لعنة الخريف

283
وحده الخريف القادر على إزعاجها، قوية وسليطة اللسان تهتم بمظهرها وأاقتها هادئة ولكنها حادة كالسيف في طباعها وحتى ملامحها المنمقة، ولكن وحده الخريف القادر على إزعاجها وزعزعة القشرة الصلبة التي تحتمي بزيفها.
مع أول ورقة شجر تضل سبيلها وتهوى مترنحة لتصطدم بالأرض ويطولها أرجل العابرين، ينتزع قلبها من مكانه ويزداد تدفق الدماء بعروقها، ترتجف بالرغم من العرق المنصب منها،  أيام وقعها ثقيل على قلبها تكاد الدقائق لا تمر فيها.
أسطورة قديمة روتها لها جدتها لأبيها، لا زالت تتذكر الحديث والكلمات والخوف الكامن في صوت السيدة العجوز الحنونة إلا عندما تحكي الحكايات يتبدل حالا ويخفت صوتها وتتسع حدقاتها المنكسرة بفعل المرض والسن. 
في تلك الليلة كانت الحدوتة بعنوان الخريف!! وقتها لم تكن تعلم سوى أنه فصل من فصول السنة يسبقه الربيع بدلاله ويليه الشتاء بهيبته،  أما هو مائع باهت عديم اللون، فتوقعت أن تكون الحدوته ممله كإسمها. 
أخبرتها الجدة أن في ذلك الفصل تحديدا، يسلط الله غضبه على البشر ، حكت لها عن رجل عجوز  كلما يمر عليه الفصل اللعين تحدث لها كارثة يخسر تجارته أو يفقد عزيز حتى أولاده الخمسة توفو فيه واحد تلو الآخر عام بعد عام ولم يتبقى سوى الفتاة الصغيرة والوحيدة خر العنقود.
لم يلاحق الرجل على الكوارث التي كنت تحل به وكل من يقترب منه وكأنها لعنة تنتقل منه إلى من حوله حتى ذيع الخبر واعتزله الناس إلا ابنته الصغرى كانت لا تفارقه وهي في انتظار اللعنة ولكن رحل ابيها وبقيت هي وحيدة تكره الخريف وتنتظر الخلاص به، ظلت معقدة بذلك الهاجس الذي بدد عليها حياتها إلى أن طالتها تلك الهواجس بالفعل. 
وبدأت هي الأخرى تعاني من نفس مرض أبيها الخريفي ولكنها كتمت بداخلها تلك الحكاية لسنوات طويلة عن زوجها وأولادها، حتى قررت أن تفصح لحفيدتها عن اللعنة وتحذرها منها فروت لها حكاية الخريف اللعين الذي يتبدل فيه الحال. 
 بمجرد سماع الصغيرة تلك الحكاية مرات ومرات نقلت لها نفس العدوى وبدأت تحترس هي الأخرى وتنتظر المصائب وتتوقعها حتى تتحقق بالفعل فتعيد حكاية الجدة وتسترجع تفاصيلها وقررت أن تعزف عن الزواج حتى لا تنقل العدوى لزوجها وأطفالها فيما بعد، وانفصلت عن خطيبها قبل شهر واحد فقط من زفافها وفرت هاربة، حتى القط أودعته في دار لتبني الحيوانات الأليفة. 
وبعد وفاة الجدة في ذلك الفصل، قررت أن تعيش وحيدة وأقنعت نفسها أنها قوية لا تحتاج لأحد بجانبها اعتزلت الحياة وبقيت على قيدها بجسد وحيد يكره رياح الخريف.

تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك