close

عندما تضرب كارثة… من يُنذر الفقراء؟ 77% من المصريين يواجهون الكوارث بلا إنذار

ضعف وصول المعلومات إلى صغار المزارعين، وقلة الكوادر المدربة، وغياب منصة رقمية موحدة، تبقى من أبرز المعوقات، كما فعّلت مصر نظام إنذار مبكر صحي تديره وزارة الصحة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، عبر رصد وبائي إلكتروني يتابع الأمراض المعدية في الوقت الفعلي، لكن ضعف الربط بين المستشفيات الريفية والمنظومة المركزية يمثل تحديًا.
Picture of سهاد الخضري

سهاد الخضري

حين يضرب زلزال أو تقترب عاصفة، لا يجد ملايين المصريين جرس إنذار يوجّههم إلى برّ الأمان، فعلى الرغم من الاستثمارات الحكومية المعلنة في تحديث أنظمة الرصد والإنذار المبكر، تكشف الكوارث الطبيعية المتكررة عن ثغرة عميقة في العدالة المناخية؛ حيث يظل المواطنون في القرى النائية، والمناطق العشوائية، والأحياء الفقيرة، بلا حماية ولا معلومة، وكأنهم خارج نطاق الحسابات الرسمية.

هذا الواقع القاسي يتناقض مع ما يُطرح في الخطاب الرسمي من خطط وتحديثات تقنية، فالمشهد على الأرض يروي قصة أخرى: إنذارات تصل إلى بعض الفئات عبر وسائل الإعلام أو شبكات التواصل، بينما يبقى آخرون في مواجهة الأعاصير والسيول والهزات الأرضية بغير سابق إنذار، فيما يتكبد مواطنون خسائر مادية ويتعرض آخرون لخطر فقدان الحياة. 

ويختص المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية (مرصد حلوان) برصد الزلازل، إذ تمتلك الدولة منظومة إنذار مبكر مرتبطة ببعض البنى التحتية الحساسة، إلا أن محدودية الانتشار الزمني، وضعف الربط مع الأجهزة المحلية، وعدم توفر آلية إنذار جماهيري مباشر، تظل من أبرز المعوقات، أما السيول والأمطار الغزيرة، وتتولى رصدها هيئة الأرصاد الجوية، ووزارة الموارد المائية والري، ووزارة التنمية المحلية، وفي الزراعة، يدير مركز معلومات تغير المناخ بوزارة الزراعة نظام إنذار مبكر ، ويصدر نشرات تحذيرية بشأن موجات الحرارة والصقيع والأمراض النباتية.

لكن ضعف وصول المعلومات إلى صغار المزارعين، وقلة الكوادر المدربة، وغياب منصة رقمية موحدة، تبقى من أبرز المعوقات، كما فعّلت مصر نظام إنذار مبكر صحي تديره وزارة الصحة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، عبر رصد وبائي إلكتروني يتابع الأمراض المعدية في الوقت الفعلي، لكن ضعف الربط بين المستشفيات الريفية والمنظومة المركزية يمثل تحديًا.

ولا توجد حتى الآن منظومة موحَّدة للإنذار العام يمكن من خلالها تنبيه المواطنين جماهيريًا في حالات مثل الزلازل أو الفيضانات، إذ تعتمد الدولة حاليًا على نشرات الإعلام الرسمي أو التواصل مع المحليات وذلك وفقًا لشهادات مصادر التحقيق وكذلك شهادات المشاركين في الاستبيان الذي أعدّته مُعِدّة التحقيق. وقد أفاد المشاركون في الاستبيان باعتمادهم كليًا على نشرات الأرصاد الجوية، أو على شهادات المتضررين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو المكالمات الهاتفية من المعارف والأقارب عند وقوع زلزال أو سيول في منطقة ما.

 

نوصي للقراءة: هل يخلق الاقتصاد الأخضر فرصًا للعمل في مصر؟

من يصله الإنذار؟ 

بهدف استكشاف مدى وصول أنظمة الإنذار المبكر إلى المصريين، أجرت زاوية ثالثة استبيانًا شمل مشاركين من خلفيات تعليمية ومناطق جغرافية متعددة، كشف عن فجوة واسعة في تلقي التحذيرات، وعن ضعف الثقة المجتمعية في عدالة هذه المنظومات. بين من لم يسمعوا يومًا بجرس إنذار، ومن تلقوا إشارات متأخرة بعد وقوع الكارثة. 

شمل الاستبيان نحو 83 مشاركًا ومشاركة من محافظات: القاهرة، الجيزة، القليوبية، الإسكندرية، الغربية، دمياط، الدقهلية، بني سويف، سوهاج، ومرسى مطروح، يقيم 80.2 % من المشاركين في مناطق حضرية، 17.3 % في مناطق ريفية، 2.5 % في مناطق عشوائية.

وتُظهر النتائج أن 86.3% من المشاركين حاصلون على مؤهل جامعي أو أعلى، و11.3% حاصلون على مؤهل ثانوي، بينما بلغت نسبة الحاصلين على مؤهل إعدادي 1.3%، وكذلك نسبة من لم يحصلوا على أي مؤهل تعليمي 1.3%. أما بخصوص الكوارث الطبيعية، فقد أوضح 46.9% من المشاركين أنهم شعروا بزلزال أو عاصفة شديدة خلال السنوات الخمس الماضية، في حين ذكر 53.1% أنهم لم يشعروا بأي منها، وتنوّعت تجارب من شعروا بالكوارث بين هزات أرضية وعواصف رملية شديدة.

 

 

كذلك تبين نتائج الاستبيان نمطًا واضحًا من التفاوت في فرص الوصول إلى المعلومة، وغيابًا شبه تام لأنظمة التحذير المبكر في المناطق الأشد تهميشًا، حيث تلقى 22.5% من المشاركين تحذيرًا مسبقًا، في حين لم يتلقَّ 77.5% أية تحذيرات بالزلازل أو العواصف، وتنوّعت وسائل تلقّي التحذيرات بين مواقع التواصل الاجتماعي التي احتلت النسبة الأكبر، ورسائل الهاتف المحمول، ووسائل الإعلام.

 

 

وفقًا لنتائج الاستبيان، تلقى 15 شخصًا فقط من المشاركين التحذيرات خلال فترة تتراوح من أقل إلى أكثر من 24 ساعة من وقوع الحدث، بينما علم 9 من المشاركين بعد وقوع الحدث، أما باقي المشاركين فلم يتلقوا تحذيرًا من الأساس، سواء قبليًا أو بعديًا.

كذلك أفاد 21.7% ممن تلقوا تحذيرات بأن لديهم تعليمات واضحة حول كيفية التصرف، بينما لم تكن لدى 58% أي تعليمات، 20.3 % لم يتذكروا، فيما رأى 5.1 % من المشاركين أن التحذيرات المبكرة تصل للجميع بصورة عادلة، فيما رأى 65.4% أن التحذيرات لا تصل بشكل عادل، بينما أجاب 29.5% من المشاركين بأنهم لا يعلمون.

 

نوصي للقراءة: الإسكندرية.. استثمارات لا ترى البحر

ما مدى جاهزية منظومة الإنذار المبكر؟ 

بدأت مصر منذ سنوات تطوير منظومات الإنذار المبكر في عدة قطاعات، مثل الزلازل، والزراعة، والسيول، والأمراض، لكن يختلف مستوى الجاهزية من قطاع لآخر، إلى جانب التحديات المتعلقة بالتمويل، والتنسيق بين الجهات، وتحديث البيانات.

في قرية صفط اللبن، بمحافظة المنيا، يقف خلف عزيز، المزارع الستيني، وسط أرضه التي عرفها شابًا، وما زال يزرعها منذ أكثر من ثلاثين عامًا، يقول بمرارة:  “منذ أن بدأت العمل في الزراعة، لم أسمع عن شيء يُسمّى الإنذار المبكر، فلا تصلنا أي تحذيرات بشأن مواعيد الزراعة أو مواسم الحصاد، ولا حتى إذا كان هناك مطر أو سيول مقبلة.”

ويؤكد خلف أنّ غياب الربط قائم تمامًا بين المزارعين ومحطات الأرصاد الجوية، مضيفًا: “كان من المفترض أن تنظم مديريات الزراعة محاضرات أو ندوات، أو حتى مدارس حقلية تُعرّفنا بكيفية التعامل مع تقلبات الطقس اليومية”، تقتصر محطات الرصد في محافظة المنيا على مركزي سمالوط وأبو قرقاص فقط، وهو ما يجعل الاستفادة من الإنذار المبكر محدودة للغاية.

وبالرغم من هذا الغياب المؤسسي، يشير خلف إلى بعض المبادرات المحدودة التي حاولت سد هذا الفراغ: “من الجهات التي ساعدتنا قليلًا مؤسسات مثل الهيئة الإنجيلية، حيث نظّمت ندوات، وجلبت مدرّبين، وكنا أحيانًا نتلقى رسائل نصية على الهاتف المحمول تتضمن تحذيرات أو إرشادات عند تغيّر الأحوال الجوية.”

يقول خلف مشيرًا إلى أرضه التي باتت شاهدة على تغير مناخي قاسٍ: “درجات الحرارة المرتفعة تؤثر في حبوب اللقاح، مما يضعف المحصول منذ البداية.” ثم يستذكر بأسى: “في عام 1999 أُصيب محصول الفول كله باللفحة. وفي عام 2005 دمّر الندى محصول البطاطس، فأصابه التفحّم والتقزّم، ومنذ ذلك الحين لم نعد قادرين على زراعته مجددًا. أما في عام 2017، فقد أُصيب الكمّون الذي زرعته باللفحة النارية، وخسرت فيه وحده 50 ألف جنيه. وآخرها كانت عاصفة أبريل الماضي، إذ ضربت محصول القمح فانخفضت إنتاجيته إلى النصف، وخسرت نحو 25 ألف جنيه.”

تحديات رئيسية لمنظومة الانذار في مصر

وعلى الرغم من تعدد هذه الكوارث المناخية، ظل غياب التحذيرات قائمًا، حيث يؤكد خلف أنّه لم يتلقَّ أي إنذار مسبق قبل وقوعها، قائلاً: “لم يكن هناك أي إنذار، ولا جهة رسمية أبلغتنا، ولا أحد جاء لتقييم أو متابعة الخسائر، وكأننا غير موجودين.” مطالبًا بتفعيل حقيقي لمنظومة الإنذار المبكر على مستوى القرى، وتأهيل كوادر وزارة الزراعة ومحطات الأرصاد للتواصل المباشر مع المزارعين، ولا سيما صغارهم، من خلال المرشدين الزراعيين، مع تفعيل الدور الإعلامي ليكونوا شركاء في نقل التحذيرات، بدلاً من ترك المزارعين يواجهون الكوارث بمفردهم. ويختم بقوله: “نحن أكثر من يدفع ثمن التغيرات المناخية، ومع مرور كل عام، تتضاعف الخسائر”.

هذه الشكاوى لا تصدر عن خلف وحده، بل يرددها أيضًا عصام عودة، المهندس الزراعي والمزارع في الوقت نفسه، الذي يؤكد أنه لم يسمع منذ خروجه إلى المعاش قبل 7 سنوات عن أي منظومة للإنذار المبكر، ولم يصله إنذار واحد يُنبّهه إلى سيول مقبلة أو عاصفة وشيكة، رغم أن أرضه الزراعية ما تزال مصدر رزقه الوحيد.

“لا يوجد سوى نشرة الأرصاد الجوية في التلفاز… أتابعها كما يتابعها سائر الناس.”، يقول  عصام، بصوت يحمل مزيجًا من الاستسلام والخذلان، إنّه لا يزال يتذكر بوضوح اليوم الذي اجتاحت فيه قريتهم عاصفة ترابية عنيفة عام 2017، لم يكن مستعدًا، ولم يكن أحد مستعدًا. العاصفة اقتلعت الأشجار والمحاصيل من جذورها، أطاحت بالصوب البلاستيكية، حطّمت أعمدة الكهرباء، حتى محطة كهرباء جمصة انهارت، لتغرق القرية في ظلام دام أسبوعًا كاملًا، في تلك الليلة، خسر عصام كل ما زرعه في أرضه التي تبلغ مساحتها ثلاثة فدادين ونصف.

“خسرت ما بين 70 و80 ألف جنيه، ولم يسأل عنا أحد”، يقول وهو يوجّه نظره إلى الأرض التي ما تزال شاهدة على آثار تلك الضربة، لا يثق عصام بأن جهة ما قد تُنبّهه قبل وقوع الكارثة، فالنقص الحاد في أعداد المرشدين الزراعيين يضاعف من شعوره بالعزلة. ولهذا لم يعد ينتظر شيئًا من أحد، ويكتفي بمتابعة نشرة الطقس في التلفاز، متمنيًا أن تمرّ الأيام المقبلة بسلام.

بالمقابل يؤكد الدكتور محمد فهيم، رئيس مركز معلومات تغير المناخ بوزارة الزراعة، أن الحكومة طورت منظومة وطنية للإنذار المبكر الزراعي خلال السنوات الأخيرة، بدأت فعليًا في أكثر من 20 محافظة، مع التركيز على المناطق الأكثر تأثرًا بالمخاطر المناخية مثل الدلتا، الصعيد، وغرب المنيا،وتشمل هذه المنظومة رصد الظواهر المناخية المؤثرة على الزراعة مثل: الصقيع، الموجات الحارة، الأمطار الغزيرة، الجفاف، والعواصف الترابية.

وتعتمد المنظومة على تكامل بيانات الأرصاد الجوية، وصور الأقمار الصناعية (Sentinel وMODIS)، ونماذج مناخية عالمية (مثل ECMWF وNOAA)، إلى جانب منصات تابعة للفاو والإيفاد، وتغطي حاليًا 22 محافظة ضمن مشروع ممول دوليًا، مع خطة للتوسّع لكافة المحافظات بحلول 2027، وبلغت دقة الإنذارات بين 75 إلى 85% في السنوات الثلاث الماضية، مع تحسّن كبير في توقيت التحذيرات بفضل تطوير النموذج الإحصائي المحلي.

ويوضح فهيم في حديثه معنا أن التحذيرات تصل للمزارعين عبر الرسائل النصية، والإذاعات المحلية، وصفحات التواصل، ومجموعات “واتساب”، إضافة إلى المرشدين الزراعيين في القرى، كما تصدر الوزارة نشرات موسمية كل 3 أشهر تتضمن توصيات زراعية، وقد ارتفع معدل الالتزام بها، خاصة في المناطق التي شهدت سابقًا ظواهر مناخية متطرفة. إلا أن تلك المنظومة لا تزال تواجه تحديات جمة، من أبرزها ضعف الاتصالات في المناطق النائية، نقص الوعي، وقلة التمويل والموارد التقنية، ومع ذلك، ساعدت التحذيرات المبكرة في تقليل الخسائر وتوجيه المزارعين لتعديل ممارسات الزراعة والري، خاصة في المناطق المطرية.

وفي محاولة لتطوير الأداء، تعمل الوزارة حاليًا، وفق فهيم، على إطلاق تطبيق رقمي للإنذارات المناخية، وإدماج عنصر التأمين الزراعي، وتطوير التنبؤ بالأمراض والآفات، هذا ويجري تقييم استجابة المزارعين من خلال نماذج ميدانية، حيث سُجّل انخفاض في الخسائر بنسبة 22% في بعض قرى البحيرة، مع خطة لإطلاق نظام إلكتروني لرصد الاستجابات بحلول 2026.

حين تهتزّ الأرض… من يُنذر الناس؟

يبلغ عدد محطات الشبكة القومية لرصد الزلازل، وفقًا لرئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، 85 محطة عاملة بانتظام في مختلف أنحاء الجمهورية، وتخطط مصر للتوسع مستقبلًا ليصل العدد إلى 100 محطة.

هذه الشبكة ترصد الزلازل بعد وقوعها وليس قبلها، لأن التنبؤ بالزلازل قبل حدوثها بدقة ما زال غير ممكن عالميًا، بحسب  الدكتور شريف الهادي، رئيس قسم الزلازل بالمركز القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، في حديث إلى زاوية ثالثة،  لكن تم تطوير نظام للتفاعل السريع مع الزلازل لتقليل الخسائر، مثل: فصل الكهرباء عن المصانع تلقائيًا، إيقاف القطارات باستخدام برمجيات ذكاء اصطناعي والتحذير الداخلي السريع لبعض الجهات (وليس للمواطنين حاليًا).

ويقع المركز الرئيسي في حلوان، حيث تتجمع البيانات وتُحلَّل على مدار الساعة، فيما توجد سبعة مراكز إقليمية تغطي الجمهورية، تشمل: أسوان، والغردقة، ومرسى علم، والواحات الخارجة (الوادي الجديد)، وبرج العرب الجديدة، ومرسى مطروح، والعريش. ويُضاف إلى ذلك محطتا الضبعة والسد العالي بأسوان،وقد أظهرت خرائط المعهد أن هناك نشاطًا زلزاليًا محدودًا في بعض المناطق، من بينها: شمال وشرق البحر الأحمر، ومنطقة دهشور جنوب القاهرة، وأبو زعبل والخانكة شمال شرق القاهرة، والساحل الشمالي بما في ذلك الإسكندرية ورشيد ودمياط، وجنوب السد العالي بأسوان (منطقة كلابشة).

يقول رئيس قسم الزلازل بالمركز القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، في حديثه معنا، إن مصر تمتلك منظومة إنذار مبكر قادرة على التعامل مباشرة مع الأجهزة الحساسة، مثل فصل التيار الكهربائي عن المصانع أثناء الزلازل لتفادي وقوع حرائق أو ماس كهربائي، أو إيقاف خطوط القطارات باستخدام برامج الذكاء الاصطناعي، تفاديًا لوقوع حوادث حال حدوث زلزال.

ويضيف أن هناك نظامًا آخر يُصدر إنذارًا في حال حدوث تسونامي قبل وصوله إلى الشاطئ، كما توجد منظومة خاصة ترصد أي كسور قد تصيب السدود، حيث تُركّب أجهزة استشعار تُصدر إنذارًا عند حدوث تصدعات ناتجة عن الزلازل.

ويشير إلى أن الزلازل عادةً ما تكون سريعة وفجائية، ويحدث تأثيرها خلال ثوانٍ، لذلك يصعب تنبيه الناس بالسرعة الكافية، ويوضح أن تنفيذ منظومة الإنذار المبكر في مصر يتم وفقًا لاحتياجات الدولة، لافتًا إلى أن أكبر تحدٍّ يواجه تطبيق المنظومة في مصر هو الحاجة  إلى الاهتمام بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتفعيلها في منظومة الإنذار المبكر وتطبيقها بفعالية في المؤسسات الحكومية.

 

 

نوصي للقراءة: عاصفة واحدة.. تكفي لكشف ما لا تتحمله الإسكندرية

“الإنذار لا يكفي: عندما تصل السيول قبل التحذير!”

من جهتها، توفّر وزارة الري خرائط لمخرّات السيول، إلى جانب وحدة إنذار مبكر داخل هيئة الأرصاد تتعاون مع المحافظات، وأجهزة لرصد المطر وتحذير سريع بمناطق مثل البحر الأحمر وجنوب سيناء، تصدر تحذيرات قبلية بالأمطار الشديدة والسيول، حيث تتراوح مدة التحذير المسبق  بين 48 ساعة إلى أسبوع، إلا أن ضعف البنية التحتية في بعض المحافظات، والاستجابة المحلية المتأخرة، وضعف الاتصال بين أجهزة الرصد والمواطنين، يظل من أبرز التحديات

في هذا الصدد، يقول الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، في حديثه مع زاوية ثالثة، إن مدن البحر الأحمر مثل “رأس غارب، الغردقة، سفاجا، والقصير” تقع أمام مخرات سيول ضخمة، وكذلك مدن الصعيد جميعها بلا استثناء، من جهة وادي النيل، تواجه مخرات سيول كبرى مثل وادي قنا، ووادي أسيوط، ووادي الحمامات، وقد تتعرض هذه المناطق لسيول، لكن لا يمكن التنبؤ بموعد حدوثها لأنها لا تحدث سنويًا، ولا تمتلك أي محافظة بمفردها الإمكانات الكافية للتعامل معها، كما حدث في سيول رأس غارب عام 2016 التي أدت إلى قطع الطرق حينها.

لذا، من الضروري وجود وحدة مركزية مزوّدة بمعدات ثقيلة وطائرات، تغطي مجموعة من المحافظات للتعامل مع أي سيول مفاجئة. وتمتلك مصر خطة لإقامة سدود بشكل دوري في المناطق المعرضة للسيول كنوع من الاستعداد، لكن لا يمكن لأحد منع حدوث السيول.

ويشدّد شراقي على أهمية تطهير مخرات السيول بشكل منتظم، ومنع البناء في تلك المناطق، ومراقبتها باستمرار من قِبل المحليات، إلى جانب إنشاء وحدة طوارئ مخصصة لها. وأوضح أن التنبؤ بالسيول قبل حدوثها بأيام أمر بالغ الصعوبة، ما يتطلب الاستعداد على مدار العام.

ويشير إلى أن الهيئة العامة للأرصاد الجوية هي الجهة المسؤولة عن التنبؤات المناخية، وتعمل الدولة على دعمها بأجهزة حديثة للرصد والإنذار المبكر. إلا أن حتى أجهزة الأرصاد في العالم قد تعجز أحيانًا عن التنبؤ بالظواهر المناخية المتطرفة أو رصدها في الوقت المناسب.

ويستشهد أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، في حديثه معنا بتجربة الولايات المتحدة، مؤكدًا أنه لولا تطبيق منظومة الإنذار المبكر لما أمكن تقليل أعداد ضحايا الأعاصير والفيضانات هناك. ومن أجل تقليص الخسائر الناجمة عن الكوارث، شدد على ضرورة مراجعة حالة المباني، وإزالة العقارات الآيلة للسقوط، مستذكرًا الخسائر البشرية التي نجمت عن زلزال عام 1992 رغم ضعفه، وأكد في ختام حديثه أهمية الالتزام بكود البناء الزلزالي في المشروعات الجديدة، وإنشاء مراكز إنقاذ متخصصة استعدادًا لأي كارثة محتملة.

تختلف جهات تلقّي التحذيرات في منظومات الإنذار المبكر للكوارث في مصر، باختلاف نوع الكارثة، وآلية عمل كل منظومة، والجهة المسؤولة عنها.

وتنقسم فئات تلقّي التحذيرات إلى: الجهات الحكومية كـ”مجلس الوزراء، وغرف العمليات المركزية (في حالات الطوارئ والكوارث الطبيعية)، المحافظات، ومديريات الأمن، والدفاع المدني، ووزارات التنمية المحلية، والموارد المائية والري، والزراعة، بالإضافة إلى هيئة السكك الحديدية، ومترو الأنفاق (في حال الزلازل، تُربط إلكترونيًا ببعض منظومات الرصد)، وبعض المصانع، ومحطات الكهرباء الحساسة (المرتبطة تقنيًا بمنظومة الإنذار لتفعيل الإغلاق التلقائي في حال الزلازل).

 والجهات الفنية والعلمية كهيئة الأرصاد الجوية، والمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، مركز معلومات تغير المناخ بوزارة الزراعة.

أما الفئات التي لا تتلقى التحذيرات بشكل مباشر، فهي تشمل المواطنين لغياب آلية جماهيرية آنية (مثل الرسائل النصية SMS أو التنبيهات عبر الهاتف المحمول)، إذ يعتمدون غالبًا على وسائل الإعلام الرسمية أو منصات التواصل الاجتماعي لنقل التحذيرات بعد صدورها، وذلك وفقًا لشهادات المشاركين في الاستبيان. وينسحب الأمر أيضًا على الجهات غير المرتبطة تقنيًا بالمنظومات، مثل بعض المصانع والمنشآت الخاصة غير المتصلة مباشرة بنظام الإنذار، فضلًا عن المدارس والمستشفيات ودور العبادة في بعض المناطق، والتي لا يصلها التحذير بشكل مباشر أو فوري.


المنظومة ترجع إلى الخلف

جارح القطعاني، المواطن الأربعيني من محافظة مرسى مطروح الحدودية، له رأي مختلف؛ فهو يعرف بمنظومة الإنذار المبكر في منطقته منذ سنوات، ويؤمن بدورها الهام في التنبيه بالتغيرات المناخية والكوارث، لكنه يشير بأسف إلى أن هذا الدور تراجع منذ عام 2011، قائلاً: “لم نعد نتلقى التحذيرات كما كنا في السابق”.

يتذكر جارح بوضوح كيف كانت تُطلق صفارات الإنذار في مختلف أنحاء المحافظة، إلى جانب تنبيهات الراديو والتلفاز، لتحذير السكان من الزلازل، كما حدث في زلزال عام 1992. أما اليوم، فالوضع مختلف تمامًا، خلال السيول التي سقطت عام 2023، لم يتم تنبيه السكان مسبقًا، مما أدى إلى خسائر مادية ضخمة، بحسب روايته. 

ويضيف في حديثه معنا “لو كان هناك تحذير قبلها، لكنا استطعنا أن نقلل من الخسائر”، يقول جارح، مشيرًا إلى الجهود التطوعية التي لعبت دورًا حاسمًا في الاستجابة للأزمة، لكنه يلفت الانتباه إلى أن سكان المناطق النائية لا يحصلون على المستوى نفسه من الخدمات التي يتلقاها سكان المدينة.

ويرى جارح أن الاستعداد للكوارث يجب ألا يقتصر على التحذير فقط، بل يشمل أيضًا توفير ملاجئ آمنة يمكن للمواطنين اللجوء إليها، إضافة إلى ضرورة إدراج مادة تعليمية في المدارس تُعنى بالكوارث الطبيعية وكيفية التعامل معها بفعالية.

من جانبها، تقول وسام أحمد فيالة، سكرتير وحدة محلية في إحدى المحافظات المطلة على نهر النيل والبحر المتوسط، إنهم يتلقون بشكل دوري تحذيرات من الجهات المركزية بشأن مواعيد النوات والتغيرات المناخية المتوقعة، ما يتيح هامشًا زمنيًا يتراوح بين 48 ساعة وأسبوع لاتخاذ الإجراءات الوقائية.

وتشير إلى أن قرب المحافظة من النيل والبحر يجعلها أكثر عرضة لمخاطر السيول مقارنة بغيرها، ما يتطلب استعدادًا دائمًا.

“بمجرد تلقي الإنذار، نكون على تواصل مستمر مع المحافظة ومجلس المدينة على مدار الساعة”، تقول وسام، موضحة أن الاستجابة تبدأ على الفور من خلال تطهير شبكات الصرف، ومراجعة جاهزية محطات المياه، ومتابعة قدرة البنية التحتية على التصريف لتقليل الخسائر المحتملة.

تؤكد وسام أن هناك تنسيقًا قائمًا مع مختلف الجهات المعنية مثل التضامن الاجتماعي، ووزارة الشباب والرياضة، وشركات الكهرباء والمياه، لضمان التدخل السريع عند حدوث أي طارئ، وفي بعض الحالات، يتم إشراك المجتمع المحلي في جهود الاستجابة المبكرة، مشيدةً بحالة التعاون التي تُبديها المجتمعات الريفية عند استشعار الخطر.

وتلفت إلى أن التحدي الأكبر يكمن في الكوارث المفاجئة التي تفوق مستوى الاستعداد المحلي، مستشهدة بإعصار ضرب إحدى قرى دمياط عام 2023، ورغم عنصر المفاجأة، تقول وسام إن الجهات المعنية “نجحت في احتواء الموقف بكفاءة”.

تُشير وسام أيضًا إلى وجود إدارة أزمات تعمل على مدار الساعة، ولها مندوبون في كل قرية، معتبرة أن توفير المحافظ الأسبق لأجهزة لاسلكي لرؤساء المدن والوحدات المحلية مثّل نقلة مهمة في سرعة التواصل مع غرفة الأزمات والإبلاغ الفوري عن الكوارث، وهو ما ساهم في تحسين سرعة الاستجابة وتقليل زمن رد الفعل.

وأخيرًا، رغم ما تحقق من جهود لتطوير أنظمة الرصد والإنذار المبكر في مصر، يظل الواقع الميداني كاشفًا عن ثغرات عميقة في العدالة المناخية، حيث تتفاوت فرص الوصول إلى المعلومة بين مواطن وآخر، وبين مدينة وقرية، وبين مؤسسة رسمية وأخرى أهلية. فبينما تتلقى بعض الجهات التحذيرات فورًا وتتمكن من اتخاذ تدابير وقائية، يبقى ملايين المصريين في القرى النائية والمناطق العشوائية في مواجهة الزلازل والسيول والعواصف بغير إنذار. هذه الفجوة لا تعكس فقط قصورًا تقنيًا أو إداريًا، بل تكشف عن معضلة أكبر تتعلق بغياب منظور شامل يضع المواطن في قلب منظومة الحماية، لا على هامشها.

سهاد الخضري
صحفية مصرية عملت في عدد من الصحف المصرية والمواقع العربية، وتهتم بالتحقيقات والقصص الإنسانية.

Search