حقيقة نظرية التهديد الصيني

204

حقق الصين خلال نصف قرن ، معجزة بما تعني الكلمة ، فتحولت من دولة فقيرة جداً ، الي دولة متقدمة ، مساهمه في الحضارة في شتي المجالات ، فقد كانت الصين دولة فقيرة جداً الي عام 1977 ،  وكانت المنتجات الصناعية الرئيسية في البلاد كلها هي "الغزل والأقمشة والفحم الخام والحبوب والقطن" ،  واليوم أصبحت الصين دولة صناعية عملاقة ، و أصبحت نموذج يحتذي به لكل من يسعي الي ركب الحضارة من الدول في الوقت الحالي .

هناك العديد من العوامل التي ساعدت على هذا التغيير المهم ي الصين ، منها عوامل سياسية واقتصادية وهيكلية، وبالأخص ‏سقوط نظام القبين منذ حقبة التسعينات من القرن المنصرم  والذي ساد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ،  والعولمة ‏الاقتصادية التي أتاحت انفتاحا لا سابق له لحرية الأسواق وحركة رؤوس ‏الأموال في العالم ، وتوجهات الصين الرامية لإعادة هيكلة اقتصادها للتأقلم ‏مع هذه المستجدات وتسخيرها لخدمة نموها الاقتصادي.‏

لكننا لا يمكنا إنكار أن التجربة الصينية تزامنت مع غيره من تجارب نمور آسيا ، الا ان التجربة الصينية قد حققت أكثر نجاحاً من نظيراتها .

يتخذ النجاح الصيني تعبيرات مطردة، وربما متنوعة، في المشهد العالمي؛ فعلى مدى عقدين ونصف، كان الاقتصد الصيني ينمو بمعدل يزيد على تسعة في المائة سنويا، وتضاعف حجمه بمقدار ثمانية أضعاف ، و الناتج المحلي الإجمالي للصين هو الثامن عالميا ، ثم بدأ  في الانخفاض ، ثم الصعود مرة أخري   ،  وهذا  ما دعي لاهتمام المراقبين و الباحثين ؛ فتعداد الصين يبلغ ملياراً و ثلاثمائة مليون إنسان ، وقد يكون أكثر من ذلك، و الذي يمثل خمس سكان العالم تقربياً ،  وهذا يجعل صعود الصين الآن أكثر أهمية من صعود اليابان في الستينيات ، كما أن صعود الصين سوف يغير ميزان القوى ، ويعيده إلى الشرق مرة أخري منذ وصول لسفن البرتغالية في القرن السادس عشر الميلادي .

يري بعض  الباحثين  أن الصين في عجلة من أمرها، تسابق الزمن لتلحق بركب القيادة العالم ، ولا تألو جهدا في هذا السياق ، فإضافة إلى نموها الاقتصادي الكبير، تظهر المشروعات العملاقة كل يوم والصادرات الصينية تغزو العالم ، طارحين فروض نظرية  " التهديد الصيني " ، فالدولة الاشتراكية تطرح نموذجاً مخالفاً للنموذج الغربي في التقدم و التطور ، الامر الذي يضع النظريات الغربية في خطر .

وأدى نمو الاقتصاد الصيني الكبير إلى مشكلات للصين وللاقتصادات الأخرى ، فمحليا تتمثل المشكلة الأساسية من جهة نظر القيادة الصينية في كيفية الحفاظ على التماسك الاجتماعي وسط تلك الضطرابات الاجتماعية الاقتصادية الراهنة ، و دوليا تتمثل في المنافسة التجارية مع الدول الصناعية الكبري ، و إعادة توزيع خريطة التوازنات الدولية و مناطق النفوذ ، و كذلك إشكاليات القضايا العالمية المتعلقة مثلاً بالمناخ و الحريات  و الهندسة الوراثية و الذكاء الاصطناعي.

ظهرت نظيرية " التهديد الصيني " منذ وقت ليس بقليل ، فمع إزدهار الصين ، بداءت هذه الفكرة في البلورة ، مع إختراق الصين الاسواق الناشئة و إحكام سيطرتها عليها ، أصبحت هذه النظيرية محل تاكيد من البعض ، بل أن البعض قد وضع استرايجيات لمواجهتها .

فقد وصف البعض سعي الصين للستثمار و تنمية البنية التحتية للدول النامية ، بمسمي الاستعمار الجديد ، كما تم التشكيك في نوايا الصين من مبادرة الحزام و الطريق التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينج عام 2013، والتي تهدف لتطوير وإنشاء طرق تجارية وممرات اقتصادية تربط أكثر من 66 بلداً حول العالم بالصين ، بأن تم وضفها "بعولمة جديدة بمواصفات صينية" . 

وفي السنوات الأخيرة ، زادت الصين من استثماراتها في قطاعات الصناعة والطاقة والسياحة و الانشاءات ،  ولقيت كل هذه الاسهامات الشكك و عدم الترحيب والمعاملة المربة من طرف الباحثين الغربيين و الخبراء الاقتصادين ، حيث يشكك البعض في نوايا الصين ، فالبعض ذهب الي تعظيم نظرية التهديد الصيني ، متهما الصين بمحاولة تغير الديمغرافيا السكانية للدول ، و نشر الايدلوجية الصينية بشكل غير مباشر ، و حقل مناطق نفوذ جديدة ، و إعادة تشكيل خريطة العالم السياسية و الإقتصادية .

فعلى مدار عقود ، صدر عن الباحثين و السياسين  الغربيين جميع أنواع التقديرات والتنبؤات بشأن الصين ، منها من تنبئ بان الصين ستنهار أو أنها تمثل تهديدا للعالم أجمع ، الأمر الذي ظهر جليلاً في الانتخابات الامريكية السابقة ، فالرئيس الامريكي ترامب و بض المسئولين بإلادارة الأمريكية من أكثر المروجين لهذه النظرية و إستغلالاً لها ، فقد صدر تقرير استراتيجية الامن القومي الأمريكي في ديسمبر 2017 ، يتضمن إشارات و تأكيدات لهذه النظرية بشكل جاد .

الا أن  العض يري أن الولايات المتحدة ترغب في إنتاج تقارير إستراتيجية متنوعة و ذلك لأسباب داخلية أكثر منها خارجية ،  كما يستخدم المسؤولون الأمريكيون عند الحديث عن الصين والعلاقات الصينية ـ الامريكية لغات مختلفة في مناسبات مختلفة ، لذلك، لا يمكن أخذ هذه التقارير والمحادثات محمل الجد، كما لا يمكن تجاهلها تماما. 

وبصفة عامة، لا يزال اتقرير الامريكي الاخير يتبنئ " نظرية التهديد الصينية"، وخلفيته منطق " لمس الصين للمصالح الامريكية" ،  وقد ظهرت نسخ مختلفة من "نظرية التهديد الصينية" منذ تأسيس الصين الجديدة ،  ومنذ مطلع القرن الجديد، بات تأثير التصور الامريكي للصين بأنها " منافس استراتيجي" على السياسة الامريكية تجاه الصين بشكل متزايد.

 واكتسبت "نظرية التهديد الصينية " أهمية جديدة بعد اعلان ترامب مفهوم "الاولوية الامريكية"، ومن يؤثر على " الاولوية الامريكية"، هو المنافس، جعل الصين واحدة ممن يمكن أن تقنع امريكا نفسها بأنها " الخصم الاستراتيجي" .

في الواقع أ الصين تلتزم بالتنمية ،  فالناحية السياسية ، تدعو الصين جميع البلدان الى إحترام نظامها السياسي وطريق تنميتها ، والتخلي عن السياسة الخارجية تقوم على الترسيم الايديولوجي ،  ومن الناحية الامنية ، تدعو الصين الى التعاون المشترك في تحقيق الامن وعدم المشاركة في اي نوع من سباقات التسلح ايان كان  ، ومن الناحية الاقتصادية والتجارية، تؤيد الصين المنفعة المتبادلة والتعاون المريح للجانبين والسعي لتحقيق تنمية مشتركة ،  وتعد مبادرة " الحزام والطريق" التي اقترحتها الصين أفضل مثال علي ذلك .

فالصين تواجه الجولة الجديدة من "نظرية التهديد الصيني" هدوء وعقلانية وحكمة ، لقد دلت الحقائق على أن تطور الصين لم يأت بأي تهديد او اخطر على العالم ، بل ساهم في تطور واستقرار العالم ، كما تقوم الصين بمشروع لتطوير البنية التحتية للدول دون اتباع سياسات الاقراض المجحفة  .

إن انتشار" نظرية التهديد الصيني " يعود إلى ثلاثة أسباب :-

 أولا ، إستمرار عقلية الحرب الباردة واحداثياتها ، إذ أن العض تضمر من أعماق قلوبهم شعور الشك والنفير تجاه الصين .

 ثانيا ، يرى العض أيضا بأن الصين اكبر دولة نامية في العالم ، وأمام التحديات التي تواجهها في انضمامها لمنظمة التجارة العالمية من الصعب عليها تجنب ظهور الكثير من المشاكل والمسائل المختلفة . 

ثالثا ، يعملا البعض بكل جهودهم في في الحفاظ على صحة نظرية " التفوق الديمقراطي " ، ولا يرغبون على الاطلاق مشاهدة تقدم ونجاح الصين " غير الديمقراطية "  في وجهه نظرتهم .

لهذا يمكننا الجزم بصعوبة حقيقة نظرية التهديد الصيني ، حيث مازال الوقت مبكراً ، للحكم علي ما سوف يفرزه التقدم الصيني للعالم ، مقارتاً بالتقدم الغربي من اثار ، ظاهرة للعيان ، فمازال أمام الصين كثيرا ، حتي تستطيع قيادة العالم .


تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك