قبل نحو عامين اكتشف مازن حسين (اسم مستعار) أنه قد أصيب بمرض التليف الرئوي، بعد معاناته من إنخفاض ملحوظ في أداء الجهاز التنفسي نتيجة إدمانه لمخدر الهيروين، على مدار عدة سنوات، وفي ذلك الوقت كانت حياته بأكملها تضيع من بين يديه إلاّ أن افتتاح وحدات خفض الضرر في مصر في مارس 2023، وبدء تطبيق برنامج العلاج ببدائل الأفيونات (الميثادون) بمستشفيات الأمانة العامة للصحة النفسية، قد أعاد له الأمل في الحياة وإمكانية التعافي من الإدمان.
وعقب التحاقه ببرنامج العلاج بالميثادون في وحدة خفض الضرر بمستشفى طنطا للصحة النفسية، وهو دواء أفيوني طويل المفعول، يُستخدم عادة لعلاج إدمان المواد الأفيونية كالهيروين، ولتسكين الألم الشديد، شعر بتحسن وضعه الصحي والنفسي واستعاد حياته الاجتماعية والمهنية، إلاّ أن أزمة نقص الميثادون التي عانى منها المرضى الملتحقين بالبرنامج منذ مطلع إبريل الماضي وحتى الأسبوع الأول من شهر مايو المنقضي، قد عصفت بحياته وقلبتها رأسًا على عقب؛ إذ تسبب خفض الجرعات ثم التحول إلى البديل المصري “ميثادنسي”، الذي أنتجته مؤخرًا الشركة المصرية الدولية للصناعات الدوائية “إيبيكو” في معاناته من أعراض إنسحاب وآثار نفسية وجسدية.
يقول لـ”زاوية ثالثة”:”كنا كمرضى قد تقدمنا بشكاوى بسبب إجبارنا على الحصول على جرعة من الميثادون كل يومين، بدلًا من جرعاتنا اليومية، وجاء على إثرها وفد من النيابة العامة وجهة أمنية سيادية والأمانة العامة للصحة النفسية في 6 مايو إلى مستشفى طنطا للصحة النفسية. وتم تحرير محاضر إثبات حالة للأطباء، ووجهت لهم تهمة إهمال المرضى، ثم تم تغيير الطاقم الطبي بأكمله في وحدة خفض الضرر، ووصل الميثادون المستورد للمستشفى، ولكن أصبحت المعاملة جافة للغاية، وبات الأطباء يتعنتون معنا في مسألة إجراء تحاليل المخدرات المفاجئة، دون مراعاة لأي ظرف شخصي طارئ”.
غير أن الأمور لم تتوقف عند ذلك؛ إذ يحكي “مازن” أن الأمانة العامة للصحة النفسية أرسلت إلى المستشفى شرائط تحاليل البول تساعية الأشرطة، منذ نحو أسبوعين، ليتم إجراء تحاليل مخدرات لجميع مرضى الإدمان الملتحقين بالبرنامج، والذين يتراوح عددهم بين 150 إلى 170 مريض، وهنا كانت الصدمة، إذ جاءت النتائج كلها إيجابية لمخدر الكيتامين، مُبينًا أن المستشفى تعاملت مع الأمر في البداية على أن المرضى يتعاطون المخدر، ومع تكرار ظهور النتيجة نفسها، طلب منهم الأطباء تجاهل الأمر واعتباره لم يكن.
ويضيف: “سبق أن عملت في مصحة خاصة، وكنت مسؤولاً عن أشخاص يتعاطون الكوكايين في وحدة “ديتوكس” كاملة، وهي وحدة سحب السموم.. لا يمكن لنحو 200 شريط تحليل أن تظهر جميعها مخدر الكيتامين لـ 200 مريض، ثم يقال لنا إن شرائط التحاليل تالفة في خانة مخدر الكيتامين فقط فإذا كانت الشرائط تالفة، سنجد أن شريطاً تالفاً في الكيتامين، وآخر في الحشيش، وآخر في الآيس، أو أشياء مختلطة، وليس شيء محدد هكذا، والمشكلة لم تظهر لدينا فقط بل في مستشفيات أخرى منذ بداية شهر أبريل وحتى اليوم”.
ويتابع: “في أواخر شهر أبريل أُجريت تحاليل للجميع، تحاليل “تساعية الأشرطة”، في معظم مستشفيات الصحة النفسية في القاهرة، وفي مستشفى سوهاج، وكانت نتائج جميع الأشخاص بلا استثناء إيجابية لمادة الكيتامين، بحسب ما روى زملاؤنا في برنامج العلاج بالميثادون، ومن ظهرت في تحليله مادة الكيتامين ومخدر آخر تم فصله من البرنامج وحُرم من العلاج، أما من ظهر لديه مخدر الكيتامين فقط، بقى في البرنامج”.

وتثير تلك النتائج مخاوف واسعة النطاق لدى المرضى بوحدات خفض الضرر، لكون الكيتامين مخدر يسبب الهلوسات، وتشوه الإدراك البصري والسمعي، ويسبب الشعور بالانفصال وفقدان السيطرة، والإدمان عليه يمكن أن يؤدي إلى تغييرات طويلة الأمد في طريقة عمل الدماغ، ويتسبب في آثار جانبية أخرى كالإرهاق، والاكتئاب، وفرط التعرق، ونوبات الغضب، ومشكلات في المسالك البولية السفلية، وزيادة الرغبة الجنسية أو العنف.
وفي حين يمر مازن بأعراض جانبية نفسية وجسدية، تشمل الغفوات المفاجئة والانفصال المؤقت عن الواقع والهلاوس والتهيج والارتعاش والقشعريرة وسريان كهرباء في جسده وأضرار بالمثانة والجهاز البولي، فإنه يعتقد أن هناك ثمة علاقة بين جرعات الميثادون الدوائية التي يتلقاها هو وزملائه وبين ظهور مخدر الكيتامين في تحاليل المخدرات التي خضعوا لها على مدار الأسبوعين الماضيين، وأنها سببت له تلك الأعراض المفاجئة، مشيرًا إلى أن وزملائه كانوا يتلقون جرعات من دواء ميثادون مستورد من إنتاج شركة ابيتادون، والذي يفترض به أن يكون عديم اللون أو مائل إلى الأصفر الفاتح، إلاّ أن الدواء الذي قُدّم لهم منذ الأسبوع الأول من شهر مايو الماضي، كان ذا لون أزرق، – وهو الأمر نفسه الذي أكده عدد من المرضى الملتحقين بوحدات خفض الضرر في مستشفيات العباسية والمطار بالقاهرة وطنطا بالغربية ودميرة بالدقهلية والعزازي بالشرقية، في شهادات لـ”زاوية ثالثة”.
ويكشف المريض في شهادته لنا، أنه منذ نحو أسبوع تم وقف العلاج بهذا الدواء في مستشفى طنطا للصحة النفسية، وإجبار المرضى على التحول إلى دواء “ميثادنسي” المصري، إلاّ أنه يشعر بضعف تأثيره وفاعليته، مما جعله يعاني من أعراض الانسحاب بعد مرور نحو ساعتين على تناوله للمحلول ذا اللون الأزرق الفاتح، وتتفق رواية “مازن” مع ما رواه لـ”زاوية ثالثة” عدد من المرضى بوحدات خفض الضرر في كل من مستشفيات طنطا ودميرة والعزازي للصحة النفسية، في حين أفادت مصادرنا في كل من مستشفى العباسية ومستشفى الخانكة ومستشفى المطار للصحة النفسية بالقاهرة، أنهم لا يزالون يتلقون جرعات من دواء ميثادون مستورد إيطالي، ذا لون أزرق.
وكانت زاوية ثالثة قد وثّقت في تحقيق لها بعنوان:”انهيار علاج الإدمان في مصر: أزمة الميثادون تكشف خلل وحدات خفض الضرر“، نُشر في 16 مايو الماضي، معاناة آلاف المرضى المرضى الملتحقين بوحدة خفض الضرر في مستشفيات الصحة النفسية، عقب وقف صرف دواء “ميثادون” المستورد لهم، واستبداله بميثادنسي المصري، الذي أنتجته حديثًا شركة إيبيكو للأدوية، مما جعلهم يقعون فريسة لأعراض الانسحاب الشديدة التي تمثلت في ضيق التنفس والصداع الشديد والآلام في الجسم، والبكاء وانخفاض ضغط الدم، والميول الانتحارية، وحدوث انتكاسات لهم دفعت الكثير منهم للعودة لتعاطي المخدرات، ما تسبب لهم في أزمات عائلية واجتماعية، وسط أنباء عن حالات وفاة، دون تأكيد رسمي، وفي خضم الأزمة، تفاجأ المشاركون في البرنامج بخضوعهم لتحاليل مخدرات مفاجئة، وكل من ظهرت نتيجته إيجابية جرى فصله فورًا من البرنامج، دون النظر إلى ظروف الانسحاب أو أسباب الانتكاسة، وفي مطلع مايو الجاري، أُعيد قبول المفصولين بعد إبلاغهم بأن وزارة الصحة وفرت شحنة جديدة من دواء الميثادون على نفقتها، لكن بجرعات منخفضة تراوحت بين 1 و3 سنتيمترات يوميًا، وهي كميات، بحسب المرضى، لم تكن كافية لتخفيف أعراض الانسحاب الجسدية والنفسية القاسية التي استمرت معهم.

نوصي للقراءة: انهيار علاج الإدمان في مصر: أزمة الميثادون تكشف خلل وحدات خفض الضرر
الإنسحاب وضعف فاعلية الدواء
منذ كان في الـ 14 من عمره دخل أيمن الشرقاوي (اسم مستعار) إلى دوامة الإدمان، بعدما بدأ بتعاطي مخدر الترامادول تقليدًا لشقيقه الأكبر، ولم تكد تمضي بضع سنوات حتى وقع في إدمان مخدر الهيروين، ثم لصقات الفنتانيل، – مادة أفيونية تُعالج الآلام الشديدة والمزمنة -، على مدار سبع سنوات، قبل يتم افتتاح وحدات خفض الضرر، ليلتحق من فوره ببرنامج العلاج بالميثادون، ثم ينضم إليه شقيقه في وقتٍ لاحق، لتتغير حياتهما إلى الأفضل، إلا أن كليهما عانى من مضاعفات نفسية وجسدية وأعراض انسحاب منذ وقوع أزمة الميثادون في أبريل المنقضي، ومع منحهما وزملائهما دواء “ميثادينسي”شعروا بنقص الجرعات، بحسب ما يحكي إلى “زاوية ثالثة”.
ويوضح أيمن المُلتحق بوحدة خفض الضرر بمستشفى دميرة للصحة النفسية بمحافظة الدقهلية، أنه في بداية شهر مايو، حُلّت الأزمة باستيراد الميثادون، وبات المرضى يشعرون بحال أفضل، إلاّ أنه قبل أسبوع تحديداً، تم الانتقال من الدواء المستورد إلى الدواء المصري “ميثادينسي” مجدداً، وقيل لهم أن هذا القرار سيُعمم على جميع مستشفيات الصحة النفسية بمصر، مؤكدًا أن القرار بدأ تطبيقه في مستشفيات دميرة، وطنطا، والشرقية، والعزازي، ودمياط الجديدة، وسيبدأ تطبيقه قريباً في العباسية والمطار خلال الأيام القادمة، لافتًا لوجود مشكلة أخرى متعلقة بالتحويل بين المستشفيات، فبعض المستشفيات تقدم الدواء الإيطالي والبعض الآخر يقدم المصري، مما عرقل التحويلات بين المستشفيات حتى لا تحدث مشكلة بسبب اختلاف قوة الدواء.
يقول لـ”زاوية ثالثة”:
“قال لنا الأطباء إنه نفس الدواء فلمّ تتضايقون؟، لكن فاعلية الدواء الجديد أقل بكثير، لقد تعبنا للغاية، نشعر وكأن جرعة الدواء نقصت بنسبة 50%، واجهنا أعراض الانسحاب نفسها الناتجة عن انخفاض الفعالية لمخدر أفيوني، والمتمثلة بالشعور بالبرد، الإسهال، آلام في الجسد والشعر، العصبية الزائدة، المزاج السيء، ورؤية كل شيء بمنظور سوداوي.. لقد عادت أعراض انسحاب الأفيونات التي دخلنا البرنامج من أجل التخلص منها”.
ويكشف أيمن عن أنه تقدم بشكوى هاتفية إلى الأمانة العامة للصحة النفسية، تمت على إثرها زيادة جرعته بمقدار 10 ملليجرام، إلا أنه كان يحتاج إلى جرعة بمقدار 40-50 ملليجرام إضافية، فواصل تقديم الشكاوى إلى لجنة حقوق المرضى بالمستشفى، ثم الأمانة العامة للصحة النفسية، وإلى الدكتورة رغدة الجميل مديرة إدارة علاج الإدمان، لتتم زيادة الجرعات تدريجيًا لمرضى مستشفى دميرة، إلاّ أنه يرى أن الجميل تعتقد أن المرضى يدعون معاناتهم من أعراض الانسحاب بعد استخدام “ميثادينسي”، لكنها ليست مقتنعة بأن هذا هو الواقع.
ويضيف: “مؤخرًا وصلتنا شرائط تحليل بول تكشف عن تسعة أنواع من المخدرات، ويبدو أن بها خللاً في خانة الكيتامين، حيث تُظهر نتيجة إيجابية للكيتامين عند كل الناس تقريباً. لدرجة أن طبيبين في عيادة خفض الضرر بمستشفى دميرة، جرباها على أنفسهما، وكانت النتيجة إيجابية للكيتامين، وسبق أن تم طرد مرضى بسبب هذه المشكلة، خلال شهر أبريل، خصوصاً في مستشفى العباسية التي شهدت طرد حوالي 100 مريض بعد تحليل شامل أظهر نتائج إيجابية للكيتامين، ثم تبين لاحقاً أن النتائج كانت خاطئة، ومؤخرًا بدأ الأطباء يدركون أنها معيبة، وعندما تظهر نتيجة الكيتامين إيجابية في دميرة، أصبحوا يتجاهلونها”.
وعلى خلفية أزمة الميثادون، قامت وزارة الصحة والسكان، في 7 مايو الماضي، بإعفاء الدكتورة منن عبد المقصود من منصب الأمين عام للصحة النفسية وعلاج الإدمان، وفي 9 مايو الجاري أعلنت الأمانة تعيين د. وسام أبو الفتوح، رئيساً للإدارة المركزية للأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، وتفيد المعلومات المتوفرة على الموقع الرسمي للأمانة أن وسام محمد أبو الفتوح إبراهيم، هي طبيبة اخصائية، عضوة بإدارة علاج الإدمان بالأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان وإدارة مصالح المرضى بالأمانة، ومشرف إداري بفريق الدعم النفسي والخط الساخن للاستشارات النفسية، وأنها شغلت منصب رئيس قسم الإدمان بمستشفى الصحة النفسية ببنها خلال الفترة من (2013-2018) ومنصب رئيس لجنة حقوق المرضى بمستشفى الصحة النفسية في بنها من 2011 إلى 2018.
نوصي للقراءة: تحليل المخدرات: وسيلة للفصل التعسفي ومأساة الموظفين في مصر
تجاوز البروتوكولات الوطنية والمعايير الدولية
وفي سياق متصل كشف تقرير طارئ موجّه إلى مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) في فيينا، عن أزمة إنسانية وطبية في مصر، إذ يواجه آلاف من مرضى الإدمان، الخاضعين للعلاج ببدائل الأفيونات “الميثادون” في وحدات الحد من الضرر، ظروفًا تهدد حياتهم، عقب مرور إسبوعين فقط من إشادة الوفد المصري بنجاح برامج علاج الميثادون في مصر، في 14 مارس 2025، وخلال الدورة 68 للجنة المخدرات (CND) في فيينا، إذ انهار البرنامج دون تحذير، وأُبلغ المرضى في جميع أنحاء البلاد فجأة ، بدءًا من 1 أبريل المنقضي، بأن الميثادون المستورد والمعتمد من الأمم المتحدة قد انتهت صلاحيته، وأن هناك نقصا في الإمدادات، في حين لم يتم الإعلان عن أي خطة طوارئ، ولم يصدر أي بيان رسمي، بشأن الأزمة، مؤكدًا حدوث انتهاكات واضحة لكل من البروتوكولات الوطنية لعلاج الميثادون في مصر، والمعاهدات والمعايير الدولية التي تحكم سياسات المخدرات والحد من الضرر.
ويستعرض التقرير، الذي حصلت “زاوية ثالثة” على نسخة منه، تلك التجاوزات المتمثلة في التحول المفاجئ إلى مادة محلية تُدعى “ميثادنسي”، وهي منتج محلي تمت الموافقة عليه مؤخرًا من قبل الهيئة المصرية للدواء، والذي لم تتم الموافقة عليه من قبل منظمة الصحة العالمية (WHO) أو الأمم المتحدة أو إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، إجبار المرضى على خفض جرعاتهم دون تقييم سريري أو موافقة، كما حدث ارتفاع هائل ومفاجئ في حالات الانسحاب والانتكاس والدخول إلى المستشفيات، مما أدى إلى اضطراب وعدم استقرار شديد في حياة جميع المرضى، وبحلول أواخر أبريل، أظهرت تحاليل البول الإلزامية في المستشفيات أن الغالبية إيجابية للمواد المخدرة، في حين أكدت نتائج التحاليل لجميع المرضى وجود مخدر الكيتامين، وهو ما أثار الشكوك بشأن الدواء المحلي الذي تلقاه المرضى، وإثر ذلك تم طرد العديد من المرضى من البرنامج وحرمانهم بشكل دائم من الوصول إلى العلاج لمجرد انتكاسة عرضية واحدة، في إجراء عقابي يتناقض مع كل من البروتوكولات الوطنية والمعايير الدولية لعلاج الاعتماد على الأفيونات.

ويشير التقرير إلى أن المرضى الذين أظهرت نتائج تحاليلهم وجود الكيتامين فقط لم يُعتبروا منتكسين ولم يُطردوا من البرنامج، في حين أن المرضى الذين تم طردهم لم يُسمح لهم حتى باستخدام طريقة سحب آمن وتم قطع جرعات الميثادون الموصوفة لهم بشكل مفاجئ، ولكن في 1 مايو، أبلغ المرضى بأن الميثادون المستورد قد عاد، إلا أن المنتج كان غريبًا، بخلاف النوع المعتاد المستورد عبر الأمم المتحدة، وتم تقييد المرضى بجرعات موحدة (1−4 مل)، دون مراعاة للاحتياجات السريرية الفردية وفي خرق للمعايير الدولية وإرشادات العلاج السريري.

ومنذ أبريل الماضي وقعت وحدات خفض الضرر بمستشفيات الصحة النفسية في مخالفات الإرشادات الإكلينيكية الوطنية للعلاج الدوائي المُساعد، لعلاج الاعتماد على المواد الأفيونية، باستخدام العلاج ببدائل الأفيون في مصر، والتي سبق أن تم تحريرها في شهر يونيو 2022 وصدّق عليها من قبل نخبة من كبار المسؤولين والخبراء في الطب النفسي وعلاج الإدمان في مصر، أبرزهم: أحمد عكاشة، أستاذ الطب النفسي بكلية الطب – جامعة عين شمس، ورئيس الجمعية المصرية للطب النفسي، والمستشار الرئاسي للصحة النفسية والتوافق المجتمعي لرئيس الجمهورية، إيهاب الباز، استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان، وعضو هيئة التدريس بالأكاديمية الطبية العسكرية، رغدة الجميل، مديرة الإدارة العامة لعلاج الإدمان بالأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، والمشرفة الرسمية على إعداد البروتوكول الوطني للميثادون في مصر، الدكتور ممتاز عبد الوهاب، أستاذ الطب النفسي وعلاج الإدمان، والرئيس السابق للأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، هبة عبد القوى السيد، مديرة البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز، وزارة الصحة والسكان، و14 أكاديمي وخبير آخرين.
وكانت تقارير أممية قد أكدت أن العلاج ببدائل الأفيون (OST)، وخاصة الميثادون، يتم تمويله جزئيًا في مصر من قبل UNODC وشركائه الدوليين، ولاسيما ما يتعلق بالبنية التحتية وتوريد الأدوية، لكنها لم تكشف عن حجم ذلك التمويل، كما لم تُبيّن عدد وحدات خفض الضرر المدعومة فعليًا، أو الكميات المقدمة من دواء “الميثادون”، كما لم تحدد ما إذا كان التمويل يغطي التشغيل المستدام لتلك المراكز، أم يقتصر فقط على مرحلة التأسيس والتهيئة، فيما قدمت منظمة الصحة العالمية (WHO)، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز (UNAIDS)، تدريب الكوادر ودمج البروتوكولات الطبية.
وتضمن التقرير الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)، في أغسطس 2024، والمعنون بـ: “نحو الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية، والعلاج والرعاية ومكافحة المخدرات في مصر: تأملات حول الأثر”، إشارات صريحة إلى دعم العلاج ببدائل الأفيون (OST) في مصر، بما في ذلك العلاج بالميثادون، إذ ورد فيه أن مكتب الأمم المتحدة، قدم الدواء ذا الصلة “الميثادون” ودعم تعزيز البنية التحتية لمراكز العلاج ببدائل الأفيون من خلال توفير المعدات والإلكترونيات اللازمة، يشير التقرير إلى أن التمويل العام لجهود الحد من الضرر في مصر يأتي من ألمانيا (جهة التمويل الأساسية)، بالإضافة إلى شركاء مثل: أستراليا، السويد، هولندا، مؤسسة دروسو، وبرنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالإيدز (UNAIDS).
نوصي للقراءة: نقص الأدوية النفسية في مصر: صراع يومي من أجل البقاء
استقالة غادة والي من منصبها الأممي
منذ توليها منصبها في فبراير 2020، أصبحت الدكتورة غادة والي، مسؤولة تنفيذية عن جميع سياسات وبرامج UNODC عالميًا، والتي تضمنت: برامج العلاج من الإدمان، دعم استراتيجيات العلاج ببدائل الأفيون (OST)، بما يشمل الميثادون والبوبرينورفين، ضمن برامج “الحد من الضرر“، وتقديم الدعم الفنّي والمالي للدول الأعضاء، ومنها مصر، متمثلًا في: تدريب الكوادر الطبية، إنشاء المراكز الخاصة بOST، تأمين الميثادون وتوزيعه.
ويُحمّل تقرير، اطلعت عليه زاوية ثالثة، والي، مسؤولية الأزمة، باعتبارها كانت تشغل منصب المدير العام لمكتب الأمم المتحدة في فيينا (UNOV) والمدير التنفيذي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)، وقتئذٍ، وتجاهلها للشكاوى المقدمة من المرضى، – والتي سبق أن اطلعت عليها زاوية ثالثة في مايو الماضي-، وفشلها في ضمان الرقابة على البرامج المدعومة من مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، والتي كان برنامج العلاج بالميثادون، في مصر، جزءًا منها في إطار استراتيجية الحد من الضرر، والفشل في الالتزام بمبادئ “علاج الاعتماد على المخدرات” الصادرة عن منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة، والتي نصت على أن تستند أي تغييرات في بروتوكولات العلاج بالمواد الأفيونية البديلة إلى الأدلة، وأن تركز على المريض، ولا تكون عقابية، إضافة إلى عدم قيامها بفتح تحقيق أو إصدار بيان، بعد خفض أو قطع جرعات الميثادون دون مبرر سريري، وفصل عدد كبير المرضى من البرنامج العلاجي بناءً على نتائج تحاليل بول إيجابية، بالمخالفة للإرشادات الوطنية والدولية، واستبدال الميثادون المستورد بمنتج مصنع محليًا “ميثادنسي”، والذي أفاد عدد من المرضى بعدم فعاليته أو تسببه في آثار جانبية لهم، ورغم قيام المرضى بالإبلاغ عن الأزمة علنًا والشكوى للهيئات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة.

وفي مطلع يونيو المنقضي استقالت غادة والي، المديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، من منصبها بعد ولاية استمرت خمس سنوات، عازية سبب الاستقالة، – في رسالة بريد إلكتروني أرسلتها إلى موظفي الأمم المتحدة -، لأسباب عائلية، في مداخلة هاتفية مع الإعلامية لميس الحديدي، على قناة ON E، في 1 يونيو، أشارت والي إلى رغبتها في إعطاء الأولوية لعائلتها بعد عقود من الخدمة العامة، قائلة: “شعرت أن الوقت قد حان للعودة والبقاء مع عائلتي – أطفالي، أحفادي، وخاصة والدي المسن الذي يحتاج الآن إلى رعاية”، غير أن مصادر أكدت لـ”زاوية ثالثة”، أن الاستقالة جاءت في أعقاب الكشف فشلها كمسؤولة في ملف الحد من الضرر وما جرى ارتكابه من انتهاكات لحقوق الإنسان تحت مسمى مكافحة المخدرات.
وكانت “زاوية ثالثة” قد تواصلت هاتفيًا مع الدكتورة غادة والي، بصفتها المديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة وقتئذٍ، في مايو الماضي، للحصول على تعليق منها بشأن أزمة العلاج بالميثادون في مصر، والرد على الشكاوى التي قدمها بعض المرضى، إلاّ أن المسؤولة الأممية والوزيرة السابقة كانت لا تزال خارج البلاد وقتئذٍ، وأجابت باقتضاب مؤكدة أن برنامج العلاج بالميثادون يتبع وزارة الصحة والسكان في مصر، نافيةً أن يكون المكتب التابع للأمم المتحدة هو المسؤول عن البرنامج وصرف الدواء.
في أبريل الماضي، تقدم عدد من المرضى، بشكاوى واستغاثات إلى جهات دولية ومحلية، يتهمون فيها غادة والي، المديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، ووزيرة التضامن الاجتماعي المصرية السابقة، بتضليل المجتمع الدولي بشأن واقع برنامج الميثادون في مصر، وبحسب ما وثّقته الشكاوى الموجهة إلى مكتب الأخلاقيات التابع للأمم المتحدة، والتي حصلت “زاوية ثالثة” على نسخ منها، في مايو الماضي، فإن والي تحدثت في الدورة الـ68 للجنة المخدرات التابعة للأمم المتحدة، التي عُقدت في فيينا في 14 مارس 2025، عن “نجاح تجربة الميثادون في مصر”، قبل أسبوعين فقط من وقف صرف الدواء بشكل مفاجئ، دون تحذير أو بدائل، والذي عرض حياة المرضى للخطر، قد يرقى إلى “سوء سلوك أو إهمال أو إساءة استخدام للسلطة”، معتبرة أن مسؤولية والي المباشرة عن البرنامج تضعها في موقع المساءلة، مطالبة بفتح تحقيق أممي مستقل في الواقعة.
ووثقت “زاوية ثالثة” في تحقيق سابق شكوى جماعية رسمية، بعنوان: “الإنهاء المفاجئ لبرنامج علاج الميثادون في مصر ينتهك حقوق الإنسان، أُرسلت في 27 أبريل إلى أربع جهات هي: مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان (OHCHR)، مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة (UNODC)، منظمة الصحة العالمية الإقليمية لشرق المتوسط، والمجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر.
نوصي للقراءة: الشابو في مصر: تهديد أمني واجتماعي يتفاقم وسط عجز حكومي
“ميثادنسي” دواء أُنتج في ظروف غامضة
يُظهر الاعتماد الرسمي لدواء “ميثادينسي” (ميثادون 10 ملغ/1 مل)، محلول مركز للتناول عن طريق الفم، من إنتاج الشركة المصرية الدولية للصناعات الدوائية “إيبيكو”، والصادر عن الإدارة المركزية للرعاية الصيدلية، في 1 مارس 2023، والذي سبق نشرته الإدارة العامة للمراجع العلمية والنشرات الطبية، أن الدواء تم إنتاجه وفقًا لـ EMC، وهو مرجع إلكتروني للأدوية يُستخدم في المملكة المتحدة، تتم إدارته بواسطة شركة تدعى Datapharm بالتعاون مع شركات الأدوية، وتتم مراجعة المعلومات فيه من قبل الهيئات التنظيمية مثل MHRA (وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية في بريطانيا)، في حين لم ينص الاعتماد على أن ميثادنسي يحمل تصريحًا من أي جهة تنظيمية دولية، مثل: الوكالة الأوروبية للأدوية، أو إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، أو منظمة الصحة العالمية، أو أو مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، وتزامنًا مع التحول إلى الدواء في وحدات خفض الضرر، وردتنا العديد من شكاوى المرضى التي تشير إلى عدم كفاية الجرعة، وضعف الفاعلية، ووجود مخاوف لديهم تتعلق بالسلامة.
واطلعت “زاوية ثالثة” على عبوة من الدواء الجديد المسمى “methdensy”، والتي كتب عليها أنه هيدروكلوريد الميثادون، وتركيزه 10 مجم/ مل، وهو من إنتاج شركة إيبيكو للأدوية، وغير مدرج في أسواق الدواء، كما حصلنا على إحدى الجرعات المنزلية لدواء “ميثادنسي”، – وهو محلول شفاف مائل إلى اللون الأزرق الفاتح “السماوي”-، في محاولة لتحليلها ومعرفة المواد الفعالة بها، للتحقق من مدى صحة شكوك بعض مرضى الإدمان في وحدات خفض الضرر بشأن وجود علاقة بين جرعات الدواء المقدمة لهم وظهور مخدر الكيتامين في نتائج التحاليل الخاصة بهم، إلا أن الإجراءات البيروقراطية المتعلقة بمعامل وجهات حكومية ونقص الإمكانيات اللازمة للتحليل في معامل القطاع الخاص، قد حالا دون تحقيق ذلك، وحاولت “زاوية ثالثة” التواصل مع إدارة الشركة للرد على الإدعاءات إلاّ أننا لم نتلق ردًا على أيٍ من اتصالاتنا.
وسبق أن تواصلت “زاوية ثالثة” هاتفيًا مع د. عاصم العقباوي، رئيس القطاع التجاري بشركة إيبيكو للأدوية، في مايو الماضي، لسؤاله بشأن الدواء الجديد، وقد أكد لنا وقتئذٍ، أن هيئة الدواء المصرية طلبت من الشركة، خلال شهر إبريل الماضي، صناعة كمية محددة من دواء “ميثادون”، وقد نفذت الشركة المهمة المطلوبة منها، وسلمت الدواء إلى الهيئة، ليتم صرفه إلى فئة محددة من المرضى (مرضى الإدمان) تحت إشراف طبي، وذلك في إطار مبادرة رئاسية تخص الصحة النفسية وعلاج الإدمان، ليكون أول دواء ميثادون يتم صناعته محليًا.
وأشار العقباوي إلى أن الشركة لا تعرف إذا كانت الهيئة ستطلب منها مجددًا صناعته أم لا، لكن لا توجد لديها خطة لطرح هذا الدواء غير المتداول، والمخصص لفئة محدودة ويحتاج لإشراف طبي على تناول جرعاته، مؤكدًا أنه لا يوجد فارق في التركيبة الدوائية للميثادون المصري ونظيره المستورد.

وتنص النشرة الداخلية للدواء على أنه يُستخدم لعلاج إدمان المخدرات الأفيونية (كمثبط لأعراض الامتناع عن المخدرات)، وقبل بدء العلاج بالميثادون، يجب إجراء مناقشة مع المرضى لوضع استراتيجية لإنهاء العلاج تدريجيًا، من أجل تقليل خطر الإدمان ومتلازمة الانسحاب، ويجب أن يكون القرار بإبقاء المريض على وصفة أفيونية طويلة الأمد قرارًا نشطًا يتم الاتفاق عليه بين الطبيب والمريض، مع مراجعته على فترات منتظمة (عادة كل ثلاثة أشهر على الأقل، حسب التقدم السريري).
وجاءت توصيات الجرعة للبالغين، بأنها تبدأ بـ 10-20 ملغ يوميًا، وتزيد بمقدار 10-20 ملغ يوميًا حتى تزول علامات الانسحاب أو التسمم، وتكون الجرعة المعتادة هي 40-60 ملغ يوميًا، يتم تعديل الجرعة حسب درجة الاعتماد بهدف تقليلها تدريجيًا، ويحظر استعماله لمرضى الكبت التنفسي، أمراض انسداد الممرات الهوائية، أثناء نوبة الربو الحادة، حالات التسمم الكحولي الحاد، الاستخدام المتزامن مع مثبطات إنزيم MAO، بما في ذلك موكلوبميد، أو خلال أسبوعين من التوقف عن استخدامها، وللمرضى المعتمدين على أدوية غير أفيونية، وفي حالات المخاض، فرط الحساسية تجاه المادة الفعالة أو ارتفاع الضغط داخل الجمجمة، وجود إصابة في الرأس، الإصابة بورم القواتم، خطر حدوث شلل في الأمعاء (بما في ذلك انخفاض التوتر في الجهاز الهضمي الناجم عن الأدوية).
وتُحذّر النشرة الداخلية للدواء من احتمالية حدوث تحمّل واعتماد من النوع المرتبط بالمورفين، وحدوث الوذمة الرئوية في حالات الجرعة الزائدة، وزيادة في الضغط داخل الجمجمة، وتشير إلى الآثار الجانبية النادرة لدى المرضى الذين يتلقون علاجًا للإدمان، والتي تضمنت: الإبلاغ عن حالات وفاة لعدد من مرضى الهيروين خلال أيام قليلة من بدء برنامج العلاج بالميثادون، وأن الفحوصات كشفت عن التهاب كبدي مزمن في عشر حالات توفيت خلال 2-6 أيام من بدء العلاج، بمتوسط جرعة 60 ملغ، مرجحة أن تكون الوفاة المفاجئة ناجمة عن تراكم الميثادون وحدوث مضاعفات مثل اضطراب نظم القلب أو انهيار القلب والأوعية الدموية، نظرًا لأن للميثادون تأثيرًا مثبطًا على الأغشية العصبية.
طرح الدواء بعد عام من الاعتماد
يُرجّح الدكتور علي عوف، رئيس شعبة الأدوية بالغرفة التجارية، أن المشكلة التي أدت إلى نقص الميثادون، ترجع إلى أن مخزون عبوات الدواء المستورد كانت راكدة وانتهت صلاحيتها، ولكن هذا لا يعفي المسؤولين، فإذا كان المخزون منتهي الصلاحية، عليهم أن يستوردوا من الخارج. هذا أحد السيناريوهات، مؤكدًا، في تصريحات لـ”زاوية ثالثة”، أنه يجب على الدولة أن تتحمل تكلفة علاج مرضى الإدمان، وبالتالي، عليها أن تستورد كميات تكفي عدد الحالات فقط، وألا تحضر كميات تزيد عن الحاجة حتى لا تنتهي صلاحيتها، مشيرًا إلى احتمالية أن تكون الشركة الأجنبية غير موافقة على تسعيرة الدواء.
ويرى عوف أنها بادرة جيدة من هيئة الدواء، أن تجعل مصنعاً مصرياً يقوم بتصنيع الميثادون، كي لا يكون المرضى تحت رحمة المنتج الأجنبي الذي قد يرفع سعره فجأة، ولتوفير العملة الأجنبية، و لتجنيب مصر أن تكون تحت رحمة قرارات سياسية، كما فعل ترامب عندما قرر فجأة عدم تصدير بعض الأدوية خارج أمريكا، قائلًا: إن “هيئة الدواء تطلب من شركة “إيبيكو” لأنها شركة عملاقة وقادرة على توطين هذه الصناعة”.
ويضيف: “بعد استلام الشركة لورقة الاعتماد (الإخطار)، فإن طرح الدواء في السوق يكون بعد عام على الأقل، لأنها تبدأ في استيراد المواد الخام، وهذا يستغرق ثلاثة أو أربعة أشهر، وتجري عليها تحاليل ودراسات ثبات للتأكد من أن المنتج سليم ولن يتغير لونه أو طعمه، وأن فاعليته ثابتة.. ولا ننسى أنه بين عامي 2023 و2024 كانت هناك أزمة دولار، فلم يكن لديكِ دولار لاستيراد المواد الخام، وكان تدبير العملة مشكلة”.
ويتابع رئيس شعبة الأدوية: “مصر منذ عام 2006 لا تسجل أي دواء إلا إذا كان له مرجعية في إحدى الجهات التالية: هيئة الدواء والغذاء الأمريكية (FDA)، أو هيئة الدواء الأوروبية (EMA)، أو كندا، أو اليابان، أو أستراليا. هذه هي الدول المرجعية لنا. نحن نعتمد عليها لأنها عندما تطرح دواءً، تكون قد أجرت عليه أبحاثاً ونتائجه معلنة ومعروفة. هيئة الدواء لا تعتمد دواءً من الهند أو الصين مثلاً، لأنها دول غير مرجعية. فالدواء يُسجَّل بناءً على مرجعيته البريطانية، وهي مرجعية علمية كبيرة”.
ويؤكد عوف أنه إذا كانت شركة مصرية تريد تصنيع دواء مثل “بنادول” الأمريكي، والمادة الفعالة (الباراسيتامول)، والشركة الأمريكية قد أجرت عليه كل التجارب السريرية، فإن مصر لا تعيد هذه التجارب، بل تقوم بما يسمى “تجارب الإتاحة الحيوية” في مراكز بحثية معتمدة، وتعطي الدواء الأجنبي لمجموعة من المتطوعين، والدواء المصري لمجموعة أخرى، وتقارن النتائج، إذا كانت نتائج دوائكِ تتراوح بين 95% و 105% من نتائج الدواء الأجنبي، فأنتِ مطابقة له. إذا كانت خارج هذا النطاق، يكون غير مطابق وترفضه هيئة الدواء، وهذا يتم قبل نزول الدواء إلى السوق.
نوصي للقراءة: من الاحتراق الوظيفي إلى الهجرة.. لماذا يترك الأطباء النفسيون مصر؟
أهمية الموافقة المستنيرة
من ناحيته يرى الدكتور أيمن عطية، وهو مستشار طبي قانوني وخبير في القوانين والأخلاقيات الحاكمة للعمل الطبي، لـ”زاوية ثانية” أنه من غير القانوني أن يتم تغيير نوع الدواء للمرضى، وإعطاءهم دواء تم إنتاجه حديثًا دون الحصول على موافقة مستنيرة منهم، وأنه يجب الالتزام بما نصت عليه الحقوق والواجبات الخاصة بالمريض النفسي، والحصول على موافقته قبل إخضاعه لأي إجراء، أو دفعه للمشاركة في التجارب السريرية، والتي يحدد خطواتها القانون، وتبدأ بالحصول على موافقات من مراكز بحثية وجامعات، ولا يخضع لها المريض دون التوقيع على موافقة مستنيرة ومعرفة بالمخاطر المحتملة.
ويوضح الخبير الطبي والقانوني أن مخدر الكيتامين دواء يستخدم لتخدير المرضى خلال العمليات الجراحية، وقد يؤدي إلى الهلاوس الجنسية (sexual hallucination) حال استخدامه استخدامًا خاطئًا، مؤكدًا عدم اقتناعه بمسألة ظهور نتائج التحاليل إيجابية لمخدر الكيتامين لكل المرضى، بسبب عيب في شرائط التحاليل، وفي حال كان تلك الفرضية صحيحة فإن الجهة الرسمية التي أحضرته تتحمل المسؤولية عن ذلك الخلل.
في النهاية يمكن القول إن أزمة الميثادون في وحدات خفض الضرر تكشف عن انهيار غير مسبوق في أحد أهم برامج علاج الإدمان في مصر، وسط تجاهل لحقوق المرضى وانتهاك للإرشادات الوطنية والمعايير الدولية؛ فمن الانتكاسات الجماعية إلى أعراض الانسحاب القاسية، ومن غياب الشفافية بشأن صلاحية الأدوية وفاعليتها، إلى طرد المرضى دون تقييم سريري، واجه آلاف المحتاجين للعلاج أزمة طبية وأخلاقية تهدد حياتهم.
وبرغم تغيير بعض القيادات وعودة الدواء المستورد، ما زال المرضى يتلقون جرعات غير كافية، ودواء محل شك لم يُعتمد دوليًا، بينما يتقاذف مسؤولون الاتهامات، يدفع المرضى الثمن وحدهم، بين ألم الإدمان ومخاطر العلاج، في وقتٍ تتطلب فيه الأزمات الصحية الشفافية والاستجابة العاجلة، لا الصمت والتجريب. إن الحق في علاج آمن وكريم ليس رفاهية، بل التزام لا يقبل التسويف.