عمري كان 18

390

أعتقد أن عمري كان ١٨، كان عمري ١٨ عندما عرفت كلمة نسويه او بمعناها الإنجليزي feminist 

عرفتها صدفةً حين وصفني بها أحد الأصدقاء بعد أن رأى منشورات علي فيسبوك 

لم أكن أدرك قبلها أن دفاع المرء عن أبسط حقوقه يطلق عليه مسمى ما ( "حقوقي"، "نسوي"، "علماني"..)

كنت أعتقد انه شئ طبيعي، غرائزي، وأن الجميع مثلي،  يريدون فقط أن يكونوا أحرار.

 لم أكن أعرف انه دفاع المرأة بوجهه الأخص عن حقوقها احياناً يسمي "تطرف" و "مبالغة"، "تمرد"..

كنت أعتقد انه شئ طبيعي، ان تشعر جميع الفتيات مثلما أشعر، وانه ليس بضرورة أن نكون "نسويات" حتي نطالب بأبسط حقوقنا في الحياة.


كنت صغيرة وطموحة وكنت أيضاً مغفلة، ولكني كنت أبسط من الآن بكثر، الحياة كانت أبسط من الآن.


كانت مطالبتي بالحرية لأغراض بسيطة جداً

كنت اتجادل مع أمي لأني أريد أن اصنع أكثر من ثقب في اذني، وأن أترك شعري كما هو دون أن يتحكم في شكله أحد 

أردت أن أشعر بالراحة، أن أجلس كما أشاء دون أن يصرخ في وجهي أحد ويقول لي  "مفيش بنت تقعد كده"


طلبت أيضاً بحريتي عندما كنت اتشاجر مع أبي لأني أريد أن اترك دراستي في الكلية التي اختاروها لي وادرس الفنون والمسرح..

كنت أعتقد حينها أن الفنون تشفي الروح كما قرأت في الكتب والوايات التافهة التي كان أحمد مراد ومن يشبهه من كُتاب حينها يكتسحون السوق يكتبوها ونشتريها نحن الشباب اليافع المغفل، أردنا أن لا نكون مغفلين، فبدأنا بالذهاب لسور الأزبكية وشراء الروايات وقرأتها، كما كان ينصحنا الجميع طوال الوقت، لم أكن أفهم حينها أن حتي القراءة لها مسميات، وأنه هناك كتب تجارية وكتب ثقافية و كتب فلسفية وكتب علمية.. إلخ، ولكنِ كنت أستمتع بقراءة هذه الروايات، لم أكن اقرأها كي أدعي اني مثقفة، انا فقط كنت أستمتع بالخيال والمغامرة والغياب عن الواقع الذي كنت أشعر به حين اقرأ.

كنت أشعر أني حرة، شغوفه، حالمة، حين أقرأ، نعم هذه الروايت في نظر البعض الآن روايات تفاهة لا تقارن ب روايات وأدب طه حسين ونجيب محفوظ، لكنها قرأتها كانت تعطيني شعور جيد حينها.


مع الوقت مطالبتي بل أيضاً رغبتي في حقوقي تضائلت، كبرت وأرهقت أن كل شئ يتطلب نقاشات، عراك، عواقب وعقاب.. بدأت أفكر في طرق أسهل كي أفعل ما أريد، بدأت أفقد معنى الحرية الذي كنت أطالب به في البداية، لم أعد أكترث بالحرية، أنا فقط أريد أن أفعل ما أشاء حتى وأن كنت سوف ادعي اني افعل عكسه أمام الناس وافعل ما اشاء في الخفاء. أردت أن أقلل حجم المصائب والمشاكل.

بدأت أفهم أن أهلي أطيب من ما أتخيل، وأنهم ليس عدائي، انهم فقط لا يشبهوني، ولم يذوقوا الحرية من قبل، تربوا ونضجوا وهم لا يعرفون شئ غير العادات والتقاليد، هم أيضاً ضحايا المجتمع الجاهل، لست وحدي ضحية، كلنا ضحايا، كلنا نبحث عن حريتنا ولكن بعضنا أكثر شجاعة، بعضنا أكثر قوة، بعضنا لم ييأس كما يأست.


كبرت وأصبحت لا أكثرت بأي شئ على الإطلاق، لا أهتم بالحرية ولا النسوية ولا ثقب أذني ولا شعري.. أريد فقط أن أعيش في سلام.


أعتقد أني أصبحت نسخة من كل شئ كنت انتقده سابقاً،  أو.. لا أعلم ماذا أصبحت، في الواقع حتى هذه النقطة لم أعد أهتم بها، لا أهتم كيف أصبحت، أنا فقط أهتم بالمال الآن، نعم أصبحت حياتي بائسه لهذا الحد، أعمل في أكثر من وظيفة، لا أجد وقت لفعل اي شئ، لم أعد أحتاج للحرية في شئ، فأنا ليس لدي ما يكفي من الوقت أو الأموال كي افعل أي شئ يتطلب حرية اساساً، أعتقد اني اصبحت ناضجة.


لكنِ لست سعيدة بهذا النضج، إذا مطالبتي بالحرية في سن ال ١٨ كانت تافهة فأنا أريد الرجوع لهذا الوقت، كانت الحياة بسيطة، كنت أغرق في النوم خلال ثواني، لم يكن لدى مرض التفكير المفرط، وكل هدفي في الحياة كان كيف اقنع اهلي اني ذية وناضجة وأستطيع أن أتخذ قراراتي بمفردي.


تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك