هنا أرض الأحلام

338

جميعاً و نحن صغار، سُألنا مثل ذاك السؤال مراراً: ماذا تحلم أو تريد أن تكون عندما تصبح كبيراً ؟ 

مهنة أو موهبة أو شغف ما، وقتها عندما كنا صغاراً كنا ننظر للأمور برؤية مختلفة، كنا نصيح ونلعب و لا نكل للأمور كثيرا، كنا نراها ببساطة أكثر وأقل تعقيداً، كنا ننظر للكبار ونري ما في يديهم من قوة فهم لديهم حق السهر لساعة متأخرة و الخروج والذهاب أينما أادوا، كان لا يوجد في نظرنا من هم أكبر منهم عمراً ليلقوا عليهم الأوامر واعقاب أحيانًا و التأنيب أحياناً أخرى مثلما يفعل الكبار مع الصغار .

لكن الكبار كان لديهم دور قوي في إعطائنا مشاهد حية عن نوعية الأحلام التي يريدون أن نكون عليها، لو كان أبي طبيبًا لصنع لي الحلم دكتورة و لو كان مهندسا كذلك و الضابط أيضاً، جميعهم كانوا يريدون منا صنع صور مستنسخة مما هم عليه الآن، وكأن الأمان فقط فيما أصبحوا هم عليه، وكأن الاختيار المتاح بين ضابط و دكتور و مهندس فقط ، وكأننا خلقنا دون مواهب دون رغبة، ثم نأتي هنا للرغبات يضعونا في أكبر متاهة وهي الثانوية العامة بين كاسة الرغبات و العلمي والأدبي والدروس و النصوص، هنا يصبح البقاء للأقوى أو الأكثر حفظاً وصما.

 بصراحة أكثر أجد أن الأمور هنا مشابهة كثيراً للرزق لأن الله سبحانه وتعالى يومياً يوزع الأرزاق مسواة كل يوم وليس سواء، ولكن هنا في الحياة الدور الأكبر في الثانوية العامة ليس للإله فقط و لكن لوزارة التربية والتعليم و التي تضحكنا كل يوم بتغييرتها، الثانويه سنة لا سنتان لا سنة لا ثلاث سنوات!

 وللأسف شببنا الصغير هو حقل تجارب الوزارة، ثم يأتي دورها بالتنسيق والمجموع و تتحفنا كل يوم لدرجة أني أشعر أن يوم ما سيكون علي طالب طب أن يحصل علي درجة 106 في المائة ليستطيع القبول بها، كل سنة  الدرجة تزداد وكأنها تزداد مع أسعار الدولار والذهب، ثم يدور في ذهني تساؤل أخر  يخص المجموع والقدرات الرغبات والمواهب التي لطالما سألونا عنها ونحن صغار و حاولا تنميتها بداخلنا خلال حصص الرسم والموسيقي ، لماذا الآن بعد كل هذه السنوات من الابتدائي و الأعدادي و الثانوي تصبح كلية مثل كلية الفنون الجميلة أو التربية الموسيقية بمجموع لا يقل عن 90 في المائة؟

هل الفيزياء والفلسفة و الكيمياء و الرياضيات سيصنعون منه رسامًا عالميًا أو موسيقارًا عبقريًا، لماذا إذن التعجيز كل يوم و تحطيم الأحلام التي لطالما بنيتموها في قلوبنا و عقولنا؟ بعض الإجابات تقول إن صاحب الموهبة الحقيقية لا ينتظر مجموع ثانوية عامة أو امتحان قدرات أو مجموع، لكن الحقيقة وعلى المستوى الشخصي والذي رأيته بالفعل أمامي أن معظم قاعات عرض الفنانين في مصر تقتصر فقط على الأكاديمين أي خريجي كليات فنون و كذلك بالنسبة للموسيقين يف للهاوي أن يدخل دار الأوبرا المصرية دون واسطة أو دون حنجرة مغردة و كأن كل من كانوا يحلمون بالدراسة بكلية الموسيقي يجب عليهم امتلاك حنجره بداعة، أين المواهب والأحلام ؟ 

 من جهة أخرى، يأتي حلم شاب تمنى كل يوم أن يصبح ضابطًا وعشق وطنه، ولكن آسفا والده يعمل عمل بسيط يخجل منه، لا يوجد في عائلتة لواء أو عقيد يستطيع أن يمرر ورقه بين أوراق المتقدمين، هنا ماذا صنعنا للوطن، محبًاأم مجرم جديد !

انتهينا من مراحل التعليم و صدمنا وجهًا لوجه بالواقع، هنا تأتي مرحلة التخرج من ثم التقدم للمثول إلى الخدمة العسكرية، و التي كثير من الأحيان تتمثل في الوقوف في أحد منافذ بيع في أكشاك سلع الجيش لبيع زيت الزيتون و مياه معدنية أو وقوفًا على الحدود مع سلاح لم يستعمل منذ عقود عدة .

 بعد كل هذا تهانينا لقد أنهيت واجباتك الآن وصّلنا إلى "رحلة البحث عن عمل"، و هنا يأتي دور الدولة في توفير فرص عمل كثيرة مثل خدمة العملاء و المبيعات، تستطيع من خلالها أن تحصل على مبلغ ألف جيه ثم بعد مرور سنتان من العمل وبعد ترقيه عظيمة تحصل على ألف و خمسمائة جنيه ي حين أن غلاء الأسعار زاد بنسبة 70 ف المائة خلال آخر 3 سنوات لتصبح حين إذن قيمة الألف و خمسمائة جنيه الحقيقة خمسمائة جنيه فقط ، لا أستطيع الكتابة عن حلم الزواج والأسرة و حلم الأبوة و الأمومة، تُصبح هنا الغاية فقط الوصول إلى المأكل و الملبس ليصبح كل شئ آخر في حياتُنا ما هو إلا سلعة مُستفذة لا يمكن الحصول عليها دون ضرائب و جمارك و مضاف إليه و خدمة و ما إلى ذلك..

 

هنا أرض الأحلام حلمنا صغارًا أن نصبح كبارا وعندما خضنا الرحلة إلى منتصف العمر يصبح الحلم أن نستعيد حضن طفولتنا مرة أخرى.

 

تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك