الحبس الانفرادي.. عقوبة أثر لا ينتهي

398


"كل من يقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيًّا أو معنويًّا، ولا يكون حجزه، أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيًّا وصحيًّا، وتلتزم الدولة بتوفير وسائل الإتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة. ومخالفة شىء من ذلك جريمة يعاقب مرتكبها وفقًا للقانون. وللمتهم حق الصمت. وكل قول يثبت أنه صدر من محتجز تحت وطأة شيء مما تقدم، أو التهديد بشيء منه، يهدر ولا يعول عليه".


"السجن دار إصلاح وتأهيل. تخضع السجون وأماكن الاحتجاز للإشراف القضائي، ويحظر فيها كل ما ينافي كرامة الإنسان، أو يعرض صحته للخطر. وينظم القانون أحكام إصلاح وتأهيل المحكوم عليهم، وتيسير سبل الحياة الكريمة لهم بعد الإفراج عنهم".


فقرتان جاءتا بالدستور المصري الصادر عام 2014 في مادتيه أرقام 55 ، 56 والخاص بِشأن السجون المصرية.


 وقد ذكرت المبادرة الشخصية للحقوق والحريات في تقريراً لها صدر عام 2016، أن نظام التأديب والعقاب بقانون تنظيم السجون وبخاصة التعديل الوارد لى نص المادة 82 من قرار وزير الداخلية رقم 79 لسنة 1961 الصادر بالقرار رقم 345 لسنة 2017 : أن نظام التأديب والعقاب وبخاصة النص الجديد يخالف ما جاء بالدستور المصري إذ أن نص المادة 82 قبل تعديلها كانت تتحدث عمَّا يسمى فرقة التأديب المخصوصة وكانت تلك الغرفة بالليمانات فقط وكان لا يجوز وضع سجين الليمان بها إلا بعد موافقة النائب العام، أما النص الجديد فقد جاء مخالفًا للدستور المصري، إذ أنه يقر عقوبة لا إنسانية وهي الوضع بغرفة خاصة شديدة الحراسة لمدة تصل إلى ستة أشهر، الأمر الذي يعني عمليًّا أن عقوبة الحبس الانفرادي قد تصل إلى مدة ستة أشهر، تلك العقوبة التي تعتبر عقوبة لا إنسانية إذا زادت على خمسة عشر يومًا.



وفي 2011 اعتبرت الأمم المتحدة الحبس الانفرادي لمدة طويلة "تعذيبا يجرمه القانون" وفي بيان صحفي قالت المنظمة "حتى إذا تم تطبيق الحبس الانفرادي لفترات قصيرة من الزمن، فإنه غالبا ما يسبب المعاناة النفسية والجسدية أو الإذلال، ويرقى إلى حد المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أو العقاب"، مضيفا "وإذا تزايد مستوى الألم أو المعاناة، قد يرقى الحبس الانفرادي إلى حد التعذيب".

وفي ماي الماضي أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرًا مفصلًا عن استخدام الحبس الانفرادي في السجون المصرية، وذكر التقرير أن هناك سجناء بتهم ذات دوافع سياسية يُحتجزون رهن الحبس الانفرادي المطوَّل وإلى أجل غير مُسمَّى في مصر، وفي بعض الحالات استمر هذا الحبس عدة سنوات، وهو الأمر الذي يُعد في حد ذاته بمثابة نوع من التعذيب. 

وأشار التقرير إلى أن السجناء يظلون محبوسين في زنازينهم لما يقرب من 24 ساعة يومياً على مدى أسابيع، ويُحرمون من أي اتصال إنساني، ويُجبرون على البقاء في ظروف مروِّعة في الزنازين.

فيما  وثَّقت منظمة العفو الدولية 36 حالة لسجناء احتُجزوا رهن الحبس الانفرادي المطوَّل وإلى أجل غير مُسمَّى، وبينهم ستة عُزلوا بشكل غير مشروع عن العالم الخارجي منذ عام 2013.


وأضح تقرير المنظمة أن  جميع الحالات الموثَّقة ظهر وجود نمط يتمثَّل في احتجاز السجين داخل الزنزانة لأكثر من 22 ساعة يومياً، مع السماح له بالخروج من الزنزانة لفترة تتراوح بين 30 دقيقة وساعة. ولا يُسمح للمحبوسين انفرادياً بالاتصال بالسجناء الآخرين، كما يُحرمون بصفة منتظمة من الزيارات العائلية، حتى إن أحد السجناء لم يتلق أية زيارة منذ أكتوبر 2016. 

وأضاف التقرير  لم يُبلَّغ السجناء بموعد انتهاء حبسهم الانفرادي، مما يجعلهم بلا أي أمل في انتهائه في المدى المنظور، وفي بعض الأحيان، يُستخدم الحبس الانفرادي كوسيلة عقاب تأديبي للسجناء الذين يشتكون من سوء المعاملة، وكذلك من يُضبطون وهم يحاولون إرسال خطابات إلى ذويهم تُظهر الظروف السيئة في السجن.


 وفي الشهور الماضية رفعت أسرة الناشط السياسي أحمد دومة دعوى قضائية لإلغاء قرار الحبس الإنفرادي الذي يقبع فيه دومه من وقت إيداعه بسجن طره منذ عام 2014 حتى الأن.


وذكرت الدعوى رقم 32866 لسنة 71 ، أن إجراءات حبس دمة انفراديا تخالف القانون، باعتبار أن الحبس الانفرادي تم النص عليه في امادة 43 من قانون تنظيم السجون رقم 396 لسنة 1956، باعتباره عقوبة تطبق فقط على من يرتكب أي مخالفة أثناء فترة حبسه.

وطُبِّق الحبس الانفرادي، في بعض الحالات، على أشخاص احتُجزوا بتهم ملفَّقة لإجبارهم على الإدلاء باعترافات. وقد توصلت منظمة العفو الدولية، أنه في معظم الحالات، توجد مجموعات من السجناء احتُجزوا رهن الحبس الانفرادي إلى أجل غير مُسمَّى دونما سبب سوى أنشطتهم السياسية السابقة.


وفي تقرير صحفي نشره موقع مصراوي، ذكرت منى حامد، استارية الطب النفسي بمركز النديم تأثير الحبس الانفرادي على الأشخاص، فتقول إن غياب المؤثرات الحسية والسمعية والبصرية عن شخص لفترة طويلة يؤثر على عقله وبالتالي يفتقد التركيز والإحساس بالزمن والمكان، وخلال الفترات الطويلة يؤدي إلى حدوث هلاوس، نتيجة افتقاد التواصل مع البشر ولمس الأشياء.

وتضيف في تصريحها  أن بالأساليب الجديدة في الحبس الانفرادي من ضيق المكان وعدم صحيته والمنع من استخدام دورات المياه الخارجية، يؤدي لنقص الأكسجين وانتشار البكتيريا والعدوى، ونفسيا يعد الحبس الانفرادي من أقصى أنواع التعذيب، متابعة أن هذه الأعراض ربما تحدث وربما لا تحدث، وأحيانا تكون متفاوتة، وعقب خروج الشخص من الحبس الانفرادي تظهر عليه علامات خلل في الذاكرة والتركيز وطريقة التفكير، وكذلك أعراض ذهانية وخلل في درجة الوعي، وهو ما يسبق مرحلة الغيبوبة.

وعن مدة علاج آثار الحبس الانفرادي بعد الخروج، تُشير استشارية الطب النفسي إلى أن الأشخاص تختلف في درجة تأثرها بالحبس الانفرادي من حيث السن وقوةه الشخصية وخبراته في الدنيا وبالتالي فالعلاج يختلف من شخص لآخر.


تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك