close

“فتات الأجور”: أزمة الوفد تُشخِّص الانهيار الاقتصادي في حياة الصحفيين

أزمة جريدة الوفد لم تكن استثناء… بل كشفت واقعًا مؤلمًا يعيشه 72% من الصحفيين في مصر: أجور لا تكفي، ومعاشات لا تُصرف، وحقوق تُنتزع بالقضاء.
Picture of شيماء حمدي

شيماء حمدي

“أمضيتُ أربعةً وثلاثين عامًا في المهنة، وراتبي الآن لا يتجاوز خمسة آلاف وسبعمائة جنيه”، بهذه الكلمات بدأت الصحفية نعمة عز الدين حديثها مع زاوية ثالثة، عن واقع رواتب الصحفيين والصحفيات داخل جريدة الوفد، قبل أن ينجح الاعتصام الذي نظمه الصحفيون والصحفيات داخل الجريدة مؤخرًا، بدعم من مجلس نقابة الصحفيين، واستمر لأيام للمطالبة برفع أجورهم التي لم تكن تصل إلى الحد الأدنى للأجور.

اعتصام جريدة الوفد للمطالبة برفع الأجور إلى الحد الأدنى، الذي تبلغ قيمته 7 آلاف جنيه، لم يكن حدثًا استثنائيًا أو مغايرًا لواقع الصحفيين في مصر، بل كان مرآةً تعكس بوضوح الأزمة الأعمق التي يعيشها الصحفيون في مختلف المؤسسات الصحفية القومية والحزبية والخاصة، حيث تتدنى الأجور إلى مستويات لا تكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية للعاملين في المهنة.

هذا ما أكدته نتائج الاستبيان الذي أطلقته نقابة الصحفيين خلال المؤتمر العام السادس للصحافة المصرية في ديسمبر الماضي، والتي جاءت لتكشف بوضوح عن حجم الأزمة والمحنة التي يعيشها الصحفيون والصحفيات في مصر. وقد أجري على عينة مكوّنة من 1568 صحفيًا، من الأعضاء النقابيين وغير النقابيين، وكشف عن مشكلات جوهرية تتعلق بهيكل الأجور وعلاقات العمل داخل الوسط الصحفي.

أبرز النتائج والتحديات التي أظهرها الاستبيان غياب لوائح الأجور في أكثر من نصف المؤسسات الصحفية، إذ بيّن أن 51.8٪ من المؤسسات لا تمتلك لوائح واضحة تحدد الأجور، فضلًا عن تجاهل تطبيق الحد الأدنى للأجور، حيث أشار إلى أن 50.5٪ من المؤسسات لا تطبقه مطلقًا، في حين أن نسبة ضئيلة جدًا تبلغ 27.9٪ فقط تطبقه بالكامل. جاءت نتائج الاستبيان لتسلط الضوء على غياب السياسات التي تحترم حقوق الصحفيين وتضمن لهم حياة كريمة تتناسب مع الضغوط المعيشية والاقتصادية.

تدهور أوضاع الصحفيين.. إلى متى؟

كانت نعمة عز الدين تتحدث بنبرة يغلب عليها الحنين وهي تستعيد بداياتها داخل جريدة الوفد، فتقول إن تلك الأيام كانت مختلفة تمامًا، إذ كانت الرواتب مجزية والظروف المهنية مستقرة. موضحة : “كانت رواتبنا في تلك الفترة مُرضية، وكانت الجريدة تتمتع بدعم مالي كبير من التبرعات التي جمعها الباشا فؤاد سراج الدين، مؤسس الجريدة، إذ تجاوزت قيمة الوديعة حاجز التسعين مليون جنيه.”

لكن هذا الازدهار، كما تروي عز الدين، لم يدم طويلًا، بسبب الإدارة وتراكم القرارات الخاطئة، بدأت موارد الجريدة تتآكل شيئًا فشيئًا، الوديعة الضخمة التي بلغت تسعين مليون جنيه تم تبديدها على الحملات الانتخابية ومجالس الشعب، حتى تبخّرت تمامًا، ولم يعد هناك أي سند مالي تعتمد عليه الجريدة.

تتابع نعمة حديثها مع زاوية ثالثة: “لم تكن الأزمة مالية فقط، بل مهنية أيضًا، فالمهنة نفسها تغيّرت، في الماضي كانت الصحافة الورقية هي السائدة، وكان المواطن ينتظر الجريدة كل صباح ليعرف منها الأخبار. كانت الجريدة تُحجز في الأكشاك قبل أن تصل، وكان القارئ يشعر بالانتماء إليها، أما اليوم فقد تبدّل كل شيء مع هيمنة الفضاء الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي.”

في السياق يقول الكاتب الصحفي خالد البلشي – نقيب الصحفيين-،  في حديث إلى زاوية ثالثة إن “المفاوضات التي أجرتها النقابة مع إدارة جريدة الوفد كانت من أهم د جولات التفاوض التي خاضها مجلس النقابة خلال الفترة الأخيرة، مشيرًا إلى أن اعتصام صحفيي الوفد يمثل صورة واقعية تعكس الأوضاع الحقيقية للصحفيين في مختلف المؤسسات الصحفية المصرية.” لافتًا إلى أن نتائج الاستبيان الذي أطلقته النقابة في ديسمبر الماضي، كشفت بوضوح حجم المعاناة التي يعيشها الصحفيون، ويؤكد أن ما يحدث داخل الوفد ليس حالة استثنائية، بل نموذج متكرر في عدد من المؤسسات التي تعاني من تدني الأجور وغياب العدالة في هيكلها المالي.

يضيف البلشي: “بدأنا منذ عام 2023 التفاوض من أجل تحسين أجور الصحفيين في جريدة الوفد، إذ كانت الرواتب آنذاك تتراوح بين 1400 و2400 جنيه فقط، ومع استمرار الضغط والمفاوضات تمكّنا من إقرار زيادات تراوحت بين 800 و2000 جنيه على ثلاث مراحل، لكن الأزمة لم تُحلّ بشكل جذري، فعدنا إلى التفاوض مجددًا من أجل تطبيق الحد الأدنى للأجور وفقًا لما نصّ عليه قانون العمل الجديد في المواد الخاصة بقطاع الأعمال تحت مسمّى الخدمات المعاونة.”

يرى نقيب الصحفيين، أن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للصحفيين والصحفيات تستلزم ضغط مستمر، لتطبيق آليات العمل في جميع المؤسسات من أجل إصلاح أوضاع الصحفيين. كما يرى أن هذا الأمر يتداخل مع حرية الصحافة وحرية التعبير، اللتين يجب أن تكونا جزءًا مهمًا من مفاوضاتنا، في خطة تطوير الإعلام التي يجري الحديث عنها، أو من خلال مفاوضات مماثلة مع الدولة وأجهزتها المختلفة.

 

نوصي للقراءة: ورق هشّ.. أزمة وجودية للصحف القومية في مصر

أين الحد الأدنى للأجور؟

في تقرير “التصنيف العالمي لحرية الصحافة 2025: الإضعاف الاقتصادي لوسائل الإعلام أحد التهديدات الرئيسية لحرية الصحافة”، الصادر عن شبكة مراسلون بلا حدود، المعنية بالدفاع عن حرية التعبير حول العالم، أوضحت المنظمة أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بما فيها مصر لا تزال هي الأخطر على سلامة الصحفيين من بين جميع مناطق العالم، باستثناء قطر ، إذ يتراوح الوضع في جميع دول المنطقة بين “الصعب” و”الخطير للغاية”، فيما ترى المنظمة أن “مهنة الصحافة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عالقة بين مطرقة قمع الأنظمة الاستبدادية وسندان عدم الاستقرار الاقتصادي المستمر” بحد وصفها.

واحتلّت مصر المرتبة 170 من بين 180 دولة على مؤشر حرية الصحافة والتعبير الصادر عن منظمة “مراسلون بلا حدود”، وهي أسوأ مرتبة تسجّلها البلاد منذ عام 2014. فقد تراجع ترتيب مصر من المرتبة 159 عام 2014 إلى المرتبة 170 عام 2024، وهو المركز ذاته الذي حافظت عليه في تصنيف عام 2025، ما يعكس استمرار تدهور أوضاع حرية الصحافة وتضييق مساحات التعبير في البلاد.

وفي السياق الاقتصادي ذكر تقرير المؤشر أن  وسائل الإعلام المصرية تمر بأزمة ترجع جزئيًا إلى الوضع الاقتصادي الذي تشهده البلاد. فمنذ 2013، حاولت الحكومة تأميم الحقل الصحفي من خلال إنشاء وسائل إعلام جديدة تمولها وتسيطر عليها السلطة التنفيذية، مما زعزع استقرار القطاع بشكل عميق، بالإضافة إلى تدني رواتب الصحفيين.

تضمن قانون العمل الجديد رقم 14 لسنة 2025 موادًا تُلزم المؤسسات الصحفية، شأنها شأن باقي قطاعات الدولة، بتطبيق الحد الأدنى للأجور الذي يقرره المجلس القومي للأجور. فبحسب المادة (102) من القانون، يلتزم المجلس بتحديد الحد الأدنى للأجور بما يتناسب مع تكاليف المعيشة المتزايدة، فيما تنص المادة (104) على إلزام جميع المنشآت بتنفيذ تلك القرارات وعدم الانتقاص منها تحت أي ظرف، غير أن معظم المؤسسات الصحفية بما فيها المؤسسات القومية، لم تلتزم فعليًا بهذه القواعد- بحسب مصادر صحفية داخل المؤسسات القومية.

من جهتها دعت نقابة الصحفيين جميع الصحف والمؤسسات الصحفية إلى الالتزام الفوري بتطبيق الحد الأدنى للأجور، بقيمة 7 آلاف جنيه، على جميع الصحفيين العاملين بها دون أي استثناء، تنفيذًا لقانون العمل الجديد الذي بدأ سريانه مع مطلع شهر سبتمبر.

ووجّهت النقابة خطابًا عاجلًا، في أكتوبر الماضي، وقّعه خالد البلشي نقيب الصحفيين، وجمال عبد الرحيم السكرتير العام، إلى رؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف المصرية، شدّدت فيه على ضرورة الالتزام بما نص عليه القانون في هذا الشأن، متابعةً للخطابات السابقة التي أُرسلت بهذا الخصوص.

واستند النقيب في خطابه إلى القرار الصادر عن المجلس القومي للأجور برئاسة وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، والذي يقضي برفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص إلى 7 آلاف جنيه اعتبارًا من الأول من مارس 2025، مؤكدًا ضرورة تطبيق القرار فورًا على جميع الصحفيين والعاملين في المؤسسات الصحفية. كما طالب البلشي المؤسسات بضرورة تسوية الدرجات المالية للصحفيين بما يتناسب مع سنوات الخبرة وفترات العمل، مشيرًا إلى الأعباء المعيشية المتزايدة التي يواجهها الصحفيون. ودعا في الوقت ذاته إلى دراسة إمكانية إقرار زيادات إضافية في الرواتب لمساعدة الزملاء على مواجهة ارتفاع معدلات التضخم.

 

خنق الصحافة المستقلة: كيف تُحرَم المنصات من التراخيص في مصر؟

لائحة قيد جديدة 

تخوض نعمة عز الدين معركتها مع إدارة جريدة الوفد من أجل الحصول على الحد الأدنى من الأجور، في معركةٍ تُجسد نضالًا طويلاً من أجل حقٍ بسيط في حياةٍ كريمة. لكنها، في الوقت ذاته، تستعد لمغادرة المهنة والجريدة معًا، إذ لم يتبقَّ على بلوغها سنّ التقاعد سوى عامين فقط.

ورغم أن الاعتصام والمفاوضات التي خاضها الصحفيون والصحفيات داخل الوفد مؤخرًا أسفرت عن زيادة في الرواتب، فإن عز الدين تدرك أن تلك المكاسب مؤقتة، إذ سرعان ما ستفقدها مع إحالتها إلى سن التقاعد. فوفق حساباتها، لن يتجاوز معاشها المستقبلي نصف راتبها الحالي، إذ أنه لن يتجاوز ثلاثة آلاف جنيه تقريبًأ، لتجد نفسها أمام مأساة جديدة تحمل اسمًا مختلفًا: “معركة المعاش”.

في أغسطس من عام 2023، قرر مجلس نقابة الصحفيين، برئاسة خالد البلشي، زيادة معاش النقابة بواقع 500 جنيه ليصبح 3 آلاف جنيه بدلًا من 2500 جنيه. فيما يطالب صحفيون على المعاش تحدثوا إلى زاوية ثالثة مجلس نقابة الصحفيين بزيادة قيمة المعاش مجددًا أسوة بزيادة بدل التدريب والتكنولوجيا 600 جنيه في أغسطس الماضي.

في حديثه لزاوية ثالثة، أكد حسين الزناتي، رئيس لجنة القيد وعضو مجلس نقابة الصحفيين، أن ما جرى في جريدة الوفد ليس مجرد واقعة احتجاجية عابرة، بل مرآة حقيقية لأزمة الأجور التي يعيشها الصحفيون في مصر، وفرصة لإعادة الاعتبار لحقوقهم الأساسية.

يقول الزناتي إن تحرك صحفيو الوفد كان “نموذجًا إيجابيًا نادر الحدوث”، مشيرًا إلى أنه للمرة الأولى منذ سنوات يشهد تحركًا منظمًا من صحفيين وصحفيات داخل جريدة حزبية عريقة تملك تاريخًا طويلًا في الحياة الصحفية والسياسية. ويرى أن هذا التحرك مؤشر هام على إدراك الصحفيون والصحفيات بأهمية الدفاع عن حقوقهم المهنية والاقتصادية، وهو حق أصيل لا يمكن التنازل عنه.

ويضيف رئيس لجنة القيد بنقابة الصحفيين في حديثه معنا، أن نقابة الصحفيين طالبت مرارًا إدارات الصحف بتطبيق الحد الأدنى للأجور، إلا أن عددًا كبيرًا منها لم يلتزم بذلك حتى الآن، محملًا جزءًا من المسؤولية لبعض الزملاء الذين يتعاملون بسلبية مع حقوقهم. ويوضح قائلًا: “للأسف هناك من لا يحصل على الحد الأدنى، وهناك أيضًا من لا يتقاضى أجرًا من الأساس، بل إن البعض يدفع مقابل العمل أو للانضمام إلى النقابة، وهذه كارثة أخلاقية ومهنية لا يمكن السكوت عنها”.

ويتابع الزناتي أن “النقابة تعمل على مواجهة هذه الأوضاع من خلال تعديلات جوهرية تتضمنها لائحة القيد الجديدة، والتي تناقشها اللجنة حاليًا، ومن أبرز ملامح اللائحة الجديدة وضع ضمانات حقيقية للأجر، ليس فقط بالحد الأدنى، بل أيضًا من خلال إلزام المؤسسات بإثبات علاقة مالية واضحة بين الصحفي والإدارة عبر نظام الشمول المالي.”

ويؤكد أن لجنة القيد قدمت بالفعل تصورًا متكاملًا للمجلس حول هذه التعديلات، وأن اللائحة الجديدة ستتضمن شرطًا واضحًا ينص على عدم قبول طلبات القيد من الصحف التي لا تلتزم بدفع الأجور أو لا توثق العلاقة التعاقدية مع الصحفيين.

ويختتم الزناتي حديثه بدعوة الصحفيين إلى التحرك الفاعل والمشاركة في الدفاع عن حقوقهم، قائلًا: “على الزملاء أن يكونوا أكثر إيجابية في مواجهة أي خروقات من إدارات الصحف، وأن يتقدموا بشكواهم إلى النقابة التي تقف في ظهر كل من يطالب بحقه. وقضية الوفد قد تكون كما يُقال: رُبّ ضارةٍ نافعة، لأنها أعادت تسليط الضوء على حق الصحفيين في أجر كريم وضمانات مهنية تليق بعملهم ودورهم في المجتمع.”

 

الأجور في المؤسسات

من جهتها كشفت إيمان عوف، – عضو مجلس نقابة الصحفيين ورئيسة لجنة الحريات-، عن  تزايد حجم الغضب لدى عدد كبير من الصحفيين والصحفيات داخل المؤسسات الصحفية نتيجة لعدم تطبيق الحد الأدنى من الأجور، وتقول عوف في حديثها إلى زاوية ثالثة:” إن النقابة قد تشهد خلال الفترة المقبلة انضمام مؤسسات صحفية أخرى إلى موجة الاعتصامات بسبب انخفاض قيمة الأجور.”

 وتعتبر رئيسة لجنة الحريات أن تجربة صحيفة الوفد كانت “ملهمة جدًا” وأعادت الثقة للصحفيين في قدرتهم على الفعل الجماعي. وتوضح أن كثيرًا من الصحفيين وصلوا إلى مرحلة لم يعودوا فيها قادرين على تحمّل الأوضاع المعيشية الصعبة أو السكوت على ما وصفتها بـ”الممارسات المهينة” داخل المؤسسات.

وتضيف عوف في حديثها معنا أن أكثر من 90% من المؤسسات الصحفية، بما في ذلك المؤسسات القومية، لا تطبّق الحد الأدنى للأجور، واصفة ذلك بأنه “أمر محزن للغاية”. ورغم أن ما يحدث لا يزال في مرحلة “النضال صفر”، على حد قولها، فإنها تتوقع تغيرًا في المشهد خلال الفترة المقبلة، خاصة في ظل وجود مجلس نقابة “مستعد للتضامن والدعم بكافة الوسائل القانونية والنقابية” مع أي تحرك يهدف إلى تطبيق الحد الأدنى للأجور في المؤسسات الصحفية.

وبالعودة إلى الاستبيان الذي أجرته نقابة الصحفيين، فقد كشف عن أرقام صادمة تعكس عمق أزمة الأجور في الوسط الصحفي المصري، إذ أظهرت نتائجه أن 13.1% من الصحفيين لا يحصلون على أي أجر على الإطلاق، فيما أكد 7.1% منهم أن أجورهم تقل عن 1000 جنيه شهريًا، وهو ما يعني أن خُمس الصحفيين العاملين فعليًا في المهنة إما يعملون دون أجر أو يتقاضون أقل من ألف جنيه.كذلك أوضح الاستبيان أن 18.9% من الصحفيين يحصلون على أجر يقل عن 3000 جنيه شهريًا، ما يعني أن نحو 40% من الصحفيين لا يتقاضون حتى نصف الحد الأدنى للأجور المقرر من الدولة، في حين أشار 32.7% إلى أن أجورهم تقل عن 6000 جنيه، مقابل 28.2% فقط يتقاضون أجورًا تلامس أو تتجاوز هذا الحد.  وبذلك يتضح أن نحو 72% من الصحفيين يعيشون بأقل من الحد الأدنى للأجور، وهو ما يعكس تدهورًا حادًا في البنية الاقتصادية للمهنة.

وفي محاولة للتعويض عن تدني الدخل، كشف الاستبيان أن 65.5% من الصحفيين يلجأون إلى عمل إضافي لتغطية احتياجاتهم الأساسية، من بينهم 30% يعملون في مجالات غير صحفية. كما أشار 27.4% من المشاركين إلى أنهم تعرضوا للفصل التعسفي، وأن نحو 70% ممن تعرضوا لذلك لم تُحل مشكلاتهم رغم تدخلات النقابة، ما يبرز وجود خلل عميق في علاقات العمل داخل المؤسسات الصحفية، ويؤكد الحاجة إلى تدخل تشريعي ملزم لأصحاب المؤسسات باحترام حقوق العاملين.

وفي ظل هذه الأوضاع، برزت أهمية بدل التدريب والتكنولوجيا كأحد أعمدة الدخل الأساسية للصحفيين، إذ قال 48.6% من المشاركين إنهم يعتمدون عليه بشكل أساسي للإعاشة، فيما أوضح 34.2% أنهم يحاولون توزيعه بين متطلبات المعيشة والعمل. 

هذه الأرقام تؤكد أن زيادة بدل التكنولوجيا باتت ضرورة عاجلة لتخفيف حدة الأزمة مؤقتًا، إلى حين تحقيق إصلاح شامل في منظومة الأجور داخل المؤسسات الصحفية، ضمن ما تسعى إليه حملة النقابة “نحو أجر عادل للصحفيين”- بحسب كلمة خالد البلشي نقيب الصحفيين في افتتاحية المؤتمر العام السادس.

ويعتبر البدل ـ وهو منحة حكومية لا تدخل في هيكل الأجر أو التأمين الاجتماعي ـ وسيلة للبقاء لا للتطوير، إذ لا تُحتسب قيمته عند التقاعد ولا تُعكس على المعاشات أو المستحقات التأمينية، ما يترك الصحفيين عرضة لأزمات مالية قاسية بعد التقاعد. 

تأتي أزمة جريدة الوفد في توقيتٍ لافت، تزامنًا مع توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بشأن تطوير الإعلام في مصر ووضع خريطة طريق جديدة للمشهد الصحفي والإعلامي. لكن بينما تُطرح الخطط الرسمية لتحديث المنظومة الإعلامية، يخوض الصحفيون معاركهم اليومية من أجل البقاء في مهنةٍ تتآكل مواردها وتضيق فضاءاتها.

في هذا السياق، تبدو معركة الأجر العادل ليست مجرد مطلبٍ اقتصادي، بل خطوة جوهرية لاستعادة الكرامة المهنية وبناء إعلامٍ حر ومسؤول. وإذا كانت جريدة الوفد قد حرّكت أولى “قطع الشطرنج”، فإن المشهد مرشّح لأن تتبعه مؤسسات أخرى قد تجد في هذه اللحظة فرصةً للتعبير عن غضبٍ متراكم والمطالبة بحقوقٍ طال انتظارها. ويبقى السؤال: هل يمكن لأي خطة لتطوير الإعلام أن تنجح ما لم تبدأ بإصلاح الأوضاع المعيشية للصحفيين؟

شيماء حمدي
صحفية مصرية، تغطي الملفات السياسية والحقوقية، وتهتم بقضايا المرأة. باحثة في حرية الصحافة والإعلام والحريات الرقمية.

Search