مدافن باب النصر

349

أول شارع بعد زيزو نتانه علي اليمين  هتلاقي  اول مدخل شمال هنا مقابر "ترب" العيلة بتاعتنا .

هتلاقي يافطة رخامية مكتوب عليها المغفور لهم " عائلة مسعد" بتطلع سلمتين تلاقي باب كبير عليه قفل .

محدش معاه مفتاح التربة غير عم صابر حارس الترب .

كانت ستي الله يرحمها تحب اوي تفتح قفل التربة بنفسها 

تاخد من عم صابر المفتاح وهو يجي ورانا معاة جردل ماية وكوز هي تفتح وهو يرش .

الحوش بتاعنا فيه تلات شابابيك كبار وغرفتين .. علي اليمين غرفة اللحد .. وعلي الشمال صالون مدهب قديم.

الصالون ده لوحاولت تخبط ايدك علي كرسي منه هيطلع تراب وعفرة  السنين فمتحاولش .

بس ستي كانت فارشة الحوش علي مزاجها اصلها كانت بتحبه اوي كانت بتقول بيتي التاني اللي هروح واقعد فيه .

ده انا ساعات كنت بحس انها مهتمة بيه اكتر من بيت العيله نفسة .

حتي زرع الصبار في الحوش اللي مترصص علي الشبابيك والججر الكبير هي اللي جيباه وتسقيه مع كل زيارة .

زيارة الترب دي بقي بنسبالي كانت فسحة العيد، تاني فسحة ليا بعد الحسين علي طول .

كانت ستي تحضر للزيارة دي قبلها بتلات ليالي  .

وأنا فاكرة كويس اوي كنت أروح أنا وولاد عمتي برقوقة ورشا و ميدو  ونشيل الصاجات بتاعت الشوريك والقرص فوق راسنا لحد باب البيت .

وطبعا ستي كانت هي اللي موصية عليهم ،عم علي صاحب الفرن الشامي يجي قبلها باسبوع .

المهم كات ستي تقعدنا أنا والعيال وتجيب أكياس نايلون وتعلمنا .

نحط في كل كيس شويكة وقرصة و بورتقانة .

ونجمع الأكياس ونلفها ونربطها ونحطهم في كيس كبير .

ستي بقي كانت تبقي متفقة مع صاحبتها طنط أم كريمة - معرفش كنا بنقولها ليه كدة -  مع ان معندهاش ولا بنت اسمها كريمة بناتها ميرفت و بطة بس وكانوا بيجوا معانا زيارة الترب .

ستي كانت تاخدنا وتدينا الأكياس نوزعها علي الغلابة و المحتاجين وفي ظرف خمس دقايق بتكون الأكياس كلها خلصانة .

كانت ستي وهي داخله الترب وبتفتحها بتقعد تقول كلام كتير أوي مبفهمش منه حاجة ولما أقولها بتقولي ايه تقولي "بقرا الفاتحة" مع اني كنت متاكدة انها بتقول حاجة تانيه .

كانت تقعد ومعاها صاحبتها و بناتها و أنا وولاد عمتي نقعد نلعب وهي تتكلم وتتساير معاهم وتقشر برتقال وتدينا كل واحد فص وتقولنا خدوا يا عيال كلوا واقروا الفاتحه علي روح ماما الحاجة وعلي روح خالكم فوزي .

الله يرحمك يا ستي كانت بتحبهم اوي .

كنت اقعد ألف قصاد الحوش و ألعب أنا وولاد عمتي استغماية و نلف حوالين بعض .

شوية وتيته تضايق من صوتنا العالي وتزعقنلنا وتقولنا اسكتوا بقي هتزعجوا الميتين اللي تحت .

وفي لحظة تلاقينا كلنا سكتنا وفي لحظة صمت مننا كل واحد فينا بيتخيل .

يعني هو فعلا الميتين ممكن يصحوا و احنا كدة بنزعجهم .. يب هما ممكن يتضايقوا من صوتنا .. طيب ولو اتضيقوا ممكن يطلعوا .. طيب ولو طلعوا شكلهم هيبقي عامل ازاي .

في لحظة بنبص كلنا لبعض ونقرر نجري نقوم نقعد في أقرب مكان جنب تيته ونتحامى فيها .

ستي الله يرحمها كانت دايما تقولنا اوعوا تنسوني .

ابقوا تعالوا زروني و اقرولي الفتحه وتعالوا احكولي اللي بيحصل متسبونيش كدة .

كانت ستي عليها حتة نظرة ثاقبة .

كل الأحداث عندنا من مقر الكنبة بتاعتها لا تتحرك ولا تروح في حته بس عارفة كل اللي بيحصل .

ومفيش حاجة تقول عليها متحصلش ..فلان هيطلق فلانه فعلا بيطلقها .. فلانة هتخلع فلان .. فعلا بتخلعة .. ياربي حتة الخلفة تقول فلان ده خلفته كلها هتبقي بنات .. فعلا بتطلع كلها بنات .. وفعلا لحد دلوقتي كانت تقول حاجات ولسه بتتحقق .

حتي بعد ما ماتت وخدت جنبها ناس كتير بنحبهم لسه بروح أحب أتونس بيها واحكيلها اللي فاتها و اقولها وأفضفض معاها .

 بقيت أتمتم بكلام محدش يفهمه الا أنا وهي زي ما كانت بتعمل وانا مكنتش بفهمها .

بس كل كلامي ده طالع في حبها وفي حب اني عايزة أتونس بيها .

تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك