
في تطورٍ مثيرٍ للقلق، قامت السلطات الكويتية بالتنسيق المباشر مع ماليزيا لترحيل المدون مساعد المسيليم، الذي هو مواطن كويتي. لقد أعيد مؤخرا إلى الكويت، حيث يواجه حكما إجماليا بالسجن لمدة تزيد عن 30 عاماً بسبب نشاطه في مجال حقوق الإنسان عبر الإنترنت، وتم احتجازه.
سبق أن تولى مركز الخليج لحقوق الإنسان القضية، وحثّ الدولة المضيفة، البوسنة والهرسك، على قبول طلبه للجوء قبل مغادرته لها إلى ماليزيا. لقد أعادته السلطات الماليزية في 31 مايو/أيار 2025 قسراً إلى الكويت، في انتهاكٍ واضح للقانون الدولي المتعلق بحماية طالبي اللجوء.
حُرم المسيليم، المدون المعروف في الكويت، من حقه في الحصول على وضع لاجئ في البوسنة والهرسك، على الرغم من وجود أدلة دامغة على تعرضه لتهديداتٍ بالاضطهاد من قبل الحكومة الكويتية فقط بسبب أنشطته السلمية على الإنترنت.
في 03 مايو/أيار 2023، أبلغ المسيليم مركز الخليج لحقوق الإنسان في رسالة ما يلي، “لقد غادرتُ البوسنة والهرسك بأعجوبة.” لم يُدلِ بمزيدٍ من التفاصيل، لكنه حاول على الفور إعادة التسجيل لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في كوالالمبور لنقل ملفه إلى بلده الجديد، ماليزيا. قدّم لهذا الغرض طلباً إلكترونياً يحمل الرقم (رم-10-853729)، إلا أن طلبه تم تجاهله لفترة طويلة، مما أدى إلى ترحيله إلى الكويت.
في 31 يناير/كانون الثاني 2021، صرّح المسيليم لمركز الخليج لحقوق الإنسان بأنه صدرت بحقه أحكام سجنٍ عديدة، بلغت عشرات السنين. أضاف مؤكداً، “لقد استُهدفتُ من قبل السلطات في الكويت بقضايا متعددة منذ سنة 2011، بسبب عملي السلمي والمشروع في الدفاع عن حقوق المواطنين المدنية والإنسانية، بمن فيهم مجتمع البدون في الكويت.”
بدأ المسيليم عمله النقابي في سنة 2004 عندما أسس مع زميليه الدكتور فهد صياح الديحاني وبندر النصافي، نقابة للعاملين في وزارة الأوقاف حيث غادرها في سنة 2008 ليبدأ المشاركة في الاحتجاجات العامة والمظاهرات التي حصلت في تلك السنين ولحين مغادرته الكويت بشكل قانوني في شهر يونيو/حزيران 2015. لقد قرر الإقامة والعمل في مدينة سيرايفو منذ سنة 2017 حيث عمل هناك بشكل قانوني.
كانت النيابة العامة قد أسندت ضده في أحد القضايا تهماً تشمل، “طعنه علناً عن طريق الكتابة في حقوق الأمير وسلطته وعاب في ذاته وتطاول على مسند الإمارة بأن نشر الالفاظ والعبارات المبينة بالأوراق بواسطة حسابه على إكس. كذلك، “تطاوله عمداً باستخدام وسائل الاتصالات الهاتفية -جهاز الهاتف النقال- بأن نشر بواسطته الألفاظ والعبارات البذيئة المبينة في موضوع التهمة الأولى.”
في قضيةٍ أخرى وجهت إليه تهمة، “ارتكاب عمل عدائي ضد دولة أجنبية (السعودية) في مكانٍ عام هو موقع إكس عبر حسابه الشخصي بأن سطر العبارات الثابتة بالتحقيقات والتي من شأنها تعريض دولة الكويت لقطع العلاقات السياسية معها.”
يُتابع حسابه على موقع إكس أكثر من 72 ألف متابع، وقد استخدمه للتعبير كمدون عن آرائه حول الشؤون العامة في بلاده.
في فبراير/شباط 2021، صرّحت محاميته بأن، “القضايا [التي رفعتها الحكومة الكويتية] تتعلق بتغريداته فقط وبمشاركته السلمية في التجمعات، وليس لها أي جوانب أخرى”. أعربت عن خشيتها من أنه في حال ترحيله إلى الكويت، سيواجه محاكمات جائرة لا تفي بالمعايير الدولية الدنيا ولا بالإجراءات القانونية الواجبة.
في 28 يناير/كانون الثاني 2022، رفضت وزارة الأمن في البوسنة والهرسك طلبه للجوء السياسي في البلاد. وفي قرارها، الذي حصل عليه مركز الخليج لحقوق الإنسان، ذكرت الوزارة أنه لا يمكن إبعاده من البلاد لمدة عام واحد بموجب مبدأ عدم الإعادة القسرية المنصوص عليه في المادة 6 والمادة 16/16 من قانون اللجوء.
في كتابٍ رسمي، صادر بتاريخ 13 أيار/مايو 2022، أعلنت المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول) إقرارها بأن المسيليم ليس مشمولاً بأية نشرة حمراء، أو طلب إلى أجهزة إنفاذ القانون من أجل اتخاذ أي إجراءات قانونية ضده.
بالرغم من ذلك، تمكنت السلطات الكويتية، في انتهاكٍ للقانون الدولي ولقواعد الإنتربول نفسها، من استصدار نشرة حمراء من الإنتربول لإعادة المسيليم قسراً إلى السجن في الكويت. لقد حظي هذا الخبر بتغطية واسعة في الصحف المحلية وقت ترحيله.
في الكويت، نُشرت صورة وتسجيلات للمسيليم (الصورة أعلاه)، وهو برفقة عناصر أمن بملابس مدنية، في الصحف وشبكات التواصل الاجتماعي. لقد ذكرت الأخبار أن الترحيل جاء بناءً على نشرة حمراء من الإنتربول.
كذلك نشرت بياناً تحذيرياً من وزير الداخلية، فهد اليوسف، ضد المعارضين في الخارج، في دلالةٍ واضحة على الطابع السياسي للبلاغ وإساءة استخدام أدوات الإنتربول. في تحذيره، صرّح اليوسف بأن، “على من اعتقد أن خروجه من الكويت سيمنحه الحق في الإساءة والإيذاء والتشهير (بحق السلطات الكويتية)، أن يتوب وينظر إلى حال من عادوا قبله، فلا مفر من استعادتهم.”
أصدرت السلطات الكويتية أحكاماً غيابية بالسجن على المسيليم لأكثر من 30 عاماً. الغريب أن اسمه ورد في قائمة العفو الكويتي عام 2023، وأن ترحيله والنشرة الحمراء الصادرة بحقه تُخالف أمر العفو. حتى إن لم يكن مدرجاً ضمن المشمولين بالعفو، فإن ترحيله والطابع السياسي لاضطهاده يُثيران القلق، بالنظر إلى الانتهاكات المتعددة للقانون الدولي المتعلقة بطالبي اللجوء.
تعتمد قانونية ترحيل طالبي اللجوء الخاضعين لإشعارات حمراء بموجب القانون الدولي على عدة مبادئ قانونية، مثل الضمانات ضد إساءة الاستخدام والمتطلبات الإجرائية. تحظر المادة 33 من اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وبروتوكولها إعادة طالبي اللجوء إلى بلدانٍ تكون فيها حياتهم أو حريتهم مهددة بسبب آرائهم السياسية، أو ما يُعرف بعدم الإعادة القسرية.
يتم تنفيذ ذلك بصرف النظر عن الإشعارات الحمراء. في قضية المسيليم، استند الترحيل إلى إشعار أحمر صدر لدوافع سياسية، وبالتالي، يُشكل انتهاكاً لمبدأ عدم الإعادة القسرية بتعريضه للاضطهاد غير القانوني.
بالإضافة إلى ذلك، لدى الإنتربول عدة ضمانات لطالبي اللجوء. تحظر المادة 3 من دستور الإنتربول التدخل ذي الطابع السياسي، ووجوب إلغاء الإشعارات من هذا النوع، كما في قضية المسيليم. إن تطبيق هذه القاعدة غير متسق نظراً لمحدودية قدرة الإنتربول على التدقيق. إضافةً إلى ذلك، فإن النشرات الحمراء وحدها ليست مُلزمة بموجب القانون الدولي، ولا تُثبت الذنب أو تُلغي حماية اللجوء.
يُثبت ترحيل المسيليم عدم احترام مبدأ عدم الإعادة القسرية، حيث تم تجاهل التهديدات الوشيكة بالاضطهاد. إن اتباع الإجراءات القانونية الواجبة في تسليمه دون مراجعة قضائية، استناداً إلى النشرة الحمراء فقط، ينتهك حقه في الإجراءات القانونية الواجبة، ويُثبت أيضاً ضعف التدقيق في النشرات الحمراء التي تصدر بشكل متزايد لأسباب سياسية.
إن هذه ليست المرة الأولى التي تُسلم فيها ماليزيا مواطنين بشكل غير قانوني، معظمهم ناشطون، تم ترحيلهم لمجرد نشاطهم الحقوقي أو آرائهم السياسية. فر الصحفيحمزة كاشغري، وهو مواطن سعودي، من البلاد عام ٢٠١٢ بعد أن واجه رد فعل عنيف من شخصيات رسمية لنشره قصيدة اعتُبرت مسيئة للدين. لقد توقف في ماليزيا أثناء محاولته ركوب طائرة متجهة إلى نيوزيلندا لطلب اللجوء. مع ذلك، اعتقلته السلطات الماليزية في المطار وسلمته على الفور إلى المملكة العربية السعودية، حيث احتُجز دون أي تهم لمدة عام تقريباً.
سلمان الخالدي، المدون الكويتي، سُلِّمَ أيضاً بشكلٍ غير قانوني من العراق إلى الكويت دون مراعاة للإجراءات القانونية الواجبة، على الرغم من حصوله على وضع لاجئ في المملكة المتحدة. تعرض للضرب المبرح، وظهر في الصور فاقداً للوعي وقت تسليمه، في تجاهلٍ صارخ لحقوقه الإنسانية والمدنية. من المفارقات أن الكويت تُسقط جنسيات آلاف المواطنين، بينما تُعيد قسراً وتضطهد آخرين اختاروا العيش بعيداً عن البلاد حفاظاً على سلامتهم.
تُسلِّط هذه الحالات الضوء على الاستخدام المتزايد والمقلق للنشرات الحمراء أو العلاقات السياسية لتسوية قضايا الحكومات العربية ضد نشطاء حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين.
التوصيات
يدعو مركز الخليج لحقوق الإنسان السلطات الكويتية إلى الامتناع عن استخدام الإنتربول أو العلاقات السياسية لإعادة المعارضين أو النشطاء قسراً من الذين يمارسون حقهم في حرية التعبير في دولٍ أخرى.
كما ينبغي على السلطات في الكويت الإفراج الفوري وغير المشروط عن المدون مساعد المسيليم، ومنحه حق اختيار البلد الذي يرغب في العيش فيه.
على السلطات الماليزية والكويتية الالتزام بالقوانين والأعراف الدولية المتعلقة باللاجئين وطالبي اللجوء، لضمان الإجراءات القانونية الواجبة وحقوق الأفراد في اختيار بلدٍ آمن.
يحث مركز الخليج لحقوق الإنسان الإنتربول على تعزيز صلاحياته في التدقيق في الإخطارات الصادرة عن دول قمعية مثل الكويت، والالتزام بقواعده الخاصة، ومنع استخدام هذه الإخطارات لأغراض سياسية.