close

كيف واجهت الحكومة المصرية توصيات المراجعة الدورية الشاملة؟

اعتمد مجلس حقوق الإنسان تقرير المراجعة الدورية الشاملة لمصر، حيث قبلت الحكومة 77٪ من التوصيات، ورفضت أخرى بصيغة “أحيط علمًا”، فيما انتقدت منظمات حقوقية إنكار الدولة لتفشي العنف ضد النساء وتجاهلها لإصلاحات تشريعية أساسية
Picture of شيماء حمدي

شيماء حمدي

 

اعتمد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف،  2 يوليو، التقرير النهائي للمراجعة الدورية الشاملة لملف حقوق الإنسان في مصر، وذلك بعد أن قدّمت الحكومة المصرية ردها الرسمي وملاحظاتها على التوصيات التي تلقتها خلال جلسة المراجعة التي انعقدت في يناير الماضي.

وكانت الحكومة المصرية قد سلّمت مذكرتها الرسمية في يونيو المنقضي، وردّت فيها على التوصيات المقدّمة، مشددة على ما وصفته بـ”إنجازات الحكومة في عدد من ملفات حقوق الإنسان”. واعتبرت الحكومة عددًا كبيرًا من التوصيات “مطبّقًا بالفعل”، وأبلغت المجلس بقبولها نسبة كبيرة من التوصيات، مع استثناء ورفض تلك التي تتضمن مطالب واضحة بإجراءات ملموسة وقابلة للقياس قبل انعقاد المراجعة القادمة بعد أربع سنوات. وشمل الرفض توصيات تتعلق بتعديلات تشريعية، أو التصديق على اتفاقيات دولية لحقوق الإنسان، أو إصلاحات مؤسسية محددة، أو الإفراج عن المحتجزين.

وشهدت جلسة المراجعة الدورية التي عُقدت في يناير الماضي تقديم 137 دولة أكثر من 370 توصية لتحسين وضع حقوق الإنسان في مصر. وتناولت التوصيات مجموعة واسعة من القضايا، من بينها: التعذيب، والاختفاء القسري، وإعادة تدوير المحبوسين احتياطيًا، والاعتقال لأسباب سياسية، والقيود المفروضة على حرية الصحافة والنشاط الحقوقي، والانتهاكات التي تطال النساء والفتيات، والقوانين المقيدة لحرية التنظيم والتظاهر، إضافة إلى تراجع الإنفاق الاجتماعي واستمرار الإفلات من العقاب في الجرائم التي تُنسب إلى سلطات الدولة.

دمج التقرير النهائي التوصيات المتشابهة ليُصبح العدد الإجمالي المعتمد 343 توصية. وبحسب المذكرة التي قدمتها الحكومة المصرية، فقد وافقت على 264 توصية بشكل كامل (بنسبة 77٪)، وأيّدت 16 توصية جزئيًا (بنسبة 5٪)، بينما استخدمت صيغة “أحيطت علمًا” في الرد على 62 توصية (بنسبة 18٪). ويُعد هذا التعبير في اللغة الدبلوماسية صيغة للرفض غير المباشر، تُستخدم للتنصل من الالتزام بالتنفيذ.

ووفقًا لبيان أصدرته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، فإن الحكومة المصرية امتنعت هذه المرة عن استخدام لفظ “الرفض” صراحة، كما فعلت في المرات الثلاث السابقة، واستعاضت عنه بالتعبير الدبلوماسي “أحيطت علمًا”، الذي يشير فعليًا إلى عدم قبول تلك التوصيات وعدم التقيّد بها.

 

نوصي للقراءة: بعد مقتل لاجئة سودانية.. كيف تُترك اللاجئات في مصر بلا حماية؟

 عنف ضد النساء.. دفاع حكومي

خلال الجلسة الخاصة باعتماد التقرير النهائي للمراجعة الدورية الشاملة، استخدمت الحكومة المصرية عبارة “منفذة بالفعل” للتعليق على 43 توصية، من بينها دعوات لإصدار قانون شامل لمناهضة العنف ضد النساء، وتجريم العنف المنزلي بما فيه الاغتصاب الزوجي، وتجريم العقاب البدني ضد الأطفال. كما أكدت الحكومة أنها كفلت استقلال المجلس القومي لحقوق الإنسان ومنحته صلاحية تفتيش أماكن الاحتجاز، وأشارت إلى إلغاء القوانين التمييزية ضد النساء والفتيات، وحصر تطبيق الإعدام على الجرائم بالغة الخطورة، بالإضافة إلى الإفراج عن المحتجزين احتياطيًا ممن تجاوزت مدة حبسهم عامين. لكن منظمات حقوقية عديدة ترى أن هذه التصريحات لا تعكس الواقع بأي صورة.

في حديثها إلى “زاوية ثالثة”، تقول نيفين عبيد، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة المرأة الجديدة: “مهما حاولت الحكومة المصرية إنكار تفشي العنف ضد النساء، فإن الوقائع على الأرض باتت أبلغ من أي بيانات. ما نشهده اليوم لا يقتصر على تزايد الجرائم، بل يشمل تصاعدًا في شراستها، تصل إلى حد التعذيب قبل القتل”.

وتستشهد عبيد بعدة أمثلة صادمة، من بينها مقتل زوجة بأنبوبة بوتاجاز، وأخرى بمياه ممزوجة بمادة كاوية، وصولًا إلى جرائم التعذيب والقتل كما في حالة الشابة آية عادل في الأردن. تقول: “لم نعد أمام جرائم عنف فقط، بل حالات تعذيب وقتل في الشارع، لمجرد أن الضحية امرأة، وهو مؤشّر لا يمكن إنكاره”.

وتربط عبيد هذا الإنكار بما وصفته بنمط متكرر في تعامل الدولة مع قضايا العنف، قائلة: “بعد ثورة يناير، أنكرت الدولة الاعتداءات الجنسية الجماعية وكشوف العذرية، ووصفتها بأنها حملات لتشويه البلد. واليوم تُكرر النهج ذاته، من خلال إنكار أزمة العنف ضد النساء لحماية صورتها أمام الخارج، ولو كان الثمن معاناة آلاف النساء”.

من الجانب القانوني، ترى عبيد أن الدولة تفتقر إلى رؤية واضحة لإقرار قانون موحد لمناهضة العنف ضد النساء، إذ يتطلب ذلك إعادة هيكلة شاملة للمنظومة التشريعية، وتنقية القوانين من ثغرات خطيرة، مثل المادة 17 من قانون العقوبات، التي تتيح تخفيف العقوبة في جرائم جسيمة، والمادة 60، التي تُستخدم لتبرير العنف تحت ذريعة “الحق الشرعي”.

وتؤكد أن الدولة لا تُظهر أي استعداد سياسي أو إداري للتعامل الجدي مع هذه القضايا، وتتعامل معها بوصفها ملفات هامشية مقارنة بأولويات أخرى. وتلفت إلى أن قانون الأحوال الشخصية نفسه تعثر لأسباب سياسية ومجتمعية، حتى في ما يخص المواطنين غير المسلمين.

وتختم قائلة: “غياب التشريع ليس مسألة فنية أو قانونية فقط، بل هو انعكاس مباشر لطبيعة النظام السياسي، الذي يتغاضى عن العنف ضد النساء، ولا يضع قضاياهن ضمن أولوياته. الدولة لا ترى في هذا العنف أزمة وطنية تتطلب إصلاحًا جذريًا”.

كانت مؤسسة إدراك للتنمية والمساواة، قد وثّقت ارتكاب 1195 جريمة عنف ضد النساء والفتيات في مصر خلال عام 2024، وذلك بحسب التقرير السنوي الصادر عن مرصد جرائم العنف ضد النساء والفتيات.

وأوضح التقرير أن 540 جريمة من هذا العدد ارتُكبت على يد أسر الضحايا أو أحد أفرادها، ما يعكس اتساع نطاق العنف الأسري. وتصدّرت جرائم القتل أنواع العنف المُرتكب، حيث تم رصد 363 واقعة قتل خلال عام واحد، من بينها: 261  جريمة ناتجة عن عنف أسري، ارتكبها الزوج أو الشريك (الحالي أو السابق) أو أحد أفراد الأسرة؛ 67 جريمة قتل ارتكبها أشخاص من خارج دائرة الأسرة. أما من حيث وسائل القتل، فقد كان الطعن أكثرها شيوعًا بنسبة 23.1%، تلاه الخنق بنسبة 19%، ثم الضرب حتى الموت بنسبة 15.4%.

في تعليقها  تقول سمر الحسيني، المديرة التنفيذية لـ المنبر المصري لحقوق الإنسان، إن الرواية الحكومية  خلال التقرير النهائي للمراجعة الشاملة، حول مكافحة العنف ضد النساء تتجاهل خللًا جوهريًا في البنية القانونية. وتوضح في حديثها لزاوية ثالثة:”رغم ما تدّعيه الحكومة من إجراءات، إلا أن هناك مشكلة أساسية في تعريف الاغتصاب داخل القانون المصري، إذ لا يوجد حتى الآن أي تجريم صريح للاغتصاب الزوجي، وحتى الآ، تخوض الحركات النسوية معركة قانونية واجتماعية طويلة لإقراره.”

وتضيف أن أخطر ما في الأمر هو الرفض القاطع من جانب الحكومة لإصدار قانون موحد لمناهضة العنف ضد النساء، ما يؤدي إلى التعامل مع هذه القضايا عبر مواد متفرقة ومبعثرة من قوانين متعددة، وهي مقاربة تُضعف من فاعلية التصدي للعنف على المستويين التشريعي والتنفيذي.

وتتابع الحسيني: “رغم الارتفاع الملحوظ في نسب العنف الأسري، والتحرش، والانتهاكات الجنسية في مصر، لا تزال الدولة ترفض الاعتراف بوجود أزمة بنيوية تتطلب تدخلًا تشريعيًا شاملًا.” وتحذر واقع الهشاشة التشريعية، فمثلًا:المادة التي تُجرّم التحرش لا ترتبط بأي آليات لحماية الشهود أو المبلّغات؛ ولا توجد برامج تدريب منهجية لتأهيل العاملين على تلقي شكاوى العنف الجنسي؛ كما أن منظومة التعامل مع الناجيات تفتقر إلى الحساسية الجندرية والضمانات الأساسية.

وتختم الحسيني بالتأكيد على أن: “المطالبة بإصدار قانون موحد ليست مطلبًا راديكاليًا أو رفاهية حقوقية، بل مطلب طبيعي وبديهي ترفعه المؤسسات النسوية منذ سنوات. لكن تعامل الدولة مع الملف يُظهر أنه مجرد أداة دعائية موجهة للخارج، وليس قضية داخلية تستوجب إصلاحًا جذريًا.”

في هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن قوة العمل من المنظمات النسوية، وبالتعاون مع النائبة نشوى الديب، قد تقدمت في مارس 2022 بمشروع قانون موحد لمناهضة العنف ضد النساء إلى البرلمان المصري. وقد وقّع على المقترح 60 نائبًا، ويتضمن 53 مادة، من بينها نصوص صريحة تتعلق بالعنف الأسري.

ورغم مرور ما يقارب ثلاث سنوات على تقديم مشروع القانون، لم تتم مناقشته حتى الآن، رغم اقتراب انتهاء مدة الولاية التشريعية واقتراب الانتخابات البرلمانية.  

 

نوصي للقراءة: تضاعف معدلات العنف ضد النساء والقاهرة الكبرى تتصدر خريطة العنف

توصيات واسعة 

خلال جلسة اعتماد التقرير النهائي للمراجعة الدورية الشاملة، دافعت الحكومة المصرية عن موقفها من تطبيق عقوبة الإعدام، مؤكدة أنها تُنفذ فقط في “الجرائم الأشد خطورة”. لكن هذا التبرير قوبل بانتقادات حادة من منظمات حقوق الإنسان، وفي مقدمتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، التي اعتبرت أن العدد الضخم من التوصيات الدولية بشأن الإعدام يعكس قلقًا متزايدًا من التوسع الهائل في إصدار هذه الأحكام خلال السنوات الأخيرة.

وشهدت جلسة المراجعة الدورية الشاملة توجيه ما لا يقل عن 29 توصية دولية إلى مصر تطالب بتقليص عدد الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام، وتعليق تنفيذ هذه العقوبة تمهيدًا لإلغائها والانضمام إلى البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

ولفتت المبادرة المصرية إلى أن بعض هذه التوصيات جاءت من دول أفريقية مثل موزمبيق وسيراليون، ما يُسقط الحجة “الثقافية” التي تستخدمها الحكومة المصرية لتبرير استمرار العمل بالعقوبة. كما صدرت توصيات مماثلة من دول من مختلف القارات.

تقول سمر الحسيني، المديرة التنفيذية لـ المنبر المصري لحقوق الإنسان، إن ادّعاء الحكومة بأنها لا تُطبق الإعدام إلا في “أشد الجرائم خطورة” لا يعكس الواقع. وتوضح أن “مصر لا تزال من بين أكثر دول العالم إصدارًا وتنفيذًا لأحكام الإعدام، بما في ذلك في قضايا ذات طابع سياسي، وغالبًا ما تصدر هذه الأحكام بشكل جماعي، ما يُثير شكوكًا واسعة بشأن عدالة المحاكمات وضمانات الدفاع، خاصة في ظل القيود المفروضة على حقوق المتهمين.”

وتشير الحسيني إلى أن الدولة، التي كانت في السابق تُلمّح أحيانًا إلى نية مراجعة العقوبة أو التقييد من استخدامها، قد شهدت تحولًا خطيرًا في خطابها الرسمي هذا العام، نحو تبنٍّ صريح وغير مشروط لتطبيق عقوبة الإعدام، دون أي نية للمراجعة أو التقييد.

في وقت سابق، رصدت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، استمرت السلطات القضائية والتنفيذية في إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام خلال عام 2024، رغم تصاعد الدعوات المحلية والدولية لوقف استخدامها. وأظهرت الأرقام التالية مقارنة بين عامي 2023 و2024، في أحكام الإعدام الصادرة عن محاكم الجنايات.

إذ رصدت المؤسسة الحقوقية في تقرير لها صدور 380 حكمًا على الأقل في عام 2024، مقابل 348 حكمًا في عام 2023، كما رصدت تنفيذ الإعدام بحق 13 شخصًا على الأقل في عام 2024، مقارنة بـ 8 حالات إعدام في عام 2023. فضلًا عن رصدها الأحكام النهائية المؤيدة من محكمة النقض، إذ تم تأييد 35 حكمًا في عام 2024، مقابل 27 حكمًا في عام 2023. وبحسب التقرير الحقوقي فإن هذه الأرقام تشير إلى اتجاه تصاعدي في استخدام العقوبة، رغم وضوح الرسائل الحقوقية الدولية بضرورة تقليصها تمهيدًا لإلغائها.

كما أشار تقرير الجبهة المصرية لحقوق الإنسان إلى أن عقوبة الإعدام في مصر لا تقتصر على الجرائم الأشد خطورة كما تدّعي الحكومة، بل تُطبق على طيف واسع من الجرائم، بما يُخالف التوجهات الدولية التي تدعو إلى حصرها في أخطر الجرائم فقط.

ولفت التقرير إلى أن العديد من المتهمين في قضايا يُحتمل أن تصدر فيها أحكام بالإعدام تعرضوا لانتهاكات لحقهم في المحاكمة العادلة، وهو ما يُعد خرقًا واضحًا للضمانات الأساسية التي نصّت عليها المعاهدات والمواثيق الدولية، خاصة في القضايا التي تمس الحق في الحياة.

 

نوصي للقراءة: آثار تعذيب وتعليق من اليدين.. تفاصيل مقتل محمود أسعد في قسم الخليفة

لا تعذيب ولا اعتقال؟

في معرض ردّها على التوصيات الدولية المقدّمة خلال جلسة اعتماد التقرير النهائي للمراجعة الدورية الشاملة، تبنّت الحكومة المصرية خطابًا دفاعيًا يؤكد، بحسب قولها، التزام الدولة الكامل بحماية حقوق الإنسان.

وزعمت الحكومة المصرية، خلال جلسة المراجعة الدورية الشاملة، أنها لا تحتجز أي شخص بسبب آرائه السياسية، وأن جميع المحتجزين يُحاكمون وفقًا لإجراءات قانونية عادلة، مشددة على أن قانون مكافحة الإرهاب لا يُستخدم ضد الصحفيين أو المدافعين عن حقوق الإنسان.

كما نفت الحكومة وجود حالات تعذيب داخل أماكن الاحتجاز، مؤكدة أن هناك أجهزة رقابية مختصة تتابع مدى الالتزام بالقانون، وعلى رأسها المجلس القومي لحقوق الإنسان، الذي ادّعت الحكومة أنه يتمتع بـ”الاستقلالية الكاملة” ويملك صلاحيات تفتيش أماكن الاحتجاز دون الحاجة إلى إذن مسبق.

وكانت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية  قد تقدمت بخمسة تقارير منفصلة لآلية الاستعراض الدوري الشامل قبل عقد الجلسة، تضمنت تقريرًا فرديًا قدم لمحة عامة حول تدهور الوضع الحقوقي منذ جلسة الاستعراض السابقة عام 2019، فضلًا عن تقارير جماعية شاركت فيها المبادرة مع منظمات أخرى، تناول أولها الانتهاكات المنهجية داخل منظومة العدالة الجنائية كالتعذيب والإخفاء القسري والمحاكمات غير العادلة وسوء أوضاع الاحتجاز.

فيما غطى الثاني حقوق المدافعين عن حقوق الإنسان وإساءة استخدام قوانين الإرهاب لمعاقبتهم، وتطرق الثالث إلى أزمة حقوق النساء والفتيات في مصر، بينما خُصِّص الرابع لرصد انتهاكات الحريات الرقمية وحرية التعبير والإعلام.  كما  أصدرت المبادرة المصرية تعليقًا على تقرير الحكومة المقدم للاستعراض الدوري الشامل حمل عنوان “الواقع الموازي“. 

ووثقت المبادرة في تقاريرها  تصاعد القيود على الحقوق المدنية والسياسية، سواء من خلال التشريعات أو الممارسات الأمنية والإدارية. فقد رصد استمرار العمل بمنظومة قانونية تُقيد الحريات، مثل قانون تنظيم التظاهر الذي حوّل الحق في الاحتجاج السلمي إلى ممارسة محظورة فعليًا، وقانوني مكافحة الإرهاب والجريمة الإلكترونية، اللذين يُستخدمان لتجريم حرية التعبير وملاحقة المعارضين والصحفيين والنشطاء.

كما أشار التقرير إلى التوسع في استخدام الحبس الاحتياطي كأداة عقابية، وتوظيف ما يُعرف بـ”التدوير” – أي إعادة حبس المتهمين على ذمة قضايا جديدة أثناء حبسهم الاحتياطي، لضمان استمرار احتجازهم خارج إطار القانون.

في السياق، تقول بسمة مصطفى، مديرة البرامج في مؤسسة دعم القانون والديمقراطية، في حديثها لـ زاوية ثالثة: “ادعاء السلطات المصرية بأنها خالية من السجناء السياسيين، وأن قانون الإرهاب لا يُستخدم ضد الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، يتناقض كليًا مع الواقع الموثّق على الأرض.”

وتؤكد مصطفى أن ما ترصده المؤسسة بشكل دوري يكشف عن نمط ممنهج من الاعتقالات التعسفية، والحبس الاحتياطي المطوّل، وإعادة تدوير القضايا، لا سيما في ما يتعلق بالصحفيين والحقوقيين وأصحاب الرأي المستقل.

وتوضح أن كثيرًا من هؤلاء يُحتجزون استنادًا إلى قرارات قضائية مسيّسة، وبتهم فضفاضة مثل: “نشر أخبار كاذبة”، “الانضمام إلى جماعة إرهابية”، وهي تُستخدم، بحسب قولها، كأدوات متكررة لقمع حرية التعبير، وغالبًا ما تُبنى على تحقيقات أمنية تفتقر إلى الحد الأدنى من ضمانات المحاكمة العادلة.

وتشير مصطفى إلى عدد من المعتقلين البارزين الذين يمثلون نماذج لهذه الانتهاكات، ومنهم: الصحفي محمد أوكسجين، المصور الصحفي حمدي الزعيم، المحامية هدى عبد المنعم،

بالإضافة إلى عشرات الأصوات المستقلة الأخرى، ممن حاولوا التعبير عن آرائهم أو ممارسة مهنتهم بشكل سلمي.

وتضيف مصطفى: “رفض الحكومة المصرية لـ62 توصية خلال جلسة الاستعراض الدوري الشامل، خاصة تلك المتعلقة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، ووقف محاكمات الرأي، وإلغاء القوانين القمعية، يكشف غيابًا واضحًا في الإرادة السياسية للإصلاح. بل ويُظهر سعي الدولة لتحويل آليات الأمم المتحدة إلى مجرد واجهة تجميلية، دون التزام فعلي بحقوق الإنسان.”

وتحذّر مصطفى من اتساع نطاق الانتهاكات ليشمل المصريين في الخارج، فيما وصفته بـ”القمع العابر للحدود”. وتقول إن مساهمة مؤسستها في آلية الاستعراض الدوري الشامل وثّقت نمطًا متزايدًا من الممارسات التي تستهدف المعارضين والمنفيين بالخارج، وتشمل، الاعتداء الجسدي والتهديد، حملات التشويه الإعلامي،الملاحقات القضائية، الضغط على أسرهم داخل مصر، بما في ذلك حرمانهم من الوثائق الرسمية والخدمات القنصلية. وتشير إلى أنه عدد من الحالات، لجأت السلطات إلى قانون الإرهاب لإدراج معارضين في الخارج على قوائم الإرهاب، في محاولة لإسكاتهم وملاحقتهم حتى خارج الحدود.

من جهته يرى المحامي الحقوقي حليم حنيش، استشاري بمنصة اللاجئين رفض الحكومة المصرية لتوصيات الاستعراض الدوري الشامل، وتأكيدها بأنها تُطبّق بالفعل في الداخل، وإنكارها المستمر لوقوع انتهاكات، لم يكن مفاجئًا، فهو موقف معتاد. لكنّ اللافت هذه المرة كان موافقة الحكومة على التوصية الخاصة بالانضمام إلى الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، وهو ما يُعد تطورًا مفاجئًا، خصوصًا أن مؤسسات حقوقية عدة طالبت بهذا الانضمام منذ سنوات، من بينها حملة “أوقفوا الاختفاء القسري” التي دأبت منذ تأسيسها على مطالبة الدولة المصرية بالتصديق على الاتفاقية.

ويضيف حنيش في تصريح إلى زاوية ثالثة:” أن الانضمام إلى هذه الاتفاقية من شأنه أن يفرض قيودًا قانونية على الممارسات المرتبطة بجريمة الاختفاء القسري، ويشكّل اعترافًا رسميًا للمرة الأولى بهذه الجريمة وفقًا لتعريفها في القانون الدولي، وهو ما كانت الدولة المصرية ترفض الإقرار به سابقًا.”

وفيما يخص التعذيب، فلا يزال الأمر قائمًا، إذ وقعت خلال السنوات الماضية عدة حوادث تعذيب ووفاة داخل أقسام الشرطة، دون أن نشهد محاسبة فعلية أو فصلًا لأي من الضباط المتورطين، بل على العكس، هناك تستّر دائم من وزارة الداخلية ومحاولات لاحتواء القضايا دون شفافية أو عدالة- يقول حنيش.

ويرى المحامي الحقوقي أنه رغم ما تدّعيه الدولة المصرية من عدم وجود معتقلين سياسيين، إلا أن الواقع اليومي يناقض ذلك بشكل صارخ. فعلى مدار الأشهر الماضية، وخلال متابعتي الدقيقة لهذا الملف، تم رصد ما يقرب من 20 إلى 25 حالة توقيف على الأقل لأشخاص لم يُنسب إليهم سوى التعبير عن آرائهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشأن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتدهورة في البلاد. ويتابع نيابة أمن الدولة، وهي الجهة المختصة بالتحقيق في القضايا ذات الطابع السياسي، لا تزال تُعرض عليها يوميًا قضايا جديدة. أما الاتهامات، فهي النمط ذاته المتكرر: “الانضمام إلى جماعة محظورة”، و”نشر أخبار كاذبة”، وهما تهمتان فضفاضتان تُستخدمان على نطاق واسع لتقييد حرية التعبير.

والحقيقة أن الأزمة السياسية المرتبطة بالاعتقال على خلفية الرأي لا يمكن حلها عبر لجان العفو أو فحص أوراق السجناء، فكل هذه الخطوات ليست سوى مسكنات شكلية لا تمس جوهر المشكلة. الحل الحقيقي يبدأ بتغيير السياسات الأمنية والتشريعية التي تُنتج هذا الواقع- يقول حنيش.

وتابع:”على سبيل المثال، منذ إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي، خرجت بعض القوائم بالفعل، لكن ما رُصد من حالات اعتقال جديدة خلال نفس الفترة يفوق بثلاثة أضعاف عدد المُفرج عنهم. بل إن هذه اللجنة، بدلًا من أن تكون مدخلًا جادًا للإفراج عن السجناء، تسببت في إبطاء وتيرة إخلاءات السبيل المعتادة، إذ تراجعت قرارات النيابة بإخلاء السبيل بشكل ملحوظ، لتحل محلها “قوائم العفو”، التي سرعان ما اختفت هي الأخرى تدريجيًا.”

ويؤكد المحامي الحقوقي:”نحن لا نحتاج فقط إلى “لجان”، ولا حتى إلى تغييرات شكلية في القوانين. ما نحتاجه هو تحول حقيقي في السياسات، يعترف بأن حرية التعبير ليست جريمة، وأن معالجة الانسداد السياسي لا تتم بالإنكار، بل بإرادة جادة للإصلاح.”

في يونيو الماضي، قدّمت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بلاغًا رسميًا إلى النائب العام، المستشار محمد شوقي، طالبت فيه بفتح تحقيق عاجل في ملابسات وفاة سبعة مواطنين داخل قسم شرطة العمرانية خلال عام واحد فقط، وهو رقم وصفته المبادرة بـ”المفزع” ويستدعي المساءلة الفورية.

وشمل البلاغ المطالبة بـإيقاف الضباط العاملين بالقسم عن العمل مؤقتًا لحين انتهاء التحقيقات، مع إحالة المسؤولين إلى المحاكمة الجنائية في حال ثبوت تورطهم أو مسؤوليتهم المباشرة أو غير المباشرة عن هذه الوقائع.

وحتى لحظة نشر هذا التقرير، لم يصدر أي رد رسمي من النيابة العامة أو وزارة الداخلية بشأن هذا البلاغ، ما يطرح تساؤلات جدية حول مستوى الشفافية والمساءلة في التعامل مع حالات الوفاة داخل أماكن الاحتجاز.

 

نوصي للقراءة: حادثة النجيلة: ضابط الأمن الوطني المتهم بقتل شابين لم يخضع للتحقيق بعد

المجلس القومي لحقوق الإنسان في مرمى الانتقاد

خلال جلسة اعتماد التقرير النهائي للاستعراض الدوري الشامل في مجلس حقوق الإنسان، دافعت الحكومة المصرية عن أداء المجلس القومي لحقوق الإنسان، مشددة على أنه يتمتع بـ”استقلالية كاملة” تخوّله ممارسة مهامه دون تدخل، بما في ذلك صلاحية تفتيش أماكن الاحتجاز دون الحاجة إلى إذن مسبق، ودوره في رصد الانتهاكات وضمان احترام حقوق المحتجزين.

لكن هذه الرواية قوبلت بتشكيك واسع من منظمات حقوقية مستقلة، اعتبرت أن المجلس يفتقر إلى التأثير الفعلي بسبب القيود السياسية والمؤسسية المفروضة على عمله، وغياب الشفافية بشأن نتائج زياراته، وعدم امتلاكه أدوات مساءلة حقيقية تجاه الأجهزة الأمنية أو آليات تنفيذية لضمان تفعيل توصياته.

وفي هذا السياق، يقول حليم حنيش، إن المجلس القومي لحقوق الإنسان بات “مجلسًا شرفيًا” فاقدًا للسلطات والصلاحيات اللازمة، خاصة بعد التعديل الذي أدخله الرئيس عبد الفتاح السيسي، والذي ألزم المجلس بالحصول على إذن مسبق من وزارة الداخلية قبل تنفيذ زياراته لأماكن الاحتجاز. ويرى حنيش أن هذا التعديل قوّض فعليًا استقلال المجلس، وأفرغه من وظيفته الرقابية.

ويضيف حنيش أن التشكيل الحالي للمجلس هو “الأضعف منذ تأسيسه”، مشيرًا إلى أن عددًا من أعضائه باتوا يروجون خطابًا يُستخدم في “غسيل سمعة النظام” بدلًا من الدفاع عن حقوق الضحايا أو المطالبة بمحاسبة مرتكبي الانتهاكات. ويؤكد أن المجلس انحرف عن دوره الطبيعي كجهة رقابية مستقلة، ليصبح جزءًا من أدوات تلميع السلطة وتبرير سياساتها القمعية، بدلًا من الضغط لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في البلاد.

وتعزز الانتقادات الحقوقية للمجلس القومي لحقوق الإنسان بما صدر عن لجنة الاعتماد التابعة للتحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان (GANHRI)، التي أوصت، في نوفمبر 2024، بخفض تصنيف المجلس إلى الفئة (ب)، بعد مراجعة أدائه ومدى التزامه بـ”مبادئ باريس” الخاصة باستقلالية المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان.

وأشارت اللجنة إلى مخاوف جدية تتعلق باستقلالية المجلس وفعاليته وشفافيته، منتقدة بشكل خاص آلية تعيين أعضائه من قبل السلطة التنفيذية دون شفافية أو مشاركة مجتمعية، ما يُقوّض استقلاليته ويُضعف من قدرته على العمل بمعزل عن التدخل الحكومي.يُذكر أن خفض التصنيف إلى الفئة (ب) يعني أن المجلس القومي لم يعد يمتلك الحقوق الكاملة في المشاركة ضمن هيئات الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الإنسان، ما يُعد مؤشرًا سلبيًا بالغ الأهمية على المستوى الدولي، ويؤكد تراجع مكانته كمؤسسة وطنية مستقلة.

 

نوصي للقراءة: نساء في سجون مصر.. أجساد بلا حقوق

انتقادات لأوضاع اللاجئين والمهاجرين في مصر

وجهت لمصر خلال اعتماد التقرير النهائي للمراجعة الشاملة، انتقادات بسبب ما يتعرض له العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، فرغم توقيع مصر على عدد من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، بما في ذلك الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، إلا أن التقرير النهائي للمراجعة الدورية الشاملة في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة تضمن قصورًا في حماية حقوق اللاجئين والمهاجرين، سواء على مستوى الإطار التشريعي أو على صعيد الممارسات اليومية.

 وأعربت عدة دول عن قلقها من الانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون وطالبو اللجوء في مصر، والتي تشمل صعوبات في استخراج الوثائق القانونية، وغياب المسارات الواضحة للحصول على الإقامة أو تصاريح العمل، فضلاً عن انخراط معظمهم في القطاع غير الرسمي تحت ظروف استغلالية قاسية، دون حماية قانونية أو اجتماعية كافية. كما أشار التقرير إلى تمييز في المعاملة بين الجنسيات المختلفة من اللاجئين والمهاجرين، وهو ما يفاقم من هشاشة أوضاعهم.

في هذا السياق، يقول حليم حنيش، الاستشاري في منصة اللاجئين، لـ زاوية ثالثة: “ما نرصده من خلال عملنا الميداني في المؤسسة يؤكد أن العمالة المهاجرة في مصر تعاني معاناة حقيقية؛ بدايةً من صعوبات الحصول على أوراق الإقامة أو تصاريح العمل، وصولًا إلى التحديات الجسيمة التي تحول دون اندماجهم في سوق العمل الرسمي. كثير من العمال المهاجرين يُجبرون بسبب هذه العراقيل على الاتجاه للعمل في السوق غير الرسمي، حيث يكونون أكثر عرضة للنصب، والاستغلال، والانتهاكات دون أي حماية قانونية.”

ويضيف حنيش أن هذا الوضع يتناقض بوضوح مع نصوص الاتفاقية الدولية التي وقعتها مصر، والتي تُلزم الدولة بحماية المهاجرين وتيسير وصولهم إلى العمل والخدمات الأساسية دون تمييز. لكنه يرى أن غياب الإرادة السياسية، وازدواجية السياسات بين الخطاب الدولي والممارسات المحلية، يجعلان من التصديق على الاتفاقيات مجرد أداة تجميلية لا تُترجم إلى التزامات فعلية.

ويختتم حديثه بالقول: “ما يحتاجه المهاجرون في مصر ليس فقط الحماية من الانتهاكات، بل أيضًا الاعتراف بهم كجزء من النسيج الاقتصادي والاجتماعي، وتوفير مسارات قانونية واضحة تُمكّنهم من العمل والعيش بكرامة”.

والاستعراض الدوري الشامل (UPR) هو آلية فريدة أقرّتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في مارس/آذار 2006 بموجب القرار رقم 60/251، وتُعد من أبرز آليات مجلس حقوق الإنسان. تُلزم هذه الآلية كل دولة عضو في الأمم المتحدة بالخضوع لاستعراض دوري شامل لسجلّها في مجال حقوق الإنسان مرة كل أربع سنوات ونصف، يتم خلاله تقييم مدى التزام الدولة بالمعايير الدولية وتقديم توصيات من قِبل الدول الأعضاء الأخرى.

ويهدف الاستعراض إلى حث الدول على تعزيز وحماية حقوق الإنسان، وتحقيق التقدّم في تنفيذ التزاماتها الدولية، فضلًا عن إتاحة الفرصة لكل دولة لتقييم أدائها الداخلي في هذا المجال بصورة شفافة ومنظّمة، مع ضمان مشاركة منظمات المجتمع المدني والمقررين الدوليين في تحليل الوضع الحقوقي.

وتكشف الجولة الرابعة من آلية الاستعراض الدوري الشامل لمصر أمام مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة عن فجوة متزايدة بين الخطاب الرسمي وما ترصده المؤسسات الحقوقية غير الحكومية.إذ تُظهر تقارير المنظمات الحقوقية المستقلة وشهادات الضحايا استمرار الانتهاكات البنيوية بحق الحريات الأساسية، وفي مقدمتها الحق في الحياة والسلامة الجسدية، وحرية التعبير، والحق في التنظيم، وضمانات المحاكمة العادلة.

شيماء حمدي
صحفية مصرية، تغطي الملفات السياسية والحقوقية، وتهتم بقضايا المرأة. باحثة في حرية الصحافة والإعلام والحريات الرقمية.

Search