close

70 مليون للمقعد: من يشتري طريقه إلى برلمان مصر؟

يكشف هذا التحقيق كواليس انتخابات 2025، حيث يُطلب من المرشحين دفع 70 مليون جنيه لمقعد النواب و30 مليونًا لمقعد الشيوخ، وسط غياب الرقابة القضائية وتهميش تام للمعارضة.
Picture of هشام عارف

هشام عارف

قبيل أسابيع من انطلاق الانتخابات البرلمانية في مصر، التي تبدأ بانتخاب مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) والمقرر إجراؤها في أغسطس المقبل، تدور مناقشات حامية الوطيس في الكواليس، إذ يتسابق رجال المال وأصحاب النفوذ على اقتناص فرصة على رأس “القائمة الوطنية من أجل مصر” (مضمونة الفوز)، على حد وصف سياسيين، والتي تضم 13 حزبًا أغلبها من أحزاب الموالاة يقودها “مستقبل وطن”، بالإضافة لعدد محدود من أحزاب المعارضة مثل “الوفد” والمصري الديمقراطي” و”العدل” و”التجمع”.

لم يكن المال السياسي غائبًا أبدًا عن غالبية الاستحقاقات الانتخابية التي جرت في مصر خلال العقود الأربعة الماضية، لكن الجديد في الأمر، منذ عام 2015، ظهر شكل آخر لتوظيف المال مقابل (مقعد) البرلمان، يتمثل في دفع مسبق للدول مقابل الترشح ضمن قائمة مغلقة، ستفوز لا مُحالة، تضم كافة أحزاب الموالاة، وعدد محدود من المعارضين المألوفين كما يصفهم سياسيون، تحظى بدعم أمني وسياسي وإعلامي منقطع النظير، وغالبًا ما يقدم المرشحون خلالها أنفسهم باعتبارهم مرشحو الدولة.

قبل 10 سنوات من اليوم تحدثت تقارير عديدة عن دفع مبالغ كبيرة، وصلت إلى 10 ملايين جنيه، مقابل مقعد في دائرة انتخابية ما، أو حتى الحصول على دعم أو “ضوء أخضر” للترشح على المقاعد الفردية، واليوم وفي ضوء ترتيبات تجري على قدم وساق استعدادًا لانتخابات مجلس الشيوخ، ثم النواب، تواصلت زاوية ثالثة مع عشرات المرشحين السابقين والحاليين وكذلك سياسيين ومشاركين في عملية الاستعداد للانتخابات، اتفقوا جميعًا على توحش ظاهرة المال السياسي مؤخرًا، سواء ما يتم دفعه للسلطات مقابل الدفع بمرشحين، أو ما يتم إنفاقه فيما بعد ذلك على الدعاية أو الرشاوى الانتخابية.

وقد وثّقت منظمات حقوقية مصرية مثل مؤسسة حرية الفكر والتعبير والمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية هذه الظاهرة في تقارير متعددة، أبرزها تقرير صدر عام 2020 أشار إلى “تجاوز سقف الإنفاق الانتخابي من قبل مرشحين بشكل واسع، عبر إنفاق مبالغ ضخمة على إعلانات تلفزيونية وإذاعية، وتنظيم حفلات جماهيرية، وتوزيع سلع غذائية ومالية في الدوائر الفقيرة”. كما رصدت بعثات مراقبة الانتخابات مثل التحالف المصري لمراقبة الانتخابات ومرصد نزاهة الانتخابات تكرار تلك التجاوزات في انتخابات 2015 و2020، مع ضعف في آليات المحاسبة، رغم وجود نصوص قانونية تجرم شراء الأصوات. ويُشار إلى أن قانون مباشرة الحقوق السياسية ينص على حدود للإنفاق الانتخابي، لكن غياب الرقابة الفعالة ساهم في تحول المال السياسي إلى أداة حاسمة للفوز، خاصة في النظام الفردي الذي يعتمد على دوائر ضيقة يسهل فيها التأثير المالي والاجتماعي.

ويرى مراقبون أن المال السياسي يرتبط بتاريخ طويل ومعقّد في الانتخابات البرلمانية المصرية، حيث استخدم كوسيلة أساسية للتأثير على أصوات الناخبين، خاصة في ظل تراجع دور الأحزاب وضعف الثقافة السياسية لدى قطاعات واسعة من المواطنين، ومنذ انتخابات مجلس الشعب في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، وُجهت اتهامات متكررة لمرشحين باستخدام الأموال لحشد الأصوات عبر شراء الذمم أو تقديم خدمات مباشرة.

 

نوصي للقراءة: البرلمان المقبل… توزيع مسبق للمقاعد؟

 ماذا يحدث في الكواليس؟

بناءً على تصريحات متطابقة حصلت عليها زاوية ثالثة من مصادر حزبية مطّلعة شاركت في مشاورات تشكيل القوائم الانتخابية وتنسيق الدوائر الفردية، كشفت المصادر أن “المشاركة في القوائم البرلمانية باتت تتطلب مساهمات مالية ضخمة تُدفع لصندوق تحيا مصر”، إذ أشارت إلى أن المرشح في قائمة مجلس الشورى يسدد ما يقارب 30 مليون جنيه، بينما ترتفع القيمة إلى 70 مليون جنيه للمرشح ضمن قائمة مجلس النواب، في حين يدفع المُعيّنون نحو 50 مليون جنيه.

وتقول المصادر إن التوزيع داخل القوائم لا يتم وفق معايير الكفاءة فقط، بل يتم التوافق على الأسماء بناء على مساهماتهم المالية وعدد المقاعد المطلوب تمريرها. موضحة: “إذا كانت هناك حاجة لستة نواب، على سبيل المثال لا يتم وضعهم جميعًا في قائمة واحدة، بل يُوزّعون على ثلاث قوائم لضمان نجاحهم جميعًا”، موضحة أن ذلك يتم بتنسيق دقيق لضمان أن كل قائمة تضم بين 2 إلى 3 من المرشحين الداعمين للسلطة، لتُظهر الصورة وكأن هناك تنوعًا بين معارضين ومؤيدين.

وفيما يتعلق بالانتخابات الفردية، كشفت المصادر أن المرحلة الأولى تشهد فوضى كبيرة لغياب التوافق بين المرشحين. مشيرة إلى أن كل مرشح يتصرف بشكل منفصل، ويعتمد على مندوبيه الذين يقفون خارج اللجان الانتخابية ويوزعون المال مقابل الصوت. وفي التفاصيل يوضح أحد المصادر، الذي شارك من قبل في الإشراف على بعض اللجان الانتخابية في انتخابات سابقة: “المواطن يذهب إلى اللجنة، يُعطي صوته مقابل 100 جنيه، ثم يعود إلى مندوب المرشح ليؤكد له أنه صوّت، فيمنحه الأخير (كوبونًا) يصرف من خلاله كرتونة مواد غذائية ومبلغًا ماليًا إضافيًا”.

مصدر آخر أوضح أن بعض المرشحين يتفقون لاحقًا في جولة الإعادة على تقاسم الكُلفة، مثلًا “في بعض القرى، يتفق نائبان معًا، ويوزعان الأموال بالتساوي، كل مندوب يقف أمام اللجنة ويتابع من صوّت لمن، ويتم صرف الهدايا على هذا الأساس”، بحسب تعبير أحدهم، وتصل تكلفة الصوت الواحد في بعض الحالات إلى 250 جنيهًا شاملة المبلغ النقدي والكرتونة، و”تُنسّق هذه العمليات من خلال أشخاص محددين مسؤولين عن كل 4 لجان انتخابية”.

وتجمع المصادر على أن هذه الممارسات ليست جديدة، بل تكررت في الدورات السابقة، مشيرة إلى أن “الانتخابات الماضية شهدت شراء الأصوات بنفس الطريقة، وإن كانت الأسعار أقل”، موضحة أن “في الدورة السابقة كانت تكلفة القائمة 22 مليون جنيه فقط، والتعيين بـ15 مليون”، لكنها ارتفعت بشكل كبير في الدورة الحالية، مستشهدة بحالة أحد النواب السابقين الذي توفي، قائلة إنه “كان يوزع كميات ضخمة من المواد الغذائية والنقود، لكنه بالكاد حصل على 200 صوت في أفضل الدوائر، لأنه لم يكن مدعوم من بعض الجهات.

وتؤكد مصادرنا أن: “هذه الممارسات تتم بعلم واسع من الجهات كافة، وتُمارس بشكل واسع على مستوى الجمهورية، معتمدة على استغلال الفقراء عبر الكراتين والـ 100 جنيه”، مشيرة إلى أن “عددًا كبيرًا من المرشحين يخصصون ملايين لتوزيعها على شكل مساعدات في القرى والمراكز، ضمن تحالفات مالية أكثر منها سياسية”.

تُعد الانتخابات البرلمانية المقبلة في مصر، أول استحقاق تشريعي لا يخضع للإشراف القضائي الكامل منذ عقود،وذلك بسبب انتهاء المهلة الدستورية التي نصت على إلزامية الإشراف القضائي على الانتخابات لمدة عشر سنواتفقط من تاريخ العمل بدستور 2014. وبموجب المادة 210 من الدستور، كان يُشترط أن يُشرف أحد أعضاء الهيئاتالقضائية على كل صندوق انتخابي، ضمانًا لنزاهة العملية، إلا أن هذه المادة وضعت سقفًا زمنيًا لهذا الإشراف ينتهيفي عام 2024، ما يعني أن أي انتخابات تُجرى بعد هذا التاريخ لن تكون خاضعة لهذا النوع من الرقابة القضائيةالمباشرة، ما يعزز، وفق مراقبون فرص استخدام المال السياسي وتجاوزات أخرى.

منذ عام 2015، بدأت مصر بتنظيم الانتخابات البرلمانية وفق  نظام “القائمة المغلقة المطلقة”، المثير للجدل، والذي ترفضه أحزاب المعارضة بشدة فيما تصر عليه الحكومة وأحزاب الموالاة، وفقًا لهذا القانون تُقسم فيه البلاد إلى دوائر انتخابية يُخصص لكل منها عدد محدد من المقاعد تُملأ بقوائم حزبية أو ائتلافية مغلقة، بحيث يصوّت الناخب للقائمة ككل وليس لأفراد بعينهم داخلها. وتُعد القائمة مغلقة “مطلقة” لأن الناخب لا يستطيع تغيير ترتيب الأسماء داخل القائمة أو اختيار مرشحين منها، كما أن الفوز يكون للقائمة التي تحصل على الأغلبية المطلقة من الأصوات (50% +1) لتحصد جميع مقاعد الدائرة، دون توزيع نسبي على باقي القوائم المتنافسة.

 يطبق النظام، بعد إقرار  القانون رقم 46 لسنة 2014 الخاص بمجلس النواب، والذي نص على تخصيص جزء من المقاعد (120 مقعدًا) لنظام القوائم المغلقة المطلقة، إلى جانب مقاعد أخرى يجري التنافس عليها بالنظام الفردي. وتبرر أحزاب الموالاة الاعتماد على هذا النظام بهدف ضمان تمثيل بعض الفئات المُحددة دستوريًا مثل المرأة، والشباب، والمسيحيين، وذوي الإعاقة، والمصريين بالخارج، من خلال إدراجها بشكل إلزامي داخل القوائم، بما يضمن وجودهم في البرلمان. وقد استمر هذا النظام أيضًا في انتخابات 2020 بنفس الآلية، وسط جدل حول مدى تحقيقه للعدالة التمثيلية، لا سيما أنه يعطي الأفضلية المطلقة للقائمة الفائزة ويحرم القوائم المنافسة من أي مقاعد حتى وإن حصلت على نسب تصويت مرتفعة.

وقد وثّقت منظمات حقوقية مصرية مثل مؤسسة حرية الفكر والتعبير والمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية هذه الظاهرة في تقارير متعددة، أبرزها تقرير صدر عام 2020 أشار إلى “تجاوز سقف الإنفاق الانتخابي من قبل مرشحين بشكل واسع، عبر إنفاق مبالغ ضخمة على إعلانات تلفزيونية وإذاعية، وتنظيم حفلات جماهيرية، وتوزيع سلع غذائية ومالية في الدوائر الفقيرة”. كما رصدت بعثات مراقبة الانتخابات مثل التحالف المصري لمراقبة الانتخابات ومرصد نزاهة الانتخابات تكرار تلك التجاوزات في انتخابات 2015 و2020، مع ضعف في آليات المحاسبة، رغم وجود نصوص قانونية تجرم شراء الأصوات. ويُشار إلى أن قانون مباشرة الحقوق السياسية ينص على حدود للإنفاق الانتخابي، لكن غياب الرقابة الفعالة ساهم في تحول المال السياسي إلى أداة حاسمة للفوز، خاصة في النظام الفردي الذي يعتمد على دوائر ضيقة يسهل فيها التأثير المالي والاجتماعي.

 

انتخابات الشيوخ: قائمة منفردة وعزوف سياسي

وفي انتخابات الشيوخ المزمع إجراؤها الشهر المقبل، تخوض “القائمة الوطنية من أجل مصر” الانتخابات منفردة، دون أي قوائم منافسة في الدوائر الأربع المخصصة لنظام القوائم المغلقة، وفقًا لما أعلنته الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر، الخميس الماضي، بالتزامن مع غلق باب الترشح لانتخابات مجلس الشيوخ بعد ستة أيام من تلقي طلبات المرشحين بنظام القوائم والفردي.

وفيما يتعلق بالمقاعد الفردية، البالغ عددها 100 مقعد، دفعت أحزاب مستقبل وطن، وحماة الوطن، والجبهة الوطنية مجتمعين بأكثر من 40 مرشحًا، فيما تقدم حزب الشعب الجمهوري بـ21 مرشحًا، وسجّل الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي حضورًا لافتًا بـ35 مرشحًا، بينما خاض حزب إرادة جيل المنافسة بـ33 مرشحًا، وحزب الاتحاد بـ30 مرشحًا، والأحرار بـ 28 مرشحًا، والتجمع بـ27 مرشحًا. كما شارك حزب الجيل بـ25 مرشحًا، والحرية بـ24، والعدل بـ19، والعربي الناصري بـ18، والمؤتمر بـ17، والمستقلين الجدد بـ15، والنور السلفي بـ12 مرشحًا، وحزب الوعي بـ11، في حين اكتفى حزب الوفد بتقديم 10 مرشحين فقط.

في المقابل، أعلنت الحركة المدنية الديمقراطية، وهي تكتل يضم عددًا من الأحزاب الليبرالية واليسارية، مقاطعتها الكاملة لانتخابات مجلس الشيوخ، احتجاجًا على ما وصفته بـ انعدام ضمانات النزاهة، خاصة بعد إلغاء الإشراف القضائي الكامل على مجريات التصويت، فضلاً عن اعتماد نظام القائمة المغلقة المطلقة، الذي يؤدي إلى إهدار قرابة 49% من أصوات الناخبين، ويتيح لجهة واحدة الاستحواذ على جميع المقاعد إذا حصلت على (50% +1) من الأصوات، وهو ما اعتبرته الحركة تكريسًا للإقصاء السياسي وغلقًا للمجال العام.

وتنص مواد الدستور على ضرورة إجراء انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب قبل ستين يومًا من انتهاء مدة كل منهما. ووفقًا لهذا الإطار، من المقرر أن تُجرى انتخابات الشيوخ في أغسطس، تليها انتخابات مجلس النواب في نوفمبر، يتألف مجلس الشيوخ من 300 عضو، يُنتخب ثلثهم بنظام القوائم المغلقة، وثلث آخر بالنظام الفردي، فيما يعيّن رئيس الجمهورية الثلث المتبقي. ويُلزم القانون بتخصيص ما لا يقل عن 10% من المقاعد للنساء.

 

نوصي للقراءة: استحقاق بلا أثر: انتخابات الشيوخ تقترب وسط صمت عام

 قوانين مانعة للمعارضة

من جهته يقول، طلعت خليل، منسق الحركة المدنية، وعضو المجلس الرئاسي لحزب المحافظين، إن مشهد المال السياسي في الانتخابات البرلمانية المقبلة بات متكررًا ومتصاعدًا، في ظل غياب واضح للرقابة الفعلية، مشيرًا إلى أن الإنفاق الانتخابي تجاوز الحدود المقبولة، سواء عبر الدفع للترشح على القوائم المغلقة، أو من خلال الدعاية المبالغ فيها، بل وشراء الأصوات أيضًا.

ويوضح خليل في تصريحات لمنصة زاوية ثالثة، أن المال السياسي أصبح حاضرًا بقوة في المشهد الانتخابي، خاصة خلال الاستحقاقات الأخيرة، حيث يجري توزيع الأموال بشكل كبير، وسط تراجع حاد في الإشراف والشفافية”، موضحًا أن الترشح على ما يسمى بـ”القوائم المطلقة المغلقة” التي يتبناها ما يعرف بتحالف الأحزاب الوطنية، أصبح أشبه بعملية تعيين يدفع فيها البعض مبالغ طائلة لضمان مقعد برلماني.

ويلفت منسق الحركة المدنية إلى أن الانتخابات على المقاعد الفردية تشهد هي الأخرى ممارسات مماثلة، موضحًا أن الدوائر أصبحت واسعة ومكلفة للغاية، ما دفع بعض المرشحين إلى التركيز على شراء الأصوات، خاصة في ظل العزوف الشعبي عن المشاركة السياسية. متابعًا: “المواطن فقد الثقة تمامًا في العملية الانتخابية والمؤسسات التشريعية، ما جعل تحريك الفقراء عبر الإغراء بكرتونة أو مبلغ مالي هو السلوك السائد”.

ويشدد خليل على أن تلك الممارسات تُدار من خلال شبكات منظمة تضم سماسرة، وموردي أفراد، يستغلون فقر المواطنين، بمن فيهم المستفيدون من معاش تكافل وكرامة، معبرًا عن أسفه أن يُستخدم هذا المعاش الحكومي كأداة ضغط على الفقراء لإجبارهم على التصويت”. كذلك يشير خليل إلى أن بعض الموظفين يتعرضون لضغوط مباشرة من مؤسساتهم للمشاركة في الانتخابات، مما يعكس خروجًا كاملًا عن الأطر البرلمانية التي عرفتها مصر على مدى أكثر من 160 عامًا. مؤكدًا أن ما نشهده حاليًا لا يليق بتاريخ مصر النيابي، ولا يعبر عن أي شكل من أشكال الحياة السياسية السليمة”.

وحول موقف الحركة المدنية من الانتخابات المقبلة، يقول خليل إن الحركة لم تشارك بانتخابات مجلس الشيوخ بسبب التكلفة الباهظة، وغموض المشهد، مؤكدًا أن من قاطع بالفعل هو الشعب المصري، الذي رفض الانخراط في عملية انتخابية “تقوم على قوانين تعجيزية”، على حد تعبيره.

وأضاف: “هذه القوانين لا تمنع فقط من الانتخاب، بل تمنع أيضًا من الترشح، وتغلق الباب تمامًا أمام أي فرصة للتنافس الجاد. التقسيم القائم للدوائر، الذي حصر الجمهورية في أربع دوائر فقط عبر القوائم المغلقة المطلقة، هو تقسيم مخل وطارد لأي مرشح جاد”. وبسؤاله عن موقف الحركة المدنية من الانتخابات المقبلة يشير خليل إلى أن موقف الحركة المدنية من انتخابات مجلس النواب لم يُحسم بعد، لكنه قيد الدراسة، مؤكدًا أن كل المعطيات تشير إلى استمرار نفس الإشكاليات التي دفعت إلى مقاطعة استحقاقات سابقة.

 

نوصي للقراءة: ما نعرفه عن الخلافات حول نظام الانتخابات المحلية في مصر

تغييب متعمد لإرادة المواطن

يقول أكرم إسماعيل، – القيادي بحزب العيش والحرية-، إن الانتخابات البرلمانية المقبلة تُجرى في إطار مغلق ومُحكم يُقصي إرادة الناخبين تمامًا، فيما يجري تغييب متعمد لإرادة الناس ووعيهم، بينما يُعاد إنتاج مشهد سياسي مُفصل سلفًا، مضيفًا في تصريحات خاصة مع زاوية ثالثة أن “العملية الانتخابية برمتها باتت خاضعة لترتيبات أمنية دقيقة، يتحكّم فيها من يدخل البرلمان ومن يُستبعد، بحيث لا يمر أي مرشح إلا من خلال بوابة تسيطر عليها أجهزة الدولة”.

بالإضافة إلى ذلك يؤكد، إسماعيل أن “المال السياسي لم يعد مجرد أداة ضمن أدوات التأثير، بل أصبح أحد المرتكزات الأساسية للعملية الانتخابية”، موضحًا أنه “كلما تقلّص الحضور الشعبي الحقيقي، كلما زادت كلفة شراء الصوت وتوسّع الاعتماد على الرشوة الانتخابية وتوزيع المساعدات مقابل المشاركة”، مشيرًا إلى أن “غياب المشاركة الشعبية يفتح الباب أمام ترسيخ نموذج يقوم على الحشد مقابل المال، وليس القناعة أو البرامج السياسية”.

وفيما يتعلق بالقوائم، أوضح إسماعيل أن “مقاعد البرلمان تُعرض في السوق السياسي، ومن يملك المال يستطيع حجز موقعه”، مضيفًا: “الأحزاب الموالية نفسها أصبحت تتعامل بمنطق التمويل، ومن يملك قدرة مالية أكبر يستطيع تأمين موقع على القائمة، سواء من داخل الحزب أو من خارجه”. وأشار إلى أن “الأجهزة القائمة على إدارة المشهد تعيد توزيع المقاعد بما يتماشى مع موازين قوى تم تحديدها سلفًا، وهي موازين يتحكم فيها رأس المال والولاء الأمني، لا إرادة الناخبين”.

أما عن المقاعد الفردية، فرأى إسماعيل أن “المشهد أكثر وضوحًا”، ففي ظل عزوف قطاع واسع من المواطنين عن التصويت، يتم استدعاء ناخبين معدودين عبر منظومة قائمة على الدفع المباشر، سواء على شكل مبالغ نقدية أو مساعدات غذائية، في مقابل الذهاب إلى اللجان والتصويت لصالح مرشح بعينه”. لافتًا إلى أن “هناك مواطنين لا يعلمون أصلًا بوجود انتخابات، ويتم حشدهم فقط لأن جهة ما قررت دفع المال مقابل الصوت”، مضيفًا أن “التصويت هنا لا يعبر عن إرادة سياسية، بل عن معادلة قائمة على الترتيب المسبق والمقابل المادي”.

كذلك يشير القيادي بحزب العيش والحرية إلى أن “ارتفاع تكلفة الترشح يعكس حجم التواطؤ بين المال والسياسة”، كاشفًا أن مقعد القائمة البرلمانية وصل إلى ما يقرب من 70 مليون جنيه، قائلاً: “حاولت جمع هذا المبلغ من خلال مساهمات شخصية ولكن لم أتمكن من توفير أكثر من ألفي جنيه، في مشهد يعكس الاستبعاد الكامل لمن لا يملك المال من الترشح والمنافسة”.

ويؤكد على أن البرلمان المقبل “لن يكون انعكاسًا لتوازنات مجتمعية أو سياسية حقيقية، بل نتاج قرار سياسي صريح يهدف إلى تغييب إرادة المواطنين في تشكيل مؤسسات الحكم”، مضيفًا أن “هذا التوجّه يحظى بقبول وتوافق داخل النخبة الحاكمة، ويستند إلى قناعة راسخة بأن مصر لا يجب أن تشهد انتخابات تعبّر فيها الأغلبية عن نفسها، وكلما حدث خلاف ذلك، كما في بعض النقابات المهنية، فإن النظام يعتبره استثناءً غير مرغوب فيه”.

Search