حكايتي مع أد الوصوليين الجدد

472


 أعرفه عن كثب؛ لأنه زميل من زملاء الطفولة، عرف بأهتمامه المحدود بالشأن العام بالتزامن مع ثورة يناير وما تلاها من موجات ثورية، في الوقت نفسه الذي كنت أعرف بأهتمامي -المبالغ فيه- بالشأن العام لدرجة كانت تسترعى أنتباه كل أفراد المحيط الذي أحيا فيه بما فيهم هو؛ فهو كان من المشاركين في الأستخفاف بأهتماماتي آنذاك، وذلك لأنه كان يعتقد أن العمل العام عديم الجدوى أي من منطق  (هو الأهتمام بالسياسة هيجبلك أيه غير وجع الدماغ).  


لم يجمعني به ثمة أهتمام مشتك بالشأن العام، بإستثناء موقف جمعني به في سلسة بشرية نظمت أمام قسم المدينة التي تتبع لها قريتي لدعم الأستاذ حمدين صباحي في الأنتخابات الرئاسية عام 2014م ، حيث أني آنذاك كنت عضو في حزب الدستور تحت السن (لجنة دستوري من صغري)، فبالتعاون مع أحد أفراد حملة حمدين صباحي، اضطلعنا بتنظيم سلسلة بشرية لشد أزر الأستاذ حمدين في معركته الأنتخابية؛ فبينما كانت الهتافات الداعمة للأستاذ حمدين تصدح في سماء المدينة التي تتبع لها قريتي، كان زميلي صاحب الأهتمام المحدود بالشأن العام يربت على كتفي بعدما فهم ضمنياً أني لا أستطيع مصافحته باليد؛ لأني كنت حامل لافتة كبيرة عليها صورة الأستاذ حمدين، قبل أن يقوم – دون أستئذاني- بتصويري بالكاميرا الخاصة بهاته قبل أن أفهم أن مبادرته هذه كانت رغبة منه في أن يلتقط هو الآخر صورة وهو حامل اللافتة، وهو ماحدث بالفعل بعدما أعطيته اللافتة،  وقمت بتصويره بناءاً على رغبته. 


بعد أن حصد مآربه المتمثله في ألتقاط صورة أثناء وقوفه في سلسة بشرية لدعم المرشح الرئاسي صاحب الفرصة الأضعف في الفوز بالأنتخابات غادر السلسلة البشرية، وهنا أنا لاأريد من السيد القارئ أن يظن أنه يتوق إلى أقتناص اللقطة (والعياذ بالله)، حتى عندما يعلم أن المنضم للسلسة عن أقتناع(العبد لله) خاف من أن يفصح لأحد من المحيط الذي كان يقطن فيه لاسيما الأهل عن مشاركته في حملة دعم الأستاذ حمدين، وذلك لسبين على الترتيب؛ أولهما رفض الأهل فكرة العمل السياسي لذا كنت أشارك في الفاعليات بدون علمهم، وثانيهما أن هذه السلسة كانت في غمرة إمتحاناتي وأنا كنت آنذاك طالب في الصف الثاني الثانوي وبدون تنميق لكلماتي (كنت مزوغ من درس عشان أنزل السلسلة)، في ذات الوقت الذي تفاجأت بصورته – التي ألتقطها له وهو حامل اللافتة- على موقع التواصل الأجتماعي (الفيسبوك) معلقاً عليها (من قلب الحدث؛ في حملة دعم الأستاذ حمدين صباحي). 


 كان هذا آخر موقف جمع بيني وبينه فيما يتعلق بالشأن العام قبل أن ينصرف كل نا إلى جامعة مختلفة عن الثاني، بعد ذلك؛ علمت بعد دخولي الجامعة من أصدقاء شتركين أنه أستهل حياته الجامعية بتنظيم أسرة ضمت تحت مظلتها قطاع كبير من الطلاب والطالبات كما علمت أيضاً أنه يتزلف ويتملق للأكاديمين والأكاديميات بصورة مزرية، وكانت هذه نقطة البداية للوصول إلى مقعد رئيس أتحاد طلاب الجامعة بعد أن تدرج من عضو في لجنة إلى رئيس لجنة إلى رئيس أتحاد طلاب الكلية التي ينتمي إليها بالرغم من هواجسه التي كانت تخالجه والتي أفصح عنها ليّ في إحدى المرات التي ألتقيت به قبل أنتخابات الأتحاد حين قال ليّ نصاً (أنا خايف ألا يستبعدوني بعد مايعرفوا إني كنت صاحبك في الثانوة وأنت كنت مؤيد لحمدين). 


الحمد لله أن الزمالة الطويلة بيني وبيه لم تقف حائل بينه وبين الوصول إلى مآربه، فتمكن من أقتناص منصب رئيس أتحاد طلاب الكلية التي ينتمي إليها، وذلك قبل أن يصل إلى منصب رئيس أتحاد طلاب الجامعة التي ينتمي إليها، فبعد أن أطمئن أن معرفته بي لن تمنعه من الوصول إلى ما يصبو إليه، صافحني بحرارة حين ألتقيت به في الشتاء الماضي، فالقدر كتب لنا أن نركب مواصلة واحدة مدتها من عشر دقائق إلى ربع ساعة، فلم أكن أنوي أن أتناقش معه، وذلك بعدما أتهمني في إحدى المرات أني كنت أتقاضى أموال في حملة حمدين صباحي، ولكن عندما قام بدفع الأجرة ليّ – بالرغم من أنها زهيدة- كان عليّ أن أتعامل معه في حدود الكياسة واللياقة وأن أنخرط معه في الحوارالذي بدأته معه بتهنأته على منصبه كرئيس أتحاد طلاب الكلية التي يدرس فيها، فشكرني ثم قال أنه سوف ينزل في الأنتخابات القادمة على مقعد رئيس أتحاد الجامعة، ثم أردف حديثه بعدما أخذ الزهو منه مأخذه انه سوف ينزل الأنتخابات على مقعد رئيس أتحاد طلاب مصر قبل أن أعرف أن أتحاد طلاب مصر تم إلغائه في اللائحة الطلابية الجديدة رغم زعمه أنه يحفظ اللائحة الطلابية عن ظهر قلب، فرسمت أبتسامة – مصطنعة- على شفتي وقولت له – وياريتني ما أتنيلت وقولت- (أنا كنت كاتب عن الدكتورة رضوى عاشور) فلم أستطع أ أكمل ما كنت أود أن أقوله بعد مقاطعته لي قبل أن يقول لي بثقة من يعلم غوامض المور: (عارفها.. عارفها.. مش هي ديه البت اللي أمن الدولة فشخها)، فبعد أن نزلت عليّ هذه الجملة كالمطرقة على رأسي قولت له وأنا أحاول أن أتملص من الدهشة التي عقدت لساني: (لا، ديه روائية) قال ليّ دون أن تهتز ثقته في نفسه : ( عارف..عارف..أنها بتكتب قصص).  


لذت بالصمت بعد هرطقته هذه وكنت بيني وبين نفسي ألعن في – سنسفيل- اللحظة التي قررت فيها أن أتحاور معه – بعد ما دفع ليّ الأجرة- بل حديثه أيضاً عن الدكتورة رضوى – عليها رحمة الله- أستفزني وجعلني أستشيط غضباً ولكني كبحت جماحه بكل ماتبقى لي ن صبر، فكيف يتحدث بهذه الصيغة عن أديبة عظيمة بقيمة الدكتورة رضوى عاشور، ولكن سرعان ما أنطفئت جذوة الغضب في صدري عندما سلمت إلى أنه كان يتحدث عن شخص لايعرفه وغروره الذي يتكأ على هرطقته وفشره هو الذي جعله يستنكف عن المعرفة وعن رغبتي في أن أسلط  له الضوء على دور الأديبة العظيمة في دعمها للحركة الطلابية لاسيما وأنها كانت عضوة في حركة 9مارس ناهيك عن إشاراتها في روائعها الأدبية إلى دور الأتحادات الطلابية في تكوين الرأي العام بإعتبارها جماعة من جماعات الضغط خلال العقود الماضية، وهذا ما أشرت إليه في مقال نشر لي – منذ شهور- بعنوان(المجد للدكتورة رضوى عاشوروالخديع لي). 


للأسف؛ لم يتركني زميل الطفولة في حالي بعدما وجه إليّ كلماته ن جديد في ثوب تقريع:  (خليك أنت كده بتاع حقوق الإنسان وحقوق المرأة، على فكرة العميدة عندنا بتحضر ندوات في المجلس القومي للمرأة ولكنها مابتحضرهاش عن أقتناع بتحضرها كشو إعلامي). هنا – أتنيلت على عيني من جديد- فرديت عليه رداً يتلائم مع قناعاتي مرة أخرى (شكلها يمينية) فلم يمهلني الوقت الكافي للإفاقة من وطأة الصاعقة الخاصة بالدكتورة رضوى فوجدته يقول ليّ: (أنت يساري!) فأجبت عليه مستنكراً: (عرفت منين إني يساري؟!) فأمعن النظر إليّ ثم أستطرد حديثه قائلاً: (على فكرة العميدة عندي متزوجة من مساعد وزير الداخلية وصديقي اللي لسه جاي من أمريكا وصل لمكانة عالية وركب مع الرئيس لحالي عربيته). 


هنا ساقني المنطق إلى الرد عليه مرة أخرى بمنطقية: (وهل يعتبر إنجاز أنه ركب مع السيد الرئيس؟) ففرمن هذا السؤال، وقال ليّ:  (ليه أنت يساري؟!) فقولت له أثناء نزولنا من (الميكروباص) الذي كان يقلنا: (أنت تعرف يعني أيه يساري؟!) فرد عليّ بصياغة المتبحر في العلوم السياسية (نعم؛ يعني ينتمي لجماعات إرهابية) فتملكني الغضب مرة أخرى عندما ألح عليّ من جديد لكي يعرف هل لي ميول يسارية أم لا فقولت له:( هوأنت بقيت مخبر؟!) فرد عليّ بأنفة: (المخبر ده يابني بني آدم تافه) فرددت عليه بعدما ضقت به ( فيه مخبرين برده لابسين بدل وكرافتات) فقال لي:( هو أنت مقلق كده ليه، موماً خد بالك من نفسك، عشان عنينا عليك، وعيش عيشة أهلك) ثم غادرالمكان بعد سؤالي من جديد: ( أنت يساري؟!) فقولت له: (لا) فلمعت عينيه لمعة لايمكن أن نجدها إلا في عيون المنتصر. 


ماذكرني بهذا الحوار الذي يتجلى فيه جهله الفج وترفعه عن المعرفة التي لاأدعي إني أملك منها الكثير، هو دعوته في مؤتمر الشباب الحالي بعدما أعلن دعوته بسيل من الكلمات التي ترمي إلى شكر الله وحمده قبل أن يدخل في نوبة من نوبات الإطراء على المسؤولين، وذلك عبر صفحته على أحد مواقع التواصل الإجتماعي، متذكراً إحدى باراته التي قالها ليّ وهو يغادر المكان في أخر مرة ألتقيت به( شوف أنت هتبقى فين وشوف أنا هبقى فين). 


بصراحة شديدة؛ نغص عليّ هذا الحديث حياتي بعدما تفاجأت بزميل الطفولة يرتدي ثوب الوصولية، فمن خلال الحوار معه أنكشف ليّ أنه سيسعى إلى الظفر بكل مايبتغيه ليس على أنقاض ضميره فقط بل زملائه وأصدقائه إذا المصلحة حكمت، ولم ينتشلني من هذه الحالة التي كانت أشبه بالإكتئاب إلا أصفيائي الذين سردت لهم ما حدث، ولم تكن ردودهم متباينة بشكل كبير فضلاً عن خفة الظل التي تخللتها وكانت كالآتي:(لو قال يعني أيه يسار قوله يعني شمال، وده يتاخد على كلامه أصلاً، هو فعلاً هيكون ي مكانة عظيمة مقارنة بيك أنت مش شايفه بيطبل ازاي، سيبك منه، ده عيل مش سالك، هومسحمل نفسه أزاي) وغيرها من العبارات التي تتهكم عليه وعلى كل من على شاكلته بل أن الدكتور عمرو حمزاوي أشار إليهم جميعاً كالآتي: (وأكيد في جيل جديد من المطبلاتية بيطلع) في مقال نشر له عبرموقع فكر تاني بعنوان (عن جدار الخوف المشروخ...وأمل يناير). 


ختاماً؛ لا أجد أجدر من كلمات أغنية سيد درويش التي هي من كلمات بديع خيري أختم بها حكايتي هذه:( اول شرط نطاطي البصله لسيدنا الوالي ونستعبط له..مهما تسمعوا تهجيص اعملوا روحكم بلاليص..مهما نسمع تهجيص نعمل روحنا بلاليص..بلاليص بلاليص بلاليص بلاليص بلاليص بلاليص..عشان مانعلا ونعلا ونعلا لازم نطاطي نطاطي نطاطي)

تسجيل الايميل

شارك وفكر معانا وابعت تدوينتك