نشارك أو لا نشارك ؟؟ تلك هي المسألة

410

مقولة شهيرة للكاتب وليام شكسبير على لسان بطل روايته هاملت، "أكون أو لا أكون، تلك هى المسألة". وجدت نفسي أرددها في حيرة حيال القرار الصعب بالمشاركة في الإنتخابات الرئاسية أو المقاطعة. موقف محير يبدو إنه كُتب على المصريين في كل إستحقاق ديمقراطي منذ ثورة يناير 2011. لم يكن الأمر كذلك قبل الثورة، فقد حُرم المصريون لسنوات طويلة من المشاركة في إنتخابات يختارون من خلالها رئيساً لهم، حيث كانت تجرى الإستفتاءات المعتادةعلى بقاء الرئيس من عدمه بدون منافس لكن الأمر اختلف تماماً بعد أن أفاق الجميع بفعل الثورة، مؤيدين أو كارهين لها، من سبات طويل أعتادت فيه غالبيتنا على التعامل مع حقوقنا الأساسية على إنه أمراً لا يعنينا، ورضخنا بالتنازل عنها في يأس أزاحته ثورة يناير التي ذقنا جميعا بسببها حلاوة أن نتملك أمورنا بأيدينا أو على الأقل شرف المحاولة لتحقيق ذلك، فتدافعت الملايين مع تباين توجهاتهم وإنتماءاتهم، للذهاب إلى صناديق الإقتراع في الإستفتاء على الدستور وفي الإنتخابات الرئاسية الأولى التى تلت الثورة في حماس غير معهود منذ عقود طويلة ليكون لها صوتاً ورأياً. حدث ذلك عندما أيقنت الجماهير أن صوتها يمكن أن يكون فرقا ومؤثراً. ولكن بتوالي الإحباطات التى صاحبت الإستحقاقات الإنتخابية الختلفة التى تلت الثورة والإشتباه في عدم نزاهتها، واليقين بأن نتائجها محسومة مسبقا، كما حدث في الإنتخابات الرئاسية  الثانية في 2014.فبالرغم من الشعبية الجارفة للسيسي حينها، أحجمت الجماهير بكامل أطيافها مجددا عن المشاركة، بما فيهم مؤيدي السيسي أنفسهم،فيما أخذت أذرع الدولة الإعلامية تصرخ في الجماهير تحثهم على الذهاب إلى صناديق الإقتراع. ولم يسلم حمدين صباحي المرشح المنافس في هذه الإنتخابات من النقد بسبب مشاركته فيهاوالهجوم من جانب مؤيدي السيسي من ناحية لتجرؤه على الترشح أمامه، ومن قاع كبير من مؤيدى التيار المدني الثوري الذي ينتمي إليه من ناحية أخرى الذين تهموه بالقيام بدور المحلل الذي يضيف شرعية لمسرحية إنتخابية محسومة النتيجة نظراً لما بات واضحاً حينها من تجاوزات صارخة عن حيادية العملية الإنتخابية وعدم إلتزام أجهزة الدولة بالضوابط التي تحكمها. 

يتكرر المشهد الآن مع الإنتخابات الرئاسية في 2018 ويتكرر نفس السؤال عن جدوى المشاركة أو المقاطعة لنفس الأسباب السابقة، وأنقسمت الكتلة المدنية الثورية بين مؤيد للمشاركة ومعارض لها بعد إعلان خالد على عن ترشحه للرئاسة. كتلة كبيرة ترى عدم جدوى المشاركة في إنتخابات محسومة النتيجة، وأظن أن ذلك سينطبق أيضاً على الكثير من مؤيدي الرئيس الذين لن يتكبدوا مشقة الذهاب للناديق كما حدث في إنتخابات 2014 لنفس السبب، كما يرى البعض في ترشح خالد على والمشاركة بالتصويت في هذه الإنتخابات خطأً كبيراً لأنه سيضفي شرعية على هذه الإنتخابات أمام الرأي العام بالخارج، ويوحي على غير الحقيقة بأنها منافسة حقيقية، وآخرون يذهبون إلى أبعد من ذلك ويلقون باللوم على خالد علي ومؤيدينه لما ستجلب مشاركته من هزيمة مؤكدة ستوصم وتلصق بالتيار المدنى الثوري بأكمله. 

جاءت كل هذه التحفظات والتخوفات لدى الكتلة المدنية الثورية مُبررة ومُقنِعة، وكنت أنا شخصياً أنتمي لهذه المجموعة التي قررت عدم المشاركة لقناعتي بذات الأسباب، فقد كان الموقف الأمثل من وجهة نظريهو توحد جميع قوى المعارضة المدنية بمن يمثلها من أحزاب وحركات في مقاطعة إيجابية مُلزمة للجميع تقوم بموجبها بإصدار بياناً موحداً يتم الإعلان فيه عن مقاطعة الإنتخابات الرئاسية لعدم توافر الضوابط الواجبة لنزاهتها،ويعرض لكل التجاوزات التي بدأت بالفعل قبل وبعد إعلان الهيئة الوطنية للإنتخابات عن جدول الإنتخابات، بدءاً من مخالفة الدستور في تعيين الرئيس لتلك الهيئة القائمة على الإنتخابات، وإلغاء مجلس النواب الإشراف القضائي الكامل على الإنتخابات، ومرورا بتجييش الدولة لكل وسائل الإلام في حملات دعائية للرئيس وإنجازاته بدأت من عدة شهور قبل الإعلان عن الإنتخابات وبعدها، في مخالفة لشروط وزمن الدعاية الإنتخابية التى نص عليها إعلان الهيئة، وإنتهاءاًبالترصد الواضح والتنكيل بالمرشحين الآخرين، فقد تم الضغط على المنافس الأقوى الفريق شفيق للتنازل عن ترشحه للرئاسة في مسلسل هزلي لم يخفى على أحد، ومارست السلطات تضييقاً على المرشح الآخر محمد أنور السادات ولم تسمح له بعقد مؤتمراًللإعلان عن ترشحه في أي من الفنادق، وكذلك تلفيق قضية للمرشح خالد عليليبقى مهدداً بالحكم فيها قبيل إجراء الإنتخابات. بالإضافة إلى إمكانية تضمُن ذلك البيانبإسم القوى المنية لكشف حساب عن فترة الولاية الأولى للسيسي يقدم سرداًلكل إنتهاكات الدستور التجاوزات بحقوق الإنسان والحريات العامة، ويعرضنقداً مفصلاً للقرارات الإقتصادية والسياسية خلال تلك الفترةالتى أضرت بمصالح الوطن والمواطنين. في غياب ذلك الموقف الموحد  مدعوماً ببيان شامل يوضح أسباب المقاطعة تفصيلياً، رأيت عدم المشاركة لقناعتي بعدم جدواها بالإضافة إلى عدم وجود مرشحين يمثلون الخيار الأفضل بالنسبة لي.

بعد إعلان الهيئة الوطنية للإنتخابات جدولالإنتخابات الرئاسيةبصورة مفاجئة في 8 يناير، بشروط تعجيزيةتقضي بجمع المرشح لعدد 25ألف توكيل رسميمن 15 محافظة بحد أدنى 1000 توكيل من كل منهاخلال الثلاثة أسابيع التي تلت الإعلان،توقع الكثيرون إنسحاب خالد علي، ولكنه قررالإستمرار في خوض المعركة، فتلى ذلك حالة من الجدال والنقاش الذي أحتدم حول جدوى المشاركة فيها لعلم الجميع بأن النتيجة محسومة مسبقا كونها لا تخرج عن مسرحية مطلوب عرضها أمام الرأي العام العالمي لايتوافر فيها أيةضمانات للنزاهة ولا يتمتع فيها خالد علي بقاعدة شعبية كبيرة تمكنه من الفوز حتى وإن توافرت تلك الضمانات. وبالرغم من كل ذلك توافد الكثيرون على مقرات الشهر العقاري لتحرير توكيلات لخالد علي المرشح الوحيد المحسوب على تيار الثورةوالذي يرفع شعاراتها وخاض مؤخرا معركة الدفاع عن تيران وصنافير في ساحات القضاء. خلقت معركة التوكيلات، كما يطلق عليه الآن، حالة من الحراك وسط صفوف المعارضة كما بين قطاعات من الشعب غير مسيسة في حماس غاب عن الجماهير منذ تولي السيسي الرئاسة وإنفراده بالقرار وإحكام قبضته الأمنية على الجميع، فتلجمتالألسنة وساد اليأسمن التغيير بالرغم من ضجر الجماهير من ممارسات كانت كفيلة من سنوات قليلة بإندلاع ثورات، فقوبل التفريط في الأرض بالإستسلام، والإرتفاع الجنوني للأسعار بالرضوخ، والسيطرة الكاملة على الإعلام بالإذعان. في ظل الإنغلاق التام للمجال العام أمام المعارضة وسلب الحقوق السياسية والإقتصادية، وجد العض في إصدار التوكيلات لخالد على للترشح للرئاسة الوسيلة الوحيدة المتاحة لرفض ل ما سبق، والنافذة الصغيرة الضيقة المفتوحة للصراخ في وجه كل التجاوزات الفجة التى أطاحت بآمالهم في حياة أفضل بعد الثورة. أصبحت المشاركة لا المقاطعة هي الحجارة التى يقذفون بها نظام يرفضونه ولا يجرؤن على الثورة ضده ولا يستطيعون الإطاحة به،وصار تحرير التوكيلات للمنافس المدني أمام الرئيس بمثابة تظاهر سلمي حُرم على الجماهير التي تأن من الغلاء والقمع، وتحول إلى عمل بطولي ينم عن إرادة حرة تسعى إلى تغيير الواقع المؤلم. تسبب هذا الحراك في مراجعتي لموقفي السابق بمقاطعة الإنتخابات برمتها، كما أظن أنه حدث مع الكثيرين مثلي، لأني رأيت في المشاركة إحياءاً للأمل في التغيير حتى ولو كان ضئيلا الآن، وأقتنعت بأن المحاولة خطوة ضرورية في طريق التغيير حتى وإن كان محكوما عليها بالفشل،كما كان الحال قبيل ثورة يناير 2011، فالوقفات الإحتجاجية حينها لم تكن تتعدى العشرات الذين كانت الغالبية تصفهم بالجنون وكان محكوماً عليها بالفشل والقمع، ولكن هذه المحاولات التراكمية هي التى أدت إلى تحفيز الهمم وإندلاع الثورة في النهاية وإنضمام الملايين إليها. 

قمت بإسقاط نموذج المقاطعة على مواقف وأحداث أخرى ووجدت إنها ليست الخيار الأفضل. تصورت في ذهني الفارق لو أن الجمي كان قد إستسلم في معركة تيران وصنافير ولم يعترض أحد، ولم يخوض خالد علي ومن معه معركة الدفاع عن الأرض في ساحات القضاء، ولم يسجل الشباب رفضهم التفريط في الأرض بالتظاهر، ووقوف قضاه شرفاء إلى جانب القضية، لو لم يحدث رد الفعل ذلك كله وأختار الجميع الصمت خوفاً أو يأساً، لكان الأمر بمثابة تسليم كامل للشعب المصري ببيع أرضه يسطره التاريخ ويقضي  بالموت المخزي لهذه القضية إلى الأبد. فبالرغم من أن الدولة ضربت بحكم القضاء في تلك القضية عرض الحائط،لكن وقوف البعض وإن قل عددهم، وتصديهم لتلك القضية جعلها حية لم تطوى صفحاتها بعد، حتى وإن كانت الغلبة في الجولة الأولى ظاهريا للنظام الذي تنازل عن الأرض. كذلك الحال في مقاومة الشعب الفلسطيني منذ 1948 حتى الآن، فبالرغم من أن ميزان القوى غير متكافئ بالمرة في هذا الصراع البائس، لكن حجارة الشباب الفلسطيني التى يرشقون بها العدو الإسرائيلي مازالت تؤرق وتخيف الجيش الإسرائيلي المدجج بأحدث الأسلحة، وتُبقي على قضية أرض فلسطين حية بالرغم من فشل كل الإنتفاضات المتتالية على مر السنين، وبالرغم من الخيانات المتكررة بحق الشعب الفلسطيني. كذلك كل حركات النضال والتحرر في العالم، لم تكن أبدا فيها القوى متكافئة ولا فرص النجاح واردة، ولكن الكثير منها تُوج بالنجاح مع تكرار المحاولة. ذلك هو السبيل إلى اتغيير في وجه نظام سلطوي قمعي بالمحاولة مع صعوبة النجاح، وبالتكرار بالرغم من الفشل. حيث أن الفشل الحقيقي هو في الإستسلام التام والرضوخ الذليل واليأس من المحاولة. فالماء يستطيع أن يفتت الحجر لا بالعنف ولكن بتكرار المحاولة. 

كما أن إحجام  البعض عن المشاركة نتيجة خوفهم من إضفاء شرعية على إنتخابات صورية محسمومة النتائج لا يمثل أثراً يذكر على الصعيد العالمي. فالعالم لا يخفى عليه أن النظام الحاكم في مصر أبعد ما يكون عن الديمقراطية، ولا ينطلي عليه وجود مؤسسات صورية كمجلس النواب الحالي، ويتكرر وصفه في وسائل الإعلام الخارجي بالنظام العسكريالدكتاتوري المستبد. كما إن النظام لن يعجز في حال عدم ترشح ممثل للكتلة المدنية من الزج بأى محلل ليقوم بدور المنافس في هذه الإنتخابات المسرحية، ولن تعجز أدوات النظام الإعلامية من محاولات تصدير المشهد وكأنه إنتخابات حقيقية أحجمت الكتلة المدنية عن المشاركة فيها لضعفها وفشلها نتيجة لإصطفاف الجماهير حول رئيسها. 

لذلك قررت المشاركة في تفتيت الحجر بالمحاولة حتى لا يموت الأمل بداخلنا، ووفاءاً لروح الآلاف من المصريين الذين استشهدوا أملاً في التغيير، ولقناعتي بأن الفشل لا يكون عند الخسارة وإنما يكون عند اليأس، كما قال ديل كارنيجي: "تتحقق الكثير من الأشياء المهمة في هذا العالم لمن أصروا على المحاولة بالرغم من عدم وجود أمل". 

سيظل هناك دوما أمل 


#الانتخابات_الرئاسية_2018

#معركة_التوكيلات





تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك