وسواس مادونا

315

غالبا لا تعرفونها، لأنها فتاة مغمورة، ليس لديها متابعون على تويتر أو فيسبوك أو انستجرام، ولا تهاجم قضية بعينها أو تدافع عن أخرى لتحظى باهتمام اإعلام، لكنها تشبهك وتشبهني في معاناتها مع وساوس عدم قبول الذات وتقديرها، دعوني أعرفكم بها..

مادونا، فتاة في العشرينات تعمل في إحدى شركات الاتصالات، تركت أسرتها منذ سنوات، للدراسة والعمل في القاهرة، مجتهدة في عملها، محبوبة من الجميع، كثيرة الضحك والمساعدة والمبادرة، ملامحها صافية وهادئة، مظهرها أنيق وعلى الموضة، تذهب للجيم كل يوم، وتتمرن أكثر من ساعة بهدف فقدان الوزن، فتصف نفسها دائما بـ (تخينة)، لكن إذا قابلتها اقسم لك أنك تستطيع رؤية قفصها الصدري بوضوح من شدة نحافتها.


عارف.. في اليوم الذي تأكل أنت فيه ثلاث وجبات، تتخطى كل وجبة منهم 1000 سعر حراري، تأكل مادونا 3 علب زبادي على مدار اليوم، وإذا شعرت بالجوع تقوم بسلق بيضة أو تشرب نصف كوب من عصير البرتقال بدون سكر، نعم.. لديها وسواس أنها تخينة وأن مظهرها ليس مثاليًا، وأنها غير محبوبة بسبب الدهون المتراكمة على أفخاذها.. أية دهون يا مادونا أنا لا أرى غير عظام يا صديقتي؟

بالفعل، تحدث معها كثيرون عن جمالها، ووصف لها الأكثر عن اختلافها، لكنها لم تقتنع ومستمرة إلى هذه اللحظة في إيذاء جسدها دون وعي، لكنها ليست وحدها غير قادرة على قبل نفسها، هناك كثيرون مع اختلاف الهاجس النفسي الذي يرافقهم ويعانون منه.

أتذكر صديقي الذي كان يعاني من حبوب الشباب، والذي كان يرفض الخروج والتقاط الصور معنا، كان يبرر تصرفه بقول :"شكلي وحش.. مش حابب أبان كدا "، وحتى يتجنب سماع  النصائح والإرشادات الطبية والفتاوى من المقربين، امتنع عن الخروج ومقابلة أي شخص، والنتيجة أنه يعاني الآن من اضطراب اكتئابي، ويغلب عليه الحزن دائما.

أتمنى ألا تسخر من مادونا وصدقي، ومن أى شخص لديه هاجس أو وسواس نفسي، لأنه  من المؤكد أنك تعاني مثلهم.. فكر لمدة 12 ثانية، ركز في تفاصيل مظهرك، تذكر التعليقات والانتقادات التى تتعرض لها كل يوم وكل لحظة من المقربين ومن أي شخص يعرفك، رأيت؟ تعاني من وسواس وهاجس وفي حاجة إلى تعزيز وقبول وتقدير النفس مثلهم.

مظبوط، القصة تبدأ من الخارج دائما، من تعليقات الأشخاص على مظهرك، من تسليط الضوء على شيء يراه البعض عيبًا فيك، ومن ثم بحثك في نفسك عن هذه العيوب والديفوهات، ومن هنا تبدأ معاركك مع الحياة والنفس، يسكن الهاجس والوسواس روحك ويقيدها، إلى أن تبدأ في البحث عن التغيير حتى وإن كان إيذاء نفسك.. متخيل أننا تركنا أنفسنا إلى الأفكار السلبية التى يفرضها علينا الآخرون، وقبلناها على أنها حقيقة مسلم بها حتى أصبحنا ألد عدو لذواتنا؟ متخيل أن صغر النفس والذات الذي يطاردنا بسبب حماقة من نعرفهم؟  بصراحة.. بسبب حماقتنا تجاه ذاتنا، أيضا لأننا لم نعززها ولم نثق في أنفسنا.

منذ أيام، قرأت مقولة للكاتب رانجيت سينج تقول (كلما قوي تقدير المرء لذاته، كان أيسر عليه أن يحظى ويحتفظ بالشجاعة اللازمة لتغيير سلوكياته)، نعم..  نحن في حاجة إلى إيماننا بأنفسنا وبأهليتها وقدرتها واستحقاقها للحيا، نحن في حاجة إلى أن نشعر من داخلنا أن لدينا قيمة أعلى من الديفوهات والكيلوجرامات الزائدة، أعلى من حبوب الوجه المزعجة، في حاجة إلى الاعتراف أن لدينا عيوب سهل تغييرها لكننا نقبلها، مثلما فعل جاي وينش.

عالم النفس جاي وينش، عاني في سنوات طفولته بصغر وتذبذب الثقة بالنفس، لكن مع المحاولة والتدريب استطاع أن يعيش سويًا واثقًا من نفسه وقدراتها، معترفا بعيوبه و حاول تغييرها، ومتقبلًا ما لا يستطيع تغييره منها، ووصل إلى هذه النتيجة من خلال عدة خطوات، أولها أنه في كل صباح كان يؤكد على الإيجابيات في حياته، وكان يكرر عبارات مثل (أكون ناجحا.. سأكون محبوبا)، مع الوقت استطاعت العبارات الإيجابية مساعدته على قبل عيوبه.  

و بعدما تأكد جاي وينش من نجاح هذه الخطوة، اتجه إلى الثانية وكانت تحديد ما هو جيد فيه، عرف المجال المميز فيه، تأكد أنه يستطيع أن يقوم بعدة مهام، وصل إلى الصفات التي يفضلها أصدقاؤه ويحبونه بسببها، المميزات التي تجذب الأعين إليه، وهذا ساعده كثيرا على تقديره لذاته وتقبل المدح، الذي كان لا يقبله، و يشعر أنه مجاملة لا أكثر، بسبب الانتقادات الكثيرة التى تعرض لها، لكن مع التدريب استطاع أن يقبله ويرد عليه بابتسامة وكلمة شكرا.

كما توقف عن نقد الذات وجلدها، وأصبح يضع نفسه مكان الآخرين ويقول لنفسه أنه لا يصح أن يقول كلمات سخيفة لأى أحد ولنفسه أيضا، وبدأ يتعاطف مع نفسه ويذكرها بكل شىء جيد، ومميز فيها من خلال الأوراق التى كان يكتبها عنه ويقرأها كل صباح.

 ما رأيك في الخطوات التي ساعدت جاي وينش على تقبل النفس والذات؟ صدقني لن تخسر شيئًا إذا  قمت بتجربتها لأنها محتمل أن تساعدك على توقف إيذاء نفسك دون أن تدري، وتذكر مقولة الكاتب رانجيت سينج ( إذا كان المرؤ لا يحيا سوى حياة واحدة، فليحيها بتقدير عال لذاته).

تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك