أفكارنا عن الجنس .. وواقعنا الاجتماعي والسياسي

410

      تحكمنا طريقة تفكيرنا العميقة جدًا، الواعية حينًا، واللاواعية أحيانًا كثيرة في الجنس. أفكارنا المترسبة عن الجنس كمجتمع هي المحدد الحقيقي لشكل نظامنا السياسي، والاجتماعي. مفهومنا عن الأدوار داخل الحياة الجنسة للأفراد، والتوقعات الموضوعة علي عاتقهم لهذه الأدوار تملي كثيرًا من قواعد مجتمعنا، ودولتنا في كافة جوانبها. ونظرًا للتشوه والمسخ البشع في صورتنا عن الأدوار، وشكل الحياة الجنسية المرسومة للأفراد نجد واقعنا السياسي، والاجتماعي هو الاخر مسخ قذر مشوه. 

          أفكار غالبية مجتمعنا عن الجنس تتلخص في الاّتي. أولاً: الجنس بالنسبة لغالبية المجتمع هو الإيلاج؛ وعملية إختراق القضيب الذكري للمهبل الأنثوي (أو الشرج الأنثوي في حالة الخوف علي وهم العذرية) أما أنواع الجنس الأخري اأكثر توازنًا مثل الجنس الفموي، والقبلات، والأحضان، واللمسات الجنسية فتعتبر كلها بمثابة مجرد تجهيز للفعل المنتظر "الإيلاج" أو تصبيرات حتي بلوغ "الإيلاج" في حالة إمتناعه حتي الزواج. ثانيًا: الإيلاج مفهومه غالبًا عبارة عن إختراق جزء قوي من جسد الرجل لفتحة في جسد المرأة بهدف إثبات القدرة الجنسية، والقوة، والذكورة (التي ترتدي زي الرجولة). وكثيرًا ما ينظر لقيمة الرجل وأهميته في قدرته التي تثبت في الإيلاج خاصة إذا استطاع تكرار الأمر أكثر من مرة في فترة قصيرة نسبيًا. قيمة الرجل، ورجولته، وهويته الثقافية، والجندرية، ومكانته الاجتماعية كثيرًا منها يعتمد بشكل كبير عي قدرته في إختراق المرأة. ثالثًا: الإيلاج هو إظهار حقيقة قدرة الرجل علي إخضاع المرأة -بل وفي عين كثير من النساء أنفسهن- تظهر مدي رجولته في مدي قدرته علي إذلال المرأة باختراقها أكثر، وأكثر. رابعًا: المتعة الجنسية مطلوبة للرجل أكثر من المرأة ولكن في كل الأحوال فالأولوية لإثبات الرجل لقدرته علي الإختراق أكثر من متعته الجنسية.  خامسًا: العلاقة الجنسية فعل قذر، ولكنه ضرورة لكل رجل، وفي حالة عدم إتيانه من الرجل في علاقة شرعية، سيكون الرجل مضطرًا لإشباع هذا الجوع الحيواني بطريقة غير شرعية.

         هذه الأفكار قد تبدو بسيطة، ومقتصر تأثيرها علي الحياة الجنسية للأفراد، وربما تمتد تأثيراتها لتشمل نظرة الرجل مثلاً إلي المرأة كجسد يتمتع به. لكن الحقيقة أن هذه الأفكار هي الأساس العميق الذي يحكم كل صغيرة، وكبيرة في المجتمع، والدولة. فمثلاً النظرة لقيمة الرجل في قضيبه هي التي تملي رفض الحريات الجنسية للمثليين؛ لأنهم يخالفون الدور المرسوم للرجل كمخترق، بل ويرخصون أنفسهم ليصيروا هم في مكان المرأة ككائن مخترق. هذه النظرة تدنو بقيمة المرأة؛ لأن الأنثي تظل أبدًا بحكم طبيعة أعضائها التناسلية أضعف، وأدني من الذكر، وغير مستحقة لذات المكانة؛ فهي دائمًا ستظل الطرف المخترق، والطرف العاجز عن الإختراق. هذه النظرة كذلك تمع الرجل؛ لأن الرجل يطلب منه دائمًا أن يكون مناسبًا لدوره كقاهر؛ لذلك فيسلب تمامًا أي حق له في الضعف؛ فالضعف لا يتناسب أبدًا مع هذا الدور الجنسي. والرجل الذي يفتقر لقدراته الجنسية لا يعتبر مستحقًا للقيمة، والمكانة مهما علا؛ فالقيمة يستمدها من قضيبه؛ وحتي امرأته ستتأثر نظرتها له بقدرة ذلك القضيب.

          هذه النظرة تبرر التحرش، والاغتصاب؛ لأن الرجل الذي يعجز عن إشباع طبيعته الوحشية في ضرورة إختراق مهبل المرأة يجب أن يجد بديلاً يشبع به الوحش القابع داخله. ولذلك يتسامح المجتمع مع خطئه؛ فلا أحد يحاسب وحشًا جائعًا؛ إذا قدم له العشب بدل اللحم لينهشه. الزواج اجتماعيًا ليس إلا قطعة لحم تقدم للوحش ليظل يأكل فيها، ولا يخرج من قفصه لإلتهام لحومًا جاهزة لوحوش اّخرين. مكانة المرأة طبيعي أن تكون متدنية؛ فهي ليست فقط لحمًا للوحش بل هي أحقر من ذلك. المرأة هي قطعة لحم طبيعتها أن تتلذذ بتقطيع الوحش لها؛ وتقدر قيمته كوحش بدرجة تقطيعه، ومهارتها. في هذه الصورة طبيعة الرجل والمرأة تملي عليهم علاقة الوحش، والفريسة، وأي شكل أرق للعلاقة هو مخالفة للطبيعة، وإخلال بنظام الكون، وإفساد للمجتمع ككل.

          المجتمع الذي يفكر بهذه الطريقة؛ كثيرًا ما يرفض الأضعف دائمًا، ويشجع منطق القوة. المجتمع، والدولة اللذان يحملان في لاوعيهما الجمعي هذه الصورة للجنس يفرضان بعنف نموذج هذه الصورة المكبر علي الوضع الاجتماعي، والسياسي. فعندما يرفض إرتباط امرأة من الأغلبية برجل من الاقلية يكون ذلك هو رفض لإختراق الأضعف، والأدني للأعلي في البنيان الاجتماعي، والسياسي مثل رفض ارتباط المسلمة بالمسيحي في دول الأغلبية المسلمة أو رفض ارتباط البيضاء بالأسود في بلدان الحكم العنصري. كذلك يكون وضع المرأة، والمثليين، والمتحولين جنسيًا حقيرًا في هذه المجتمعات بل وينظر لأي محاولة لتحدي هذا الوضع علي أنها تهديد للبناء الاجتماعي، والأمن القومي. فأمن المجتمع، والدولة يكون قائمًا علي قوة ومتان القضيب. وتحرص هذه المجتمعات علي القضاء تمامًا علي أي صورة رقيقة أو حساسة أو نونة للرجل. وفي صورتها المتطرفة تحرص هذه المجتمعات علي بناء دولة عسكرية فعلاً أو علي الأقل نظام مدني ديكتاتوري دموي. ولا يوجد في هذه المجتمعات مكان للأضعف -حتي اقتصاديًا- فالحاكم هو القوة، والقوة هي الإيلاج العنيف.

         ولا يوجد منجي لهذه المجتمعات إلا إذا غيرت أفكارها عن الجنس تمامًا؛ ونظرت للإيلاج علي أنه صورة تكامل أو حب أو إلتصاق جسد بأخر أو وصول شخص إلي أعمق نقطة في الاّخر. كذلك يؤثر بقوة إنهيار قيمة الإيلاج كفعل جنسي في نظرة المجتمع لقيمة الرجل، والمرأة، ووضع الأقليات الجنسية، وحتي الدينية. إنهاء حكم فكرة الإيلاج، والقضيب القوي لنظرتن للجنس هو المفتاح الأول، والأهم في إسقاط أي منظومة قمعية طاغية في مجتمعنا، ودولتنا. غيروا أفكاركم عن الجنس؛


تعلموا الحب.


تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك