقيت الزيارة يمنحها أهمية خاصة في ظل التحولات المتسارعة التي تشهدها المنطقة والعالم، مشيرًا إلى أن الحديث عن تعزيز دور دول أخرى في المنطقة على حساب مصر لا يستند إلى واقع ملموس، فمصر، بتاريخها الطويل، وقوتها العسكرية والاقتصادية، ودورها الدبلوماسي النشط، ما زالت تمثل مركز الثقل العربي والإقليمي.

وفيما يتعلق بتأثير الزيارة على علاقات مصر الإقليمية، يرى الشوبكي أن الزيارة لن تؤثر سلبًا على علاقات القاهرة بدول المنطقة، بل ستسهم في تعزيز مكانتها الدولية والإقليمية، مؤكدًا أن مصر لم تفقد ريادتها الإقليمية في أي وقت، بل تواصل تأكيدها من خلال سياستها المتوازنة، ودبلوماسيتها الفاعلة، وقدرتها على الجمع بين المصالح الوطنية والدور الإقليمي المسؤول، والولايات المتحدة تدرك أهمية الدور المصري وتسعى إلى الحفاظ على الاستقرار في المنطقة من خلال التعاون الوثيق مع القاهرة.

 ومنذ عقود تشهد العلاقات بين مصر والولايات المتحدة تعاونًا استراتيجيًا، في ملفات السلام الإقليمي، مكافحة الإرهاب، والاستقرار الاقتصادي، ورغم مرورها بفترات من التوتر خلال الأعوام الأخيرة، على خلفية ملف حقوق الإنسان، إلا أنها ظلت محافظة على طابعها القوي والمؤثر في توازنات الشرق الأوسط.

وخلال عامي 2024 و2025، برزت خلافات بين البلدين على خلفية الموقف من الحرب في غزة، ومقترح ترامب لتهجير شعب غزة إلى مصر والأردن، وصلت إلى حد تلويح ترامب بقطع المساعدات الأمريكية عن مصر في حال رفضت بعض بنود خطته الخاصة بالسلام، في فبراير الماضي، ولاحقًا ألغت القاهرة زيارة لواشنطن كانت مقررة للرئيس المصري، خلال الشهر نفسه، ومع ذلك، استمر التنسيق الأمني والدبلوماسي بين الجانبين في ملفات إقليمية حساسة.

من جهته يوضح – الكاتب والباحث المتخصص في الشؤون الأمريكية والدولية-، إميل أمين، أن اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو برئيس الوزراء القطري مؤخرًا، إلى جانب التحركات الأمريكية في المنطقة، يشير إلى وجود حالة من “التقارب الجديد” بين الولايات المتحدة ودول الخليج، لكن ذلك لا يعني تراجع الدور المصري، بل يعكس إعادة تشكيل لتوازنات المنطقة يمكن لمصر فيها موقع القيادة باعتبارها لاعبًا استراتيجيًا ومحورًا رئيسيًا في خطط واشنطن الإقليمية المقبلة.

يقول أمين في حديثه إلى زاوية ثالثة إن العلاقة بين القاهرة وواشنطن في المرحلة الحالية تتسم بقدر كبير من “الكيمياء السياسية”، ما من شأنه أن يساعد على تجاوز العقبات التي قد تطرأ في المراحل المقبلة من الخطة الأمريكية المتعلقة بوقف إطلاق النار، وإعادة إعمار غزة، والتسوية النهائية للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي”.

وفيما يتعلق بالموقف المصري من خطة تهجير شعب غزة، التي طُرحت سابقًا ضمن ما عُرف بـ”صفقة القرن”، يؤكد أمين أن مصر رفضت بشكل قاطع تلك الطروحات، وهذا الموقف عزز من مكانتها واحترامها دوليًا، مشيرًا إلى أن القاهرة تحركت في لحظة حرجة انسجم فيها الموقف الدولي، حيث طالبت أكثر من 160 دولة بوقف إطلاق النار وقيام دولة فلسطينية مستقلة، في ظل تراجع صورة الولايات المتحدة عالميًا بسبب انحيازها المطلق لإسرائيل.

ويضيف: “مصر نجحت خلال هذه المرحلة في تحقيق مكاسب سياسية ملموسة، أبرزها وقف الدمار ومنع التهجير القسري وإعادة اللاجئين إلى أراضيهم، معتبرًا أن هذه الجهود تأتي ضمن رؤية استراتيجية بعيدة المدى تتجاوز إدارة الأزمة إلى تثبيت دور مصر القيادي في ملفات المنطقة”.

ويشدد الباحث على أن الدور الإقليمي المصري لم يتراجع خلال السنوات الماضية، بل يمارس حضوره بذكاء ومرونة، إذ أن السياسة المصرية تعتمد على “التحرك الهادئ والمتزن” القائم على الخبرة المؤسسية، ومعرفة التوقيتات الدقيقة للحديث أو التحرك أو الصمت، مشيرًا أن المسألة لا تتمثل في وجود منافسة بين دول المنطقة على الدور الإقليمي، بقدر ما تتعلق بتكامل الأدوار وتلاحم من أجل هدف مشترك يتمثل في دعم القضية الفلسطينية وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، مبينًا أن نجاح القاهرة في التوصل إلى اتفاق الهدنة كان ثمرة لتنسيق واسع شمل قطر والإمارات والأردن ودولًا أخرى.

ويعتبر أمين، أن زيارة ترامب لمصر تمثل اعترافًا واضحًا بالدور المصري القيادي في المنطقة، وفرصة لإعادة صياغة العلاقات المصرية الأمريكية على أسس أكثر توازنًا واحترامًا متبادلًا، بما يخدم المصالح المشتركة ويعزز الاستقرار الإقليمي، مؤكدًا أن المرحلة المقبلة تتطلب استمرار هذا التعاون العربي لضمان استدامة الهدوء وتحقيق تقدم حقيقي نحو السلام.

ومن جانبه، يعتبر الدكتور أحمد سيد أحمد، خبير العلاقات الدولية والشؤون الأمريكية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن قمة شرم الشيخ وزيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى مصر تمثلان حدثًا مهمًا يحمل العديد من الدلالات السياسية والاستراتيجية، مؤكدًا على متانة العلاقات المصرية الأمريكية التي تُعد شراكة استراتيجية شاملة على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية، موضحًا أن العلاقات بين القاهرة وواشنطن تقوم على التعاون الوثيق في ملفات الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب والتنمية الاقتصادية، إذ أن الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على الدور المصري لتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، نظرًا لثقل مصر السياسي والاقتصادي ومكانتها كقوة إقليمية مؤثرة.

يقول لـ”زاوية ثالثة”: “الزيارة تعكس ثقة الرئيس ترامب في قدرة مصر على تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، باعتبارها تمثل تيار الاعتدال، وتسعى دائمًا إلى تسوية النزاعات بالوسائل السلمية، والدور الإقليمي لمصر يقوم على دعم الاستقرار والسعي لحل النزاعات في المنطقة بالطرق الدبلوماسية، فيما تواصل الولايات المتحدة دعمها لمصر في مجالات التعاون العسكري والاقتصادي ومكافحة الإرهاب”. 

ويشير الخبير في الشؤون الأمريكية إلى أن مصر، رغم خلافاتها مع بعض السياسات الأمريكية والإسرائيلية، خاصة منذ اندلاع الأزمة الفلسطينية، حافظت على علاقات قوية مع واشنطن تقوم على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، إذ أن العلاقات المصرية الأمريكية علاقات استراتيجية راسخة لا تتأثر بالخلافات الظرفية أو الملفات الجزئية، مبينًا أن رفض مصر للمقترحات الأمريكية السابقة المتعلقة بعمليات التهجير، يعكس صلابة الموقف المصري واستقلال قراره الوطني. 

ورغم التوترات التي شابت العلاقات بين البلدين مؤخرًا، تواصل الولايات المتحدة تقديم مساعدات عسكرية سنوية لمصر بقيمة 1.3 مليار دولار منذ عام 1987، بإجمالي تجاوز 50 مليار دولار، ويبلغ إجمالي المساعدات الاقتصادية الأمريكية لمصر أكثر من 30 مليار دولار منذ عام 197 بمتوسط 250 مليون دولار سنويًا حتى عام 2009.

وتُعد الولايات المتحدة من أكبر المستثمرين في الاقتصاد المصري، في مجالات الطاقة والخدمات المالية والصناعة، وطبقًا لغرفة التجارة الأمريكية في مصر، فإن نحو 1,800 شركة أمريكية تعمل في مصر، وتجاوزت استثمارات الشركات الأمريكية في البلاد، نحو 47 مليار دولار على مدار العقدين الأخيرين، وحتى نهاية فبراير 2025، رصيد رأس المال الأمريكي غير البترولي في مصر بلغ حوالي 2.5 مليار دولار موزعة على نحو 2,016 مشروعًا أمريكيًا.

 

نوصي للقراءة: من “التمويل الغبي” إلى وعود بالحل… لماذا يتحدث ترامب عن سد النهضة الآن؟

لماذا تغير الموقف الأمريكي من القاهرة؟ 

يرى الدكتور سامح الجارحي، – أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة-، أن التحول في الموقف الأمريكي يعكس إدراك إدارة ترامب، ومعه المؤسسات السياسية والأمنية في واشنطن، أن مفتاح الاستقرار في الشرق الأوسط هو القاهرة، موضحًا أن مصر بما تملكه من تاريخ عريق، وقدرات اقتصادية وعسكرية، وشبكة علاقات إقليمية ودولية واسعة، تمثل القوة الإقليمية الأكبر في المنطقة، وصاحبة القرار المؤثر في قضاياها المصيرية.

يقول لـ”زاوية ثالثة”: “مصر كانت منذ البداية صاحبة موقف مبدئي حازم في رفض أي مخطط لتغيير الواقع الديموغرافي في الأراضي الفلسطينية، وتحملت تبعات هذا الموقف بثبات، ونجاحها في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يعيد تثبيت مكانتها كركيزة أساسية للأمن والاستقرار في المنطقة، وعمود فقري للأمة العربية”.

كما يشير أستاذ العلاقات الدولية إلى أن التوترات التي شهدتها العلاقات المصرية الأمريكية في فترات سابقة، سواء خلال إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما أو في بدايات إدارة ترامب، لم تُحدث شرخًا استراتيجيًا حقيقيًا بين البلدين، لافتًا إلى أن رفض مصر لخطة التهجير التي تبنتها الإدارة الأمريكية آنذاك شكّل نقطة تحول مهمة أعادت تعريف العلاقة على أسس من الندية والاحترام المتبادل.

ويضيف: “زيارة ترامب الحالية تمثل تحولًا في المقاربة الأمريكية تجاه مصر، إذ تعكس قناعة واشنطن أن القاهرة ليست مجرد طرف في معادلات المنطقة، بل هي “صانعة قرار” رئيسية لا يمكن تجاوزها، سواء في ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أو في قضايا الأمن الإقليمي الأوسع”، مؤكدًا أن مصر، رغم ما تواجهه من تحديات اقتصادية، ما زالت تحتفظ بثقلها السياسي والدبلوماسي، وتتمتع بقدرة على التأثير في موازين القوى الإقليمية.

ويلفت الجارحي إلى أن هناك مؤشرات على إعادة ترتيب الأولويات الإقليمية، وتنسيق مصري أمريكي متزايد في هذا الملف، وقد تفتح زيارة ترامب لمصر، الباب أمام دعم أمريكي أكبر للتوصل إلى حل يراعي المصالح المصرية ويضمن استقرار منطقة حوض النيل، مشيرًا إلى أن الأزمة السودانية تمثل أحد الملفات التي تشهد تعاونًا مصريًا أمريكيًا وثيقًا، وواشنطن باتت تدرك أهمية الدور المصري في دعم مسارات التسوية السياسية وحماية أمن البحر الأحمر والحدود الجنوبية.

بدوره يعتقد الباحث في العلاقات الدولية، أبو بكر الديب، أن الزيارة تعكس عودة واشنطن إلى الاعتراف بالدور المصري الإقليمي باعتباره ركيزة أساسية في معادلة الأمن والاستقرار بالشرق الأوسط، كما تأتي في توقيت بالغ الحساسية تتشابك فيه الملفات الإقليمية والدولية، وتمثل أول محطة مهمة في مسار العلاقات المصرية الأمريكية منذ سنوات.

ويشير الديب إلى أن العلاقات بين القاهرة وواشنطن شهدت خلال العقدين الأخيرين تذبذبات متعددة بين الشراكة الحذرة والتوتر الصامت، إلا أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة ظلت ترى في مصر مركز ثقل لا يمكن تجاوزه في المنطقة، ومع عودة ترامب إلى المشهد السياسي الأمريكي، يرى الباحث أن الولايات المتحدة تسعى إلى إعادة صياغة العلاقة مع مصر، على أسس أكثر ندية واحترامًا متبادلًا. 

يقول لـ”زاوية ثالثة”: “الزيارة تحمل بعدًا رمزيًا يتمثل في إعادة تأكيد مكانة مصر الإقليمية، بعد محاولات من بعض القوى الإقليمية لملء الفراغ الأمريكي في المنطقة، مؤكدًا أن الواقع أثبت أن مصر تظل الدولة الوحيدة القادرة على الجمع بين الشرعية التاريخية، والقدرة المؤسسية، والنفوذ الجغرافي الممتد من شمال إفريقيا إلى شرق المتوسط والبحر الأحمر”.

ويوضح الديب أنه من الناحية الأمريكية، فإن الزيارة تأتي في إطار إعادة ترتيب أولويات واشنطن في الشرق الأوسط، إذ تدرك واشنطون أن مواجهة الإرهاب وضمان أمن الطاقة واستقرار الملاحة في قناة السويس والبحر الأحمر لا يمكن أن يتحقق دون تنسيق وثيق مع القاهرة، كما تعكس الزيارة رغبة أمريكية في بناء جسور جديدة مع حلفاء موثوقين بعد فترة من الارتباك في السياسة الخارجية الأمريكية.

 ويضيف: “استقرار مصر يمثل صمام أمان للمنطقة بأسرها، واشنطن تدرك أن أي اضطراب في هذا الاستقرار ستكون له تداعيات مباشرة على مصالحها في الشرق الأوسط، والزيارة تمثل اعترافًا أمريكيًا صريحًا بالدور المحوري المصري في الملفات الإقليمية، من القضية الفلسطينية إلى جهود تحقيق الاستقرار في السودان وليبيا، ومواجهة التحديات في البحر الأحمر وشرق المتوسط”.

 ويتوقع الديب أن الملف الاقتصادي سيكون حاضرًا بقوة في الزيارة، حيث تتجه إدارة ترامب إلى تعزيز الاستثمارات الأمريكية في مجالات الطاقة والبنية التحتية بمصر، إلى جانب التعاون في مجالات الأمن السيبراني والتكنولوجيا الحديثة، ولا يستبعد أن تشهد المرحلة المقبلة توسعًا في برامج التعاون العسكري والتدريب وتبادل المعلومات بين البلدين.

 ورغم المؤشرات الإيجابية للزيارة، فإن الديب يلفت إلى أن هناك ملفات خلافية قائمة بين الجانبين، تشمل قضايا حقوق الإنسان وبعض المواقف الإقليمية، إلا أنه يرى أن الزيارة تمثل فرصة لمصارحة سياسية وإعادة صياغة أولويات التعاون بما يخدم مصالح الطرفين، وهي بمثابة بداية مرحلة جديدة من العلاقات الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن، تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

ختامًا يمكن القول إن الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى مصر، تمثل لحظة فارقة في مسار العلاقات المصرية الأمريكية، وفرصة لإعادة صياغة معادلة التوازن الإقليمي في الشرق الأوسط بعد عامين من الحرب على غزة. فبينما تسعى واشنطن إلى تثبيت موقعها كراعٍ لعملية السلام، تكرّس القاهرة حضورها كقوة إقليمية لا غنى عنها في أي ترتيبات تخص أمن واستقرار المنطقة.

 

آية ياسر
صحافية وكاتبة وروائية مصرية حاصلة على بكالوريوس الإعلام- جامعة القاهرة.

Search