الرهبان الدواعش

419

مؤكد أنك قرأت كل الأخبار المتعلقة بمقتل الأنبا إبيفانيوس، رئيس دير أبو مقار، الذي توفي فجر الأحد، الموافق 29 يوليو الماضي، ووصلت إلى حل لغز الجريمة، بعدما قررت نيابة استئناف الإسكندرية حبس الراهب المجرد إشعياء المقاري 4 أيام على ذمة التحقيقات بتهمة قتل الأنبا إبيفانيوس، وأتوقع أنك شاهدت صورة المتهم أثناء تمثيل الجريمة، لذلك لست في حاجة إلى معلومات أخرى، فالمقتول دُفن، والقاتل يحاسب، وخلال أيام سوف تنسى القصة المشوقة وتجري وراء أخرى.. لكن مع الأسف حالي مختلف عنك، فلن أستطيع نسيانها مثلك.. فيالك من محظوظ!

تسأل لماذا لا أستطيع نسيان الحادث؟ لأني شعرت بصدمة كبيرة لحظة قراءة الخبر، جعلتني صامتة أيامًا، أحاول إظهار عدم مبالاتي بالأمر، لتجنب الخوض في نقاش مع أحد، وسماع الجملة التي كانت أكثر تداولا: "شفت بيقولوا راهب قتل راهب في الدير.. الرهبان طلعوا دواعش"، أو لأنه لم يعطني فرصة للحزن على الأب القتيل، بسبب التركيز في التفكير على هوية القاتل، وأتمنى أن يكون عاملا أو إرهابيا أو أي شخص آخر خارج الدير، أغلب المسيحيين تمنوا ذلك، خوفا من الفضيحة والشماتة والصدمة في الرهبان.

محتمل، لأني تربيت داخل أسرة تضع الجلابية السوة وكل من يرتديها في هالة التقدير واحترام، والحادث أطفأها، أصبحت أفكر كل ثانية، مع نفسي، في الرهبان الذين اعتادوا على زيارتنا، هل أقوم باستقبالهم كالمعتاد وأنحني بتهيب وإجلال، أم عند رؤيتهم سأقول لأحدهم: "ممكن تقتل أخوك؟!"

قد يكون بسبب أن الحادث أزال الصورة الرائعة التي كانت مرسومة في خيالي عن الرهبنة والرهبان، كنت أظن أنهم ملائكة الله على الأرض، لا يخطئون، لايسَرِقونَ، لاَ يطَمَّعُونَ، لاَ يزنون، لا يشهدون بالزور، لا يقتلون، أو لأن الحادث نسخ معاشة من قصة يهوذا الخائن، التلميذ الذي تآمر على معلمه وسلمه لليهود ليصلبوه، وانتحر عقب الصلب لشعوره بالذنب.. اعتادوا على أن يروونها لنا في الكنيسة، ربما كانوا يؤهلوننا نفسيًا إلى أن نتحمل مثل هذه الأحداث!

ربما، لأن الحادث كسر جزء من التابلوه الجميل، المرسوم لدي عن أسد الكرازة المرقسية البابا شنودة الثالث، خالق الكراهية بين رهبان داخل دير أنبا مقار بعد وفاة رئيسه الأول متى المسكين، حتى لا أحمل فكرك بخلافات سياسية وعقائدية، فالأمر كان كالتالي.. راهب لديه فكر عقائدي مختلف، أخذ 12 راهب وذهبوا إلى صحراء وادي النطرون، م الوقت ومرور السنين تحولت القلالي إلى دير كبير، له قوانين خاصة، وفكر ومنهج مختلف عن بقية الأديرة، و يختلف معها شنودة.

بعد موت متى المسكين، تدخل شنودة في شؤون الدير، برسم رهبان جدد يتبعون منهجه العقائدي، على أمل التخلص من فكر متى المسكين وتلاميذه، ليتحول الدير مع الوقت إلى منصة صراع بين تلاميذ نهجين مختلفين، مات شنودة وظل الصراع والكره في قلوب تلاميذه نحو الآخرين، وفي قلوبنا نحوه سؤال.. لماذا؟ أو لأن الحادث أكد لي أن البابا تواضروس يسير على درج الرؤساء، في التعتيم عن الحقيقة، والبطء في أخذ القرارات، والاكتفاء بالبياات عن تكذيب الأخبار المتداولة وليس لتوضيح تفاصيل الحادث، نعم انتظرت منه اسغلال العظة الأسبوعية في توضيح تفاصيل الحادث، أو توضيح نقاط الصراع العقائدي بين الكنيسة ودير أبو مقار، لكنه اكتفى بتسكين الشعب بالحديث عن يهوذا الخائن.

 تعرف لم الحادث صعب نسيانه؟ لأنه بكل بساطة كشف لي عن الوجه الآخر للرهبان، وأكد أنهم بشر عاديين، أثبت أن بين صفوفهم القاتل والزاني والسارق، صارحني على تاريخ صراع عقائدي، جعلني لا أصدق المبررات الساذجة التي يقولها الآباء (طوائف من برا عايزين يعملوا انشقاق في الكنيسة)، حولني حرة فكريا لا أنساق خلف ما يقال من أفواه الآباء والأساقفة، أزال القشور عن عيني، أنار طريق المعرفة الذاتية في سبيل الوصول إلى الحقيقة والتخلص من الكذب والشائعات والمتاهات.

حقيقي.. مقتل الأنبا إبيفانيوس كان درسا قويا، علمني أن لا أضع أحدا في تابلوه مُزين لأنه مُحتمل الكسر، وكسره سوف يخلق جرحًا صعب التئامه، لذلك عليك أنت الآخر أن تتحرر من التابلوهات التي تحيط بعقلك وتمنعك من تصديق الحقيقة، عليك أن تعترف أن الجلابية السودة ليست معفية من الخطأ، أزل تعصبك الأعمى لدينك وابحث عن الحقيقة وصدقها، لا تتجاهل الأحداث من حولك وتقول "مش حابب أفقد سلاي"، السلام الحقيقي يأتي من معرفة الحقيقة وليس الغفلة عنها.

تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك