في مصر الحبس الانفرادي.. عقوبة فوق العقوبة

447

"كانت المرة الأولى التي أرى فيها هشام بعد البض عليه في المستشفى، وصف لي زنزانته الانفرادية، التي لا يستطيع أن يرى فيها شيء لظلمتها، إضافة لما يواجه من صعوبات في التنفس لعدم وجود مصدر للهواء فيها، يشعر وكأنه في قبر سيموت هناك، وحين نُقل من الزنزانة إلى المستشفى فهم معنى أن يولد الإنسان  من جديد، لكنهم أعادوه بعد خروجه إلى الحبس الانفرادي مرة أخرى".
هكذا نقلت منظة العفو الدولية شهادة منار الطنطاوي زوجة الصحفي هشام جعفر، المحتجز رهن احبس الانفرادي في
"سجن العقرب شديد الحراسة"، خلال تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية  بعنوان "سحق الإنسانية: إساءة استخدام الحبس الانرادي في السجون المصرية".

رصد التقرير أحوال 36 سجينًا سجناء متهمين بدوافع سياسية ومحتجزين رهن الحبس الانفرادي المطول، لمدد تصل إلى عدة سنوات، بينهم 6 عزلوا بشكل غير مشروع عن العالم الخارجي منذ عام 2013، وهوالأمر الذي يُعد في حد ذاته بمثابة نوع من التعذيب، حيث يظل السجناء محبوسين في زنازينهم لما يقرب من 24 ساعة يومياً على مدى أسابيع، ويُحرمون من أي اتصال إنساني، ويُجبرون على البقاء في ظروف مروِّعة في الزنازين.

وأضاف التقرير أن  المحتجزين في الحبس الانفرادي، من نشطاء حقوق الإنسان والصحفيين وأعضاء جماعات المعارضة، يتعرضون عمداً لإيذاء بدني رهيب، بما في ذلك الضرب على أيدي حراس السجون، وإجبارهم على غمر رؤوسهم مراراً في أوعية ملوَّثة بالغائط. وتؤدي المعاناة النفسية والبدنية التي تُفرض عليهم عمداً إلى إصابتهم بأعراض من قبيل نوبات الهلع، والارتياب، وفرط الحساسية للمؤثرات الخارجية، بالإضافة إلى صعوبات في التركيز وفي الذاكرة.

تأتي هذه الممارسات في إطار حصول السجناء على كميات غير كافية من الطعام والمياه، فضلاً عن عدم ملائمة مرافق الصرف الصحي والأغطية والأسرَّة.

وفي مقابلات مع منظمة العفو الدولية، قال سجناء سابقون أمضوا فترات طويلة في الحبس الانفرادي إن تلك التجربة تركت أثراً نفسياً عميقاً عليهم، حيث أصبحوا يعانون من الاكتئاب والأرق وعدم الرغبة في التعامل أو التحدث مع آخرين، حتى عندما أُخرجوا من الحبس الانفرادي وسُمح لهم بالاختلاط ببقية  السجناء.

وأشار التقرير إلى أن في بعض الأحيان، يُستخدم الحبس الانفرادي كوسيلة عقاب تأديبي للسجناء الذين يشتكون من سوء المعاملة، وكذلك من يُضبطون وهم يحاولون إرسال خطابات إلى ذويهم تُظهر الظروف السيئة في السجن، بالإضافة إلى تطُبِّيق الحبس الانفرادي، في بعض الحالات، على أشخاص احتُجزوا بتهم ملفَّقة لإجبارهم على الإدلاء باعترافات.

وقد أجرت منظمة العفو الدولية، في سياق إعداد تقريرها، 91 مقابلة مع تسعة سجناء سابقين وأقارب 27 شخصاً لا يزالون مسجونين، فيما أُجريت المقابلات ي الفترة من مارس2017 إلى إبريل 2018، ونظراً لخطورة النتائج التي توصَّلت إليها المنظمة، فقد بعثَّت بمذكرة إلى السلطات المصرية، يوم 16 إبريل 2018، تتضمن ملخصاً لبحثها، إلا أنها لم تتلق أي رد، وفقًا لتقرير المنظمة.

وأضافت المنظمة أنه لغرض إعداد هذا التقرير، فحصت  الأوضاع في 14 سجناً تقع في سبع محافظات مختلفة في مصر، بينها "سجن ليمان طُرة"، و"سجن طُرة تحقيق"، و"سجن طُرة شديد الحراسة (1)"، المعروف باسم"سجن العقرب"، وقد احتُجز 20 سجيناً، من بين السجناء الستة والثلاثين الذين يوثِّق التقرير حالاتهم، رهن الحبس الانفرادي المطوَّل في سجون "منطقة سجون طُرة".

وتقع تلك السجون الأربعة عشر في محافظات ألقت فيها قوات الأمن القبض على آلاف الأشخاص بتهم ذات دوافع سياسية.

في السياق ذاته، قالت نجيَّة بونعيم، مديرة الحملات لشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، إنه بموجب القانون الدولي، لا يجوز استخدام الحبس الانفرادي كإجراء تأديبي إلا باعتباره الملاذ الأخير، لكن السلطات المصرية تستخدمه كعقاب "إضافي" مروِّع للسجناء ذوي الخلفيات السياسية، وتطبِّقه بطريقة وحشية وتعسفية، بهدف سحق إنسانيتهم والقضاء على أي أمل لديهم في التطلع إلى مستقبل أفضل.

وتشير بو نعيم إلى أن الأوضاع في السجون المصرية كانت سيئة على الدوام، ولكن القسوة المتعمَّدة لتلك المعاملة تُظهر استخفافاً أكبر بالكرامة وبحقوق الإنسان من جانب السلطات المصرية.

وأضافت أن سلطات السجون المصرية تُطبِّق الحبس الانفرادي بشكل غير مشروع باعتباره وسيلةً للقضاء على المعارضة أو أي سلوك يُعتبر مخالفاً من جانب السجناء، الذين زُج بكثير منهم في السجون استناداً إلى تهم ملفَّقة أصلاً.

"لا يقف الأمر عند استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين وأعضاء جماعات المعارضة بسبب تعبيرهم السلمي عن آرائهم أثناء وجودهم خارج السجن، بل يتجاوز ذلك إلى مواصلة اضطهادهم وراء قضبان السجون"، بحسب تعبير بو نعيم.

واختتمت  بونعيم تصريحاتها قائلةً: "هناك لامبالاة كاملة تتبدى في تطبيق الحبس الانفرادي المطوَّل إلى أجل غير مُسمَّى، بما يسبِّبه من معاناة نفسية، على سجناء يُعاقبون بالفعل بأحكام بالسجن، صدرت في كثير من الأجيان بسبب معتقداتهم السياسية ليس إلا. وهذا في حد ذاته دليل على الوحشية التي تتغلغل في كثير من المؤسسات المصرية في الوقت الراهن".

ووصفت منظمة العفو الدولية الحبس الانفرادي في تقريريها على إنه أسلوب شائع في جميع السجون المصرية
، إلا إن منظمة العفو الدولية تُركز في هذا التقرير على تجربة سجناء احتُجزوا لأسباب سياسية، نظراً لما أظهره البحث من أن الحبس الانفرادي لهذه الفئة من السجناء يكون على الأرجح مطوَّلاً وإلى أجل غير مُسمَّى.

تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك