على مدار الأشهر الماضية، اشترى محمد عصام، صاحب متجر للهواتف المحمولة في مدينة المنصورة، عددًا من الأجهزة من عملاء بعد التأكد من خلوّها من الرسوم الضريبية عبر تطبيق “تليفوني” الحكومي. التطبيق أظهر أن هذه الهواتف غير خاضعة لأي ضرائب، لكن قبل أسبوع فوجئ بتعطل الشبكة عنها، بعد فرض ضرائب بأثر رجعي، رغم أن بيانات التطبيق كانت تؤكد خلوّها من أي التزامات.
لم تكن حالة محمد استثنائية؛ إذ تكررت الواقعة مع عدد كبير من التجار والمستهلكين، ما تسبب في أزمة حادة في السوق. بدأ العملاء يطالبون بإرجاع الأجهزة التي فُرضت عليها رسوم مفاجئة، بينما رفض البائعون الأصليون تحمّل المسؤولية، بحجة أن البيع تم بعد التحقق من التطبيق، وأن ما حدث لاحقًا لا يعنيهم.
يقول محمد لزاوية ثالثة: “عندما أخبر البائع الأصلي بأن الهاتف أصبح عليه ضريبة، يرد ببساطة: (تحققت وقتها ولم تكن عليه رسوم، والباقي لا يعنيني). نحن كأصحاب متاجر عالقون في المنتصف: لا نستطيع إرجاع الأجهزة للبائعين، ولا نملك حلاً مع العملاء الذين تعطلت أجهزتهم أو فوجئوا برسوم مرتفعة”.
ويضيف أن بعض الأجهزة فُرضت عليها ضرائب باهظة دون سابق إنذار، موضحًا: “جهاز واحد فقط فُرضت عليه ضريبة بقيمة 24,710 جنيهات، رغم أنني اشتريته بعد تحقق رسمي من خلوّه من الرسوم. لا يوجد أي منطق في فرض ضرائب بهذا الشكل العشوائي”.
ويرى أن هذه القرارات وضعت التجار في مواجهة مباشرة مع العملاء، الذين يطالبون بإرجاع الأجهزة أو تحميل المتجر كامل المسؤولية، مطالبًا الدولة بالتدخل السريع لإنقاذ السوق من اضطراب يهدد استقراره، ويكبّد التجار خسائر متزايدة
يشهد قطاع تجارة الهواتف المحمولة حالة من الارتباك الشديد والخسائر المتراكمة، نتيجة فرض رسوم جمركية بأثر رجعي على الأجهزة المستوردة. هذا القرار دفع عددًا كبيرًا من أصحاب المتاجر في محافظات مختلفة إلى إغلاق محالهم مؤقتًا والدخول في إضراب، احتجاجًا على ما وصفوه بالإجراءات المفاجئة.
في حديثه إلى “زاوية ثالثة”، يقول أمير شوقي، صاحب متجر للهواتف بمحافظة سوهاج، إن معظم المتاجر في المحافظة توقفت عن العمل منذ أيام بسبب الخسائر المباشرة التي لحقت بهم، مشيرًا إلى أن بعض العملاء فوجئوا بتعطل هواتفهم التي اشتروها منذ أشهر، بعد فرض رسوم جمركية عليها، ما أدى إلى تحميل التجار كامل المسؤولية.
ويتابع: “اشتريت 18 جهازًا بنفسي، وكان واضحًا من التطبيق أنها غير خاضعة لأي رسوم، لكن بعد شهر أو شهرين، فُرضت عليها ضرائب أثناء وجودها مع العميل. الزبائن لا يعترفون بأن هذه قرارات حكومية، بل يعودون إلينا مباشرة، وفي حالة مثل جهاز آيفون 13 برو ماكس، كنت قد ربحت فيه 1000 جنيه فقط، بينما فُرضت عليه ضريبة بقيمة 20,250 جنيهًا، أي عشرين ضعف هامش الربح. هذا يجعل استمرار النشاط التجاري غير ممكن”.
ويضيف أن الضرائب المفروضة على الأجهزة الثمانية عشر التي يملكها بلغت نحو 350 ألف جنيه، مقابل أرباح لا تتجاوز 18 ألفًا، قائلًا: “أنا تاجر صغير، لكن هناك تجارًا يملكون مئات الأجهزة، وخسائرهم تضاعفت بشكل هائل. منذ أن أغلقت المحل، يتواصل معي الزبائن يوميًا بسبب توقف أجهزتهم، وإذا اضطررت لتحمّل هذه المبالغ، فسأُفلس. أطلب من العملاء إما إعادة الأجهزة كما اشتروها، أو الانتظار على أمل تراجع الدولة عن القرار”.
ويؤكد أن الأضرار لا تطال التجار وحدهم، بل تمتد إلى المستهلكين الذين سيواجهون ارتفاعًا كبيرًا في أسعار الهواتف خلال الفترة المقبلة. بعض العملاء، كما يقول، توقفت أجهزتهم فجأة رغم شرائها منذ أشهر، ما أدى إلى مشادات داخل المحال، في ظل ما يصفه بـ”العشوائية في تنفيذ القرار”، موضحًا أن بعض الهواتف التي سُجلت رسميًا على جوازات السفر ودُفعت رسومها في المطارات، توقفت عن العمل، بينما استمرت أخرى مشابهة دون عوائق، في مؤشر على خلل في آلية التطبيق.
ويشرح شوقي أن القرار لا يتعلق بطراز الهاتف أو سنة تصنيعه، بل بتاريخ دخوله إلى مصر، موضحًا أن الأجهزة التي دخلت بعد الأول من يناير 2025 هي التي يشملها القرار. لكنه ينتقد طريقة الحصر، مؤكدًا أن بعض الأجهزة تم تركيب شرائح مصرية بها قبل تسجيلها رسميًا، فاعتُبرت مخالفة رغم دفع الرسوم. ويقول: “لو كانت هناك ضريبة موحدة، حتى إن بلغت 10 آلاف جنيه على جهاز آيفون 13 برو ماكس، لأمكننا التعامل معها. لكن شراء جهاز بسعر 62 ألف جنيه ثم فرض ضريبة قدرها 20,500 جنيه يمثل عبئًا لا يمكن احتماله. نحن كتجار في أزمة حقيقية، ونطالب بحل عادل، لأن استمرار القرار بهذه الصيغة يهدد بتدمير القطاع بأكمله”.
واجه أحمد رأفت، صاحب محل لبيع الهواتف المحمولة بمحافظة أسيوط، خسائر مشابهة عقب فرض الضريبة بأثر رجعي على الهواتف، ما دفعه إلى إغلاق متجره والسفر خارج المحافظة لبضعة أيام، لتجنّب المواجهات مع العملاء الذين طالبوه بإرجاع الأجهزة التي اشتروها خلال الأشهر الماضية، بعد فرض رسوم لم تكن معلنة وقت الشراء.
يؤكد أحمد أن عددًا من المحال دخل في حالة إضراب منذ أيام احتجاجًا على القرار المفاجئ. ويقول في حديثه إلى “زاوية ثالثة”: “اشترينا الهواتف من عملاء وتجار، وسجلناها عبر البرنامج الرسمي للهيئة القومية للاتصالات، وكانت غير خاضعة للضريبة، فبعناها بسعر السوق على هذا الأساس. ثم تفاجأنا بفرض الضريبة بأثر رجعي على أجهزة سبق تفعيلها في المطارات باستخدام جوازات السفر، مما وضعنا في موقف معقد”.
ورغم أنه لا يستطيع تحديد حجم الخسائر التي لحقت بمحله بدقة، إلا أنه يعرب عن استيائه من الطريقة التي طُبّق بها القرار، دون سابق إنذار أو توضيح رسمي، ما ترك أصحاب المحال في حالة من الارتباك، عاجزين عن طمأنة الزبائن أو الحد من الخسائر.

وعلى مدار الأسبوع الماضي، أثارت رسائل تلقاها العديد من مستخدمو الهواتف المحمولة، من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، يطالبهم فيه بسداد رسوم جمركية على هواتف تم تشغيلها بشرائح محلية دون تسجيل، حالة من الفوضى في سوق المحمول، كونها جاءت رغم تأكيدات سابقة بعدم تطبيق القرار بأثر رجعي على الأجهزة المفعّلة قبل 1 يناير 2025، الأمر الذي دفع كثيرًا من التجار إلى إعلان الإضراب وإغلاق متاجرهم بشكل مؤقت.
وكانت السلطات المصرية قد دشنت في نهاية ديسمبر الماضي منظومة لتسجيل وتقنين الهواتف القادمة من الخارج لدفع الضريبة الجمركية عليها، باسم تطبيق “تليفوني”، وحددت مصلحة الجمارك الرسوم المفروضة على الهواتف القادمة من الخارج بقيمة تمثل 38% من سعر الهاتف، على أن تطُبق على الهاتف الثاني للمالك.
وفي يناير الماضي، أعلن الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، عن تفعيل منظومة إلكترونية لتسجيل الهواتف الذكية المستوردة عبر تطبيق “تليفوني” وتحصيل الرسوم المفروضة عليه، وأمهل مالكي الهواتف المحمول المستوردة فترة 90 يومًا من تاريخ تفعيل القرار لتسديد الرسوم المفروضة على الهاتف في حال كان مقيم بمصر، أو المغادرة وبرفقته هاتفه إذا كان زائرًا.
و في الـ5 من أبريل المنقضي، دعا الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، المستخدمين المستحق عليهم رسوم أجهزة الهاتف المحمول، إلى سرعة سداد تلك الرسوم، مُبينًا أنه يتبقى يومان على انتهاء المدة المحددة قبل قيام الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بإيقاف الأجهزة المخالفة وغير مُسدَدة الرسوم عن العمل، على كافة شبكات المحمول العاملة في مصر.
نوصي للقراءة: تطبيق تليفوني:الرجاء دفع 38.5% ضريبة على هاتفك المحمول
المصريون في الخارج
لم تقتصر الخسائر المادية على التجار والمستهلكين داخل مصر، بل طالت أيضًا العديد من المصريين المقيمين في الخارج، الذين فوجئوا بفرض رسوم ضريبية على هواتفهم المحمولة رغم استخدامها خارج البلاد.
أحمد علي، المقيم خارج مصر، أعرب لـ”زاوية ثالثة” عن استيائه من فرض ضريبة على هاتفه رغم أنه لم يدخل الأراضي المصرية، مشيرًا إلى أن الهاتف استخدم فقط عبر خدمة التجوال باستخدام شريحة تابعة لإحدى الشبكات المصرية. يقول: “أنا مقيم بالخارج، ولا أزور مصر سوى شهر واحد سنويًا. أستخدم خطًا مصريًا أثناء وجودي بالخارج عبر التجوال الدولي، فكيف يُفرض عليّ ضريبة على جهاز لم يُشغّل داخل مصر؟ مجرد الاتصال بشبكة مصرية أثناء التجوال لا يعني دخولي البلاد”.
ويُعرب أحمد عن تساؤله بشأن عدالة فرض الضريبة على استخدام الهاتف أثناء فترة إجازته القصيرة، موضحًا: “حتى في حال استخدامي للهاتف داخل مصر، فلا يتجاوز ذلك شهرًا واحدًا كل عام. من المنطقي أن يُدرج المغتربون ضمن حالات الإعفاء المؤقت، خاصة أن كثيرًا منهم لا يُدخل أجهزة جديدة بشكل دوري، بل يستخدم هواتفه الشخصية أثناء الإجازة فقط”. ويقترح تفعيل آلية تتيح للمغتربين إعفاءً مدته ثلاثة أشهر قابلة للتجديد خلال كل زيارة، على أن يتم تسجيل الأجهزة ببيانات الرقم القومي أو جواز السفر، لضمان الشفافية وحفظ حقوق الدولة والمواطن.
من جهتها، تشكو أروى عادل، وهي مصرية مقيمة بالخارج، من الطريقة التي يُطبق بها قرار الضريبة على الهواتف المحمولة، لاسيما في ما يتعلق بالزائرين لفترات قصيرة. وتروي لـ”زاوية ثالثة” أنها وصلت إلى مصر في الأول من يوليو الماضي، واستخدمت الشريحة المصرية فور وصولها للاطمئنان على عائلتها، ثم سجلت الهاتف أثناء مغادرتها المطار. وتضيف: “الموظفة أخبرتني أن الأمور سليمة، لكن بعد نحو شهرين وصلتني رسالة تفيد بفرض ضريبة على هاتفي، مع مهلة 90 يومًا للسداد. تواصلت مع خدمة الشكاوى، فأبلغوني أن السبب هو استخدام الشريحة قبل إتمام التسجيل، رغم أنني قمت به في نفس يوم الوصول”.
وتتساءل عن سبب غياب تعليمات واضحة تُبلغ الزائرين بعدم استخدام الشريحة قبل التسجيل، موضحة أن الشريحة المصرية نفسها تُغلق تلقائيًا إذا لم تُستخدم لمدة ثلاثة أشهر، مما يُجبر المغترب على استخدامها فور وصوله. وتؤكد صعوبة الوصول إلى الجهات المختصة، مشيرة إلى أنها أرسلت رسائل عبر واتساب للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، واتصلت بالأرقام الرسمية دون تلقي رد. وتطالب أروى بوضع آلية مبسطة لتسجيل أجهزة المغتربين، تضمن حقهم في الإعفاء المؤقت، وتُجنّبهم الإجراءات المفاجئة التي تعيق استخدامهم لهواتفهم أثناء الزيارات القصيرة.
نوصي للقراءة: “نقطة الفشل الواحدة”: كيف يعيق احتكار “المصرية للاتصالات” التحول الرقمي في مصر؟

حماية السوق ومنع التهريب
وفي سياق متصل أكدت شعبة المحمول والاتصالات بالغرفة التجارية، دعمها الكامل لجهود الدولة في تنظيم حوكمة دخول واستيراد أجهزة التليفون المحمول، بما يسهم في تعزيز الانضباط داخل السوق المصري ومكافحة الممارسات العشوائية، مؤكدة في بيان لها، نشرته في 26 يوليو الجاري، على أهمية تنفيذ ما أعلنه الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، خلال المؤتمر الصحفي، وما تم نشره عبر الصفحة الرسمية لرئاسة مجلس الوزراء، وكذلك الصفحة الرسمية للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، بشأن عدم تطبيق القرار بأثر رجعي.
وشددت الشعبة على ضرورة الالتزام الصارم بهذا التوضيح الحكومي، حرصًا على مصالح التجار والمستوردين الذين التزموا بالإجراءات القانونية المعمول بها قبل صدور القرار، وتفاديًا لأي أضرار مادية قد تلحق بهم نتيجة تطبيق القرار على شحنات سابقة للوائح الجديدة، معربةً عن تطلعها لاستمرار التنسيق مع الجهات المعنية بما يحقق التوازن بين ضبط السوق ودعم قطاع الاتصالات، الذي يعد من أهم القطاعات الحيوية في الاقتصاد المصري.
بدوره اعتبر المهندس إيهاب سعيد، رئيس الشعبة العامة للاتصالات والتكنولوجيا المالية باتحاد الغرف التجارية، أن قرار الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بشأن فرض ضريبة على الهواتف المستوردة يهدف إلى منع التهريب وتنظيم السوق وحماية التجار النظاميين من المنافسة غير الشرعية، مُبينًا أن الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات أعلن منذ بداية العام عن تطبيق القرار، ومنح فترة سماح لمدة ثلاثة أشهر، وخلال هذه الفترة، تم التأكيد على أن الهواتف التي تُدفع عنها الضريبة ستُفعل عليها الخدمة، بينما سيتم حجب الخدمة عن الهواتف التي لم تُسدد عنها الضريبة.
يقول لـ”زاوية ثالثة”: “معظم الهواتف التي واجهت مشكلات في تحصيل الضريبة تم شراؤها من أفراد عاديين عائدين من الخارج، دون فواتير رسمية، وهو ما يتنافى مع الممارسات التجارية السليمة، فعلى التاجر أن يضمن حقوقه بشراء الأجهزة من وكلاء أو مستوردين رسميين وبفواتير معتمدة، تمامًا كما يُطلب من المستهلك الاحتفاظ بفاتورة الشراء”.
ويشير رئيس الشعبة إلى أن بعض التجار لجؤوا إلى التحايل خلال فترة السماح، من خلال إدخال شرائح اتصال إلى الهواتف غير المسجلة، ثم إعادتها إلى واجهات العرض، في محاولة لتجاوز النظام، وهو ما اعتبره تلاعبًا غير مقبول، مؤكدًا أن الدولة تسعى من خلال هذا القرار إلى تنظيم سوق الهواتف المحمولة وضمان عدالة المنافسة بين التجار، مشددًا على ضرورة أن يلتزم التجار بشراء الأجهزة من مصادر موثوقة وبفواتير رسمية، والرضا بهوامش الربح الطبيعية حفاظًا على حقوقهم وحقوق عملائهم.
وفيما يتعلق بظهور بعض الهواتف في تطبيق الجهاز القومي على أنها معفاة من الضريبة ثم تغير وضعها لاحقًا، أوضح سعيد أن النظام استقبل نحو 690 ألف هاتف، كان من بينها 60 ألف جهاز محل شك، ليُكتشف لاحقًا أن المشكلة تنحصر في 13 ألف جهاز فقط، مشيرًا إلى أن بعض الأفراد لجأوا إلى إخراج الهواتف من مصر ثم إعادتها بغرض التحايل على القرار والحصول على الإعفاء، إلا أن هذه المحاولات لا تنجح في ظل الرقابة الرقمية التي تتيح متابعة دقيقة عبر شركات الاتصالات ونظام التسجيل الموحد، الذي لا يترك مجالًا للتحايل، مما يعزز من كفاءة تطبيق الضوابط الجديدة ويحقق مصلحة السوق والمستهلك معًا.
من جهته أكد الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، على استمرار الإعفاء لأي جهاز تليفون محمول يتم دخوله للبلاد بصحبة راكب من خلال الدوائر الجمركية وذلك خلال الفترة التجريبية التي تم الإعلان عنها مع بدء إطلاق منظومة حوكمة التليفون المحمول، كاشفًا عن أن عدد الأجهزة التي تم اعفائها بصحبة الركاب القادمين من خارج البلاد يقدر بنحو 650 ألف جهاز محمول منذ بداية العام وحتى تاريخه.
وقال الجهاز ، في بيان له، – حول مستجدات إجراءات منظومة حوكمة التليفون المحمول، وما أثير حول إيقاف أجهزة المحمول الواردة بصحبة راكب من خارج البلاد بأثر رجعي وإيقاف الإعفاءات المقررة في هذا الشأن -، أنه “في ضوء المتابعة الدورية لمنظومة حوكمة التليفون المحمول، فقد تم رصد عدد من حالات التلاعب والاحتيال في هذا الشأن مما نتج عنه وقف عدد من الأجهزة التي تقدر بنحو 60 ألف جهاز للاشتباه في عدم استحقاقها للاعفاء وقد تم إيقاف هذه الأجهزة لحين انتهاء إجراءات الفحص”.
وأوضح البيان أن الجهاز قام بدراسة وتحليل تلك الحالات خلال الأيام الماضية حيث تم التأكد من وجود حالات تلاعب واحتيال لعدد 13 ألف جهاز حصلت على إعفاءات بطرق غير مشروعة وبالمخالفة للإجراءات التنظيمية الصادرة في هذا الشأن بما يستدعي استمرار وقف تلك الأجهزة، كما تم التأكد من مشروعية استحقاق عدد 47 ألف جهاز محمول للإعفاء وقد تم إعادة تشغيل تلك الأجهزة.
نوصي للقراءة: قانون مراقبة الاتصالات في مصر: أداة للأمن أم سيف على الخصوصية؟
لا ضريبة بأثر رجعي
من ناحيتها أكدت جمعية خبراء الضرائب والاستثمار أن تطبيق الضريبة على أجهزة المحمول المستوردة من الخارج لا يجوز أن يسري بأثر رجعي، لما في ذلك من مخالفة دستورية وتأثير سلبي على سمعة مصر الدولية، مشددة ، في بيان لها، على ضرورة الالتزام بما أعلنه الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، بأن الأجهزة المسجلة قبل 1 يناير الماضي غير خاضعة للضريبة.
وفي تصريحات لـ”زاوية ثالثة” أكد أشرف عبد الغني، رئيس جمعية خبراء الضرائب والاستثمار، أن الضريبة المفروضة على الهواتف المحمولة المستوردة من الخارج لا تُطبق بأثر رجعي، موضحًا أن تاريخ نفاذ القرار هو يناير 2024، ولا يجوز قانونًا فرض أية ضرائب على الأجهزة التي دخلت البلاد قبل هذا التاريخ.
وأوضح عبد الغني، أن جمعية خبراء الضرائب شددت في بيانها الصادر الجمعة الماضي على ضرورة احترام المبادئ الضريبية المستقرة، التي تنص على أن سريان أي ضريبة يبدأ من تاريخ صدور القانون ولا يمتد إلى الماضي، وهو ما تم تأكيده سابقًا من قبل وزارة المالية ومجلس الوزراء، مشيرًا إلى أن الجمعية طالبت أيضًا في بيانها بتعديل نظام الإعفاء الجمركي الممنوح للهاتف الشخصي، ليصبح مرة كل ثلاث سنوات بدلًا من مرة واحدة في العمر، مبررًا ذلك بالتطور السريع في صناعة الهواتف، الذي يدفع المستخدمين إلى تغيير أجهزتهم خلال فترات زمنية قصيرة.
يقول: “فيما يخص الأزمة التي نشأت بسبب ظهور ضرائب على هواتف كانت مصنفة مسبقًا بأنها غير خاضعة، قال عبد الغني إن الجهات المعنية أجرت حصرًا شاملًا أدى إلى إيقاف 60 ألف خط هاتفي مؤقتًا، ثم إعادة تشغيل 45 ألف خط بعد مراجعة البيانات، فيما لا تزال هناك 13 ألف حالة مخالفة يتم التحقق منها”.
وأوضح رئيس الجمعية أن هذه المخالفات قد تنتج عن محاولات للتحايل من بعض الأطراف، مثل إدخال هواتف إلى البلاد بعد التاريخ المحدد ومحاولة إثبات دخولها قبل ذلك لتجنب سداد الضريبة، مشيرًا إلى أن هذا ما تسبب في تضارب بيانات تطبيق “تليفوني” التابع للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، الذي قد يُظهر إعفاءات غير دقيقة، لافتًا إلى أن قيمة الضريبة على الهواتف المستوردة تبلغ 38.5% من قيمة الجهاز، موزعة على النحو التالي:14% ضريبة قيمة مضافة، 10% رسوم جمركية، 5% رسم تنمية موارد الدولة، 5% رسوم للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات.
واعتبر عبد الغني أن هذه النسبة المرتفعة تهدف إلى تشجيع شراء الهواتف المُنتجة محليًا، مشيرًا إلى أن هناك مصانع في مصر تغطي حاليًا 80% من احتياجات السوق المحلي، من بينها شركات عالمية تعمل بموجب تراخيص إنتاج محلي، مثل “سامسونج” و”أوبو”، مشددًا على أن هذه السياسة تهدف إلى دعم الصناعة الوطنية وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وبالتالي المساهمة في الحفاظ على احتياطي النقد الأجنبي عبر تقليل الضغط على الدولار.
وفيما يخص الإضرابات التي نظّمها أصحاب متاجر الهواتف المحمولة في عدد من المحافظات، ومن بينها البحيرة والمنوفية وأسيوط وسوهاج، أوضح عبد الغني أن الأزمة ناجمة عن سوء الفهم أو التلاعب في تواريخ دخول الأجهزة، مشيرًا إلى أن من يُدخل هاتفًا دون سداد ضريبته ثم يحتج بالإضراب هو من يتحمل مسؤولية المخالفة، مختتمًا تصريحاته بالتأكيد على دعم الجمعية الكامل لتطبيق القانون، وعلى أهمية تحمّل المسؤولية من جميع الأطراف، بما يحقق التوازن بين حماية حقوق المستهلكين، وتشجيع المنتج المحلي، وضمان العدالة الضريبية في السوق المصري.
فيما يرى الدكتور عادل عامر، الخبير القانوني والاقتصادي ورئيس مركز المصريين للدراسات الاقتصادية والاجتماعية، أن الضريبة المفروضة على الهواتف المحمولة المستوردة لا تطبق بأثر رجعي كما يتداول البعض، وإنما تسري فقط على الأجهزة التي دخلت البلاد بعد الأول من يناير 2024، معتبرًا أن القرار يأتي في إطار خطة الدولة لمواجهة تهريب الهواتف المحمولة، وضبط عملية تسجيل وتفعيل الأجهزة المستوردة من الخارج داخل الشبكات المصرية، وذلك عبر نظام جمركي جديد أقرّته وزارة المالية بالتنسيق مع الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات.
يقول لـ”زاوية ثالثة”: “الضريبة البالغة نسبتها 38.5% تشمل عدة مكونات، وهي: 14% ضريبة قيمة مضافة ، 10% رسوم جمركية، 5% رسم تنمية موارد الدولة، 5% رسوم للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، وهو معدل ثابت يُطبّق بمجرد تشغيل الهاتف باستخدام شريحة مصرية داخل البلاد، إذا لم يكن قد تم الإفصاح عنه رسميًا عند دخوله الأراضي المصرية”، مشيرًا إلى أنه يُسمح قانونًا لأي مواطن قادم من الخارج بإدخال هاتف شخصي واحد معفى من الضرائب كل ثلاث سنوات، بشرط الإفصاح عنه لدى موظفي الجمارك في المطار، وعدم تفعيله على الشبكة المصرية.
ويضيف: “طالما ظل الهاتف غير مسجّل أو يعمل على شريحة أجنبية، فإنه لا يخضع للضريبة. لكن بمجرد تركيب شريحة مصرية به، يتم تطبيق الضريبة فورًا، والقرار لا يميز بين الأجهزة الحديثة والمستعملة؛ فكل هاتف مستورد من الخارج لم يتم تسجيل دخوله أو تشغيله على الشبكة المصرية قبل 1 يناير 2024، يخضع للضريبة بغض النظر عن سنة تصنيعه أو حالته، وهذا ينطبق على جميع الهواتف “غير المحلية، بينما تُستثنى الهواتف المصنعة داخل مصر من هذه الإجراءات.
وحول الجدل المثار بشأن الرسائل السابقة الصادرة عن تطبيق “تليفوني” التابع للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، والتي كانت تشير إلى أن بعض الهواتف غير خاضعة للضرائب، يوضح عامر أن التقييم الضريبي لا يُحدده التطبيق وحده، بل يتم بناءً على تاريخ تفعيل الجهاز بالشبكة المحلية وبيانات دخوله إلى البلاد، وهو ما يجري الآن تطبيقه بصرامة لتقليل الفجوات التي استُغلت في التهريب، مشيرًا إلى أن بعض التجار لم يلتزموا بإجراءات الإفصاح والسداد، ما أدى إلى فرض الضرائب لاحقًا عند رصد تشغيل هذه الأجهزة، مؤكدًا أن القانون لا يتضمن تطبيق الضرائب بأثر رجعي، وإنما يُفعّل الضريبة بمجرد تحقق شروط سريانها، ومنها التاريخ والتفعيل بالشبكة.
ويختتم عامر تصريحاته بالتأكيد على ضرورة وعي التجار والمستهلكين بالضوابط القانونية، قائلاً: “المشكلة ليست في القانون ذاته، وإنما في عدم الالتزام بالإجراءات من البداية، وعلى من يتضرر أن يلجأ إلى الجهات المختصة لتقديم ما يثبت موقفه”.
تحرك برلماني
تزامنًا مع الأزمة توجه البرلماني الدكتور هشام حسين، عضو مجلس النواب، بسؤال برلماني إلى الحكومة ممثلة في وزارة المالية بشأن إشكالية تطبيق الضريبة على الهواتف المحمولة المستوردة من الخارج بأثر رجعي، مشيرًا إلى أن شعبة الاتصالات والمحمول بالغرفة التجارية بالقاهرة، اشتكت من قرار تطبيق الضريبة على الهواتف المحمولة بأثر رجعي، معلنة الرفض التام لهذا القرار، لاسيما وأن يتعارض مع ما أكد عليه رئيس مجلس الوزراء، في هذا الشأن بأن تطبيق الضريبة لن يكون بأثر رجعي.
يقول النائب: “نحن نتفق مع قرار تطبيق الرسوم الجمركية على الهواتف المحمولة المستوردة من الخارج بنسبة 38% من قيمة الهاتف، والذي يأتي ضمن إجراءات المنظومة الإلكترونية التي أطلقتها الحكومة في يناير العام الجاري والتي تهدف إلى تقليل خسائر الخزانة العامة للدولة بسبب التهرب الجمركي”.، مؤكدًا أن الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، أطلق خدمات التعرف على وجود ضريبة على الهواتف من عدمه، إلا أن الإشكالية تتمثل في التطبيق بأثر رجعي.
ويوضح النائب أن تطبيق الضريبة بأثر رجعي على الهواتف المستوردة يتسبب في إشكالية كبيرة، لاسيما وأن عدد كبير من المستخدمين قاموا بشراء الهواتف بطرق مشروعة وبأسعار كبيرة، وتطبيق الضريبة مرة أخرى أمر غير مقبول، مطالبًا الحكومة بضرورة مراجعة وزارة المالية، في أهمية الالتزام بقرار تحصيل الضريبة ولكن بدون أثر رجعي.
وفي خضم الأزمة التي أثارها تطبيق الضريبة على بعض الهواتف المستوردة، يجد التجار والمستهلكون أنفسهم محاصرين في أزمة يرجعها بعضهم إلى تطبيقات غير دقيقة للقرار، وبين واقع اقتصادي لا يحتمل مزيدًا من الأعباء، وبينما تتمسك الدولة بمبرراتها في مواجهة التهريب وتنظيم السوق، تتعالى أصوات المتضررين من ما أعتبروه سوء تنفيذ، مطالبين بحلول عادلة تحمي حقوقهم وتحفظ استقرار أحد أكثر القطاعات حيوية في السوق المصري، ومع استمرار الإضرابات وتصاعد الغضب، يبقى مستقبل قطاع تجارة الهواتف المحمولة معلقًا بين الحاجة إلى ضبط الفوضى، وضرورة إنقاذ ما تبقى من الثقة في العلاقة بين المواطن والدولة.