شهادتي حول التنمر

407

بالنسبة لي تعتبر حملة مقارعة التنمر، فرصة جيدة للتنفيس عن أفعال عنصرية، اُقترفت ضدي، وضد زملاء وزميلات داخل أسوار المدارس، بل وخارج الأسوار أيضًا، ولكن في ذات الوقت، أتصور أن تحليل هذه المعضلة بصورة موضوعية، مع إضافة بعض المواقف التي كنت شاهدًا عيان عليها، بل كنت طرفًا فيها في بعض الأحيان، دون إضفاء الطابع الشخصي عليها، يجعل الشهادة سائغة، كما أتصور أيضًا أن اللوم الذي يوجه إلى الزملاء الذين يرتكبون مثل هذه الأفعال العنصرية مثل التنمر، حيال زملائهم، لا ينبغي أن يقع على أطفال في باكورة عمرهم، بمقدار اللوم الذي يصل حد التهكم المفترض أن يقع على البيئة المحيطة بهؤلاء الأطفال –الأهل والجيران والمعلمن– ومرجع هذا يتلخص في جملة مقتضبة وهي «الإنسان وليد بيئته».

أضف إلى ذلك أن التنمر لا يمكن حصره في السباب، ومعايرة الأطفال لبعضهم البعض، بل يتضمن أيضًا الاستخفاف بطموحات الأطفال، والمراهقين المارقين عن القطيع؛ ويعتبر هذا نتيجة طبيعية في مجتمع نصب دروبه لأبنائه، ولم يعط لهم الحق في اختيار الطريق، أو وضع طريق جديد لنفسه، والإشارة للمجتمع هنا، تتمثل في الأهل والمعلمين؛ لأنهم هم المسؤولون الرئيسيون عن تكوين شخصية الطفل في باكورة عمره. ولكن للأسف في مجتمع على سبيل المثال مثل المجتمع المصري، تحول الأهل والمعلمون –بدورهم التربوي والتعليمي– لحلقة وصل خائب، تنقل إرثًا مفعمًا بالنمطية ومحدودية الأفق من جيل لجيل، فمن الطبيعي بزوغ أجيال تحمل نفس صفات الأجيال السابقة –محدودية التفكير والنمطية– فبالتالي ليس بالغريب على أهل ومعلمين لا يفعلون شيئًا سوى التكسير في مجاديف الأطفال، أن يفشلوا في تربية الأطفال على قيم إنسانية، تتمحور حول احترام الآخر ومراعاة مشاعره. فبناءً على ذلك؛ توجيه كيل من الوكزات المصبوغة بالتهكم، على أطفال يمارسون مثل هذه الممارسات غير المجدية؛ لأن العبرة بالمجتمع كما أشرت آنفًا، لا سيما الأهل والمعلمين. الأهل؛ لأنهم هم أصحاب الدور التربوي الأكبر، والمعلمون؛ لأنهم شركاء في الدور التربوي، تورع بعض المعلمين والمعلمات من مسؤوليتهم إزاء تدني المستوى الأخلاقي والتعليمي والفكري للأطفال، بالتذرع بأنهم من الطوائف المهمشة في الدولة، وطائفة تعاني من عدم التقدير المادي، أمر غير مقبول، بل يكشف حقيقتين جوهريتين، مركزيتهما على الترتيب؛ عدم درايتهم بحقوقهم المسلوبة، وخنوعهم للأمر الواقع، وعدم مقدرتهم على المطالبة والتنقيب عنها؛ خوفًا من بطش الأجهزة الأمنية، وتملصهم من فشلهم البين. لذا؛ ففي بيئة محاطة بهذه الظروف السوداوية.

من الطبيعي أن نرى معلمًا في المرحلة الابتدائية أن يول لتلميذ من التلاميذ، «أنت شعرك مجعد عشان كده بتحقد على زملائك اللي شعرهم ناعم»، أو نرى تلاميذ آخرين يزفون زميلًا لهم بمقولة عنصرية، تسخر من عيب خلقي في وجه مثل «يا أبو ودان»، ومن الطبيعي أيضًا أن نرى معلمًا في المرحلة الابتدائية يقول لطالب فارع الطول «يا طويل يا هايف»، أو نرى معلمًا آخر من المعلمين، ينتهز الفرصة لمعايرة فتاة بدينة في المرحلة الإعدادية بسمنتها؛ لأنه رآها تأكل أثناء الفسحة المدرسية ،عن طريق توجيه عبارات مقذعة لها، أو نرى معلمًا يروج أنه مثل أعلى وقدوة؛ لأن حديثه لا يخلو من الأحاديث النبوية، والآيات القرآنية، ويصلي بانتظام –لا أفهم ما هي اصلة بين علاقته الربانية وبين كونه مثلًا أعلى-؟!

أن يقوم بصفع طالبة في لصف السادس الابتدائي على وجهها، أو يأتي بأخيها الذي يصغرها ببضع سنوات، ليحل مسألة رياضية -سهلة– تعثرت هي في حلها. ولكن من غير المتوقع أن تتسلل الطبقية إلى المدارس، يا إلهي، ما أحمقني! إذا كان المجتمع طبقيًا، فلِمَ العجب من أن تكون إحدى مؤسساته المرفقية مصبوغة بالطبقية؟!، نعم عزيزي القارئ، ابن المعلم في الغالب كان له مكانة مميزة وسط الطلاب والمعلمين، ولكن هذا قبل أن يتردى التعليم في المدارس الحكومية إلى أسوأ ما يمكن، ويلجأ المعلم إلى الدروس الخصوصية، ويترفع عن تقييد ابنه في المدارس الحكومية التي يعتبر هو عنصرًا من عناصر خرابها؛ لذلك يلوذ بالمدارس الخاصة، والتجريبية

تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك